علاقة الإخوان بالقضاء والقضاة (الحلقة الثانية)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
علاقة الإخوان بالقضاء والقضاة


(الحلقة الثانية)

إخوان ويكي

مقدمة

تحدثنا في الحلقة الأولى لقيمة القضاء في فكر الإخوان المسلمين، وتقديسهم للعدالة التي تحكم بين الناس بالعدل، ولم يقف الأمر على ذلك بل انتسب بعض القضاء لجماعة الإخوان لتلاقي فكر الجماعة مع فكر المؤسسة القضائية وهي إقامة العدل على الجميع، وكيف كان القضاء حجر زاوية في الحكم الملكي

حيث لم يرضخ لأوامر الانجليز أو الملك وظل متمسكا بيمين العدالة الذي أقسمه لينشر العدل والأمان وسط الناس وظل الأمر كذلك متماسك حتى أهدرت العدالة على منصات الحكم العسكري لعبد الناصر ومن جاءوا بعده، فأهدرت الكرامة وأصبح كثير من القضاة لا يهمه إلا إرضاء الحاكم حتى يظل ينعم ما يجود به عليه من نعم وعلى ذويه من بعده.

ولقد تعرفنا أن الإخوان يدعون للإصلاح منذ نشأت دعوتهم، وهم على استعداد للتعاون مع أي شخص أو حزب أو منظمة أو حكومة تدعو للإصلاح أو تطبقه، وتنصاع لإرادة الشعب وتتوخى مصلحته وتحترم حرياته وحقوقه، وتلتزم بسيادة القانون. ورغم أن الإخوان جماعة أسست على أساس قانوني وبعلم جميع المؤسسات في مصر ثم انتشرت في ربوع العالم ولاقت ترحيب كثير من الشعوب والمؤسسات الرسمية في تلك البلاد وساهمت في كثير من قضايا المجتمع المصري والإسلامي ودفعت بأبنائها للتصدي للعصابات الصهيونية بفلسطين فكان جزاؤهم من الحكومات العميلة إلا الحبس والحل

بل أكثر من ذلك حينما تصدى بعض أفرادها للمحتل وتصرفاته المشينة ضد رجال ونساء الشعب المصري وجدوا بعض القضاة الذين حابوا المحتل على حساب أبناء الوطن مدعين ذلك أن المحتل شركاء في الوطن بموجب معاهدة 1936م فثارت نفوس كثير من الشباب الذي رأى الخيانة واضحة في عيون وقلوب وألسنة هؤلاء العملاء، فحدث الصدام.

القضاة وصدمات على الطريق

كانت مصر تصرخ وتأن من التصرفات المشينة الذي يمارسه جنود المحتل الانجليزي في حق أفراد المجتمع المصري مما دفع كثير من الشباب الحر الثائر أن يشكل مجموعات مسلحة للتصدى لبعض تصرفات جنود المحتل أمثال جماعة أولاد عنايت وجماعة حسين توفيق –والذي كان أنور السادات أحد أفرادها- والتي قامت باغتيال الوزير الوفدي أمين عثمان بسبب مقولته (إن مصر تزوجت من بريطانيا زواجا كاثوليكيا) فاعتبرته هذه المجموعة أحد الخونة الذين فرطوا في حق الوطن وقاموا باغتياله، وأيضا إبراهيم الورداني الذي اغتال بطرس غالي الذي حكم بالإعدام على فقراء دنشواي لصالح جندي محتل مات من أثر ضربة شمس. (1)

وقام احمد العيسوي بإطلاق الرصاص على رئيس الوزراء أحمد ماهر وكان العيسوي ينتمي للحزب الوطني (2) ، ومن ثم نرى أن البلاد كانت تعيش حالة احتقان ضد المحتل وأعوانه. كانت مصر – مثلها مثل كل دولة محتلة- يظهر فيها شباب ورجال ثاروا ضد وجود المحتل على أراضيهم وكان من ضمن هؤلاء مجموعة النظام الخاص الذي شكلها حسن البنا لهدفين:

  1. التصدي للمحتل الانجليزي داخل مصر
  2. التصدي للمحاولات الصهيونية ضد الفلسطينيين

وأصبح هذا النظام له قيادته التي تدير شئونها بالشورى بينهم ووفق المصلحة العامة للوطن دون أن يحيدوا عن شرع الله، غير أن التصرفات الاستفزازية لبعض المحسوبين على المحتل دفعت بعضهم بأخذ قرارات فردية لا يقرها الدين ولا تقرها أسس ومبادئ الجماعة فعادت على الجماعة بالضرر وأصبحت سبة في جبينها يحاسب عليها كل من أنتسب إليها، ومن هذه التصرفات الفردية المشينة قتل المستشار أحمد الخازندار.

مقتل الخازندار

في هذه الأجواء والشجون الوطني التي كانت تتملك الشباب المصري الغاضب من تصرفات الحكومة والملك ومهادنة المحتل وانفاق مقدرات الوطن على سلامة جنود المستعمر والانتهاكات التي يمارسها جنوده، قاما بعض أعضاء حزب مصر الفتاة بإلقاء القنابل على النادي الانجليزي بالإسكندرية وكان ذلك في احتفالات الكريسماس عام 1946م فقبض عليهم، وقدما للمحاكمة أمام دائرة المستشار أحمد بك الخازندار

والذي فاجأ الرأى العام بقسوة الحكم حيث حكم عليهم بعشر سنوات، في حين كان يتناول قضية أخرى اهتم من اجلها الرأى العام لبشاعة الجرم الذي ارتكبه المتهم حسن قناوي – والذي كان يعمل مقاولا في الإسكندرية وكان يمارس الشذوذ مع الشباب ثم يقتلهم في الحدائق العامة- واهتمت الصحافة كما اهتم الرأى العام بمجريات ومتابعة هذه القضية التى هزت أركان المجتمع السكندري

حتى أن النيابة طلبت بالإعدام في حق المتهم غير أن الخازندار حكم عليه بسبع سنوات فكانت صدمة وسبب الحكم استياء للرأي العام ورأى الجميع فساد القاضي في هذه الحكم خاصة أن هؤلاء الشباب لم ترتكبوا جرم في حق الوطن لكنهم أرادوا تلقين المحتل درسا لكنهم صدموا بالدرس من القاضي المصري الذي حكم عليهم من اجل الانجليز.

لم يمر العام حتى فوجئ الجميع بانتقال أحمد الخازندار إلى القاهرة وحدث أن كان رأس السنة وكان المحتل وجنوده يحتفلون بعيد الكريسماس في النادي الانجليزي بالقاهرة وتصادف مرور اثنين من شباب الإخوان بجوار النادي وكان أحدهم يحمل قنبلة صوت فراودتهم أنفسهم أن يثيروا الرعب في قلوب المحتل فألقوها على النادي في هذا الوقت فأحدثت صوتا غير أنهم لم يتمكنوا من الهروب وأحاط بهم رجال البوليس من كل مكان وتم القبض عليهم، وقدما للمحاكمة أمام الخازندار فحكم عليهم بثلاث سنوات مع الشغل بحجة أن الإنجليز حلفاء وأنهم يدافعون عن البلاد

حيث تعجب الأستاذ فتحي رضوان (المحامي المعروف ومؤسس مصر الفتاة والحزب الوطني الجديد) وكان محامي أحد المتهمين وقال للقاضي إن الانجليز محتلين وأعداء لهذا الوطن، فانتفض الخازندار وضرب بيده على المنصة وقال: لا تقول أعداء يا أستاذ لكنهم حلفاء يدافعون عن الوطن بموجب معاهدة الشرف والاستقلال الذي عقدها الوفد مع الانجليز عام 1936م. كل هذه الحوادث أججت الشعور الوطني، وشغلت الرأي العام والذي استشاط غضبًا من هذه الأحكام الظالمة ضد شباب وطني. (3)

مما دفع بعض شباب الإخوان دون إذن من حسن البنا أو المجلس الاستشاري للنظام الخاص بدافع حماسة الشباب دون تروي وقاموا بقتل أحمد الخازندار وهما (محمود سعيد زينهم طالب بمدرسة الصناعات الميكانيكية، حسن محمد عبد الحافظ طالب بالتوجهية) وقبض عليهم وحكمت عليهما المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة، وفيها حاسب الإمام البنا عبد الرحمن السندي – رئيس النظام الخاص – على عدم استشارته فيما حدث وعلى قراره الفردي باغتيال الخازندار دون معرفة المرشد العام أو قيادات الجماعة. (4)

وقامت النيابة باستدعاء المرشد العام حسن البنا وقام بالتحقيق معه النائب العام محمود منصور غير أنه أفرج عنه لعدم وجود دليل على تورطه أو تورط الجماعة في هذا الحادث. وقال الدكتور عبد العزيز كامل، عضو النظام الخاص بالإخوان المسلمين ووزير الأوقاف الأسبق في مذكراته: فإنه خلال الجلسة التى عقدت فى اليوم التالى لواقعة الاغتيال، بدا البنا متوتراً للغاية وقد عقدت هذه الجلسة لمناقشة ما حدث وما قد يسفر عنه من تداعيات، ورأس حسن البنا هذه الجلسة التى حضرها أعضاء النظام الخاص.

وبدا المرشد متوتراً وعصبياً وبجواره عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم الخاص الذى كان لا يقل توتراً وتحفزاً عن البنا، وفى هذه الجلسة قال المرشد: انا لم يصدر منى كلمة بقتل أحد، ولم أكلف أحداً بتنفيذ ذلك، لكنى فوجئت بالتنفيذ، وكان البنا مساء يوم الحادث، ولهول ما حدث صلى العشاء ٣ ركعات وأكمل الركعة سهواً وهى المرة الوحيدة التى شاهد فيها أعضاء التنظيم المرشد يسهو فى الصلاة. (5)

ويقول الدكتور محمود عساف:

"كنت مستشارا لمجلس إدارة النظام الخاص منذ عام 1945م = 1364هـ باعتباره أمينا للمعلومات تابعا للإمام حسن البنا وكنا نحضر الاجتماعات وعرض مقتل المستشار الخازندار وأنا مستشار لمجلس إدارة النظام. ولم يكن مجلس الإدارة يعلم شيئا عن هذه الواقعة إلا بعد أن قرأناها في الصحف وعرفنا أنه قد قبض على اثنين من الإخوان قتلا الرجل في ضاحية حلوان ومعهما دراجتان لم تتح لهما فرصة الهرب حيث قبض الناس عليهما .
في ذات اليوم طلب الأستاذ الإمام عقد اجتماع لمجلس الإدارة بمنزل عبد الرحمن السندي وحضر الأستاذ بعد صلاة العشاء وبصحبته شخص آخر. لا أذكر إن كان حسين كمال الدين المسئول عن الجوالة أو صلاح شادي رئيس نظام الوحدات الذى كان يضم ضباط وجنود البوليس. "منزل عبد الرحمن السندي يقع فى شارع جوهر بالدقى ."
دخل الأستاذ وهو متجهم . وجلس غاضبا . ثم سأل عبد الرحمن السندي قائلا : أليست عندك تعليمات بألا تفعل شيئا إلا بإذن صريح منى...؟!.
قال: بلى....! .
قال: كيف تسنى لك أن تفعل هذه الفعلة بغير إذن وبغير عرض على مجلس إدارة النظام .؟... هل أصرح لكم وأنا لا أدرى. ؟...!.
قال عبد الرحمن : لقد كتبت إلى فضيلتكم أقول: ما رأيكم دام فضلك في حاكم ظالم يحكم بغير ما أنزل الله ويوقع الأذى بالمسلمين ويمالىء الكفار والمشركين والمجرمين...؟!.
فقلتم فضيلتكم:( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ...) فاعتبرت هذا إذنا...!!.
قال الإمام : إن طلبك الإذن كان تلاعبا بالألفاظ . لم يكن إلا مسألة عامة تطلب فيها فتوى عامة . أما موضوع الخازندار فهو موضوع محدد لابد من الإذن الصريح فيه . ثم إنك ارتكبت عدة أخطاء : لم تعرض الأمر على مجلس النظام . ولم تطلب إذنا صريحا . وقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله . واعتبرته يحكم بغير ماأنزل الله وهو يحكم بالقانون المفروض عليه من الدولة . ولو افترضنا أنه كان قاسيا . فإن القسوة ليست مبررا للقتل.

ويضبف عساف على لسان البنا قوله:

"إن الإخوان كجماعة إسلامية لا تقر الاغتيالات السياسية وتنظيمهم الخاص كان مُخصصا لأعمال الجهاد في سبيل الله. فهو- كتنظيم - برىء كل البراءة من هذا الحادث الذى يقع وزره على رئيس النظام وحده . لهذا كان استنكار الإمام لهذا الحادث علنا أمام إخوانه جميعا". (6)

ولسنا نسوق ذلك رضًا بما عملا الشابين أو دفاعًا عنهما بعد أن قال القضاء كلمته، ولكننا إنما نسوقه لندفع عن هيئة الإخوان أن تكون هى مصدر التدبير أو الإيعاز ونرد على كل آفك أثيم لا يريد للحقيقة أن تعرف على وجهها الحقيقي ويلويها حسب مصالحة وأهواءه، حيث يتضح أن الأفعال الفردية لا يعاقب من أجلها جماعات، وإلا لكان ما قام به الوفد وغيره لابد أن يوضع كما وضع النظام الخاص في دائرة الاتهام.

فمثلا جمال عبد الناصر شارك في محاولة فاشلة لاغتيال اللواء حسين سري عامر قائد سلاح حرس الحدود ومرشح الملك لرئاسة نادي الضباط وأحد قادة الجيش الذين تورطوا في حماية مصالح القصر في يناير 1952 وكان عبد الناصر هو المخطط للعملية وشاركه في تنفيذها حسن إبراهيم وحسن التهامي وكمال رفعت من الضباط الأحرار

ويحكي عبد الناصر عن هذه المحاولة في كتابه (فلسفة الثورة) قائلا:

" وأعترف- ولعل النائب العام لا يؤاخذني بهذا الاعتراف- أن الاغتيالات السياسية توهجت في خيالي المشتعل في تلك الفترة على أنها العمل الإيجابي الذي لا مفر من الإقدام عليه إذا كان يجب أن ننقذ مستقبل وطننا. وفكرتُ في اغتيال كثيرين وجدتُ أنهم العقبات التي تقف بين وطننا ومستقبله، ورحت أعد جرائمهم، وأضع نفس موضع الحكم على أعمالهم، وعلى الأضرار التي ألحقتها بهذا الوطن، ثم أشفع ذلك كله بالحكم الذي يجب أن يصدر عليهم.. وفكرتُ في اغتيال الملك السابق وبعض رجاله الذين كانوا يعبثون بمقدساتنا.
ولم أكن وحدي في هذا التفكير، ولما جلست مع غيري انتقل بنا التفكير إلى التدبير، وما أكثر الخطط التي رسمتها في تلك الأيام، وما أكثر الليالي التي سهرتها، أعد العدة للأعمال الإيجابية المنتظرة. كانت حياتنا في تلك الفترة كأنها قصة بوليسية مثيرة، كانت لنا أسرار هائلة، وكانت لنا رموز وكنا نتستر بالظلام، وكنا نرصُّ المسدسات بجوار القنابل، وكانت طلقات الرصاص هي الأمل الذي نحلم به.
وقمنا بمحاولات كثيرة على هذا الاتجاه، وما زلتُ أذكر حتى اليوم انفعالاتنا ومشاعرنا ونحن نندفع في الطريق إلى نهايته. والحق أنني لم أكن في أعماقي مستريحًا إلى تصور العنف على أنه العمل الإيجابي الذي يتعين علينا أن ننقذ به مستقبل وطننا، ورويدًا رويدًا وجدتُ فكرة الاغتيالات السياسية التي توهجت في خيالي، تخبو جذوتها وتفقد قيمتها في قلبي كتحقيق للعمل الإيجابي المنتظر.وأذكر ليلة حاسمة في مجرى أفكاري وأحلامي في هذا الاتجاه..
كنا قد أعددنا العدة للعمل، واخترنا واحدًا، وقلنا إنه يجب أن يزول من الطريق، ودرسنا ظروف حياة هذا الواحد ووضعنا الخطة بالتفاصيل، وكانت الخطة أن نطلق الرصاص عليه وهو عائد إلى بيته في الليل.ورتبنا فرقة الهجوم التي تتولى إطلاق النار، ورتبنا فرقة الحراسة التي تحمي فرقة الهجوم، ورتبنا فرقة تنظيم خطة الإفلات إلى النجاة بعد تنفيذ العملية بنجاح..
وجاءت الليلة الموعودة، وخرجت بنفسي مع جماعات التنفيذ، وسار كل شيء طبقًا لما تصورناه.كان المسرح خاليًا كما توقعنا، وكمُنت الفرق في أماكنها التي حددت لها، وأقبل الواحد الذي كان يجب أن يزول، وانطلق نحوه الرصاص.وانسحبت فرقة التنفيذ، وغطت انسحابها فرقة الحراسة، وبدأت عملية الإفلات إلى النجاة، وأدرت محرك سيارتي، وانطلقت أغادر المسرح الذي شهد عملنا الإيجابي الذي رتبناه "

يقول البغدادي:

كان دائمًا جمال عبد الناصر يفاجئنا بتصرفات يقوم بها بمفرده حتى من قبل قيام الثورة، وأذكر أنه في يوم 9 يناير 1952 أعدَّ خطة لاغتيال حسين سري عامر، ولم يكشفها لنا إلا بعد قيامه بتنفيذها مع حسن إبراهيم وكمال رفعت وحسن التهامي.. كان جمال يقود السيارة وترك محركها دائرًا، بينما كانت مهمة حسن إبراهيم مراقبة الطريق.. أما التنفيذ فقام به كمال رفعت وحسن التهامي بمدافع رشاشة، وفشلت الخطة لأن الرصاص أصاب السائق فقط ونجا حسين سري عامر. (7)

ويروي الأديب الراحل نجيب محفوظ:

" ومما لفت نظري أن السادات كان من مؤيدي أسلوب الاغتيالات في نشاطه السياسي قبل الثورة، وكل من سار علي هذا الأسلوب كان مصيره الاغتيال. حدث هذا مع أحمد ماهر والنقراشي، حيث كانا من الأعضاء البارزين في جمعية "اليد السوداء" خلال ثورة 1919 وما بعدها.
وليس ذلك فحسب بل ألقى القبض علي أحمد ماهر والنقراشي فى قضية اغتيال حسن عبدالرازق وإسماعيل زهدى، أمام مبنى جريدة "السياسة" عام 1922، واثناء خروجهما من النادي السعدي وذلك بعد انفصال حزب الأحرار الدستوريين عن الوفد، وفي ذلك يبرر سعد زغلول هذا الأمر بقوله: (لا أستطيع مراقبة أفراد حزبي جميعًا). لم يصف أحد حزب الوفد بأنه حزب دموي،كما اشترك إبراهيم عبد الهادي (رئيس الوزراء فيما بعد)، وعبد الرحمن فهمي بك بجرائم اغتيال سياسية فلم يتهمهم أحد بالخيانة.
وقد كون السادات جماعة سرية مسلحة تهدف للقيام بعمليات اغتيال للإنجليز وعملائها المصريين ، ويعبر السادات عن ذلك بقوله: توجهنا إلى مقهى (أسترا) وفى نفس المقهى قررنا التخلص من أمين عثمان الذى تولى وزارة المالية طوال حكم النحاس بعد أن فرضه الإنجليز فى 4 فبراير، ولم يكن هذا هو السبب فى إدانتنا لأمين عثمان ... ولكنه كان أكثر من صديق للإنجليز ومساندا لبقائهم فى مصر بشكل لم يسبق له مثيل ....فقد أعلن أن مصر وانجلترا قد تزوجا زواجاً كاثوليكياً .. فحتى لو تركتنا هى يتحتم علينا ألا نتركها .وهذا التصريح كان بمثابة حكم الإعدام عليه" ..." (8)

وفي ختام البحث فقد أشارت مجلة روز اليوسف إلى أن النقراشي باشا كان يفكر في حل الإخوان المسلمين منذ أربعة شهور، حيث فكر في حلها عقب مقتل الخازندار بك، ولكنه عدل عن قراره اعتقادًا أن الحادث فردي وأن حكم القضاء سيكون رادعًا لجميع أعضاء الجماعة.

حقيقة حادثة المحكمة

بعدما سقطت السيارة الجيب في نوفمبر 1948م وقبض على بعض رجالات النظام الخاص فكر أحد شباب النظام الخاص من حرق كل ما يمت لهذه القضية أو يكون دليلا يضر المعتقلين أو يدينهم ففكر فر حرق أوراق القضية. لكن كل ذلك تم في ظل غياب الجماعة وقادتها حيث علمنا أن النقراشي حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م وتم اعتقال قادتها (ماعدا حسن البنا) والزج بيهم في السجون كما تم اعتقال قادة النظام الخاص والمسيطرين الفعلين على الجهاز ومن ثم فقدت الحلقة المهمة في التواصل بين الجماعة وشباب النظام الخاص وأصبح كل فرد يتصرف وفق ما براه صوابا دون توجيه.

ومن ثم تطوع شفيق إبراهيم أنس أحد أفراد النظام الخاص في 13 يناير عام 1949م بحمل حقيبة والذهاب بها إلى محكمة الاستئناف بباب الخلق بوسط القاهرة وادعى بأنه مندوب من احدي مناطق الأرياف جاء بقضايا للعرض على مكتب النائب العام، وترك الحقيبة بداخل المحكمة، وذهب بحجة تناول الإفطار، وبعد مغادرته المكتب، بدأت شكوك الموظفين حول الحقيبة وبسرعة أبعدوا الحقيبة إلى خارج المحكمة فانفجرت بالشارع العام، وتم استدعاء البوليس، وبعد القبض على "شفيق" واعترف بأن الغرض من التفجير كان نسف المحكمة، وذلك للتخلص من أوراق ومستندات قضية السيارة الجيب.

لقد استنكره المرشد العام أشد الاستنكار، وبعث بكلمة فى هذا الصدد للجرائد فلم تنشر. وإن كنا لا نقر مثل هذه التصرفات لأنها ليست من منهج ولا مبادئ الإخوان المسلمين والتي نشأت عليها الجماعة غير أننا لابد أن ندرك أن هذا الحادث لم يوجه للقضاء ولا القضاة.

للمزيد عن علاقة الإخوان المسلمين بالقضاء طالع:

  1. الإخوان المسلمون واستقلال القضاء .. رؤى ومواقف ...إعداد موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين).
  2. حكم محكمة القضاء الإداري عام 51 .. نشر على موقع إخوان ويكي

المراجع

  1. سيد عبد الرازق: محمود فهمي النقراشي ودوره في السياسة المصرية (رسالة دكتوراه منشورة) – مكتبة مدبولي – 1995م – ص 91:122
  2. مضبطة الدفاع في قضية السيارة الجيب: ص 12،16
  3. أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، دار الزهراء العربي.
  4. أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، دار الزهراء العربي، ص217:219 - محسن محمد: من قتل حسن البنا؟، دار الشروق،1987م.
  5. مذكرات عبد العزيز كامل (في نهر الحياة)، المكتب المصري الحديث
  6. مع الإمام الشهيد حسن البنا للدكتور محمود عساف، صفحة 146.
  7. مذكرات عبد اللطيف البغدادي، المكتب المصري الحديث، ج1، ص 46
  8. السادات : البحث عن الذات ص 17، 72

إقرأ إيضا