لا تتـركـوا أحـداً منـا
بقلم : نبيه عواضة
بعثروا كتبي المدرسية.
رمت طائرة قطعة معدنية فوق دارنا وحطمت دميتي.
جعلتها اشلاء.
فعلت بها ما فعلته تماما بأختي الصغيرة.
أين حذائي؟
أين فستاني الجديد؟
ارفعوا الركام عن حقيبتي شيئاً فشيئاً، كي لا تتمزق ثيابي الجديدة. العيد سيأتي قريبا.
وقد وعدني أخي بان يأخذني معه لتناول الطعام في مدينة غزة، فعندنا لا توجد مطاعم كبيرة. بالكاد تتسع ازقة المخيم الضيقة لصراخ الاطفال ولهوهم، او لعدد من الرجال المسنين.
فمنذ ان تفتحت عيناي على الحياة وانا أراهم، يتناقصون ويتزايدون باستمرار. سألت احدهم مرة: ماذا تفعل كل يوم هنا؟ فقال: انتظر العودة يا ابنتي.
ألم يخبرك ابوك ان لكم بيتا غير بيتكم هذا؟
فقلت له بلى اخبرني. لكن قل لي كيف نعود؟
هل ستقلنا حافلات كبيرة كتلك التي اقلت اخي من المعتقل؟
ام انه توجد طائرات يصعد اليها الناس غير تلك الطائرات التي تخيفني وتقتل الاطفال؟
قبل ان ترفعوا عني الركام، اعثروا لي على اخوتي. ابحثوا عن امي اولا.
في الليلة الماضية قالت لي ان المحنة التي نحن فيها ستمضي سريعا.
وسيعود التيار الكهربائي وسنتمكن حينها من مشاهدة الرسوم المتحركة.
رأيت الفرحة على وجه اختي الكبيرة. ستتابع مسلسلها المفضل.
وستهدي اغنية لحبيبها على احد البرامج.
سمعتها مرة تقول له استمع الى الاغنية الاولى في ذلك البرنامج فهي مهداة لك.
ليس لدينا هاتف خلوي. اعثروا لي على امي اولا.
فمن سيعد لي الطعام ومن ذا الذي سيحضر لي ثياب المدرسة كل صباح؟
ومن سيكون في انتظاري عند عودتي منها؟
اختي ها هي غافية قربي.
هي معتادة على النوم بجانبي.
لا تحدثوا ضجيجا كي لا تفيق.
فتشوا عن البقية بهدوء.
اخي الصغير هناك.
انه طفل رضيع.
ستجدونه بالقرب من امي.
قبل أن ترفعوا الركام عني اعثروا لي بسرعة على ابي.
انه يعاني صعوبة في التنفس. ازيحوا عنه كومة الحجارة تلك، ربما يحتاج الى القليل من الهواء في موته.
ابحثوا عن خزانة بنية اللون.
هي اصلا الخزانة الوحيدة التي نملكها.
فإن وجدتموها فسوف تجدون بداخلها حقيبة متوسطة الحجم.
كان والدي يحافظ عليها محافظته علينا.
بداخلها اوراقنا الثبوتية وصور قديمة لجدي وجدتي وابي في قرية المجدل، حتى ان مفتاح المنزل القديم بداخلها.
انها غالية على ابي فلا تضيعوها وسط فوضى الانقاذ.
اجمعوا اشلاءنا جميعاً.
لا تتركوا نقطة دم لواحد منا على حجر أو على تراب.
نريد ان نبقى معا عائلة واحدة.
لا نريد غربة بعد الهجرة.
ربما يكون هذا التهجير الاخير لنا، وان كان من الحياة الى الموت.
قالوا لي لا توجد مخيمات في الجنة.
في الجنة انهار جميلة.
اعثروا لي على ثوبي الملون.
لن أغادر البيت بثياب كهذه.
حلوة أنا.
ألبسوني ثياباً تليق برحيلي الاخير من المخيم.
أنا لم اعد لاجئة.
المصدر
- مقال:لا تتـركـوا أحـداً منـاالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات