عامر شماخ يكتب: «مكملين»
بتاريخ : الاثنين 28 اكتوبر 2013
المؤمنون الصادقون يستعينون بالله، ويؤون إلى ركنه الشديد، فلا يعجزهم شيء، ولا يعرفون اليأس، ولا يضعفون ولا يستكينون.. إن أمرهم كله لهم خير، فإن أصابهم قرحٌ أو أذى، صبروا وصابروا ورابطوا حتى يأتى نصر الله، فلا تضعف همتهم ولا يقنطون؛ لأنهم يعلمون أنهم مثابون؛ متى حسنت نياتهم وخلصت ضمائرهم.. {وكَأَيِّن مِّن نَّبِى قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ومَا ضَعُفُوا ومَا اسْتَكَانُوا واللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . ومَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ} [آل عمران: 146، 147].
إن الأمل سلاح المؤمن، فلا يجد اليأس إلى قلبه سبيلا، مهما كان عنفوان الباطل.. {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52].
وإن له سلاحًا آخر هـو الحق، والحق خالد، والله يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ ولَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]، ويقول: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ والْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} [الرعد: 17]، ويقول: {وقُلْ جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].
والإيمان كذلك سر من أسرار القوة، «لا يدركه إلا المؤمنون الصادقون، وهل جاهد العاملون من قبل، وهل يجاهدون من بعدُ إلا بالإيمان، وإذا فقد الإيمان؛ فهل تغنى أسلحة المادة جميعًا عن أهلها شيئًا؟ وإذا وُجد الإيمان، فقد وجدت السبيل إلى الوصول، وإذا صدق العزم وضح السبيل.. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، ولئن تخلى عنا جند الأرض فإن معنا جند السماء {إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12]».. فلِمَ إذًا اليأس والقنوط؟!
ولئن كان المؤمنون يسلِّمون أمورهم كلها لله، فإنهم -فى المقابل- لا يستسلمون لأحد سواه، ليقينهم أنه صاحب الحول والطول، والنقض والإبرام، وأنه كاشف الغم، مفرّج الكرب، القادر على إعزاز من يشاء وإذلال من يريد.. {ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ} [القصص: 5]
وأخشاك إنى من الظالمينا
وأسألك إذ كنت قد
علمتُ بحبك للسائلينا
وفوضتُ أمرى بعد الدُّعا
بحقٍ إلى أحكم الحاكمينا
وهذا الذى أنت أهلٌ له
وأنت تحث به المحسنينا
وأنت الذى قلت لا تقنطوا
خطابًا خصصْت به المسرفينا
إن همة المؤمن دافعهُ لبلوغ الكمال، والتعالى على أهل الكبر والنفاق، ونفس الحر تأبى الذل والسقوط، فإذا مس اليأس قلبه وضاق بالهموم صدره، لجأ إلى القريب المستجيب غياث المستغيثين، فينقلب اليأس فرحًا والقنوط سرورًا، والعجز والقعود عزيمة وانطلاقًا، يقول تعالي: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنى فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان» [مسلم].
ولماذا ييأس المؤمن، وخصمه لا يملك أن يضره شيئًا إلا بإذن الله، ولماذا يضيق؛ والفقر والغنى عنده سواء، وكذلك الموت والحياة؟.. إنه فى كل حالاته لا يتطلع إلا لله، ولا يلتفت لغيره، ولا يسأل سواه.. يقول ابن تيمية -رحمه الله- لما سجنه الطغاة: «إن حبسى خلوة، وقتلى شهادة، ونفيى سياحة، وكل ذلك بأجره، ولو ملأتُ لهم قلعتهم هذه ذهبًا ما كافأتهم على ما ساقوا إلى من ثواب الله، وإن جنتى وبستانى فى صدري».
وحول هذا المعنى يقول الإمام الشافعى -رحمه الله-:
وإذا متُ لست أعدم قبرا
همتى همة الملوك ونفسي
نفس حرٍ ترى المذلة كفرا
إن ما وقع من تعذيب وإيذاء لأبناء الحركة الإسلامية المعاصرة، مما يشيب له الولدان، ومما يوقع اليأس فى القلوب، لعلو الباطل وتطاوله على الحق.. غير أن هذه العصبة المجاهدة ضربت المثل فى شموخ روح المؤمن، واستبشارها، وفى اليقين بأنه مهما طال الليل بظلمته فلسوف يعقبه فجر وضياء، ولسوف تتبدل الحال، فيعز الله المؤمنين، ويذل الظالمين.. يقول الشهيد صاحب الظلال:
أخى أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصمًا
فماذا يضيرك كيد العبيد
أخى ستبيد جيوش الظلام
ويشرق فى الكون فجرٌ جدي
فأطلق لروحك إشراقها
ترى الفجر يرمقنا من بعيد
أخى قد أصابك سهمٌ ذليل
وغدرًا رماك ذراع كليل
ستبتر يومًا فصبر جميل
ولم يدم بعدُ عرين الأسود
أخى هل تراك سئمت الكفاح
وألقيت عن كاهليك السلاح
فمن للضحايا يواسى الجراح
ويرفع راياتها من جديد؟
أخى إننى ما سئمت الكفاح
ولا أنا ألقيت عنى السلاح
وإن طوقتنى جيوش الظلام
فإنى على ثقة بالصباح
أخى فامض لا تلتفت للوراء
طريقك قد خضبته الدماء
ولا تلتفت ها هنا أو هناك
ولا تتطلع لغير السماء
فلسنا بطير مهيض الجناح
ولن نستذل ولن نستباح
وإنى لأسمع صوت الدماء
قويًا ينادى الكفاح الكفاح
المصدر
- مقال:عامر شماخ يكتب: «مكملين» موقع: إخوان الدقهلية