صدق الإخوان ما عاهدوا الله عليه
بقلم: عامر شماخ
لا تجد قومًا الآن ثابتين - بفضل الله - على الحق مثل الإخوان المسلمين قد سمعنا فيما مضى عن علماء وفقهاء ثبتوا فى وجوه الطواغيت وقالوا كلمة الحق ونالهم ما نالهم من سوء وأذى، وكنا نظن أن تلك النماذج لن تتكرر فى عصورنا الحديثة، حتى خيب الإخوان المسلمون هذا الظن، فرأيناهم مشاعل هدى ومصابيح إيمان، لا يخافون في الله لومة لائم، ينزل عليهم البلاء من قبل المجرمين دعاة الباطل فما يتنازلون وما يفرطون، ويحتسبون ذلك كله لله وفي الله، ما حفظ الدين من الضياع، وما خلق أجيالاً من المفتخرين بتلك الدعوة الباذلين لها، يفعلون ذلك لما رأوا من قدوات كرام، باعوا أنفسهم وأموالهم لله لقاء جنته، وعرضت عليهم الفتن السود فتنة تعقبها أخرى فما بدلوا تبديلاً.
ومن يستطيع أن يصبر مثلما صبر الإخوان المسلمون؟! إلا أن يشاء الله ومن يستطيع أن يضحي مثلما ضحوا، بل من يستطع أن يظل باسم الثغر عامر القلب مثلهم؟!، لقد رأينا شهداءهم يبتسمون حتى قال مجرم من المجرمين - مشهور بالحمق والغباء -: إن قادة الجماعة يلقنون موتاهم سر هذه الابتسامة للظهور بها أمام الكاميرات!!، ورأينا من حكم عليهم بالإعدام ضاحكين مستبشرين، وسمعنا عمن لهج لسانه بحمد الله أن اختار واحدًا من أبنائه شهيدًا مع الشهداء، وهناك اليوم أكثر من خنساء ممن قتل أزواجهن وأبناؤهن وسجنت بناتهن وطورد من بقي من الأبناء ممن نجوا من القتل أو السجن.
ورغم كل هذا ما سمعنا أحدًا منهم اعتذر عن هذا الطريق، أو شكا كثرة أشواكه، أو آلمته التضحيات المتوالية، أو ضاقت نفسه لما جرى، بل –والله - رأينا حمدًا وشكرًا، وصبرًا ويقينًا، وثقة في قدر الله وأملاً في فجر تبدد أضواءه هذا الظلام الفاجر فتجعله هباء منثورًا كأن لم يكن. إن تلك الدعوة الربانية التي أسست على الإيمان، وأشرب أصحابها عقيدة التوحيد، وربوا على ما ربِّي عليه من ترددوا على دار الأرقم.. من الطبيعي أن تخرج هذه النماذج الطيبة، والقلوب الطاهرة، والعقول النيرة الحية الفريدة التي ترى بنور الله، وتمشي في الأرض على هدى خالقها، لا يضرها أذى العبيد، ولا يصرفها أحد، مهما أوتي من قوة، عن دينها ودعوتها..
ولو أن أنصار هذه الدعوة قد التقوا على شيء غير هذه الربانية لتفرق جمعهم ولشتت شملهم ولتمزق صفهم لكن العلاقة بينهم، ثم العلاقة بينهم وبين خالقهم قامت على هدى الله، وأن الله ضمن لهؤلاء أن يربط على قلوبهم، وأن ينزل السكينة عليهم، وأن يتغشاهم برحماته وأن يشملهم ببركاته، فهم مطمئنون إلى وعد الله، لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليس غريبًا على الإخوان المسلمين إذًا أن يصمدوا وأن يثبتوا، وأن يضربوا المثل فى الصبر والتضحية، فإن تاريخهم من يوم أن أسست دعوتهم يشهد بذلك، لا فرق بين قائد ومقود، ومشهور ومغمور، وصغير وكبير، فالكل سواء في هذا الأمر، وقد اعتقدوا اعتقادًا جازمًا أن ثباتهم يعني بقاء الدعوة وحفظ الدين وعلو شأن الإسلام، أما الأخرى - لا سمح الله - فإنها تعني ضياع الدين وشيوع الزور والبهتان، فهم لذلك ثابتون مرابطون ولو علقوا على أعواد المشانق، ولو حكم عليهم بالمؤبدات، ولو صودرت أموالهم ولو طوردوا، فإن ذلك قدر الله في أهل الله وخاصته الذين لو نجا أحد منهم من البلاء لنجا الأنبياء، فإنهم أكثر الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل.
يحكى د. أحمد العسال أن المستشار حسن الهضيبي، المرشد الثاني للجماعة، قيدوه في السجن الحربي، ووضعوا معه بضعة كلاب.. تأكل معه، وتنام معه، وتشرب معه، وتقضي حاجاتها معه! فأصيبت الكلاب بالشلل وأصبحت لا تقوى على المشى على أرجلها الخلفية بل تجر نصفها الخلفي جرًّا.. في حين أن الإمام الهضيبي الذي كان قد تجاوز السبعين آنذاك لا يشكو ولا يتألم، رغم أن رائحة الكلاب كانت نتنة بصورة مزعجة.. فكان - رحمه الله - لا تبطره النعمة، ولا يهزه البلاء، وكان دائم الدعاء {توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين} [يوسف: 101].
أما الأخ إبراهيم الطيب.. أحد الشهداء الستة الذين أعدمهم الطاغية عبد الناصر، إثر محاولة اغتياله المزعومة بالمنشية فهو نموذج فذ للرجولة، والصلابة، والشجاعة، والصبر، والثبات، ورباطة الجأش... قالت عنه الصحافة المصرية وقت محاكمته: "إنه أجهد الأمن في البحث عنه، وأجهد المحققين في أخذ أقواله، وأجهد المحكمة والجمهور بردوده وإصراره وثباته".
سئل: - ماذا فعلوا بك يا إبراهيم؟! قال: - عذبونا عذابًا لم يذقه بشر. قيل له: - وما كان شأنه - أي التعذيب - قبِلك؟! أجاب: - شأن أبي الأنبياء إذ أُلقي به في النار، كان بردًا وسلامًا
المصدر
- مقال:صدق الإخوان ما عاهدوا الله عليه موقع: إخوان الدقهلية