كشكول الثورة وجيل المؤرخين الجدد: أصبح عندى الآن حكاية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
كشكول الثورة وجيل المؤرخين الجدد: أصبح عندى الآن حكاية

الاربعاء 9 مارس 2011

بقلم :دعاء الشامى

حكايا شباب الثورة

الثورة المصريه اصبحت تدرس

قبل يومين من بداية تظاهرة 25 يناير جلس حمزة أشرف مع أصدقائه على المقهى القريب من ميدان التحرير، يناقشون توقعاتهم عن اليوم الذى قرروا المشاركة فيه برغم عدم انتمائهم لأى تيارات سياسية، بقليل من الحماس نطق الشاب للمرة الأولى منذ بداية الحديث وأدخنة الشيشة تتصاعد من حوله: «أنا أصلا كرهت البلد دى وأهم حاجة أننى لست متزوجا، بدل ما أعذب أطفالى فيها»، جملة حمزة كانت تدور فى عقول الكثير من الشباب المصرى قبل 25 يناير.

«أنا سعيد جدا أننى شاركت فى الثورة، أخيرا سأجد ما أحكيه لأبنائى، أنا عايز أتجوز فورا»، قالها حمزة الذى رابط فى الميدان عشرة أيام كاملة فور سماعه بيان تنحى الرئيس السابق محمد حسني مبارك وهو يهلل ويجرى ويحمل صديقه عاليا..

لم يكن وحده من لاحظ أنه يمتلك شيئا للحكى، فهناء التى قررت المشاركة فى الاعتصام منذ بدايته كانت تترك ابنتها عند أمها وتبيت فى الميدان ليالى كثيرة، تساعد فى التفتيش وتشترى طعاما للمتظاهرين وتعود لمنزلها كل بضعة أيام حاملة لابنتها علم مصر وبضع حكايات تسردها لها قبل النوم عوضا عن حكاية السندريلا والشاطر حسن التى تعودت الفتاة على سماعها من والدتها.

تحكى هناء التى شاهدت خيرة شباب مصر يسقطون شهداء برصاص القناصة أمام وزارة الداخلية عن طبيعة حواديتها لفتاتها التى لم تتجاوز الخامسة، قائلة: «حكيت لها عن معنى كلمة شهيد، وحدثتها عن الفتى المبتسم الذى ضحى بحياته فداء لوطنه ولم يجده أهله حتى اليوم، وعن الطبيبة التى انشغلت بإسعاف المصابين فنسيت الطعام حتى فقدت وعيها بنهاية اليوم وعن هذا الرئيس الذى يفعل أشياء سيئة ضد شعبه»...

تنتهى الحدوتة التى تحكيها الأم بصوت هادئ قبل النوم فلا تستسلم الفتاة للنعاس قبل أن تستفسر عن معانى كلمات كثيرة، ثم تقول لأمها: «حسني مبارك نوتى» وكلمة «نوتى» عند الأطفال تعنى «سيئ أو مشاغب».

تبدأ الفتاة فى النوم وتبتسم الأم التى تعرف أن حكايتها لابنتها ليست مجرد «حدوتة» ولكنها «حكاية وطن» على حد وصفها، وأفضل ما فيها أنها حقيقة رأتها بعينيها، لم تختلقها لتشغل الفتاة بالحكى حتى تغط فى ثبات عميق، ولم تقرأها فى الكتب، أما الطفلة التى لم تتعد الخامسة من عمرها فلقد أصبحت ثورية صغيرة تصف الرئيس السابق بالـ«نوتى» وسالى زهران بـ«الـشهيدة الحلوة»..

«موقعة الجمل» كما أطلق عليها المتظاهرون فى ميدان التحرير كانت من أخطر اللحظات التى مر بها ثوار الميدان، على حد قول أحمد حسين الذى لم يكتف بالمشاركة فيها بل قرر أن يسطرها فى «كشكول الثورة» كما أطلق عليه، بعد أن طلب من صديقه القادم إلى الميدان إحضار كشكول سلك ليدون فيه أحداث 25 يناير.

كان أحمد أحد الواقفين عند بوابة المتحف المصرى عندما بدأ «غزو البلطجية»، على حد وصفه، فأمضى يومه يصد الهجمات ويحمل المصابين لأقرب مستشفى ميدانى، وفور انتهاء النهار ومغادرته نوبة حراسته أمسك قلما بيد وعلبة كشرى بيده الأخرى وبدأ فى الكتابة:

«هذا المشهد لا يمكن أن يغيب عن عقلى، لقد كانت ساحة حرب حقيقية، خضناها بسلاح الحق والعزيمة وهزمنا فيها بلطجية وأحصنة وجمال النظام الفاسد»، بهذه الجملة بدأ أحمد سطور الحكاية التى اختار لها أن تكون بداية مذكراته عما حدث فى التحرير.

أحمد لم يتزوج بعد وليس لديه أطفال ليحكى لهم، ولكنه يريد أن يؤرخ للثورة التى يراها أعظم ما قدم جيله لمصر بعد كل ما لاقاه هذا الجيل من اتهامات وتهميش:

«سأكتب كل ما رأيت حتى نسطر تاريخنا بأيدينا، لنمحو كل ما رمونا به طوال السنوات الماضية ولنقدم لمصر نصرا حقيقيا وليس مجرد كلام فى الهواء كما فعلت الأجيال السابقة»، هكذا قال الشاب الذى حضر إلى ميدان التحرير لأول مرة يوم الجمعة 28 يناير، ولم يغادر إلا بعد بيان التنحى.


الدرع فى الخزانة

برغم أنها لم تتعد العشرين من عمرها بعد، رفضت سمية التى تشارك فى الثورة منذ اندلاعها كل نداءات والدتها بضرورة العودة للمنزل قبل حظر التجوال، معتبرة أن دورها فى الميدان هو نوع من الجهاد الذى انتظرته طويلا:

«طوال الوقت تتحدثين عن قصة جدتك التى دخلت مسجد الحسين وداست عليها الأحصنة، دعينى أشارك فى الثورة لتكون لدى حكاية أرويها لأبنائى»، هكذا حاولت سمية إقناع أمها وأغلقت هاتفها الخلوى فى رسالة واضحة لوالدتها التى كانت ترفض مبيت ابنتها الملتزمة دينيا فى الميدان، لتجد نفسها أمام أمر واقع وحقيقة لابد أن تسلم بها، تبقى الفتاة فى الميدان عدة ليال متتالية لتعود مرة أو مرتين أسبوعيا تغير ملابسها وتجلس أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بها و تكتب تفاصيل ما حدث، ثم تعاود الذهاب للميدان.

فى الوقت الذى اختار فيه البعض الكتابة لحفظ التاريخ كان لبعض الثوار طريقتهم الخاصة فى التأريخ للحظاتهم المهمة فى الميدان، فعبدالرحمن الذى شارك فى الثورة منذ بدايتها كان يومه الأقسى هو يوم الجمعة 28 يناير حين استشرست قوات الأمن المركزى فى محاولة قمع المتظاهرين..

يومها ذهب من حى الدقى إلى ميدان التحرير وهناك حدثت المطاردات التى دفعته للفرار إلى الزمالك وبعدها للميدان من جديد لينهى اليوم منهكا من الجرى ولكنه فرح بالحصول على درع واق للرصاص كان يرتديه أحد جنود الأمن المركزى الذى تخلى عن ملابسه الملكية كلها وتركها هاربا أمام قوة المتظاهرين...

عبدالرحمن وجدها فرصة ذهبية للحصول على «تذكار» على حد قوله وهو يحتفظ بالدرع الذى ساعده كثيرا فجر يوم 2 فبراير فى معركة الكر والفر تحت رصاص الشرطة والقناصة أمام وزارة الداخلية.

«يستقر الدرع الآن فى دولاب ملابسى انتظارا لأى ثورات قادمة»، قالها الفتى مبتسما فرحا بالغنيمة التى يعتقد أنها أغلى ما حصل عليه طوال حياته لأنها تمثل دليلا على انتمائه للثوار.

لم تقتصر «تذكارات» المشاركين فى الثورة على الدروع فقط، بل حصل العديد منهم ومنذ اليوم الأول على العبوات الفارغة للغازات المسيلة للدموع التى انهمرت عليهم.

واتضح مما دون عليها أنها منتهية الصلاحية ومستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أغلى ما احتفظ به محمود فخرى هو خمس رصاصات أطلقت على المتظاهرين من قبل الشرطة ويقول عنها:

«خمس عبوات فارغة لرصاص حى وخرطوشتان هى كنزى الذى سأورثه لأبنائى من بعدى ليعيشوا مرفوعى الرأس لأن والدهم شارك فى الثورة»، مؤكدا أنه سعيد للغاية أنه شارك فى ثورة الشباب كما أنه أقنع والده الذى شارك فى حرب أكتوبر73 بالحضور واقتنع الأب أن الثورة فاقت حرب أكتوبر فى التأثير لأنها جاءت للتخلص من عدو داخلى يصعب السيطرة عليه حسب ما قال عم فخرى معتبرا ابنه بطل حرب وليس مجرد شاب شارك فى مظاهرة.


الملابس فى الصندوق

تنوعت الطرق والحكاية واحدة ربما تكون هذه الحكمة التى نستخلصها من شباب الثورة، فمريم وزوجها اللذان شاركا فى يوم 25 يناير وبقيا طوال الأيام للبيات فى الميدان وتبادل التعليقات حول ما حدث ويحدث قرر كل منهما التأريخ للثورة على طريقته الخاصة، فالزوج قرر كتابة يومياته على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به لتكون دليلا على ما حدث.

فكان لا ينام ـ داخل خيمته بالميدان ـ إلا بعد الانتهاء من سطرها لتصير جزءا من مذكراته التى يعتبرها ضرورية تماما ولا تقل أهمية عن مذكرات الرؤساء، أما الزوجة فرأت أن تؤرخ لما حدث عبر الاحتفاظ بكل الأشياء التى شاركتها الثورة؛

بداية من حذائها الرياضى الذى ساعدها كثيرا فى الجرى والهرب من عبوات الغاز، وحتى سروالها الذى تحمل معها أياما من النضال، وقميصها الملون الذى طالته دماء الجرحى وقررت ألا تنظفه «ليبقى دليلا على مجازر النظام السابق»...

وأضافت مريم:

«عندما سمعت بيان التنحى، الذى جاء متأخرا ليلة كاملة، وفى أول فرصة للخروج من الميدان اشتريت صندوقا خشبيا كبيرا وجمعت فيه ملابس الثورة ووضعتها فيه وكتبت عليها عدد الأيام التى ارتديت فيها كل قطعة منها، ووضعت معها ورقة بها أهم الأحداث التى جرت يومها»، طريقة مريم قد تبدو غريبة للبعض ولكنها ترى أن تلك الأشياء أهم من هدايا الأصدقاء وكروت المعايدة التى نهتم بالاحتفاظ بها، فهى هدايا الكرامة واستعادة الحرية.

عبدالعزيز لم يشارك فى الثورة لأنه الولد الوحيد فى محيط أسرته ولكنه كان من شباب اللجان الشعبية التى انتشرت فى مصر لحماية البيوت والشوارع من البلطجية، كان الشاب مولعا بمتابعة الأخبار منذ استيقاظه من النوم وحتى موعد دوريته باللجنة الشعبية التى يتم تحديد مواعيدها بالتبادل مع الجيران.

يقول عبدالعزيز الذى اختار طريقة للتوثيق قريبة من طبيعة دراسته كطالب للصحافة والإعلام:

«الصحف هى كتاب تاريخ الثورة، لذا احتفظ بها منذ اليوم الأول وبدون إغفال أى جريدة، كنا عادة نشترى الصحف لقراءتها ثم نستخدمها فى الطعام بعد ذلك، ولكن منذ بداية الثورة وحتى الآن كلها عندى بترتيب أيامها دون نقصان حتى تلك التى لم أكن أشتريها من قبل».

لم يقف عبدالعزيز عند مجرد شراء الصحف والاحتفاظ بها فقط، بل قرر أن يكتب ملاحظاته على ما نشر عبر رصد الاختلافات الواردة فى الصحف المختلفة، لافتا الانتباه لكل التغيرات التى طرأت على المؤسسات القومية فى معالجة التفاصيل معتبرا التغير فى توجهها شيئا مضحكا سيذكره التاريخ.

وإلى جانب الصحف التى يجمعها سطر عبدالعزيز حكايات اللجان الشعبية فى منطقته ودورها فى حفظ الأمن، معتبرا أنه لا يقل أهمية عما حدث فى الميدان.

على موقع Facebook الذى بدأت منه شرارة الثورة المصرية وقبل تنحى حسني مبارك بثلاثة أيام، كتبت لبنى عفيفى التى شاركت فى أحداث الثورة تدوينة مفادها أنها اشترت لابنتها شقة بمشروع «مدينتى» وكانت تنوى استلامها مع بداية 2011، ومع بداية العام ذاته ودعت ابنتها ونزلت ميدان التحرير للمشاركة فى التغيير:

«فى إحدى المظاهرات سمعت من يهتفون معى ضد الفساد ويشيرون لما تم فى مشروع مدينتى وتذكرت هدية ابنتى وفكرت أن من أوائل ما قد ينتج عن هذه الثورة ضياع تلك الهدية ولاحظت قرب موعد استلامها فقلت لنفسى: «فداء للثورة».

وتنهى لبنى تدوينتها قائلة:

«حين أفكر اليوم ومع نجاح الثورة الوشيك أجد الصفقة رابحة والهدية لا تقدر بثمن، اللهم لك الحمد فمنذ سنوات اشتريت لابنتى مجرد شقة كى أهديها لها اليوم وفى موعد الاستلام، إذا بى أهديها وطنا!».

موقعة الجمل، شارع الداخلية، مدخل طلعت حرب، كوبرى قصر النيل، شارع قصر العينى، لم تعد مجرد أماكن يمر عليها الداخل إلى ميدان التحرير بل صارت مناطق تاريخية وذكريات أمكنة فرضت نفسها على كتب التاريخ لطلاب مصر القادمين.


المصدر