في عهد الانتقال

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
في عهد الانتقال

أحظر العهود في حياة الأمم و أولاها بتدقيق النظر في عهد الانتقال من حال إلى حال ، إذ توضع مناهج العهد الجديد و ترسم خططه و قواعده التي يراد تنشئة الأمة عليها و التزامها إياها ، فإذا كانت هذه الخطط و القواعد و المناهج واضحة صالحة قويمة ، فبشر هذه الأمة بحياة طويلة مديدة و أعمال جليلة مجيدة , و بشر قادتها إلى هذا الفوز و أدلتها في هذا الخير بعظيم الأجر و خلود الذكر و إنصاف التاريخ و حسن الأحدوثة .

و لقد كانت مهمة قادة الشعوب الشرقية ذات شطرين :

" أولهما : تخليص الأمة من قيودها السياسية حتى تنال حريتها و يرجع إليها ما فقدت من استقلالها و سيادتها .

" ثانيهما ": بناؤها من جديد لتسلك طريقها بين الأمم و تنافس غيرها في درجات الكمال الاجتماعي .

و الآن وقد وضع النضال السياسي أوزاره إلى حين , فقد أصبح هؤلاء القادة يستقبلون بالأمة عهدا جديدا , فإنكم سترون أمامكم طريقين كل منهما يهيب بكم أن توجهوا الأمة وجهته و تسلكوا بها سبيله , و لكل منهما خواصه و مميزاته و آثاره و نتائجه و دعاته و مروجوه , فأما الأول فطريق" الاسلام " و أص2وله و قواعده و حضارته و مدنيته .

و أما الثاني فطريق " الغرب " و مظاهر حياته و نظمها و مناهجها .

و عقيدتنا أن الطريق الأول طريق " الاسلام " و قواعده و أصوله هو الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلك , و أن توجه إليه الأمة في كل شئونه و أن الطريق الثاني أخطر شيء على حياة الأمة الحاضرة و المستقبلة .

و أننا إذا سلكنا بالأمة هذا المسلك استطعنا أن نحصل على فوائد كثيرة منها :

ان المنهاج السلامي واضح محدود فلا نضيع وقتا في ابتكار التجارب , و اختراع النظم .

و هو كذلك قد جرب من قبل وشهد التاريخ بصلاحيته , و أخرج للناس أمة من أقوى الأمم و أفضلها و أرحمها و أبرها و أبركها على الانسانية جميعا .

و له من قدسيته و استقراره في نفوس الناس ما يسهل على الجميع تناوله و فقهه و الاستجابه له و السير عليه متى وجهوا اليه .

و فيه اعتزاز بالقومية و الإشادة بالوطنية الخالصة , إذ أننا نبني حياتنا على قواعدنا و أصولنا , و لا نأخذ عن غيرنا . و في ذلك أفضل معاني الاستقلال الاجتماعي و الحيوي بعد الاستقلال السياسي .

و هذا المنهاج هو أقرب المناهج إلى أرواحنا و ألصقها بنفوسنا فقد صحبناه أربعة عشر قرنا تأصل فبها في النفوس و افتدى بالدماء و الأرواح .

و في السير عليه تقوية للوحدة العربية أولا ثم للوحدة الاسلامية ثانيا , فيمدنا العالم الإسلامي كله بروحه و شعوره و عطفه و تأييده , و يرى فينا أخوة ينجدهم و ينجدونه و يمدهم و يمدونه .

و في ذلك ربح أدبي كبير لا يزهد فيه غافل .

و فضلا عن أنه تام شامل كفيل بتقرير أفضل النظم للحياة العامة في الأمة عملية و روحية , و هذه هي الميزة التي يمتاز بها الاسلام , فهو يضع نظم الحياة للأمم على أساسين مهمين : أخذ الصالح و تجنب الضار .

فإذا سلكنا هذا السبيل استطعنا أن نتجنب المشاكل الحيوية التي وقعت فيها الدول الأخرى التي لم تعرف هذا الطريق و لم تسلكه , بل استطعنا أن نحل كثيرا من المشاكل المعقدة التي عجزت عن حلها النظم الحالية , و إنا نذكر هنا كلمة برنارد شو : " ما أشد حاجة العالم في عصره الحديث إلى رجل "كمحمد " يحل مشاكله القائمة المعقدة بينما يتناول فنجانا من القهوة " .

و العالم كله الآن في تخبط و في أشد الحاجة إلى "الدولة الفاضلة " التي تكون أمة نموذجية في حياة صحيحة سعيدة , و لا يخلق هذه الأمة إلا الاسلام , فلنكن نحن هذه الأمة التي تتقدم إلى عجلة القيادة فتقود الدنيا بالإسلام إلى الخير و السلام .[[تصنيف:رسائل الإمام حسن البنا