عوانس فتح وعجزة العرب يتآمرون على حماس
الكاتب: أ.د./ توفيق الواعي
أن ترى تآمرَ ذوي القربى غير المبرر فهذا شيء كارثي بمعنى الكلمة، وأن ترى صبر حماس وتحمُّلَها لكل هذه الضغوط فهذا أمرٌ يفوق التصور والتوقعات، ويبعث الأمل في شباب تلك الأمة، ويطرد اليأس عنها، ولن يبقى السؤال الحائر الذي يجاب عليه لم كل هذا الظلم من ذوي القربى؟! وصدق القائل:
وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهنَّد
ذوو القربى الذين فُجع فيهم الجميع وحسبهم الناس سندًا، فإذا بهم هلاكٌ وبغضٌ، وصدق القائل:
وخلتهمو سهامًا صائباتٍ فكانوها ولكن في فؤادي
دائمًا تفرح الشعوب الحية بشبابها الناهض، وكفاحهم العظيم، وصمودهم القوي، هذا الشيء فطريٌّ في نفوس الناس، يحبون من يحمل عنهم ويرعى مصالحَهم ويدافع عن بيضتهم، سواءٌ كان هؤلاء الناس من العامة أو من المتعلمين الذين لم تتلوث ضمائرهم بالأطماع والأحقاد، ولكن القلوب التي غلَّفها القذر، والنفوس التي لوَّثها الوحل شيء آخر، لا ترى إلا نفسها، ولا تحب إلا شهواتها وأطماعها، فحاجات الناس عندهم لا أثر لها، والوطنية والدفاع عن حرمات الناس ومقدساتهم شعارٌ يلعب به على عواطف الشعوب، ويدغدغ مشاعر السذَّج من أصحاب القلوب البيضاء النقية، وشاء الله أن يفضح هؤلاء الأفَّاقين على رؤوس الأشهاد.
فبعد فوز حركة حماس الساحق وبعد تأييد الشعب الفلسطيني البطل لها تحركت فئات المنتفعين والانتهازيين والمتسلقين والوصوليين وفئران السفينة الفلسطينية، يؤازرهم معدومو الضمير وفاقدو الانتماء والكرامة وأباطرة الفساد، الذين مارسوا بغاء الفعل والقول، وتاجروا بدماء شعبهم وقضيتهم الوطنية، وعاشوا على موائد الصهاينة وفتات العمالات، جمعٌ غريبٌ، وخليطٌ عجيبٌ، يتجمع لإغراق السفينة الفلسطينية التي انتصب شراعها وصحا ربانها، وتوجهت مجاديفها إلى الطريق الصحيح!!
أصارحكم القول لقد أُصيبت الأمة الإسلامية بالدهشة فضلاً عن الأمة العربية من هذا الموقف الغريب وذلك الهجوم الشرس على حركة مخلصة بطلة، ضحَّت بقادتها ورجالها المغاوير في سبيل عزِّ بلادها، ومجد أمتها، وحفظ مقدساتها.. هجوم محموم من فلسطين، وأنظمة عربية تعفَّنت وتقيَّحت وتمرَّغت في الأوحال، وعجزت حتى عن أن تدفع عن وجهها الذبابَ الذي ينهش في جراحها الملوثة، تستأسد اليوم على مجاهديها، لا على اليهود المحتلين، تتعاظم في الفتن النذالة، لا في ميادين النزال والكفاح، وتتنادَى إلى السلاح، وكانت تتنادى إلى الدينار والدرهم لتسرقه وإلى قوت الفقير والمحتاج لتنهبه وتفترسه!!
هذا وقد تناغمت تلك النفايات المسكينة مع القوى الأجنبية السائرة في فلك الصهيونية بزعامة الولايات المتحدة على حماس المنتخَبة انتخابًا شرعيًّا ديمقراطيًّا نزيهًا من قبَل الشعب الفلسطيني البطل، والغريب أنه قد انضمت إلى تلك الجَوْقة أطرافٌ عربية موجَّهة بالريموت كنترول من أمريكا، سواءٌ كانت أحزابًا أو حكوماتٍ أو مؤسساتٍ اقتصادية، وللحقيقة فإن الموقف الأمريكي والأوروبي ليس مستغرَبًا وليس بجديد، لكنَّ الغريب هو تلك الأصوات العربية التي تطالب حماس بتلبية مطالب المجتمع الدولي التي هي في الحقيقة مطالب الصهيونية، وهي الالتزام باتفاقيات السلام والتخلي عن المقاومة أو ما يسمَّى بالإرهاب من دون قيد أو شرط.
هذه المعادلة تستند إلى مغالطة واضحة؛ لأن إسرائيل أمرٌ واقعٌ وليست بحاجة للاعتراف بها، أما الذي يحتاج إلى الاعتراف به هو الشعب الفلسطيني، وحكومة حماس المنتخَبة من الشعب الفلسطيني، وأما عن اتفاق أوسلو الذي تطالب حماس بالاعتراف به فقد مزَّقته (إسرائيل) منذ زمن، وأقامت على أشلائه ما يسمى بـ(خريطة الطريق)، التي وضعت عليها (إسرائيل) أربع عشرة ملاحظة، واعتبرتها غير مقبولة لا شكلاً ولا موضوعًا فكيف تطالب حماس بالاعتراف بشيء وهمي غير معترف به من الصهاينة؟! وأما مطالبة حماس بإلقاء السلاح قبل إنهاء الاحتلال فهذا يسمى بالاستسلام بدون قيد أو شرط، وهذا هو العار الذي تطالبنا به (إسرائيل) وليس هذا مقبولاً لأمة تعتبر ثلث العالم تعدادًا، ولها من التاريخ والأمجاد ما يعجز الإنسان عن وصفه!!
ويحق لنا ويحق لكل غيور في هذه الأمة أن يتساءل: من يدافع عن حماس وعن ضمير الأمة اليوم؟! ومن الذي سيقف في وجه طغاة العالم؟ إن منظمة "إيباك" اليهودية أخذت على عاتقها إثارة العالم ضد الفلسطينيين وقيادة العالم لتبنِّي سياسة التجويع لهذا الشعب المظلوم، والعرب وحكومات الشعوب الإسلامية يغطُّون في سبات عميق، وفقدوا الإحساس والنخوة.. بل حتى الرجولة، ولفداحة هذا الظلم انطلقت أصوات في الغرب بل حتى في أمريكا تشجب هذا الظلم.
يقول عضو الكونجرس الأمريكي جون دينفل الديمقراطي: "إن مشكلة الشرق الأوسط لن تُحلَّ بتجويع الشعب الفلسطيني؛ فهو شعبٌ بائسٌ ومحاصَرٌ بين الجدران، ويعاني من معدلات البطالة العالية والمشكلات الصحية وغيرها"، وقد اعترض بعض الأعضاء في مجلس النواب الأمريكي على قانون أمريكا الجائر بمنع المعونات عن الشعب الفلسطيني.
وفي خطوةٍ مثيرةٍ للدهشة كتبت عضوة في مجلس النواب من الذين صوَّتوا ضد القانون رسالةً تم توزيعها على نطاق واسع لرئيس "إيباك" تندِّد فيها بالطريقة التي مارست بها "إيباك" ضغوطَها من أجل تأييد القانون، وعبَّرت فيها عن غضبها لوصف ممثل "ايباك" لمعارضتها للقانون بأنه "دعمٌ للإرهاب لا يمكن التسامح إزاءَه" وطالبت "إيباك" بالاعتذار بعد أن أشارت إلى الأسباب التي حملتها على معارضة القانون والتنويه بمعارضتها لحركة حماس، ودعمت رسالتها بالإشارة إلى أنه "حتى أتلقَّى اعتذارًا رسميًّا مكتوبًا فإن ممثلي "إيباك" غير مرحَّب بهم في مكتبي".
ولم نسمع عن أحد من سلطاتنا العزيزة فتح فمه الشريف بكلمة واحدة دفاعًا عن الذين يتضوَّرون جوعًا في بلادهم المحتلة، وتنزل عليهم كل يوم أطنان القنابل من الجو والأرض والبحر، أو حتى احتجاجًا على هذه القوانين المجحِفة بحق الإنسانية.. هل أصبح يا قوم حتى الكلام محرَّمًا؟! ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُوْنَ﴾ (يوسف: من الآية 21).
المصدر
- مقال:عوانس فتح وعجزة العرب يتآمرون على حماسهدى الإسلام