لماذا التمثيل النسبي الكامل؟
بقلم : معتصم حمادة
إذا كانت الضرورة الوطنية تتطلب فتح أبواب المؤسسة أمام حماس و الجهاد لدخول المجلس الوطني الفلسطيني فإن هذا لا يعني إغلاقها أمام قوى أخرى، عبر اعتماد قانون انتخابي إقصائي يقود إلى استبعاد فصائل تضم في صفوفها مناضلين أمضوا أكثر من أربعين عاما في خدمة القضية الوطنية.
لأن الحوار لم يتجاوز نقاط الخلاف، التي من أجلها رفع (مؤقتا) في 19/3/2009، فإن الراعي المصري رأى تمديد فترة الرفع هذه، إلى ما بعد انعقاد قمة الدوحة العربية نهاية شهر آذار (مارس) 2009.
وهكذا فإن المتوقع أن تستأنف لجان الحوار أعمالها ـ إذا لم يطرأ جديد ـ في الأسبوع الأول من نيسان (إبريل) 2009.
من القضايا العالقة والجوهرية والتي تحتاج إلى علاج، قضية قانون الانتخابات:
هل تعتمد الحالة الفلسطينية في انتخاب المجلسين التشريعي والوطني، نظام الدوائر، (قانون 1995) أم النظام المختلط (قانون 2005) أم نظام التمثيل النسبي الكامل.
وفي حال اعتمد نظام التمثيل النسبي الكامل، فما هي نسبة الحسم التي سوف تعتمد؟
بداية لابد من التأكيد أن بحث هذا الأمر فيه تراجع عما تمّ الاتفاق عليه في حوارات سابقة:
ففي مؤتمر الحوار الثالث في القاهرة (آذار/ مارس/2005) جرى الاتفاق، كما ورد في إعلان القاهرة، على ضرورة اعتماد نظام انتخابي جديد وعصري.
وأيا كان المعنى الذي تحمله هذه العبارة (جديد وعصري) فإنها تعني بالضرورة تجاوز قانون 1995 الذي قام على مبدأ الدوائر، وتشكل على أساسه المجلس التشريعي الأول بأغلبيته الفتحاوية المعروفة.
ومراجعة مدققة لتجربة هذا المجلس نلاحظ أنه فشل في أداء مهماته كسلطة تشريعية تراقب أعمال السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، كما فشل في أداء دوره في مراقبة أعمال رئيس السلطة، حتى إنه لم يرسم لنفسه أي دور في هذا المجال، إذ خلت القوانين من المواد الناظمة للعلاقة بين الرئيس من جهة والمجلس التشريعي من جهة أخرى، لذلك اشتكى نواب التشريعي الأول أن رئيس السلطة كان يحتجز في أدراج مكتبه أكواما من القوانين الصادرة عن المجلس التشريعي، وتحتاج، لتكون نافذة المفعول، إلى توقيع رئيس السلطة.
حتى أن بعض النواب فكر آنذاك باللجوء إلى الإضراب عن العمل احتجاجا على استخفاف رئيس السلطة بالمجلس التشريعي.
وتحت أنظار هذا المجلس، وسمعه، استشرى الفساد الإداري والمالي (والسياسي) في صفوف أجهزة السلطة وإداراتها، ورغم أنه شكل لجانا برلمانية للتحقيق في ملفات الفساد (ومنها ملف الإسمنت الذي تقدمه بعض المعامل الفلسطينية العائدة لكبار المسؤولين إلى المستوطنات الإسرائيلية!) ورغم أن هذه اللجان أصدرت تقاريرها التي تؤكد وقوع الفساد، وتدعم خلاصاتها بوقائع واضحة، وردت فيها أسماء وأرقام، إلا أن المجلس بقي عاجزا عن إحالة موظف واحد إلى القضاء، لأن السلطة التنفيذية تصدت له ووفرت حماية للفاسدين.
معضلة هذا المجلس أنه خضع لأغلبية حزبية من لون واحد، وبالتالي قامت العلاقات فيه على مبدأ الصفقات، وصون المصالح الفئوية على حساب مصالح الناس وقضاياهم.
وأخيرا، وليس آخرا، وقف المجلس حجر عثرة في طريق تطوير نظام الانتخابات حين حاول تعطيل توجهات المؤتمر الثالث للحوار الوطني، فأخر، حتى اللحظة الأخيرة صدور قانون انتخابات جديد، ولولا الضغوط التي تعرض لها عدد من النواب النافذين في المجلس، من قبل رئيس السلطة محمود عباس، لانتهت ولاية المجلس الأول ولبقي قانون العام 1995 هو النافذ، ولما صدر قانون العام 2005، الذي قضى بإجراء الانتخابات مناصفة بين الدوائر والتمثيل النسبي.
وعندما التقت القوى الفلسطينية في جولة حوارات رام الله وغزة خلصت في 27/6/2006، إلى ضرورة تعديل قانون العام 2005، واعتماد مبدأ التمثيل النسبي الكامل، بديلا لمبدأ المناصفة بين الدوائر والتمثيل النسبي.
لماذا؟
لأنها أدركت بالتجربة الملموسة أن نظام المناصفة لم يعالج مشكلة المجلس التشريعي.
فإذا كان قانون 1995 قاد إلى «تشريعي» من لون واحد، فاقد للقدرة على المساءلة والمحاسبة واتخاذ المواقف العملية من السلطة التنفيذية، فإن قانون 2005 قاد إلى مجلس تشريعي منقسم على نفسه بين قطبين رئيسين،
بحيث استطاع كلا القطبين تعطيل أعمال المجلس، ومنعه من أداء دوره، إما بالتغيب وتطيير النصاب، وإما بالتصويت ضد مشاريع القوانين في سياسة مناكفة أدت إلى شلل كامل في أعمال المجلس، بحيث يمكن الجزم، أن هذا المجلس التشريعي، ومنذ انتخابه في 25/1/2006، لم يسن قانونا واحدا حتى تاريخ 14/6/2007.
أي حتى تاريخ الانقسام ودخول المجلس في غيبوبة كاملة مازالت مستمرة حتى الآن.
الخطير في الأمر أن الانقسام حصل، والاقتتال اجتاح شوارع قطاع غزة، والمجلس التشريعي، المؤتمن من قبل الشعب على النظام، فقد دوره، وبات في خبر كان.
بل إن نواب حماس في القطاع، وبدلا من أن يتخذوا موقفا لصالح وحدة السلطة وأجهزتها وإداراتها، باعتبارهم هم المخولين من قبل الشعب في صون هذه الأمانة، اندفعوا في خطوة انقسامية إضافية حين أخذوا يعقدون اجتماعات خاصة بهم في غزة، مدعين أنها اجتماعات نظامية للمجلس التشريعي، لم تدع لها كتلة فتح ولا نواب الجهتين الديمقراطية والشعبية وحزب الشعب والطريق الثالث والمبادرة والمستقلين.
إذن في 27/6/2006 جرى الاتفاق على نظام التمثيل النسبي الكامل.
وقد وقع الاتفاق ممثلو الفصائل الفلسطينية كافة، وكذلك ممثل الرئيس عباس، وممثل رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وممثل رئيس المجلس التشريعي عبد العزيز دويك، وممثلو القطاع الخاص، والمؤسسات الأهلية والمستقلين.
يبقى السؤال: هل كانت هذه التواقيع تعبيرا صادقا عن مواقف أصحابها أم أنها كانت مجرد التفاف على واقع، واحتيال على الرأي العام ليس إلا بانتظار حلول فرصة تمكن من التملص من استحقاقات التواقيع هذه؟
إذا كانت هذه التواقيع تعبيرا صادقا عن موقف أصحابها، فإن العودة إلى مناقشة نظام الانتخابات مسألة نافلة ولا ضرورة لها.
وبالتالي وما دام البعض يصر على إعادة النقاش إلى نقطة الصفر، فمعنى ذلك أن التواقيع كانت، من قبل البعض، تحايلا ومناورة ليس إلا.
الرأي العام يقول بضرورة نظام التمثيل النسبي الكامل.
ويقول بضرورة نسبة حسم لا تتجاوز 1.5%.
السبب واضح: لأن الرأي العام يريد أن تشارك الفصائل كافة في المؤسسات التشريعية الفلسطينية.
فإذا كانت الضرورة الوطنية تتطلب اشتراك حماس، والجهاد، وغيرهما، في المجلس الوطني الفلسطيني، فأن الضرورة الوطنية لا تقول باستبعاد فصائل، من المشاركة، تضم في صفوفها مناضلين أمضوا حياتهم كاملة في صفوف النضال لصالح القضية الوطنية الفلسطينية.
لذلك إن المطلوب نظام انتخابي يضمن اشتراك أوسع القوى (بل كل القوى) في المجلس التشريعي وكذلك في المجلس الوطني الفلسطيني.
كي تتحول المؤسسة إلى الإطار الذي تتوحد فيه الأطراف السياسية في الحركة الوطنية الفلسطينية وفي المجتمع الفلسطيني.
أما كل اقتراح آخر، كالعودة إلى قانون 1995، أو 2005، أو اعتماد نسبة حسم تصل إلى 8%، فليس إلا دعوة جديدة لانقسام جديد، لكنه يتم هذه المرة تحت سقف قانون..
هو في حقيقته انقسامي وهذا ما يجب مقاومته بقوة الإرادة الوطنية والإرادة الشعبية.
المصدر
- مقال:لماذا التمثيل النسبي الكامل؟المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات