قراءة مختلفة للمشروع الاستيطاني في فلسطين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
قراءة مختلفة للمشروع الاستيطاني في فلسطين

2011-01-10

بقلم : ضياء أيوب

إن طبيعة وبنية ومسار الاستيطان الصهيوني تظهر أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ليس فريداً من نوعه ومتميزاً بذاته، مهما كانت الانطباعات التي تجترحها وسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء، انطلاقاً من رؤيتين متناقضتين تقوم الأولى على الاعتذارية ـــ بالوكالة ـــ والتبرير لخصوصية الاستيطان الصهيوني، والثانية على محاولة إبراز صعوبة الصراع وشذوذ العدو عن التكوين الطبيعي لأي دولة أو مجتمع انطلاقاً من خصوصيته. وإن أفضل طريقة لفهم الصراع الدائر على أرض فلسطين الانتدابية هي في إطار إدراك وفهم سياق الاستعمار الاستيطاني الأوروبي خارج القارة الأوروبية.

شأن كثير من المجتمعات الأوروبية خارج أوروبا، فإن المشروع الصهيوني في فلسطين الانتدابية هو مجتمع استيطاني بامتياز، ولدى النظر برؤية تفصيلية متفحصة إلى نشوء وتطور المنظومات والمشاريع الاستيطانية الأخرى، كنظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، والاستيطان الأوروبي في الأميركيتين ...الخ. يمكننا تحديد اثنتين من الأساطير التي نتداولها كفلسطينيين وعرب ــ من حيث ندري أو لا ندري ـــ قبل غيرنا من الأوروبيين والإسرائيليين، والتي يرتكز عليها المشروع الاستيطاني، أولهما، إن الصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني هو حالة فريدة في العلاقات الدولية، تستعصي على المقاربات التي تفسر مختلف أشكال نموذج الصراع وحالاته. وثانيهما أن مرتكزات الصراع الأساسية هي القومية. وبالتالي فهو صراع مختلف عن صراعات وحروب التحرر الوطني التقليدية الناجمة عن الاستعمار.

إن هاتين النقطتين سرعان ما تتبخران لدى العودة إلى الوراء قليلاً أو كثيراً ومقارنة أو مقاربة المشروع الاستيطاني الصهيوني بمثيلاته الأوروبية في الشرق وأفريقيا وأميركا وأستراليا ونيوزيلندا. وإن الأحوال الراهنة في أرض فلسطين الانتدابية آلت إلى ما هي عليه اليوم بحكم أوضاع كولونيالية، ونظام استعماري استيطاني قائم على علاقات مؤسسية وشخصية.

إن (الكولونيالية) باعتبارها إقامة المستوطنات على أرض شعب آخر وإنزال المستوطنين بها في ظل إعادة إنتاج المجتمع بطريقة ناجحة للسيطرة السياسية، العسكرية، والاقتصادية على الإقليم المستعمر من جهة، و(الدولة الاستيطانية) باعتبارها قائمة على أساس اقتلاع السكان الأصليين بعد «صهر متعدد الثقافات» من جهة أخرى تتطابق بما لا يدع مجالاً للشك مع تجربة المشروع الصهيوني في فلسطين.

وكثيراً ما قدمت المساهمات البحثية، الصهيونية الاستيطانية باعتبارها مشروعاً كولونيالياً، لكنه ذو طبيعة فريدة، لكننا لن نستطيع تحديد تأريخ كولونيالي واحد عبر التاريخ لا يشدد على فرادته بعناد.

إن مجرد الخوض بمنهج مقارن يتناول بالتحليل عملية الاستيطان الأوروبي في الأمريكيتين وأفريقيا وأستراليا ونيوزيلاند يمس في حد ذاته بأحد المحرمات لدى المجتمع الإسرائيلي وصناعة تاريخه. لتحديد العلاقة بين «الأمة المستوطنة» والأمة الأصلية.

والحقيقة أن أحداً في الجانب الفلسطيني لم يبادر حتى يومنا لاستكشاف أو رصد وتأصيل المسار الذي أى إلى تصوير السياق الكولونيالي التقليدي للصراع باعتباره صراعاً لا حل له بين قوميتين متنافرتين تسيران كخطين متوازيين دون أمل بالتقاء. وحتى إذا ما ذكر البعد الكولونيالي الراهن للصراع، فإنه نادراً ما تتم متابعته أو تأصيله بحثياً. والأمر ذاته يمكن أن يقال فيما يتعلق بالمنهج المقارن، فكثيراً ما تتم مقاربته، ولكنه نادراً ما يكون موضوعاً لأبحاث أكثر تعمقاً.

إن الفصل بين المستوطنين والسكان الأصليين، وتقييد حركتهم ـــ الطرفين على حد سواء ـــ، اعتماد التصنيف العنصري، والسرديات الخطابية حول المقاومة ـــ الإرهاب ـــ وقمعها هي نقاط يشترك فيها المشروع الاستيطاني الصهيوني مع مختلف المشاريع الاستيطانية الأوروبية، وزيادة على ذلك فإن السيطرة الاستيطانية على فلسطين أبرزت ذخيرة مشتركة من الموضوعات والمجازات واللازمات كأساس مشترك مع باقي المشاريع، كتصوير السكان الأصليين على أنهم حالة رومانتيكية نمطية غير عقلانية وعنفية بشكل خاص وغير مبرر.

ورغم الأساطير المتوازية والمتواترة حول استيطان أرض خالية من السكان، فقد أثيرت مسألة السكان الأصليين باستمرار متمثلة بنوازع وتعبيرات يعتريها القلق، ما يتناقض جذرياً مع مقولة الفضاء الاستيطاني غير المأهول. وبينما يعتبر ذلك توجهاً مشتركاً لدى معظم المجتمعات الاستيطانية، أدت حدة وكثافة التجمعات السكانية في فلسطين ومحيطها كما في جنوب أفريقيا ـــ على وجه التخصيص ـــ إلى تشكيل وجدان استيطاني مهووس بالحاجة إلى التلاعب بالأوضاع السكانية لأجل ضمان توازن سكاني مواتٍ لجهود الاستيطان.

ومن نافل القول إن الفكرة الصهيونية ليست جزءاً من العقيدة الصهيونية، بل هي التجلي الإمبريالي للعلمانية الشاملة، فالصهيونية تنزع القداسة، عن كل شيء، وتلغي أي تاريخ لفلسطين وشعبها خارج سياق التاريخ اليهودي، كما تختزل خصوصيات وثقافات الجماعات اليهودية في العالم من أجل اختلاق القومية اليهودية. والحقيقة أنه ليس هناك قومية أو أمة يهودية، بل هناك جماعات يهودية متعددة تنتمي بشكل أصيل وحقيقي إلى مجتمعاتها التي عاشت فيها مئاتٍ وآلاف السنين. وافتراض الانفصال أو التمايز بينها وبين مجتمعاتها، انتظاراً للهجرة أو العودة إلى أرض الميعاد، أسطورة كبرى يدحضها مخزون تاريخي وثقافي يؤكد انتماء هذه الجماعات لمجتمعاتها وأوطانها وثقافتها. بل كان التمايز قائماً ـــ لا يزال ـــ فعلاً بين المستوطنين اليهود القادمين من بلاد مختلفة.

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات