لا تهدر عمرك يا ولدي..
من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
أ. د. جابر قميحة

هذا الطالب العجيب الذي أراه أغلب أيام الأسبوع مسترخيًا على كرسي وثير في مقصف إحدى الكليات.. تمضي ساعاته ولا أرى في يده صفحة أو صحيفة أو كتابًا..
- سألته: ماذا تفعل هنا طوال هذه الساعات؟
- - لا شيء.
- - ماذا تعني بـ(لا شيء) هذه؟
- - (بضيع وقت).. مجرد تضييع وقت..
- - وهل وقتك هيِّنٌ رخيصٌ لهذه الدرجة؟
- - سكت!! ووجدتُني أُلقي على سمعه عددًا من الحكم المأثورة، منها:
- - الوقت من ذهب.. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك..
- دقات قلب المرء قائلةٌ له إن الحياة دقائق وثوان..
- وتركت الطالب الذي بدا عليه الارتياح والاقتناع بمنطقي ومنطق الحكم المأثورة، ولكني في الواقع نسيت أن أذكِّره بحكمة هي أبلغ من كل ما ذكرته آنفًا، وهي مقولة الإمام علي- كرم الله وجهه-: "فيا حسرةً على ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، وأن تسلمه أيامه إلى شقوة، فأيام العمر تمضي ولا تتوقف، والغافل هو الذي يهدر أيامه دون أن يملأها بالعمل الصالح النافع له في الدنيا والآخرة، فلا عجبَ أن تكون أيامه (مراحل) تنتقل به من شقاء إلى شقاء أمرّ وأقسى وأعتى، ولا عجب أن يُحاسَب يوم القيامة عن عمره هذا فيم أفناه".
- وعليك يا عزيزي الطالب المسترخي أن تتذكر أن كل شيء في الحياة يمكن أن يستعاد أو (يعوض) إلا الوقت، وكل يوم يمر من عمرك يعني (قطعة) تُقتطع من هذا العمر ولا تعود.
- وأذكر في هذا المقام قصة قرأتها في طفولتي، خلاصتها أن (رحَّالةً) زار بلدةً من بلاد آسيا، فأخذ يتجوَّل بين معالمها إلى أن وصل إلى مقابر البلدة؛ حيث شاهد آلافًا من القبور، وعلى كل قبر (لوحة) تحمل بيانات (الميت الدفين): الاسم، ومحل الميلاد، ويوم الوفاة، ولكنَّ الذي شدَّ نظره حقًا أنه اكتشف أن أعلى سنٍّ عاشها سكان المقابر لا تتجاوز الثلاثين عامًا.. وقال في نفسه: قد يكون هناك في مكان آخر من البلدة مقابر مخصصة للكهول والشيوخ، ولكنَّ حارس المقابر أخبره أنه لا مقابر في البلدة إلا هذه المقابر، وأن كل ما سُجِّل على اللوحات صحيح.
- - ولكن.. هل مات الجميع في سن الطفولة أو الشباب؟
- - لا.. بل منهم من مات في سن المائة أو أكثر.
- - ولكن اللوحات مسجَّلٌ عليها فلان توفي يوم كذا وعاش سنتين، وهذا عاش عشرين.. وهكذا.. ولم أجد من عاش أكثر من ثلاثين عامًا.. فكيف يتفق هذا مع ما تقول؟!
- - أجاب الحارس: لأن قانوننا هنا لا يحسب للمواطن إلا أيامه (العاملة) أي السنين التي شغَلها بما يفيده ويفيد أسرتَه، وينفع وطنه.. أما الأيام (الهالكة) فالقانون لا يحسبها في صفحة العمر.
- وأشكر الطالب الذي ذكَّرني- من حيث لا يَقصد بل من حيث لا يدري- بهذه القصة التي قرأتها من نصف قرن.
- تُرى يا (عزيزي الطالب المسترخي) لو أخذنا أنفسَنا بهذا القانون ما الذي يمكن أن يكتبوه على قبورنا؟!
المصدر
- مقال:لا تهدر عمرك يا ولدي..إخوان أون لاين