شياطينُ النَّار والطّين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
شياطينُ النَّار والطّين


بقلم: الشيخ نزيه مطرجي

إن الغويَّ المبين إبليس، يَقعد للناس صِراط الله المستقيم، ويأتيهم مِن بين أيديهم، ومن خَلْفهم، وعن أَيْمانهم وعن شَمائلهم، ليكونوا من أصحاب السَّعير، ويُلْقَوا معه في سواء الجحيم!

إن الله تعالت قدرته، وجلَّت حكمته، خَلق عباده حُنفاء كلَّهم، فأتتهم الشياطين فاجتالَتْهم عن دينهم، وأمرتهم أن يُشركوا بالله ما لم ينزّل به سُلطاناً، كما ورد في صحيح مسلم. وعداوة الشيطان للبشر من يوم «أَبَى واسْتَكْبَر» يومَ أُمر الملائكة والجانَّ بالسّجود للرّحمن، فكلُّهم استجاب وسَجد إلا الذي تكبّر وحَسد.

غير أن بني آدم لم يواجهوا عدوّاً واحداً هو إبليس وذريّته، بل شدَّ عَضُد هذه الفئة الباغية أعوانٌ لها وحُلفاء، ليسوا من جنسها، ولم يُخْلَقوا كخَلقها، ولكن يلتقون في زُمرة واحدة هي حزب الشيطان، ويجتمعون على غاية واحدة هي إِغْواء الإنسان.

مسكينٌ ابنُ آدم إنه يقارع عدوَّيْن لَدودين، ويُصارع خَصمَيْن شَرِسين هما شياطين الإنس، وشياطين الجنّ! والله تعالى يقول: {وكذلكَ جَعَلنَا لِكلِّ نَبيٍّ عَدُوّاً شَياطينَ الإِنْسِ والجِنِّ يُوحي بَعْضُهم إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُروراً ولو شَاءَ رَبُّك ما فَعَلوه فَذَرْهُم ومَا يَفْتَرونَ} الأنعام 112.

وما يُعزّي المسلمَ ويُسلِّيه ما وَرد في الآية أن الله تعالى ابتلى كل نبيّ بعَداوة شياطين الإنس والجنّ، وما ورد في الحديث: «ما مِنكم مِن أَحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجنِّ، قيل: وإيّاك يا رسول الله؟ قال: وإيّاي، إلا أنّ الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» أخرجه أحمد.

وبيّن أهل العلم أن شياطين الإنس أعظم خَطراً من شياطين الجنّ وأشدّ فتكاً، فإن شيطان الجنّ يَخْنس بالاستعاذة، وشيطانُ الإِنس لا يَخْنَس، بل يُزيِّن للمرء الفواحش ويُغْريه بالمنكرات، ويضلّه عن ذكر الله وعن الصلاة، والمعصوم من عصمه الله.

يقول مالك بن دينار: إن شيطانَ الإنس أشدُّ عليّ من شيطان الجنّ، وذلك أني إذا تعوَّذت بالله ذهب عني شيطان الجنّ، وشيطان الإنس يَجيئني فيَجُرّني إلى المعاصي عِياناً! وفي الحديث قال أبو ذر للرسول صلى الله عليه وسلم: وهل لِلإنس من شياطين؟

قال: «نعم، هم شرٌّ من شياطين الجن» أخرجه أحمد.

إن الوسواس الخنّاس لا يُطْرد إلا بالإستعاذة منه بربّ الناس، والإكثار من ذكر الله، بل إن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات يعطيهم الله قوةً وطاقةً يتمكّنون بها من صَرع الشياطين والتغلّب عليهم.

نقل ابن القيّم أن بعض السّلف قالوا: إذا تمكّن الذّكر من القلب، فإن دَنا منه الشيطان صَرَعه كما يُصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فيجتمع عليه الشياطين فيقولون ما لِهذا؟ فيقال: قد مَسَّه الإنسيّ..

فخذوا حِذركم من شياطين الإنس، من صَحْبكم وصديقِكم ورَحمِكم، واستعيذوا بالله من شرار الناس، وكونوا مِن خيارهم على حَذر.

ينبغي على العبد المؤمن أن يكون لديه الميزان الذي يفرّق به بين أولياء الرّحمن وأولياء الشيطان، وبين الصالحين والمفسدين، وإلا ضلّ وزاغ، وسقط في غوائل الالتباس الذي يَخدعُ أكثرَ الناس، فلا يميّز أحدهم بين أهل الخير وأهل الشر، وبين الطيّب والخَبيث، والغَثّ والسَّمين، ويُصبح خُدْعة لكل ناعق وصائح.

إن الناس من حولك تَعرف منهم وتُنْكر، وكثيرٌ منهم دُعاة على أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قَذفوه فيها، فمنهم دعاةٌ إلى فعل الشرّ ونبذ الخير, ومنهم دعاة إلى تقديم التقاليد والعادات والبِدَع والمُحدَثات، على الفرائض والعبادات والسُّنن والواجبات, ومنهم دعاة إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال، ودعاة إلى أكل أموال الناس بالباطل، واستحلال المال المشبوه من أي وعاء خرج..

وإذا كانت الدنيا تمتلئ بالملائكة الكرام الحافظين، الذين يحفظون بني آدم من بين أيديهم ومن خَلْفهم، ومن فَوْقهم ومن تحتهم، يدفعون عنهم الشّرور والحادثات كما يقول الله عزوجل: {له مُعَقَّباتٌ مِن بَيْن يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ يحفظونه من أمر الله} الرعد 11، فإن في الأرض أناسيّ كثيراً يُفسدون ولا يُصلِحون، ويُضلّون ولا يَهْدون، بشتّى الوسائل والطرق، بلسان الحال والمقال والفِعال، فإذا وقع في الأرض فساد، أو ساد مُنكر، بِتْنا لا ندري أَصُنْعُ إِنسٍ لجنٍّ فعَلوه، أم صُنْعُ جنّ لإنس.

فإن صَحبك أحد من هؤلاء المفسدين فقل له: دَعْ وَصْلي، وابعُدْ عنّي {يا لَيْتَ بَيْني وبَيْنَك بُعْدَ المَشْرِقَيْن فَبِئْسَ القَرينُ} ويا لُطْفَ الله بالمؤمنين من شياطين النّار والطين.

المصدر