قالب:القضية رقم 568 لسنة 3 القضائية
جلسة 30 من يونيه سنة 1952
(أ) أحكام عرفية. نظام استثنائي. ليس مطلقاً. خضوعه للقانون. وجوب تمشيه مع القانون والدستور. خضوعه لمبدأ سيادة القانون ورقابة القضاء.
(ب) أحكام عرفية. مرسوم إعلانها. من أعمال السيادة. التدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي. ليست كذلك. خضوعها لرقابة القضاء بالطريقين المباشر وغير المباشر. مراعاة ترك حرية واسعة للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية. اختلافها عن السلطة التقديرية في الظروف العادية.
(جـ) دستورية القوانين. حق المحاكم في التصدي لها. معنى القوانين هنا. شمولها القرار الإداري التنظيمي. تعارض القوانين. التعويل على الأعلى ، عدم الحكم بالإلغاء. لأن المحكمة لا تملكه ، تملك فقط الامتناع عن تطبيق القانون.
(د) مرسوم بقانون ، يعتبر قرارا إداريا من ناحية مصدره. خضوعه لرقابة المحكمة كسائر القرارات الإدارية التنظيمية والفردية. تملك الحكم بإلغائه.
(هـ) رقابة برلمانية. على المراسيم بقوانين. التفرقة بينها وبين الرقابة القضائية. مجال كل.
(و) دعوى. عدم سماعها. عن تصرفات السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية على نحو مطلق. مخالفته للدستور.
(ز) دستور. إضافة لقانون الأحكام العرفية تعطل أحكامه. لا تكون إلا بقانون. لا يصلح فيها مرسوم بقانون.
(ح) جمعية. تكوينها. حق أصيل لكل المصريين. أقره الدستور.
(ط) قرار إداري التدابير التي يتخذها القائم على إجراء الأحكام العرفية. تعد كذلك. خضوعها لرقابة القضاء بالطريقين المباشر وغير المباشر. مراعاة ترك حرية واسعة له.
(ى) اجتماع. منعه أو حله وفضه بالقوة ، . يملكه القائم على إجراء الأحكام العرفية.
(ك) اجتماع. تعريفه. سلطة الحاكم العسكري في حل جمعية. لا تشمل القضاء على شخصيتها المعنوية وإعدام حياتها القانونية وتصفية أموالها.
1- إن نظام الأحكام العرفية في مصر وإن كان نظاما استثنائيا إلا أنه ليس بالنظام المطلق بل هو نظام خاضع للقانون وضع الدستور أساسه وبين القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه فوجب أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الأصول والأحكام وفي نطاق هذه الحدود والضوابط وإلا كان ما يتخذ من التدابير والإجراءات مجاوزا لهذه الحدود أو منحرفا عنها عملا مخالفا للقانون تنبسط عليه رقابة هذه المحكمة -وكل نظام للحكم أرسى الدستور أساسه ووضع القانون قواعده هو نظام يخضع بطبيعته مهما يكن نظاما استثنائيا لمبدأ سيادة القانون ومن ثم لرقابة القضاء إذ مهما كان المصدر التاريخي الذي استقى منه المشرع هذا النظام فليس من شك في أن الاختصاصات المخولة للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية مصدرها الرسمي هو القانون الذي تولى تحديد نطاقها فلا يجوز بحال أن تخرج عن حدود هذا النطاق -وإذا كانت اختصاصات القائم على إجراء الأحكام العرفية في مصر بالغة السعة على غرار ما سبق من نظام عرفي ، فإن ذلك أدعى إلى أن تنبسط عليها الرقابة القضائية ، حتى لا يتحول نظام ، هو في حقيقته ومرماه نظام دستوري يقيده القانون إلى نظام مطلق ، لا عاصم منه وليست له حدود ، إذ رقابة القضاء هي دون غيرها الرقابة الفعالة التي تكفل للناس حقوقهم الطبيعية وحرياتهم العامة وعندئذ يبقى النظام في حدود الدستورية المشروعة يؤكد لك ما درجت عليه الحكومات من سن قانون التضمينات عند رفع الأحكام العرفية لدفع المسئولية من جراء التدابير التي اتخذت تنفيذا لهذه الأحكام. وفي سن هذا القانون وإقرار واضع لمبدأ المسئولية الذي لم يسن القانون إلا لدفعه.
2- إذا كان مرسوم إعلان الأحكام العرفية هو دون نزاع من أعمال السيادة إلا أن التدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي سواء أكانت تدابير فردية أو تنظيمية ليست إلا قرارات إدارية يجب أن تتخذ في حدود القانون ويتعين أن تخضع لرقابة القضاء بالطريق المباشر وغير المباشر. مع مراعاة ما ينبغي أن يترك للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية -وهي تواجه ظروفا استثنائية تعمل فيها على إقرار الأمن وتحافظ على سلامة البلاد- من حرية واسعة في تقدير ما يجب اتخذاه من التدابير والإجراءات بمقتضى سلطة تقديرية تختلف في مداها ، لا في وجوب بسط الرقابة عليها ، عن السلطة التقديرية التي تتمتع بها الحكومة في الظروف العادية المألوفة.
3- جرى قضاء هذه المحكمة على أنه ليس في القانون المصري ما يمنع المحاكم المصرية من التصدي لبحث دستورية القوانين من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع على السواء ، يؤكد صحة هذا القضاء ، ما انعقد عليه الإجماع من أن الدولة إذا كان لها دستور مكتوب ، وجب عليها التزامه في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات إدارية. وتعين اعتبار الدستور ، فيما يشتمل عليه من نصوص ، وفيما ينطوي عليه من مبادئ ، هو القانون الأعلى الذي يسمو على جميع القوانين. والدولة في ذلك إنما تلتزمه أصلا من أصول الحم الديمقراطي ، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور وأنه من الأصول الدستورية أن يطبق القضاء القانون فيما يعرض له من الأقضية والقانون هنا هو كل قاعدة عامة مجردة أيا كان مصدرها ، سواء أكان هذا المصدر نصا دستوريا أو تشريعيا يقرره البرلمان ، أو قرار إداريا تنظيميا ، وسواء أكان القرار الإداري التنظيمي مرسوما أو قرارا من مجلس الوزراء أو قرارا وزاريا أو أي قرار وزاري آخر -يطبق القضاء كل هذه التشريعات على اختلاف ما بينها في المصدر وعلى تفاوت ما بنيها في المرتبة ، وأنه إذا تعذر على القضاء تطبيق هذه التشريعات جميعا لما قد يوجد بينها من تعارض وجب عليه أن يطبق القانون الأعلى في المرتبة وأن يستبعد من دائرة التطبيق القانون الأدنى إذا تعارض مع القانون الأعلى. فإذا تعارض قرار وزاري مع قرار من مجلس الوزراء ، وجب تطبيق قرار مجلس الوزراء دون القرار الوزاري ، وإذا تعارض مرسوم مع قانون وجب تطبيق القانون دون المرسوم ، وإذا تعارض قانون مع الدستور ، وجب تطبيق الدستور دون القانون. وأن تطبق الدستور دون القانون عند التعارض ليس معناه الحكم بإلغاء القانون ، فهذا ما لا تملكه المحكمة إلا بنص صريح في الدستور. ولا تستطيع المحكمة من جهة أخرى أن تطبق القانون عند تعارضه مع الدستور فهذا ما لا تملكه إلا برخصة دستورية صريحة ، وكل ما تملكه المحكمة عند سكوت الدستور هو أن تمتنع عن تطبيق القانون غير الدستوري في القضية المعروضة عليها ، وقضاؤها في هذا مقصور على هذه القضية بالذات. دون أن تتقيد محكمة أخرى بهذا القضاء. بل دون أن تتقيد هي نفسها به في قضية أخرى تنظرها بعد ذلك ، وهذا النظر هو المستفاد من مبدأ فصل السلطات ، مفهوما على وجهه الصحيح ، فالسلطتان التشريعية والقضائية كل منهما مستقلة عن الأخرى ، وكلتاهما تخضع للدستور ، فلا يجوز للسلطة القضائية أن تحكم بإلغاء قانون باطل في دعوى أصلية ترفع أمامها وإلا بسطت سيطرتها على السلطة التشريعية ، ولا يجوز للسلطة التشريعية أن تفرض على السلطة القضائية تطبيق تشريع يتعارض مع النصوص والمبادئ الدستورية ، فترغمها بذلك على مخالفة الدستور ، ومن ثم تفقد السلطة القضائية استقلالها وينقلب خضوعها للدستور خضوعا للسلطة التشريعية وهذا وذاك يتعارضان بداهة مع مبدأ فصل السلطات.
4- إن المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 صدر من السلطة التنفيذية بمقتضى المادة 41 من الدستور - ولا شك في أن هذا المرسوم يعتبر من ناحية مصدره وهي الناحية التي يعتد بها وحدها في تحديد مدى رقابة القضاء ، قرارا إداريا يخضع لرقابة هذه المحكمة خضوع سائر القرارات الإدارية التنظيمية منها والفردية فإذا كان باطلا كان على المحكمة أن تقضي بإلغائه عند رفع الدعوى الأصلية وأن تمتنع عن تطبيقه عند الدفع بالبطلان.
5- لا حجة فيما تقوله الحكومة من أن الرقابة على المرسوم بقانون هي رقابة سياسية أو برلمانية لا مكان معها لرقابة قضائية ، فالرقابة البرلمانية لا تمنع من الرقابة القضائية ولكل من هاتين الرقابتين طبيعتها ومجالها وأثرها ، فالرقابة البرلمانية رقابة تنبسط على ملائمة التشريع من حيث موضوعه هل ، هو صالح فيبقى أو غير صالح فيسقط من الوقت الذي لا يقره فيه البرلمان ، أما الرقابة القضائية فتنبسط على شرعية المرسوم بقانون من حيث استيفائه لشروطه الدستورية. هل استوفى هذه الشروط فيحكم بصحته ، أو لم يستوفها فيقضي بإلغائه ويعتبر عندئذ باطلا منذ صدوره.
فالرقابة البرلمانية رقابة ملائمة مردها إلى السلطة التقديرية للشرع وأثيرها هو سقوط المرسوم بقانون من وقت عدم إقراره -أما الرقابة فرقابة شرعية وأثرها زوال المرسوم بقانون منسحبا هذا الزوال إلى يوم صدوره.
6- المنع من سماع الدعوى في أي تصرف أو أمر أو قرار صدر من السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية سواء بالطريق المباشر أو غير المباشر على هذا النحو الشامل المطلق هو إعفاء لهذه السلطة من أية مسئولية تترتب على تصرفاتها حتى تلك لمخالفة لقانون الأحكام العرفية ذاته وحرمان الناس حرمانا مطلقا من اللجوء للقضاء -وهو ملاذهم الطبيعي ، طلبا للإنصاف ، وليس من شك في أن إعفاء سلطة عامة إعفاء مطلقا شاملا بغير قيد أو شرط من كل مسئولية تحققت فعلا في جانبها وحرمان الناس حرمانا مطلقا من اللجوء للقضاء بأية وسيلة من شأنه الإخلال بحقوق الناس في الحرية وفي المساواة في التكاليف والواجبات والانتصاف وهي حقوق طبيعية قد كفلها لهم الدستور. فيكون المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 والحالة هذه ، قد تضمن نصوصا تخالف الدستور ويكون بالتالي قد وقع باطلا لفقدانه شرطا جوهريا من الشروط التي نصت عليها المادة 41 من الدستور وهو وجوب ألا يخالف الدستور.
7- أية إضافة لقانون الأحكام العرفية يكون من شأنها أن تعطل حكما من أحكام الدستور يجب أن تكون أداتها قانونا يقرره البرلمان لا مرسوما بقانون هو عاجز بحكم الدستور ذاته عن أن يعطل حكما من أحكامه.
8- إن حق المصريين في تكوين الجمعيات حق أصيل أقر الدستور في المادة 21 منه بقيامه وعهد إلى القانون بتنظيم استعماله -وكان هذا الحق قائما قبل الدستور الذي جاء مؤكدا له. ومؤدى ذلك أن المصريين حق تكوين الجمعيات بلا حاجة إلى قانون يستمدون منه هذا الحق ولهم أن يستعملوه في حدود القانون وما لم يرد قيد على هذا الاستعمال فهو يجري على إطلاقه.
9- التدابير التي يتخذها القائم على إجراء الأحكام العرفية سواء أكانت تدابير فردية أو تنظيمية ليست إلا قرارات إدارية يجب أن تتخذ في حدود القانون ويتعين أن تخضع لرقابة القضاء بالطريقين المباشر وغير المباشر - إلا أنه ينبغي من الجهة الأخرى كما قررت المحكمة من قبل ، أن يترك للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية -وهي تواجه ظروفا استثنائية دقيقة تعمل فيها على إقرار الأمن وحفظ النظام في البلاد وتقوم على تأمين سلامة جيوشها في الخارج- حرية واسعة في تقدير ما يجب اتخاذه من التدابير والإجراءات بمقتضى سلطة تقديرية تختلف في مداها ، لا في وجوب بسط الرقابة عليها عن السلطة التقديرية التي تتمتع بها الإدارة في الظروف العادية المألوفة.
10- المقصود من البند الثامن من المادة الثالثة من القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بنظام الأحكام العرفية هو تخويل الحاكم العسكري في سبيل صون الأمن وحفظ النظام الإشراف والهيمنة على الاجتماعات لما قد تؤدي إليه من إخلال بالأمن والنظام ، وحفظ ذلك هو الغاية التي من أجلها وسدت إليه السلطة بموجب قانون الأحكام العرفية فله بموجب هذه السلطات منع الاجتماعات قبل عقدها كإجراء وقائي وله حل الاجتماع وفضه بالقوة بعد عقده كإجراء علاجي وهو لا يمارس فقط السلطة المخولة للإدارة بالقانون رقم 14 لسنة 1923 الخاص بالاجتماعات العامة والذي يسري سواء في أثناء قيام الأحكام العرفية أو في غير قيامها ، وإنما هو يمارس سلطة خاصة أشمل وأوسع ، فبعد أن تحدث النص المذكور عن الاجتماع تحدث عن صور أخرى له وضرب لها مثلا بالنادي أو الجمعية ثم انتقل من التمثيل إلى التعميم فأطلق الحكم شاملا لأي اجتماع والعبارة الفرنسية للنص وهي التي صدر بها أكثر وضوحا. Interdire ou dissoubre avee l employ de la foree tout eercle club , associafion ou reunion أي أن يمنع ويحل باستخدام القوة أية حلقة أو أي ناد أو جمعية أو اجتماع.
11- المقصود بالاجتماع بمقتضى النص المذكور وبحسب روحه وأهدافه ومراميه هو تواجد لفيف من الناس في مكان معين قد يخل تواجدهم فيه بالأمن والنظام فخول الحاكم العسكري سلطة منع هذا التواجد ثم حله إذا تم أي تفريقه بالقوة فسلطته في حل جمعية الأخوان المسلمين لا تشمل القضاء على شخصيتها المعنوية وإعدام حياتها القانونية وتصفية أموالها التي تتكون منها ذمتها المالية ، وآية ذلك أن المشرع قرر الحل باستخدام القوة وهي بطبيعتها لا تتوجه إلا إلى الاجتماع الذي هو مظهر مادي لا إلى الشخصية القانونية التي هي وضع أو تكييف قانوني.
الوقائع
أقام الأستاذان عبد الكريم محمد منصور وزكريا عبد الرحمن الدعوى الأولى رقم 176 سنة 3ق بإيداع صحيفتها سكرتيرية هذه المحكمة في 3 من يناير سنة 1949 طلبا فيها وقف تنفيذ الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 وجميع الأوامر المترتبة عليه وبعد تحضير الدعوى صدر الحكم بإلغاء تلك الأوامر مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقد عين لنظر طلب وقف التنفيذ أمام رئيس المجلس يوم 11 من يناير سنة 1949 وفيها حضر المرحوم السيخ حسن البنا وطلب قبوله خصما ثالثا في الدعوى بصفته رئيسا للهيئة ودفعت الحكومة بعدم قبول دعوى المدعيين إذ ليست لها صفة التقاضي عن تلك الهيئة بل هذه الصفة بحسب قانونها الأساسي لسكرتيرها العام كما دفعت بعدم قبول طلب المرحوم الشيخ حسن البنا لأنه حتى ولو كانت له صفة في تمثيل الهيئة أمام القضاء باعتباره المرشد العام فلا يجوز قبول طلبه ما دام مستندا إلى دعوى غير مقبولة في ذاتها. فأقام المرحوم الشيخ حسن البنا والشيخ عبد الكريم عابدين السكرتير العام للهيئة الدعوى رقم 190 لسنة 3ق بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة في 13 من يناير سنة 1949 طلبا فيها وقف تنفيذ الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 والأوامر المترتبة عليه وفي الموضوع الحم بإلغائها. فأضافت الحكومة دفعا بعدم قبول الدعوى لأن هيئة الإخوان المسلمين لا وجود لها قانونا كما دفعت بعدم الاختصاص لأن التصرفات المطعون فيها من أعمال السيادة. وبجلسة أول مارس سنة 1949 قرر رئيس المجلس بالنيابة إثبات ترك المدعيين للمرافعة في طلب وقف التنفيذ مع عدم المساس بأصل الموضوع الذي ينتهي فيه المدعيان إلى طلبات واحدة كما يستندان فيه إلى أسباب متماثلة حاصلها أن هيئة الإخوان المسلمين أنشئت منذ أكثر من عشرين عاما لنشر الإسلام والعمل بمبادئه ويشمل نشاطها وادي النيل وجميع البلاد العربية والهند والباكستان وإندونيسيا وغيها وعملت على إقامة معاهد العلم وفتح دور العلاج وتأسيس الشركات فساهمت مساهمة فعلية في محاربة الفقر والجهل والمرض ، ولما تعرضت البلاد العربية للخطر الصهيوني جندت جيشا من شبابها حارب إلى جانب مصر والبلاد العربية وكان مثار الإعجاب ببسالتهم وتضحياتهم. إلا أن دسائس الإنجليز والصهيونيين أفلحت في تأليب الحكومة على هذه الهيئة لأغراض لا تخفى واستمعت الحكومة وقتذاك إل وشايات المستعمر واستجابت إلى طلباته وصدر الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 بحل الهيئة وتصفية ممتلكاتها ومصادرة أموالها وتجميد أموال الأعضاء والشركات التي شجعت الهيئة على تأسيسها وهذا كله مخالف للدستور ولقانون الأحكام العرفية رقم 15 لسنة 1923 وللقانون رقم 73 لسنة 1948 الذي أعلنت بمقتضاه الأحكام العرفية الصادرة في ظلها الأوامر المطعون فيها إذ هذه الأوامر تخرج بطبيعتها عن النطاق الذي فرضت الأحكام العرفية بالقانون المذكور من أجله وهو تأمين سلامة الجيوش في فلسطين كما أنها لا تدخل في نطاق قانون الأحكام العرفية رقم 15 لسنة 1923 الذي لا يجيز إعدام الجمعيات كما أنها تخالف الدستور الذي يحظر مصادرة الأموال ويؤكد حق المصريين في تكوين الجمعيات ، هذا إلى أن أمر الحل قد استند إلى أقوال غير صحيحة ، والواقع أنه قصد به القضاء على الهيئة لأسباب لا تمت للمصلحة العامة بسبب بل مرجعها في الحقيقة إلى تدخل المستعمر ورغبته في القضاء على هيئة تحارب الاستعمار في كل قطر إسلامي وقد صادفت هوى في نفس القائمين بالأمر حينذاك فتلبسبوا أسبابا غير صحيحة يتذرعون بها للحل مما يدل على أن الأمر المذكور انطوى على إساءة استعمال السلطة فضلا عن مخالفة القانون. وردت الحكومة على ذلك بأن الأمر قد صدر لأسباب صحيحة تبرر إصداره بعد أن استفحلت شرور هذه الجماعة إلى حد يهدد الأمن ويخل بالنظام ويعرض سلامة الجيوش في فلسطين للخطر -ثم أصرت الحكومة على الدفوع الفرعية التي أبدتها عند نظر طلبي وقف التنفيذ وأضافت إليها دفوعا أخرى محصلها عدم اختصاص المحكمة لأن نظام الأحكام العرفية في مصر هو نظام عسكري يخرج بطبيعته عن ولاية القضاء عموما ودفعت بعدم جواز سماع الدعوى طبقا لنص المادة الثانية من القانون رقم 50 لسنة 1950 وكذلك طبقا للمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 وأصرت في الموضوع على طلب رفض الدعوى للأسباب التي أبدتها من قبل وأضافت إليها أن الخصومة في الأمر رقم 63 لسنة 1948 أصبحت في الواقع منتهية إذ ينص القانون الخاص بالجمعيات على ألا تزيد هذه المدة عن سنة كما صدر القانون رقم 66 لسنة 1951 الخاص بالجمعيات وبذلك سقط الأمر المذكور تبعا لذلك ، هذا إلى أنه أصبح تشريعا عاديا ملحقا بالقانون رقم 50 لسنة 1950 وله قوته ما دامت السلطة التشريعية حين وافقت على استمرار العمل به تكون قد أجازته وأسبغت عليه الصفة التشريعية ولأن النهي عن سماع الدعوى بطريق مباشر وغير مباشر بالنسبة للأوامر الصادرة من الحاكم العسكري مقصود به تغطية تلك الأوامر وعدم التصدي للبحث في شرعيتها حتى ولو كانت قد انطوت على مجاوزة للسلطة. وبعد تحضير الدعويين عين لنظرهما جلسة 22 من نوفمبر سنة 1950 وفيها وفي الجلسات التالية سمعت ملاحظات الطرفين على الوجه المبين بالمحضر ثم أرجئ ، النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد تلاوة التقرير وسماع ملاحظات الطرفين والاطلاع على الأوراق والمداولة :
أ- عن الدفع بعدم الاختصاص :
من حيث إن هذا الدفع مبني على وجهين أولهما أن النظام العرفي في مصر هو نظام عسكري ، وليس نظاما إداريا أو سياسيا ، استمدته مصر من واقع ما حدث في الحرب العظمي الأولى ومن قواعد القانون الدولي العام في شأن القيود العسكرية التي تفرضها الدول المحاربة على البلاد التي تحتلها بجيوشها فاقتبس المشرع المصري النظام العرفي الذي وضعه من نظام الأحكام العرفية العسكرية التي أعلنتها إنجلترا في مصر وقت إعلان الحماية. وهذه الطبيعة العسكرية للنظام تجعله أبعد ما يكون عن ولاية القضاء إذ تجمع السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية في يديها بمقتضى القانون سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية ، بل إن النظام العرفي بما يسعه قانونه من أحكام يعطل أحكام الدستور وبذلك لا يستساغ التعقيب على أوامر الحاكم العسكري لما لها من خصائص تعصمها من التعقيب ولذلك درج المشرع المصري على أن يقرن رفع الأحكام العرفية بنظام يحصنها عن طريق سن قانون التضمينات وبذلك تمتنع مساءلة الحكومة خلال قيام الحكم العرفي بمقتضى طبيعة هذا النظام كما تمتنع مساءلتها بعد انتهائه بمقتضى أحكام قانون التضمينات ، والوجه الثاني أن القرار المطعون فيه هو من التدابير العليا للأمن الداخلي فيخرج بوصفه من أعمال السيادة عن اختصاص هذه المحكمة وفقا لنص المادة السابعة من القانون رقم 9 سنة 1949 الخاص بمجلس الدولة.
ومن حيث إن نظام الأحكام العرفية في مصر هو نظام يستمد أساسه وأصوله وأحكامه من الدستور ومن قانون الأحكام العرفية والقوانين المكملة له فتنص المادة 45 من الدستور على أن الملك يعلن الأحكام العرفية ، ويجب أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فورا على البرلمان ليقرر استمرارها أو إلغاءها فإذا وقع ذلك الإعلان في غير دور انعقاد وجبت دعوة البرلمان للاجتماع على وجه السرعة وتنص المادة 155 من الدستور على أنه لا يجوز لأية حال تعطيل حكم من أحكام هذا الدستور إلا أن يكون ذلك وقتيا في زمن الحرب وأثناء قيام الأحكام العرفية وعلى الوجه المبين في القانون ، وعلى أي حال لا يجوز تعطيل انعقاد البرلمان متى توافرت في انعقاده الشروط المقررة بهذا الدستور ، وينظم قانون الأحكام العرفية هذا النظام العرفي تنظيما شاملا فيبين على وجه الحصر الحالات التي يجوز فيها إعلان الأحكام العرفية وكيف يكون إعلان هذه الأحكام وكيف يكون رفعها وما هي السلطات الاستثنائية التي تخول للقائم على إجرائها ويعدد القانون هذه السلطات الاستثنائية على سبيل التحديد والحصر يم يجيز تضييقها أو توسيعها بقرار من مجلس الوزراء إذا دعت الحاجة إلى ذلك ويقدر هذه الحاجة ، على أن تبقى دائرة هذه السلطات الاستثنائية محصورة دائما في نطاق محدود هو ما يقتضيه صون الأمن والنظام العام من تدابير وإجراءات وما دعت إليه الضرورة من إعلان الأحكام العرفية بسبب تأمين سلامة الجيوش المصرية وحماية تموينها وحماية طرق مواصلاتها خارج حدود المملكة المصرية ، هذه الضرورة التي من أجلها صدر القانون رقم 73 لسنة 1948.
ومن حيث إنه يبين من كل ذلك أن نظام الأحكام العرفية في مصر ، وإن كان نظاما استثنائيا ، إلا أنه ليس بالنظام المطلق بل هو نظام خاضع للقانون وضع الدستور أساسه وبين القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه فوجب أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الأصول والأحكام وفي نطاق هذه الحدود والضوابط وإلا كان ما يتخذ من التدابير والإجراءات مجاوزا لهذا الحد أو منحرفا عنها ، عملا مخالفا للقانون تنبسط عليه رقابة هذه المحكمة ،وكل نظام للحكم أرسى الدستور أساسه ووضع القانون قواعده هو نظام يخضع بطبيعته ، مهما يكن نظاما استثنائيا ، لمبدأ سيادة القانون ومن ثم لرقابة القضاء ، إذ مهما كان المصدر التاريخي الذي استقر منه المشرع هذا النظام فليس من شك في أن الاختصاصات المخولة للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية مصدرا الرسمي هو القانون الذي تولى تحديد نطاقها فلا يجوز بحال أن تخرج عن حدود هذا النطاق -وإذا كانت اختصاصات القائم على إجراء الأحكام العرفية في مصر بالغة السعة على غرار ما سبق من نظام عرفي ، فإن ذلك أدعى إلى أن تنبسط عليها الرقابة القضائية ، حتى لا يتحول نظام ، هو في حقيقته ومرماه نظام دستوري يقيده القانون ، إلى نظام مطلق ، لا عاصم منه وليست له حدود ، إذ رقابة القضاء هي دون غيرها الرقابة الفعالة التي تكفل للناس حقوقهم الطبيعية وحرياتهم العامة ، وعندئذ يبقى النظام في حدوده الدستورية المشروعة يؤكد ذلك ما درجت عليه الحكومات من سن قانون التضمينات عند رفع الأحكام العرفية لدفع المسئولية من جراء التدابير التي اتخذت تنفيذا لهذه الأحكام ، وفي سن هذا القانون إقرار واضح بمبدأ المسئولية الذي لم يسن القانون إلا لدفعه.
ومن حيث إنه إذا كان مرسوم إعلان الأحكام العرفية هو دون نزاع من أعمال السيادة إلا أن التدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي في سواء أكانت تدابير فردية أو تنظيمية ليست إلا قرارات إدارية يجب أن تتخذ في حدود القانون ويتعين أن تخضع لرقابة القضاء بالطريق المباشر والغير مباشر ، مع مراعاة ما ينبغي أن يترك للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية وهي تواجه ظروفا استثنائية تعمل فيها على إقرار الأمن وتحافظ على سلامة البلاد من حرية واسعة في تقدير ما يجب اتخاذه م التدابير والإجراءات بمقتضى سلطة تقديرية تختلف ي مداها ، لا في وجوب بسط الرقابة عليها ، عن السلطة التقديرية التي تتمتع بها الحكومة في الظروف العادية المألوفة.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الدفع يعدم الاختصاص بشقيه لا أساس له فيتعين لذلك رفضه.
ب- عن الدفع بعدم جواز سماع الدعوى :
ومن حيث إن ها الدفع يرجع إلى سببين : -
(أولهما) أن المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 أضاف إلى القانون رقم 5 لسنة 1923 بنظام الأحكام العرفية مادة جديدة بعد المادة 10 برقم 10 مكررة نصها الآتي : -
ولا تسمع أمام أية جهة قضائية أية دعوى ، أو طلب أو دفع يكون الغرض منه الطعن في أي إعلان أو تصرف أو أمر أو تدبير أو قرار وبوجه عام أي عمل أمرت به أو تولته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبها وذلك سواء أكان هذا الطعن مباشرة عن طريق المطالبة بإبطال شيء مما ذكر أو بسحبه أو بتعديله أو بوقف تنفيذه أم كان الطعن غير مباشر عن طريق المطالبة بتعويض أو بحصول مقاصة أو برإبراء من تكليف أو التزام أو برد مال أو باسترجاعه أو باسترداده أو باستحقاقه أو بأي طريقة أخرى. وبمقتضى هذا النص الذي أضاف حكما جديدا إلى قانون الأحكام العرفية أصحبت المحاكم ممنوعة من سماع أي طعن في تصرفات السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أيا كان العهد الذي صدرت فيه هذه التصرفات أو أيا كان الوقت الذي رفع فيه هذا الطعن لأن النهي أصبح عاما شاملا بحكم تقريره في قانون الأحكام العرفية ذاته ، ولأن المرسوم بقانون الذي أضاف هذا الحكم له قوة القانون وهو من القوانين ذات الأثر الفوري وبهذه المثابة يسري على الدعاوى حتى تل كالمرفوعة قبل نفاذه
(وثانيهما) أن المادة الثانية من القانون رقم 5 سنة 1950 نهت عن سماع أي طعن بالطريق لمباشر أو غير المباشر في التصرفات الصادرة من السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية في العهد الذي صدرت الأوامر المطعون فيها في ظله بل كانت تلك الأوامر بالذات في ضمن ما استعرضه القانون المذكور.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الأول فإن المدعيين دفعوا ببطلان المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 باعتباره قرارا إداريا جاء مخالفا لأحكام الدستور ، تملك المحكمة التعقيب عليه فتقضي بإلغائه إذا طلب إليها ذلك بصفة أصلية ، أو عدم تطبيقه إذا دفع بذلك بصفة فرعية ، وتحدث الحكومة بأنه قانون ما دامت المادة 41 من الدستور قد أقرت له بقوة القانون ، وأنه بهذه المثابة لا تملك المحكمة التصدي لبحث دستوريته.
ومن حيث إنه فضلا عن أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ليس في القانون المصري ما يمنع المحاكم المصرية من التصدي لبحث دستورية القوانين من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع على السواء ، ولا ترى المحكمة فليما استندت إليه الحكومة من حجج ما يجعلها تعدل عن قضائها السابق في هذه المسألة ، يؤكد صحة هذا القضاء ، ما انعقد عليه الإجماع من أن الدولة إذا كان لها دستور مكتوب ، وجب عليها التزامه في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات إدارية. وتعين اعتبار الدستور ، فيما يشتمل عليه من نصوص ، وفيما ينطوي عليه من مبادئ. هو القانون الأعلى الذي يسمو على جميع القوانين. والدولة في ذلك إنما تلتزم أصلا من أصول الحكم الديمقراطي ، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور ، وإنه من الأصول الدستورية أن يطبق القضاء القانون فيما يعرض له من الأقضية ، والقانون هنا هو كل قاعدة عامة مجردة أيا كان مصدرها ، سواء أكان هذا المصدر نصا دستوريا أو تشريعيا يقرره البرلمان ، أو قرارا إداريا تنظيميا ، وسواء أكان القرار الإداري التنظيمي مرسوما أو قرارا من مجلس الوزراء أو قرارا وزاريا أو أي قرار إداري آخر -يطبق القضاء كل هذه التشريعات على اختلاف ما بينها في المصدر وعلى تفاوت ما بينها في المرتبة ، وأنه إذا تعذر على القضاء تطبيق هذه التشريعات جميعا لما قد يوجد بينها من تعارض ، وجب عليه أن يطبق القانون الأعلى في المرتبة وأن يستبعد من دائرة التطبيق ، القانون الأدنى ، إذا تعارض مع القانون الأعلى ، فإذا تعارض قرار وزاي مع قرار مجلس الوزراء ، وجب تطبيق قرار مجلس الوزراء دون القرار الوزاري ، وإذا تعارض مرسوم مع قانون وجب تطبيق القانون دون المرسوم ، وإذا تعارض قانون مع الدستور ، وجب تطبيق الدستور دون القانون. وأن تطبق الدستور دون القانون عند التعارض ليس معناه الحكم بإلغاء القانون ، فهذا ما لا تملكه المحكمة إلا بنص صريح في الدستور. ولا تستطيع المحكمة من جهة أخرى أن تطبق القانون عند تعارضه مع الدستور فهذا ما لا تملكه إلا برخصة دستورية صريحة ، وكل ما تملكه المحكمة عند سكوت الدستور هو أن تمتنع عن تطبيق القانون غير الدستوري في القضية المعروضة عليها ، وقضاؤها في هذا مقصور على هذه القضية بالذات. دون أن تتقيد محكمة أخرى بهذا القضاء.
بل دون أن تتقيد هي نفسها به في قضية أخرى تنظرها بعد ذلك ، وهذا النظر هو المستفاد من مبدأ فصل السلطات ، مفهوما على وجهه الصحيح ، فالسلطتان التشريعية والقضائية كل منهما مستقلة عن الأخرى ، وكلتاهما تخضع للدستور ، فلا يجوز للسلطة القضائية أن تحكم بإلغاء قانون باطل في دعوى أصلية ترفع أمامها وإلا بسطت سيطرتها على السلطة التشريعية ، ولا يجوز للسلطة التشريعية أن تفرض على السلطة القضائية تطبيق تشريع يتعارض مع النصوص والمبادئ الدستورية ، فترغمها بذلك على مخالفة الدستور ، ومن ثم تفقد السلطة القضائية استقلالها وينقلب خضوعها للدستور خضوعا للسلطة التشريعية وهذا وذاك يتعارضان بداهة مع مبدأ فصل السلطات. وفضلا عما تقدم جميعه في شأن حق التصدي لبحث دستورية القوانين ، فإن المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 صدر من السلطة لتنفيذية بمقتضى المادة 41 ، ولا شك في أن هذا المرسوم يعتبر من ناحية مصدره ، وهي الناحية التي يعتد بها وحدها في تحديد مدى رقابة القضاء؛ قرارا إداريا يخضع لرقابة هذه المحكمة خضوع سائر القرارات الإدارية التنظيمية منها والفردية فإذا ما كان باطلا كان على المحكمة أن تقضي بإلغائه ، عند رفع الدعوى الأصلية ، وأن تمتنع عن تطبيقه عند الدفع بالبطلان ، ولا حجة فيما تقوله الحكومة من أن الرقابة على المرسوم بقانون هي رقابة سياسية أو برلمانية لا مكان معها لرقابة قضائية ما دام المرسوم بقانون واجبا عرضه على البرلمان ، لا حجة في ذلك لأن الرقابة البرلمانية لا تمنع من الرقابة القضائية ولكل من هاتين الرقابتين طبيعتها ومجالها وأثرها ، فالرقابة البرلمانية تنبسط على رقابة ملاءمة التشريع من حيث موضوعه هل هو صالح فيبقى أو غير صالح فيسقط من الوقت الذي لا يقره فيه البرلمان. أما الرقابة القضائية فتنبسط على شرعية المرسوم بقانون من حيث استيفائه لشروطه الدستورية. هل استوفى هذه الشروط فيحكم بصحته ، أو لم يستوفها فيقضي بإلغائه ويعتبر عندئذ باطلا منذ صدوره. فالرقابة البرلمانية رقابة ملاءمة مردها إلى السلطة التقديرية للمشرع وأثرها هو سقوط المرسوم بقانون من وقت عدم إقراره -أما الرقابة القضائية فرقابة شرعية ، وأثرها زوال المرسوم بقانون منسحبا هذا الزوال إلى يوم صدوره.
ومن حيث إن المنع من سماع الدعوى في أي تصرف أو أمر أو قرار صدر من السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية سواء بالطريق المباشر أو الغير المباشر على هذا النحو الشامل المطلق هو إعفاء لهذه السلطة من أي مسئولية تترتب على تصرفاتها حتى تلك المخالفة لقانون الأحكام العرفية ذاته وحرمان الناس حرمانا مطلقا من اللجوء للقضاء وبأي وسلية ، من شأنه الإخلال بحقوق الناس في الحرية وفي المساواة في التكاليف والواجبات والانتصاف وهي حقوق طبيعية قد كلفها لهم الدستور ، فيكون المرسوم بقانون المشار إليه والحالة هذه ، قد تضمن نصوصا تخالف الدستور ويكون بالتالي قد وقع باطلا لفقدانه شرطا جوهريا من الشروط التي نصت عليها المادة 41 وهو وجوب ألا يخالف الدستور ولا يقدح في ذلك أنه أضاف حكما جديا إلى قانون الأحكام العرفية وهو القانون الذي أباحت المادة 155 من الدستور أن يشتمل على نصوص تعطل من أحكام الدستور ، ذلك أن أية إضافة لقانون الأحكام العرفية يكون من شأنها أن تعطل حكما من أحكام الدستور يجب أن تكون أداتها قانونا يقرر البرلمان ، لا مرسوما بقانون هو عاجز بحكم الدستور ، ذاته عن أن يعطل حكما من أحكامه لأن قانون الأحكام العرفية هو بمثابة الدستور للحكم العرفي وهو يستمدهذه القوة من المادة 155 من الدستور ، وقد قصد الدستور أن تقوم السلطة التشريعية ذاتها برسم نطاق هذا الحكم وتحديد القيود والضوابط التي تحاط بها السلطة التنفيذية عندما تتولى إجراءه بحيث لا تخرج هذه السلطة عن النطاق التي رسمته لها السلطة التشريعية ولا عن القيود والضوابط التي وضعتها لهذه الاختصاصات الاستثنائية ، فيفوت على الدستور غرضه لو أن السلطة التنفيذية ، على أي وجه من الوجوه وفي أي صورة م الصور سواء أكان ذلك عن طريق مرسوم له قوة القانون أم كان عن طريق أمر عرفي ، أحلت نفسها محل السلطة التشريعية وتولت بنفسها لنفسها رسم هذه النطاق وتحديد هذه القيود والضوابط فتصبح مطلقة الحرية في أن تتزود بما تشاء من الاختصاصات إلى غير مدى محدود وأن تدخل على قانون الأحكام العرفية ، وهو الدستور الموضوع لضبط تصرفاتها ما تبغي من تغيير وتبديل ، وفي هذا لمن قلب الأوضاع ومن الإطلاق في سلطان الحكم العرفي ومن هدم ما ينبغي أن ينبسط على هذا الحكم الاستثنائي من الرقابة التشريعية ما يتعارض تعارضا واضحا مع الغاية التي قصد إليها لادستور ، إذ بذلك يتمثل سلطان الحاكم العسكري سلطانا مطلقا رهيبا لا تعقيب عليه ولا حد له ، ولا عاصم منه ، في حيث قد أراده الدستور على أن يكون نظاما مقيدا رسم حدوده قانون هو قانون الأحكام العرفية في اختصاصات معينة أعطاها للحاكم العسكري ، وعددها واحدا بعد الآخر على سبيل الحصر وجعل المناط فيها ما يقتضيه صون الأمن والنظام ، بل لو فرض وصدر قانون الأحكام العرفية مطلقا للحاكم العسكري من كل قيد ومادا لاختصاصاته إلى غير حد ومبيحا له أي عمل لكان باطلا فإنه بإطلاقاته واستباحاته غير المقيدة وغير المحددة يكون قانون متعارضا مع الدستور نصا وروحا ولكان من أجل ذلك قانون باطلا.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالسبب الثاني لا يجوز أن يفسر القانون رقم 50 لسنة 1950 على أنه أراد أن يجعل عملا مشروعا ما جاوز فيه الحاكم العسكري حدود سلطته في أمر الحل رقم 63 لسنة 1948 وما ترتب عليه وأن ينهى عن سماع أي دعوى حتى في خصوص ما جاوز فيه سلطته مخالفا فيه الدستور والقانون ذلك لأن القانون المشار إليه كما سنبين فيما يلي عند بحث الموضوع لم يقصد باستمرار العمل بالأمر المذكور إلا في حدوده ما يملكه الحاكم العسكري بمقتضى قانون الأحكام العرفية ولذا استدرك فأضاف نصا خاصا في المشروع المقدم من الحكومة ينبه إلى عدم جواز الاستمرار في تصفية أموال الجمعية وتخصيصها للأعمال الخيرية.
ومن حيث لما تقدم يكون الدفع بعدم جواز سماع الدعوى على غير أساس متعينا رفضه.
(ج) عن الدفع بعدم قبول الدعوى لأن جمعية الإخوان المسلمين لا وجود لها قانونا :
ومن حيث إن مبنى هذا الدفع أن تلك الجمعية لم تكتسب الشخصية المعنوية أصلا ، لأن القانون المدني بين في المادة 52 منه الأشخاص المعنوية على سبيل الحصر ولا تدخل الهيئة المذكورة بمالها من أغراض سياسية واجتماعي ودينية في أي نوع أو تتسق معه ، ومهما يكن من شيء فإن القرار رقم 63 لسنة 1948 الصادر بحلها قد قضى عليها فلم يعد لها من بعده أي وجود كما أنها لم تحي حياة جديدة في ظل القانون رقم 66 لسنة 1951 الخاص بالجمعيات.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأول من الدفع فلا ريب في أن حق المصريين في تكوين الجمعيات هو حق أصيل أقر الدستور في المادة 21 منه بقيامه وعهد إلى القانون بتنظيم استعماله ولذا فإن لجنة الدستور إذ تحدثت عن الباب الذي وضعته في الدستور بعنوان « في حقوق المصريين وواجباتهم ، الذي يعتبر حق تكوين الجمعيات فرعا منه قالت « وقد كان المصريون يتمتعون بهذه الحقوق تدعمها النظم السياسية التي كانت جارية في مصر وتنظم معظمها القوانين المصرية ، غير أن تلك الحقوق لم تكن مجموعة في باب ظاهر منشور بين الناس ، لذلك رأت اللجنة أن تضع ذلك الباب درجا على سنن الدساتير الأخرى ، وتحقيقا للغرض الذي يلتمس منه ، وليكون قيدا للشارع المصري لا يتعداه فيما يسنه من الأحكام » ، ومفاد هذا أن حق المصريين في تكوين الجمعيات كان قائما قبل الدستور الذي جاء فأكد قيامه وإن عهد إلى القانون بتنظيم استعماله. ومؤدى ذلك أن للمصرين حق تكوين الجمعيات بلا حجة إلى قانون يستمدون منه هذا الحق ولهم أن يستعملوه في حدود القانون ، وما لم يرد قيد على هذا الاستعمال. فهو يجري على إطلاقه ، ولم يصدر في هذا الصدد سوى تنظيم جزئي بالقانون رقم 49 لسنة 1945 في شأن الجمعيات التي تسعى إلى تحقيق أغراض اجتماعية أو دينية أو علمية متضمنا ، كما نوه بذلك ، أحكام تكميلية لنصوص القانون المدني الجديد.
ومن حيث إن جمعية الإخوان المسلمين تكونت في ظل ذلك الحق الأصيل في تكوين الجمعيات ، هذا الحق الذي قرر الدستور قيامه وأكد وجوده من قبل كما اكتسبت الشخصية المعنوية وفق المبادئ المسلمة من إسناد هذه الشخصية لكل جمعية استوفت مقومات هذه الشخصية من ذمة مالية مستقلة عن ذمم أعضائها ومن قيام هيئة منظمة تعبر عن إرادة الجمعية ، ولما صدر القانون رقم 49 لسنة1945 بعدئذ متضمنا بعض القيود بالنسبة إلى الجمعيات القائمة عند صدوره وكان من أوجه نشاط هيئة الإخوان المسلمين إلى جانب أغراضها السياسية أغراض اجتماعية فقد رأت الهيئة بع صدور القانون المشار إليه أن تعدل نظامها الأساسي مستقبلا في هذه الناحية الأخيرة بحيث يتمشى مع أحكام القانون المشار إليه وسجلت ذك في وزارة الشئون الاجتماعية ، فلا وجه إذن لما تتحدى به الحكومة من أن القانون المدني الجديد لم يعترف لأمثال هذه الهيئة في شتى أغراضها بالشخصية المعنوية لأن القانون المذكور لم ينشئ أحكاما جديدة تنسخ ما قبلها بل قنن القواعد التي استقرت قبله وهي تسلم بتوافر الشخصية المعنوية للجمعيات متى استكملت مقومات هذه الشخصية كما سلف بيانه -وقد اعترف القانون المنوه عنه بذلك في مذكرته الإيضاحية في أكثر من موضع وصرح بما يأتي : « يقتصر المشروع على تقنين القواعد التي استقرت بحكم الواقع في الفقه والقضاء فقد جرت المحاكم من قبل على الاعتراف بالشخصية المعنوية للجمعية متى ثبت أن لها هيئة منظمة تعبر عن إرادتها وتقوم على إدراتها وقد حرص المشروع على احترام التقاليد الخاصة بحرية تكوين الجمعيات ، ولا اعتداد بما تنعاه الحكومة على أغراض الجمعية لتدفع بها اكتسابها الشخصية المعنوية فهي تأخذ عليها أنها جمعية سياسية ، وهذا لا يحول دون اكتسابها الشخصية المعنوية وقد أقر القضاء المصري للهيئات السياسية بتلك الشخصية - واعتبر القانون 66 لسنة 1951 ذلك من المسلمات فقد جاء به « ومن المفهوم أن هذا المشروع لا يسري على الجمعيات السياسية ، أو بعبارة أخرى الأحزاب السياسية ، وذلك لأن هذه الأحزاب لها من الأهمية والخواص ما يجعلها محلا لتنظيم خاص بتشريع يصدر مستقبلا إذا رؤي لزوم ذلك ، وهذا فضلا عن أن المصريين يمارسون حقوقهم السياسية التي خولها لهم الدستور في حدود القوانين القائمة وحسبنا أن نذكر أنهم يشتركون بما لهم من تشكيلات سياسية في حكم البلاد وفي توجيه سياستها عن طريق الاشتراك في الانتخابات العامة في البرلمان ، كما تأخذ الحكومة على جمعية الإخوان المسلمين أنها هيئة خيرية اجتماعية إلى جانب أغراضها السياسية ، وهذا بدوره لا يمنع اكتسابها الشخصية المعنوية فقد اعترف القضاء المصري للهيئات الخيرية والاجتماعية بالشخصية المعنوية وجاء القانون رقم 49 لسنة 1945 وأقر بهذا ، ثم تلاه القانون المدني فالقانون رقم 66 لسنة 1951 مسلما بذلك أيضًا ، ثم إن الحكومة قد اعترفت بجمعية الإخوان المسلمين بصفاتها تلك وأغراضه بل منحتها بعض الإعانات المالية في سبيل تحقيق هذه الأغراض الخيرية كما يبين من تقارير المندوبين الخاصين على أموال الجمعيات المودعة ملف الدعوى.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني وه أن الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 قد قضى على هذه الجمعية قضاء مبرما فلم يعد لها وجود قانوني فسيبين مما يلي عند بحث الموضوع أن الحاكم العسكري إذا كان يملك بمقتضى قانون الأحكام العرفية تعطيل نشاط الجمعية تعطيلا مؤقتا بمنع اجتماعاتها فهو لا يملك القضاء عليها بل تبقى قائمة قانونا وإن عطل نشاطها وتظل لها شخصيتها المعنوية.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون هذا الدفع بوجهيه على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضه.
(د) عن الدفع بعدم قبول الدعوى 176 لسنة 3ق لرفعها من غير ذي صفة :
ومن حيث إن مبنى هذا الدفع أن الأستاذين عبد الكريم محمد منصور وزكريا عبد الرحمن ليست لهما صفة التقاضي عن الجمعية ولا يشفع لهما في رفع هذه الدعوى أنهما من أعضائها.
ومن حيث إن المادة 27 من قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين بحسب التعديل الذي أقرته الجمعية العمومية باجتماعها غير العادي في 30 من يناير سنة 1948 تنص على أن « السكرتير العام يمثل الإرشاد العام والمركز العام للإخوان المسلمين تمثيلا كاملا في كل المعاملات الرسمية والقضائية والإدارية إلا في الحالات الخاصة التي يرى المكتب فيها انتداب شخص آخر بقرار قانوني منه » ومقتضى هذا أن السكرتير العام هو الذي يمثل الجمعية قضائيا ، إلا إذا صدر قرار من المكتب بندب شخص آخر ولم يصدر مثل هذا القرار في حق المدعيين ومن ثم يكون هذا الدفع في محله واجبا قبوله.
(هـ) عن الموضوع :
ومن حيث إن المدعي في الدعوى رقم 190 لسنة 3ق يستند في دعواه إلى أن هيئة الإخوان المسلمين تكونت منذ نيف وعشرين عاما وغايتها حسبما جاء في المادة الثانية من قانون نظامها الأساسي هي أنها : هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام ومما يتصل بهذه الأغراض :
(أ) شرح دعوة القرآن الكريم شرحا دقيقا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها ويعرضها عرضا يوافق روح العصر ويرد عنها الأباطيل والشبهات.
(ب) جمع القلوب والنفوس على هذه المبادئ القرآنية وتحديد أثرها الكريم فيها وتقريب وجهات النظر بين الفرق الإسلامية المختلفة.
(ج) تنمية الثورة القومية وحمايتها وتحريرها والعمل على رفع مستوى المعيشة.
(د) تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن والمساهمة في الخدمة الشعبية ومكافحة الجهل والمرض والفر والرذيلة وتشجيع أعمال البر والخير.
(هـ) تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا والوطن الإسلامي في كل مكان وتأييد الوحدة العربية والسير إلى الجامعية الإسلامية.
(و) قيام الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا وتحرسها في الداخل وتبلغها في الخارج.
(ز) مناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل المثل العليا الفاضلة التي تصون الحريات وتحفظ الحقوق والمشاركة في بناء السلام والحضارة الإنسانية على أساس جديد من تآزر الإيمان والمادة كما كفلت ذلك نظم الإسلام الشاملة » ووسائلها كما حددتها الهيئة في المادة الثالثة من قانون نظامها هي :- «يعتمد الإخوان المسلمون في تحقيق هذه الأغراض على الوسائل الآتية وعلى كل وسيلة أخرى مشروعة :
(أ) الدعوة بطريق النشر والإذاعة المختلفة من الرسائل والنشرات والصحف والمجلات والكتب والمطبوعات وتجهيز الوفود والبعثات في الداخل والخارج.
(ب) التربية بطبع أعضاء الهيئة على هذه المبادئ وتمكين معنى التدين العملي لا القولي في أنفسهم أفرادا وبيوتا وتكوينهم تكوينا صالحا ، بدنيا بالرياضة ، وروحيا بالعبادة ، وعقليا بالعلم ، وتثبيت معنى الأخوة الصادقة والتكافل التام والتعاون الحقيقي بينهم حتى يتكون رأي عام إسلامي مود ، وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهما صحيحا ويعمل بأحكامه ويوجه النهضة إليه.
(جـ) التوجيه بوضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع من التربية والتعليم والتشريع والقضاء والإدارة والجندية والاقتصاد والصحة العامة والحكم.. الخ والاسترشاد بالتوجيه الإسلامي في ذلك كله -والتقدم بهذه المناهج إلى الجهات المختصة والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية والدولة لنخرج من دور التفكير النظري إلى دور التطبيق العملي.
(هـ) العمل بإنشاء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والعلمية كالمساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ .. الخ وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات وأعمال البر ، والإصلاح بين الأفراد والأسرة ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة والمخدرات والمسكرات والمقامرة والبغاء.
وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة وشغل وقت الفراغ بما ينفع ويفيد -وتنشأ لذلك أقسام مستقلة بلوائح خاصة تتفق مع القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجماعات الخيرية وأعمال البر وتسجيل فورا بالشئون الاجتماعية. ويستطرد المدعى إلى أن الهيئة ما فتئت تعمل على تحقيق أغراضها بوسائلها فأصدرت صحيفة يومية ومجلة شهرية لنشر دعوتها ، وأنشأت لها فروعا في شتى الجهات لبث مبادئها ، وأقامت معاهد العلم ودورا للعلاج ومؤسسات اقتصادية واجتماعية عديدة. ولما نشبت الحرب الفلسطينية ندت من شبابها جيشا خاضوا غمارها ، وكانوا مثار الإعجاب لما أبدوه من ضروب البسالة والتضحية ، ولكن الحكومة إزاء حوادث فردية وقعت من بعض المنتمين إليها اندفعوا تحت تأثير حماسة جامحة ، والتوى عليهم القصد وغم المراد ، حملت الهيئة بأجمعها وزر هذه الحوادث وألقت عليها إثمها فأصدر الحاكم العسكري الأمر المطعون فيها بحلها ، وبقول المدعى إن دسائس الإنجليز والصهاينة وغيرهم الذين يرمون الجمعية بالتهم الباطلة قد أفلحت في تأليب الحكومة ضد الهيئة فحالت عن طريق الرقابة دون تمكينها من الرد على ما يكال لها من التهم ، بل صدر أمر الرقيب العام بتعطيل جريدة الإخوان لأجل غير مسمى ثم حشدت المعتقلات بالكثير من أعضاء هيئة الإخوان المسلمين بغير ذنب وبدون مبرر ثم صدرت الأوامر المطعون فيها بحل الجمعية وتصفية ممتلكاتها ومصادرة أموالها وتجميد أموال الأعضاء لدى الشركات والمصارف مع مخالفة تلك الأوامر للقانون إذ هي تخرج بطبيعتها عن النطاق الذي فرضت من أجله الأحكام العرفية بمقتضى القانون المذكور وهو تأمين سلامة الجيوش المصرية في فلسطين -كما أنها تخرج عن نطاق التدابير التي يملك الحاكم العسكري اتخاذها بمقتضى قانون الأحكام العرفية رقم 15 لسنة 1923 الذي لا يجيز القضاء على الجمعيات ولا مصادرة الأموال أو استصفائها كما أنها تخالف الدستور الذي يحظر المصادرة ويؤكد حق المصريين في تكوين الجمعيات ، والواقع من الأمر أن هذه الأوامر قد قصد بها القضاء على الجمعية لأسباب لا تتصل بالمصلحة العامة إذ السبب الحقيقي هو تدخل المستعمر للقضاء على هيئة تحارب الاستعمار في كل قطر إسلامي وقد هاله اتساع دعوتها وما أظهره أفرادها من ضروب البسالة والشجاعة في الحرب الفلسطينية فاستمع القائمون على الحكم وقتذاك لوشاياته واستجابوا لرغبته وصادف ذلك هوى في نفوسهم إذ لم يرتاحوا لنشر دعوتها وازدياد عدد المنتمين إليها فتلمسوا أسبابا غير صحيحة يتذرعون بها لتحقيق بغيتهم وخلص المدعى من ذلك إلى أن تلك الأوامر قد وقعت مخالفة للقانون كما صدرت بباعث من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن الحكومة تدفع الدعوى بأن الأوامر المطعون فيها لم تصدر بباعث من إساءة استعمال السلطة كما يقول المدعي بل قصد بها تحقيق الملحة العامة بعد أن استفحلت شرور تلك الجمعية وأصبح وجودها يهدد الأمن ويخل بالنظام ويعرض النظم القائمة في البلاد للخطر وبالتالي يخل بسلام الجيوش المصرية في فلسطين ، فلم يكن ثمة منتدح عن حل الجمعية المذكورة للأسباب التي كشفت عنها المذكرة المرفوعة إلى رئيس الوزراء ووزير الداخلية والقائم على إجراء الأحكام العرفية وقتذاك وهي أسباب مستمدة من وقائع صحيحة تؤيدها الأوراق. على أن إلغاء أمر الحل وما ترتب عليه من أوامر قد أصبح لا محل له بعد سقوطها طبقا للقانون رقم 50 لسنة 1950 الذي نص على استمرار العمل بها لمدة تنتهي بصدور القانون الخاص بالجمعيات على ألا تزيد هذه المدة عن سنة وقد مضت هذه السنة كما صدر في خلالها القانون رقم 66 لسنة 1951 ملحقا بالقانون رقم 50 لسنة 1950 الخاص بالجمعيات وبذلك سقطت تلك الأوامر –هذا إلى أنها أصبحت تشريعا عاديا ملحقا بالقانون رقم 50 لسنة 1950 ولها قوته ما دامت السلطة التشريعية حين وافقت على استمرار العمل بها تعتبر أنها قد أجازتها ضمنا وبررت أسباب إصدارها وأسبغت عليها الصفة التشريعية مما لا يسوغ معه التصدي لبحث مشروعية تلك الأوامر حتى ولو كانت قد انطوت على مجاوزة الحاكم العسكري لسلطته.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ الرأي إلى أن سقوط تلك الأوامر تبعا لإنهاء حياة الأحكام العرفية التي صدرت تلك الأوامر في خلالها ولانقضاء الأجل المضروب في القانون رقم 50 لسنة 1950 لاستمرار العمل بها ، لا يعني إلغاء تلك الأوامر ومحو آثارها في الماضي ، وإنما يعني عدم استمرار العمل بها مستقبلا –فالخصومة وهي تنعقد على إلغاء تلك الأوامر أساسا وما ترتب عليها من آثار- لا تعتبر والحالة هذه أنها قد انتهت فلا مغذى عن البحث في شرعيتها.
ومن حيث إن هذا البحث يستدعي استظهار الأسباب التي صدر أمر الحل بناء عليها وهل هي أسباب مستخلصة استخلاصا سائغا من وقائع صحيحة أم لا وهل الأمر المذكور يتضمن إجراءات أو تدابير تدخل في سلطة الحاكم العسكري أم لا ، وهل القانون رقم 50 لسنة 1950 أسبغ صفة الشرعية على هذه التدابير؟ ومن حيث إن المذكرة المؤرخة في 8 من ديسمبر 1948 المرفوعة إلى رئيس الوزراء ووزير الداخلية والقائم على إجراء الأحكام العرفية وقتذاك قد استندت في طلب حل جمعية الإخوان المسلمين إلى أنها منذ تأليفها أعلنت على الملأ أن لها أهدافا دينية واجتماعية دون أن تحدد لها هدفا سياسيا معينا ترمي إليه ، وعلى هذا الأساس نشطت الجماعة وثبتت دعايتها ولكن ما كادت تجد لها أنصارا وتشعر بأنها اكتسبت شيئا من رضاء بعض الناس عنها حتى أسفر القائمون على أمرها عن أغراضهم الحقيقة وهي أغراض سياسية ترمي إلى وصولهم إلى الحكم وقلب النظم المقررة في البلاد ، وأن هذه الجماعة قد اتخذت في سبيل الوصول إلى أغراضها طرق شتى يسودها طابع العنف ، وقد دربت أفرادا من الشباب أطلقت اسم « الجوالة » وأنشأت مراكز رياضية ، تقوم بتدريبات عسكرية مستترة وراء الرياضة كما أخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزينها لتستعملها في الوقت المناسب وساعدها على ذلك ماكانت تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين ، وأنشأت مجلات أسبوعية وجريدة سياسية يومية تنطق باسمها سرعان ما انغمست في تيار النضال السياسي متغافلة عن الأغراض الدينية والاجتماعية التي أعلنت الجماعة أنها قامت لتحقيقها ، وكان بعض الموظفين قد استوتهم الأهداف الاجتماعية والدينية التي اتخذتها الجماعة ستارا لأغراضها الحقيقية فأصبح موقفهم بالغ الحرج لأن الموظفين لا ينتمون لأحزاب سياسية. كما امتدت دعوة الجماعة إلى أوساط الطلبة واجتذبت فريقا منهم فأفسدت عليم أمر تعليمهم وجعلت من بينهم من يجاهر باتمائه إليها وأتمر بأمرها فيحدث الشغب ويثيرالاضطراب في معاهد التعليم مما أخل بالنظام فيها إخلالا واضح الأثر. ولقد تجاوزت الجماعة لأغراض السياسة المشروعة إلى أغراض يحرمها الدستور وقوانين البلاد فهدفت إلى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب ، وقد أمضت في نشاطها فاتخذت الإجرام وسيلة فتنفيذ مراميها. ثم أخذت المذكرة تعدد بعض الحوادث للتدليل على هذا النشاط الإجرامي كما تقول ثم استطردت المذكرة إلى القول بأن شرور هذه الجماعة لم تقف عند هذا الحد بل عمدت إلى إفساد النشء ، فبذرت بذور الإجرام وسط الطلبة والتلاميذ فإذا بمعاهد التعليم وقد انقلبت مسرحا للشغب والإخلال بالأمن وميدانا للمعارك والجرائم.. ولم تتورع هذه الجماعة عن أن يمتد إجرامها إلى القضاء الذي ظل رجاله في محراب العدل ذخرا للمصريين وملاذا لهم ينعمون بثقة المتقاضين وطمأنينتهم. إذ قصدوا إلى إرهاب القضاة عن طريق قتل علم منهم هو المغفور له أحمد الخازندار بك وكيل محكمة استئناف مصر الذي حكم بإدانة بعض أعضاء الجماعة لجرائم قارفوها باستخدام القنال.. ولقد وقعت في يوم 4 ديسمبر سنة 1948 حوادث مؤلمة بجامعة فؤاد الأول بالجيزة ألقي فيها الطلاب قنابل على رجال البوليس وأطلقوا عليهم الرصاص وقذفوهم بالأحجار فأصيب عدد منهم كما حدث في نفس اليوم أن اعتصم بعض طلبة كلية الطب بأسطح مبنى الكلية وأشعلوا النار في أماكن متفرقة وقذفوا رجال البوليس الذين كانوا يحافظون على النظام ببعض القنابل وكميات هائلة من الأحجار وقطع الأخشاب وزجاجات مملوءة بالأحماض ثم ألقوا على حكمدار بولس العاصمة قنبلة أودت بحياته ... وحدث في يوم 6 ديسمبر سنة 1948 أن تجمع طلبة المدرسة الخديوية واندس بينهم بعض الغرباء وألقوا قنبلتين على رجال البوليس فأصيب ضابط وسبعة من العساكر وكان مقترفو هذه الحوادث المروعة من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين ولا تزال النيابة ماضية في تحقيق حادث ضبط سيارة بها مواد متفجرة وذخائر ومستندات خطيرة بقسم الوايلي وقد أدى التقصي في تلك السيارة وقد كشفت ملابسات هذا الحادث حتى الآن عن أن جماعة الإخوان المسلمين يكونون عصابة إجرامية هي المسئولة عن حوادث الانفجارات الخطيرة التي حدثت في مدينة القاهرة في خلال الشهور الستة سنة 1948 وما نجم عنه من هدم وتخريب في المباني وقتل بعض الأهالي ورجال البوليس وجرح عدد غير قليل من الأشخاص وانتهت المذكرة إلى أنه يبين بجلاء من استعراض هذه الحوادث ، وهي قليل من كثير ، أن هذه الجماعة قد أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدا بالغ الخطر لذلك بات من الضروري اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التي تروع أمن البلاد في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى هدوء كامل وأمن شامل ضمانا لسلامة أهلا في الداخل وجيوشها في الخارج.
ومن حيث إنه بناء على هذه المذكرة صدر في اليوم ذاته الأمر العسكري رقم 63 الذي استندت ديباجته إلى المادة الثالثة (بند 8) من القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بقيام الأحكام العرفية وقضى في مادته الأولى بأن تحل فورا الجمعية المعروفة باسم جماعة الإخوان المسلمين وكذلك شعبها أينما وجدت وتغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها وتضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وعلى العموم كافة الأشياء المملوكة للجمعية –ويحظر على أعضاء مجلس إدارة الجمعية المذكورة وشعبها ومديريها وأعضائها المنتمين إليها بأية صفة كانت مواصلة نشاط الجمعية وبوجه خاص عقد اجتماعات لها أو لإحدى شعبها أو تنظيم مثل هذه الاجتماعات أو الدعوة إليها أو جمع الإعانات أو الاشتراكات أو الشروع في شيء من ذلك. ويعد من الاجتماعات المحظورة في تطبيق هذا الحكم اجتماع خمسة فأكثر من الأشخاص الذين كانوا أعضاء بالجمعية المذكورة كما يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي السماح باستعمال أي مكان تابع لها لعقد مثل هذه الاجتماعات أو تقديم أية مساعدة مالية أو أدبية أخرى. وقضى في مادته الثامنة بأن يحظر إنشاء معية أوهيئة من أي نوع كانت أو تحويل طبيعة جمعية أو هيئة قائمة إذا كان الغرض من الإنشاء أو التحويل القيام بطريق مباشر أو غير مباشر بالنشاط الذي كانت تتولاه الجمعية المنحلة أو إحياء هذه الجمعية على أي صورة من الصور ، كما يحظر الاشتراك في كل ذلك أو الشروع فيه ، وقضى في مادته الثالثة بأنه على كل شخص كان عضوا في الجمعية المنحلة أو منتميا إليها وكان مؤتمنا على أوراق أو سندات أو دفاتر أو سجلات أو أدوات أو أشياء من أي نوع كانت تتعلق بالجمعية أو بإحدى شعبها أن يقدم تلك الأوراق والأشياء إلى مركز البوليس المقيم في دائرته في خلال ستة أيام من تاريخ النشر ، وقضى في مادته الرابعة أن يعين بقرار من وزير الداخلية مندوب خاص تكون مهمته استلام جميع أموال الجمعية المنحلة –وتصفية ما يرى تصفيته منا وتخصيص الناتج من التصفية للأعمال الخيرية والاجتماعية التي يحددها وزير الشئون الاجتماعية بقرار منه.
ومن حيث إنه ولئن كان ما جاء في المذكرة المشار إليها التي تضمنت الأسباب التي دعت إلى إصدار أمر الحل ، من أن الجماعة أعلنت في أول الأمر على الملأ أن لها أهدافا دينية واجتماعية دون أن تحدد لها هدفا سياسيا معينا ترمي إليه ، ولكنها ما كادت تجد لها أنصارا حتى أسفر القائمون عليها عن أغراضهم الحقيقية وهي أغراض سياسية ترمي إلى وصولهم للحكم وقلب النظم المقررة في البلاد بوسائل العنف وهذا يخالف الواقع لأن الجمعية حددت أغراضها في المادة الثانية من قانون نظامها الأساسي طبقا للتعديل الذي أقرته الجمعية العمومية باجتماعها غير العادي بجلسة 3 من يناير سنة 1948 المقدم صورة منه في الأوراق ومن هذه الأغراض أغراض سياسية إلى جانب أغراضها الدينية والاجتماعية والرياضية والاقتصادية ، ومن هذه الأغراض السياسية تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا والوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي ومساعدة الأقليات الإسلامية وقيام الحكومة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا وتحرسا في الداخل وتبلغها في الخارج –كما يخالف الواقع كذلك ما تنسبه المذكرة إلى الجماعة بأسرها من أنها رمت إلى قلب نظام الحكم بوسائل العنف وبالقوة والإرهاب ، ولا أدل على مخالفة هذا وذالك للحقيقة ما ورد في حكم محكمة جنايات القاهرة الصادرة في 17 من مارس سنة 1950 في قضية الجناية رقم 3394 الوايلي سنة 1950 ورقم 227 سنة 1950 كلي المشهورة بقضية سيارة الجيب المتهم فيها علي فراج السندي وآخرين وهي من الوقائع الأساسية التي استندت إليها المذكرة. إذ بعد أن ذكرت المحكمة أن النيابة العامة قصدت إلى تصوير الجماعة بأسرها على أنها رمت إلى قلب نظام الحكم وأن أقوال مرشدها العام كانت تحمل معاني التصريح السافر على القيام بهذه الجريمة وأن المتهمين وزملاءهم فهموا من كلام المرشد العام أنه يرمي إلى ذلك وأن الغرض النهائي هو إقامة جمهورية على رأسها المرشد العام ، بعد أن ذكرت المحكمة ذلك استعرضت نشأة الجمعية وأغراضها ووسائلها ورسائلها وتطورها وما يستنتج من أقوال القائمين عليها –وخلصت من هذا الاستعراض إلى أن اتهام الجماعة بخروجها على الأغراض الأصلية التي أنشئت من أجلها وهي أغراض دينية واجتماعية إلى التدخل في السياسة ، أن هذا الاتهام لا يتفق مع الحقيقة المعروفة من أن الإسلام دين ودولة وقد سبق للمرشد العام أن تحدث في هذا الصدد فقال في كتيب نشر في سنة 1948 عنوانه « مشكلاتنا الاقتصادية والدستورية » أن الإسلام يتخذ من « الحكومة » قاعدة التقدم الاجتماعي الذي جاء به للناس فمن ظن أن الإسلام لا يعرض للسياسية وأن السياسية ليست من مباحثه فقد ظلم نفسه وظلم علمه بهذا الإسلام. وأشار بعد ذلك إلى الخطأ في فصل الدين عن السياسية عمليا مع النص في الدستور على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام ، وقال إن الحكومة في الإسلام تقوم على قواعد معروفة هي مسئولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها وهذه القواعد هي التي قام عليها الدستور المصري لأن الإسلام يجيز أن يفوض رئيس الدولة في مباشرة السلطة وتحمل المسئولية فيصبح المسئول هو الوزراء لا رئيس الدولة- ثم قالت المحكمة إنه يظهر جليا من أقوال المرشد العام أن الجماعة لا تناهض الحكم القائم في مصر بل تراه متفقا مع النظر الإسلامية وأنا كانت تهدف إلى تحقيق نظام شامل للنهضة والإصلاح وفقا لأحكام الدين الإسلامي –وبالطرق الدستورية المعروفة وطبقا لما جاء في قانونها الأساسي السابق تفصيله- ثم استطردت المحكمة إلى دحض ما عزي إلى الجماعة من أنها وقد سعت إلى قلب نظام الحكم بالقوة أعدت لذلك جماعة إرهابية دبرت وأعدت وسميت بالنظام الخاص ، فقالت إن في التهم على هذه الصورة خلطا بين أمرين : الأمر الأول التدريب على استعمال الأسلحة وحرب العصابات ، الأمر الثاني ذلك الاتجاه الإرهابي الذي انزلق إليها بعض المتطرفين من أفراد تلك الجماعة ، وكان من أثر هذا الخلط أن انتهى الاتهام إلى القول بأن النظام الخاص بجملته نظام إرهابي. ورأت المحكمة وجوب التفرقة بين الأمرين لأن النظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادا عسكريا تطبيقا لما دعا إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدا لا هزلا وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي وأنه لابد من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل ، وأن حركة الإخوان تمر بثلاثة مراحل الأولى مرحلة التعريف بنشر الفكرة ، والمرحلة الثانية مرحلة التكوين لاستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد ونظام الدعوى في هذا الطور مدني من الناحية الروحية ، وعسكري من الناحية العملية وشعارها بين الناحيتين دائما أمر وطاعة بدون بحث ولا مراجعة ، والمرحلة الثالثة مرحلة التنفيذ. وهذا الإعداد دائما قصد به تحقيق ما ورد صريحا في قانون الجماعة من أن من بين أهدافها تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية. وهذا النظام الخاص بحكم هذا التكوين لا يدعو إلى الجريمة ولا يعيبه أن فريقا من أفراده كونوا من أنفسهم جماعة اتفقوا على أعمال القتل والنسف والتدمير –ثم استطردت المحكمة إلى أن مما يدل على أن النية لدى أفراد النظام الخاص كانت متجهة إلى مقاومة جيش الاحتلال بعض ما ضبط في السيارة من أوراق تحض على أعمال الفدائيين وأشير فيها إلى أن الصداقة البريطانية المصرية مهزلة.. وأن الإنجليز يظنون أن شعوب الشرق مسالمة ساذجة ، ثم تحدث كاتب هذه الأوراق عن التدريب على استعمال زجاجة مولوتوف وعرقلة المواصلات وتعطيل وسائل النقل الميكانيكية والقوات المدرعة وانتهى إلى القول في صراحة أنهم يقاومون العدو الغاصب –وقد ظهر أثر التدريب الروحي العسكري عندما قامت مشكلة فلسطين وأرسلت الجماعة الكثير من متطوعيها للقتال إذ شهد أمام المحكمة كل من اللواء أحمد بك علي المواوي القائد الأول لحملة فلسطين واللواء أحمد فؤاد صادق باشا الذي خلفه بما قام به هؤلاء المتطوعين من أعمال دلت على بسالتهم وحسن مرانهم وسمو روحهم المعنوية وبإلمامهم بفنون حرب العصابات –لئن كان ما نسبته المذكرة إن الجماعة فيما تقدم مخالف للحقيقة- إلا أن ما تضمنته المذكرة من ثبوت ارتكاب بعض المنتمين إلى هذه الجماعة جرائم قتل ونسف وتدير صحيح في أغلبه –وقد تلاحقت هذه الجرائم وازدحمت في الفترة السابقة على إصدار أمر الحل بصورة مروعة أخلت بالأمن إخلالا خطيرا وبسطت على البلاد سحابة سوداء من الإرهاب ، ومرد هذه الحوادث في مجموعها كما أشارت إلى ذلك محكمة جنايات القاهرة في حكمها المنوه عنه إلى أن بعض أفراد النظام الخاص للجمعية قد غرهم ما تقلوه من تدريبات عسكرية ومران على السلاح فأخطأوا التفكير وكونوا من أنفسهم هيئة إرهابية ظنا منهم أن أعمال الإرهاب توصلهم إلى أغراضهم من أقرب السبل –والمدعي نفسه لا ينكر أن هذه الحوادث الفردية وقعت من بعض المنتمين إلى الجماعة الذين اندفعوا تحت تأثير حماسة جامحة – فالتوى عليهم القصد وغم المراد ولكنه يستدرك بأنه لا يجوز أن تتحمل الهيئة بأجمعها وزر هذه الحوادث وإثمها وهي منها براء.
ومن حيث إنه إذا كانت التدابير التي يتخذها القائم على إجراء الأحكام العرفية سواء أكانت تدابير فردية أو تنظيمية ليست إلا قرارات إدارية يجب أن تتخذ في حدود القانون ويتعين أن تخضع لرقابة القضاء بالطريق المباشر وغير المباشر ، إلا أنه ينبغي من الجهة الأخرى كما قررت المحكمة من قبل أن يترك للسلطة القائمة على إجراء الأحكام –وهي وتواجه ظروفا استثنائية دقيقة تعمل فيها على إقرار الأمن وحفظ النظام في البلاد وتقوم على تأمين سلامة جيوشها في الخارج – يجب أن تترك لها حرية واسعة في تقدير ما يجب اتخاذه من التدابير والإجراءات بمقتضى سلطة تقديرية تختلف في مداها لا في وجوب بسط الرقابة عليها ، عن السلطة التقديرية التي تتمتع بها الإدارة في الظروف العادية المألوفة. وترى المحكمة على هدى ذلك أن السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية حين أصدرت الأمر المطعون فيه إذ قدرت أن الحال أصبحت تستوجب اتخاذ إجراء من شأنه وقف نشاط تلك الجماعة التي ارتكب أفراد عديدون ينتمون إليها تلك الحوادث المروعة وذلك حتى يتفاقم الخطر ويستفحل الضرر وحتى يطمأن إلى تأمين سلامة الجيوش المصرية في فلسطين وتأمين هذه السلامة مرتبط إلى حد كبير باستقرار الأمن في البلاد ، إذ قررت ذلك في تلك الظروف الاستثنائية القاسية. إنما تكون قد استهدفت تحقيق مصلحة عامة وأصدرت قرارها بناء على أسباب تبرره استخلصتها استخلاصا من وقائع صحيحة ، ولا يقدح في ذلك أن الجماعة نفسها غير مسئولة عن تلك الحوادث بحجة أنه قد ارتكبها أفراد بغير تحريضها أو علمها وإن كانوا ينتمون إليها فلا يجوز أن تتحمل وزر أعمالهم –لا وجه لذلك ما دام الحال قد أصبح يستوجب عدم تمكين أفراد هذه الهيئة من الاجتماع بعد أن كون بعضهم هيئة إرهابية اقترفت ما اقترفته من حوادث مروعة –ولا شك في أن استمرار نشاط الجمعية في مركزها الرئيس بالقاهرة أو مراكز شعبها العديدة ييسر لهؤلاء الإرهابيين سبيل الاجتماع وتمكينهم من الإمعان في أعمالهم الإرهابية والتأثير في سائر الأفراد المنتمين إلى الجماعة بماقد يوجههم إلى أن يسلكوا نفس هذا الطريق بالغ الخطورة ، إلا أنه من الناحية الأخرى ينبغي أن يكون الإجراء الذي اتخذته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية لتحقيق الغرض المشار إليه بالقدر الذي يسمح به القانون لأن نظام الأحكام العرفية كما سلف إيضاحه ، وإن كان نظاما استثنائيا ، إلا أنه ليس بالنظام المطلق بل هو نظام خاضع للقانون وضع الدستور أساسه وبين قانون الأحكام العرفية أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه فوجب أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الأصول والأحكام وفي نطاق هذه الحدود والضوابط وإلا كان ما يتخذ من التدابير والإجراءات مجاوزا لهذه الحدود عملا مخالفا للقانون تنبسط عليه رقابة هذه المحكمة فتقضي بإلغائه فيما جاوز تلك الحدود.
ومن حيث إن أمر الحل رقم 63 لسنة 1948 قد استند في ديباجته إلى البند الثامن من المادة الثالثة من القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بنظام الأحكام العرفية فيتعين تحديد مدى السلطة المخولة للحاكم العسكري بمقتضى هذا النص.
ومن حيث إن هذا النص قد جرى بما يلي : « منع أي اجتماع عام وحله بالقوة وكذلك منع أي ناد أو جمعية أو اجتماع وحله بالقوة » وليس من شك في أن المقصود من هذا النص هو تحويل الحاكم العسكري في سبيل صون الأمن وحفظ النظام الإشراف والهيمنة على الاجتماعات لما قد تؤدي إليه من إخلال بالأمن والنظام وحفظ ذلك هو الغاية التي من أجلها وسدت إليه السلطة بموجب قانون الأحكام العرفية ، فله بموجب هذه السلطة منع الاجتماع قبل عقدة كإجراء وقائي ، وله حل الاجتماع وفضه بالقوة بعد عقده كإجراء علاجي ، وهو لا يمارس فقط السلطة المخولة للإدارة بالقانون رقم 14 لسنة 1923 الخاص بالاجتماعات العامة والذي يسري سواء في أثناء قيام الأحكام العرفية أو في غير قيامها. وإنما هو يمارس سلطة خاصة أشمل وأوسع ، فبعد أن تحدث النص المذكور عن الاجتماع العام تحدث عن صور أخرى للاجتماع وضرب لها مثلا بالنادي والجمعية ثم انتقل من التمثيل إلى التعميم فأطلق الحكم شاملا لأي اجتماع والعبارة الفرنسية للنص وهي التي صدر بها أكثر وضوحا.
"interdire ou dissoubre avee l employ de la foree tout eercle .club. associafion ou reunion أي أن يمنع ، ويحل ، باستخدام القوة أية حلقة أو أي ناد أو جمعية أو اجتماع.
ومن حيث إن المقصود بالاجتماع بمقتضى النص المذكور وبحسب روحه وأهدافه ومراميه. وهو تواجد لفيف من الناس في مكان معين قد يخل تواجدهم فيه بالأمن والنظام ، فخول الحاكم العسكري سلطة منع هذا التواجد ثم حله إذا تم أي تفريقه بالقوة ، فسلطته في حل الجمعية لا تشمل القضاء على شخصيتها المعنوية وإعدام حياتها القانونية وتصفية أموالها التي تتكون منها ذمتها المالية ، وآية ذلك أن المشرع قرر الحل باستخدام القوة وهي بطبيعتها لا تتوجه إلا إلى الاجتماع الذي هو مظهر مادي ، لا إلى الشخصية القانونية التي هي وضع أو تكييف قانوني. كما يؤكده أن عبارتي « المنع » « والحل بالقوة » قد استعملهما المشرع بالمعنى ذاته في القانون الذي أصدره في الوقت عينه ألا وهو القانون رقم 14 لسنة 1922 الخاص العسكري سلطة القضاء نهائياً على الجمعيات بما يعدم حياتها القانونية يجر إلى تخويله سلطة إعدام الأحزاب السياسي التي لا تخرج عن أن تكون جمعيات تتميز بأغراضها السياسية ، وهذا يخل بحكم المادة 155 من الدستور التي تمنع أثناء قيام الأحكام العرفية تعطيل انعقاد البرلمان – إذ البرلمان إنما ينعقد بعد انتخاب تشترك فيه الأحزاب السياسية التي هي دعامة الحياة البرلمانية ، وقد عبر عن ذلك القانون رقم 66 لسنة 1951 بقوله « إن المصريين يشتركون بما لهم من تشكيلات سياسية في حكم البلاد وفي توجيه سياستها عن طريق الاشتراك في الانتخابات العامة في البرلمان » كما يؤيده أن تعطيل أحكام الدستور بمقتضى نظام الأحكام العرفية طبقا للمادة 155 من الدستور لا يكون إلا وقتيا مما يخرج منه بداهة أن يتحول تعطيل حق المصريين في تكوين الجمعيات وهو حق كفله الدستور ، إلى إعدام أصل الحق في ذاته بصفة دائمة ونهائية.
ومن حيث إنه يبين من تقضي نصوص الأمر رقم 63 لسنة 1948 أنه شمل أحكاما لا تقف عند حد تعطيل نشاط الجمعية وقتيا أي منع اجتماعات مجلس إدارتها وشعبها وأعضائها والمنتمين إليها بل بلغ بها المدى إلى القضاء على الجمعية ذاتها بإعدام حياتها القانونية وإهدار شخصيتها المعنوية وتصفية أموالها التي تتكون منها ذمتها المالية وتخصيص الناتج من التصفية لغاية أخرى غير الغاية التي تكونت من أجلها الجمعية ومن ثم فأمر الحل لا يكون مطابقاً للقانون إلا في أحكامه التي جاءت على المعنى الأول ومخالفا للقانون في تلك الأحكام التي انزلق إليها الأمر الأخير ، ولا يقدح في ذلك ما تتحدى به الحكومة من أنه أياً كان ما تضمنه هذا الأمر من أحكام ولو جاوزت حدود السلطة المخولة للحاكم العسكري قانونا فإنا قد أصبحت تشريعا عاديا ملحقا بالقانون رقم 59 لسنة 1950 ولها قوته ما دامت السلطة التشريعية حين وافقت على استمرار العمل بأمر الحل ولو لأجل موقوت – يعبر أن ها قد أجازته ضمنيا وسوغت تلك الأحكام ولو كانت انطوت على مجاوزة الحاكم العسكري وقت إصدارها لحدود سلطته – لا وجه لذلك لأنه يتبين من استقراء المناقشات البرلمانية في هذا الشأن ، أنه لم يقصد باستمرار العمل بالأمر المذكور إلا على معنى وقف نشاط الجمعية وقتيا بغلق مركزها وشعبها ومنع اجتماعات مجلس إدارتها وشعبها ومديريها وأعضائها والمنتمين إليها وما قد يستلزمه ذلك من إجراءات وتدابير وقتية تحقق هذا الغرض أو تكون من مستلزماته ، ولم يحمل استمرار العمل بالأمر المذكور على معنى القضاء على الجمعية في ذاتها ، وإهدار شخصيتها المعنوية وإعدام حياتها القانونية وآية ذلك أنه أضيف في البرلمان على مشروع القانون المقدم من الحومة فقرة نصها الآتي : « على أنه لا يجوز استنادا إلى هذا الأمر اتخاذ أي إجراء من شأنه تخصيص الناتج من تصفية أموال الجمعية للأعمال الخيرية » وقد جاء في تقرير لجنة الشيوخ التي اقترحت إدخال هذا النص ما يأتي : « كما أضافت اللجنة إلى هذا البند حكماً تضمنته فقرة جديدة بمنع تنفيذ هذا النوع من المصادرة لأموال هذه الجمعية لتنافي هذا الحكم مع أحكام الدستور ولتجاوزه حدود السلطة المخولة للحاكم العسكري بموجب قانون الأحكام العرفية نفسه وعلى ذلك تبقى هذه الأموال سواء ما صفي منها أو لم يصف محفوظة تحت الحراسة دون تصرف فيها إلى أن يتم التصرف فيها طبقا لأحكام القوانين الخاصة بالأشخاص المعنوية والجمعيات جملة ». وغنى عن البيان أن هذا قاطع الدلالة على أن القانون رقم 50 لسنة 1950 لم يقصد أن يسوغ تصرف الحاكم العسكري فيما جاوز فيه سلطته من القضاء على الجمعية نهائياً وإهدار شخصيتها المعنوية وإعدام حياتها القانونية ، وتصفية ذاتها المالية وتخصيصها لغير الغاية التي تكونت من أجلها الجمعية ، لم يقصد القانون المذكور أن يسوع ذلك ، أو يضفي عليه الصفة التشريعية ، بل على العكس قد نحا المنحى الطبيعي الذي يتفق مع الدستور والقانون حين حظر الاستمرار في التصفية وأكد أن ذلك مخالف للدستور والقانون وأشارت اللجنة إلى حفظ ناتج التصفية تحت يد الحراسة إلى أن تسترجع الجمعية نشاطها القانوني بعد الأجل المضروب فيتم التصرف في تلك الأموال طبقا لأحكام القوانين الخاصة بالأشخاص المعنوية والجمعيات جملة.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة :
أولاً : وفي الدفوع الفرعية برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها ، وبرفض الدفع بعدم جواز سماع الدعوى وبسماعها وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى المقدم على أساس أن جمعية الإخوان المسلمين لا وجود لها وبقبولها ، وبعدم قوبل الدعوى رقم 176 لسنة 3 قضائية المرفوعة من الأستاذ عبد الكريم منصور وزكريا عبد الرحمن لرفعها من غير ذي صفة في التقاضي عن الجمعية.
ثانيًا : وفي موضوع الدعوى رقم 190 لسنة 3 ق المرفوعة من الأستاذ عبد الحكيم عابدين بصفته ، بإلغاء الأمر العسكري رقم 63 بحل جمعية الإخوان المسلمين فيما تضمنه من أحكام ترمي إلى القضاء على ذات الجمعية وإنهاء حياتها القانونية وتصفية الأموال المكونة لذمتها المالية ، وما ترتب على ذلك من أوامر أو آثار في الخصوص المذكور وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ ألفي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
(صدر هذا الحكم من الدائرة الثانية المشكلة بالهيئة السابقة)