شهادتي لأيمن نور
بقلم: د. عصام العريان
في بداية قضية د. أيمن نور كتبتُ في جريدة "الحياة" اللندنية أتناول الجانب السياسي من قضيته، واليوم وعلى أبواب صدور حكم محكمة القضاء الإداري في الجانب الإنساني في القضية والمتعلق بالإفراج الصحي عنه يوم 26/6/2007م، أكتب شهادتي التي قد لا أستطيع الإدلاء بها أمام هيئة المحكمة حول الرعاية الصحية في السجون المصرية، وهل يمكن لأي مريضٍ يعاني من مرض السكر أو القلب، كما هي حالة أيمن نور أن يطمئن على حياته وصحته داخل أسوار السجون؟.
القضية تتعلق بقرارٍ إداري يرى أيمن نور أنه من حقه أن يصدر بالإفراج الصحي عنه ويستند إلى عدة أمور: إن القرار سلطة تقديرية للنائب العام، وأن حالته الصحية تستدعي صدور هذا القرار، وأن الحالة الصحية والرعاية المكفولة للمساجين لا تسمح باستقرار حالته بل تؤدي إلى تدهورها؛ مما يُعرِّض حياته للخطر وهي عقوبة لم ترد في الحكم الصادر ضده، حالة أيمن ليست الوحيدة بل الأمر ظاهرة عامة.
يرى أيمن نور أن صلاحيات القضاء الإداري تشمل هذه المسألة، كما شملت من قبل في حكمٍ سابقٍ الإفراج الشرطي عن الذين قضوا ثلاثة أرباع المدة ولم يشملهم قرار وزير الداخلية بإخلاء سبيلهم في قضايا نفَّذت الوزارة أحكامها قبل أسبوع من نهاية المحكومية الأصلية فقط بما يعني تسليمها بالسابقة القضائية رغم مماطلتها في التنفيذ حتى قضى الأساتذة مختار نوح وخالد بدوي ود. محمد بشر وإخوانهم 3 سنواتٍ إلا أسبوعًا واحدًا.
لا جدالَ بين الجميع أن أيمن نور يعاني متلازمة السكر وارتفاع ضغط الدم، وأن هذه الحالة الصحية تؤدي إلى مضاعفاتٍ خطيرة يمكن أن تُهدد قلبه وحياته وقدراته على ممارسة حياته بصورةٍ طبيعيةٍ.
الجدل كله يدور حول مسألة أساسية: هل الرعاية الصحية المتوفرة في السجون المصرية كافية وكفيلة بمتابعة الحالة وعلاجها ومنع مضاعفاتها وعدم تهديدها للنزيل أيمن نور؟
- س: ................
- ج: عصام الدين محمد حسين العريان وشهرتي: عصام العريان، طبيب بشري، استشاري تحاليل طبية وأمراض دم.
- س:................
- قضيتُ أكثر من 7 سنوات ونصف في السجون المصرية، مررتُ خلالها على 9 سجون.. أكثرها قضيتها بسجن مزرعة طرة وملحق المزرعة التي يقضي بها أيمن نور فترة عقوبته.
- س:................
- كنتُ مسئولاً بحكم تخصصي وموقعي كأمين صندوق نقابة أطباء مصر والأمين المساعد بها طوال عشرين عامًا عن الاحتكاك المباشر بالرعاية الصحية وإدارات السجون، ومَن يتولى هذا الملف طوال الفترة من 1981م وحتى اللحظة، وآخر زيارة قمت بها كنقابي كانت لسجن وادي النطرون الخميس 21/6/2007م وناظرتُ سجينًا معتقلاً اسمه د. إسلام صحبي عبد اللطيف مصنف "طلائع الفتح" أي "الجهاد" يعاني من عدة انزلاقات غضروفية في العمود الفقري وبالرقبة والصدر، وهو لا يحتاج إلا إلى قرارٍ وزاري بالإفراج الفوري عنه لظروفه الصحية السيئة جدًّا، وهو مقيم بالخارج في ماليزيا، وكان في زيارةٍ لعائلته في طنطا، وعند خروجه من المطار للعودة إلى عمله كمحاضر بكلية الطب بكوالالمبور العاصمة سألوه عن "اللاب توب" فقال إنه فُقد منه وضاع فاعتقلوه منذ 3 شهور حتى الآن وهو شاعر وأديب وطبيب.
- س: ................
- الرعاية الصحية في السجون مثلها مثل الرعاية الصحية الحكومية خارجها متدهورة جدًّا لنقص الإمكانيات ولوائح السجون، ورغم ما يتم من محاولات تطوير تقوم بها المصلحة والوزارة إلا أن التقدم بطيء جدًّا، وكانت هناك مرونة سابقًا في نقل المرضى للإقامة بالمستشفيات التعليمية إلا أن تكرار حالات هروب عددٍ من أعضاء الجماعات الإسلامية العنيفة أغلق هذا الباب بالضبة والمفتاح في وجه جميع النزلاء، وأصبح العنبر المخصص للمرضى من المساجين بمستشفى القصر العيني معتقلاً أشد سوءًا أو أصعب في الحياة، ولا يقدم أي رعاية حقيقية؛ نظرًا للضغوط التي يمارسها ضباط أمن الدولة لحماية أنفسهم من مسئولية الهروب، وهي أخطر ما يكون على مستقبلهم المهني من موت سجين مريض ورغم مبادرات وقف العنف وعدم وجود حالات هروب خلال السنوات الخمس الماضية إلا أن الظروف لم تتغير بل بقيت كما هي عليه؛ لأن الأيادي التي تتخذ القرار مرتعشة، وليكفي التدليل على ذلك تدخل رئيس أكبر جامعة بمصر وعميدي كليتين كبيرتين ومدير أكبر مستشفى تعليمي لإدخال أستاذ جامعي على مشارف الستين من عمره للرعاية المركزة مع إصابته بنزيف وأزمات قلبية متكررة، وهو محبوس احتياطيًّا أصلاً، وهو أ. د عصام حشيش بعد إعادته للسجن ثانيةً رغم ظروفه الصحية السيئة جدًّا.
- س:................
- الحالة الوحيدة التي عاصرتها وتم فيها إخراج بعفو رئاسي للتقدم في السن والظروف الصحية المتدهورة كانت للأستاذ د. حلمي حمود الذي سُجن معنا وحُكم عليه بـ3 سنواتٍ في محكمة عسكرية، وقد مات عقب الإفراج عنه بشهورٍ قليلة، ولم أسمع عن أي حالةٍ أخرى طوال الـ25 سنةً الماضية.
- حالات كثيرة ماتت في السجون أو عقب نقلها للمستشفيات بأيامٍ بسبب تدهور الرعاية الصحية أو انعدامها تمامًا أذكر منها: المرحوم عبد الرحمن عبد الفتاح نقيب المعلمين بالفيوم (3 سنوات/محكمة عسكرية/1995م)، د. حسين علي حسين الدربع (2004م) ماتا في القصر العيني بعد التأخر في نقلهم بأيامٍ وخلال أسبوعٍ على الأكثر، أكرم الزهيري (محبوس احتياطي/ مريض بالسكر، أصيب بكسر أثناء ترحيله، تم تركه لمدة 10 أيامٍ بالعنبر دون رعايةٍ ولم يتم نقله إلا بعد أن شارفَ على الموت، فمات بعد أيامٍ من نقله إلى القصر العيني).
- س:................
- رأيتُ وعايشت حالات صحية حرجة جدًّا رفضت الانتقال إلى مستشفى ليمان طرة، وهي المستشفى الوحيد بالسجون المصرية كلها؛ نظرًا لانعدام الإمكانيات وفضلت البقاء معنا تموت يوميًّا بسبب الفشل الكبدي، وتدهور حالة القلب والشيخوخة، كل صباح نذهب للاطمئنان على أنهم ما زالوا على قيد الحياة منهم المرحومان محمد العريشي، ومحمود أبو رية، وغيرهما أو خلال الامتحانات من نزلاء سجون أخرى كانوا يحملون على الأيدي أو يدفعون على كراسٍ متحركة.
- س:................
- هناك حالات صارخة لنزلاء خرجوا من السجون محطمين، منهم د. سعد الدين إبراهيم الذي خرج ليسافر فورًا إلى الخارج للعلاج، وما زالت حالته الصحية متأثرة بالظروف التي مرَّ بها وتحتاج لرعاية صحية لم تكن متوفرة، ورفضت مصلحة السجون توفيرها بالسجن أو السماح له بالعلاج خارج السجن وغيره كثير كثير.
- س:................
- الأطباء في السجون يبذلون كل ما في وسعهم للتخفيف عن النزلاء، خاصةً إذا انتهت فترة التحقيقات ولم يعد لجهاز أمن الدولة دور مع النزيل تحت التحقيق، والمساجين الجنائيون يعانون من سواء الإدارة وضعف الإمكانات وتكدس العنابر، بينما يعاني السجين السياسي، إضافةً إلى ذلك، من تقييم ضابط أمن الدولة المقيم بالسجن له، وهل هو محترم يستحق العناية أم أنه سيئ لا يستحق الاهتمام، وهل هو محل نظر من رؤسائه أو رؤساء رؤسائه بحيث يكون هناك اهتمام إيجابي أو سلبي يتم التعرف معه بموجبه أم أنه محايد يخضع لتقديره الشخصي فقط؟.
- حالة أيمن نور محل اهتمام ورعاية من الجهات الأعلى جدًّا؛ لذلك يتم التعامل معه بحذرٍ شديدٍ والجميع يخشى على نفسه من تهمةِ التعاطف أو الاهتمام أو حسن المعاملة.
- س:................
- أسوأ ما في الأمور هو عامل الوقت، وهو أصبح مهمًّا جدًّا في الطب حاليًا؛ لأن جلطة القلب مثلاً إذا تمَّ التعامل معها في الساعة الأولى فإنه مضاعفتها يمكن التغلب عليها، وإذا تأخَّر المريض في الوصول إلى المستشفى أو العناية المركزة فإنه يصبح معرَّضًا لخطر الشلل التام أو النصفي أو تكرار الجلطة مما يُهدد حياة المريض.
- هناك إجراءات روتينية وأيادٍ مرتعشة وجهات رقابية متعددة تتسبب جميعًا في تعرُّض حياة مريض القلب أو السكر لمخاطر شديدة، ولا يمكن القول إن هناك ملايين المرضى بالسكر والضغط يمارسون حياتهم بصورةٍ طبيعيةٍ خارج السجون؛ لأن المشكلةَ هي أسوار السجن التي تمنع المريض من سرعة العلاج أو استشارة الطبيب والذهاب إلى الرعاية المركزة إذا استعدت الأمور.
- س:................
- أيمن نور ليس الحالة الوحيدة داخل السجون، هناك المحافظ السابق ماهر الجندي، وهو يعيش بحالة صحية متدهورة منذ شعوره بالفشل الكلوي، وهناك سجين اسمه فيما أذكر محمد مختار تمَّ إنقاذ حياته بأعجوبة الصيف الماضي بسبب أزمة قلبية حادة، وكان هناك الوزير السابق توفيق عبده إسماعيل الذي أجرى جراحةَ قلبٍ مفتوح وخرج مؤخرًا.
- وهناك من الإخوان الأستاذ أبو الفتوح عفيفي الذي شارف على الثمانين ود. محمد سعد عليوة الذي نُقل مؤخرًا إلى العناية المركزة بأزمة قلبية.
- النائب العام عليه أن يتابع قرارات المرور على السجون، وأن يجعل في أعلى أولوياته الاطمئنان على الحالات الصحية للمساجين، وهذه إحدى الحسنات الهامة التي أُضيفت للوائح، فلكل مريضٍ ملف صحي وعليه أن يصدر بالاتفاق مع المصلحة والوزارة قرارات تجعل الانتقال إلى المستشفيات العامة والتعليمية خاصةً المساجين الجنائيين أكثر سهولةً مع ضماناتٍ لعدم الهروب، وبالنسبة للسياسيين يمكن التفكير جديًّا في كيفية تقديم رعاية صحية تناسب أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات ورجال أعمال شاء قدرهم أن يكونوا معارضين لنظام حكمٍ لا يخدم حقوق الإنسان.. لا السياسية ولا الإنسانية.. لا الاجتماعية والاقتصادية.
- أخطر العوامل التي تهدد حياة المريض خلف الأسوار هي عامل الوقت وحول الإجراءات اللازمة للخروج إلى العالم الضروري، وإذا حدث للمريض المسجون أزمة صحية مفاجئة ليلاً عقب غلق الزنزانات فإنها الكارثة الحقيقية؛ لأن اتخاذ قرار باستدعاء طبيب استشاري وموافقة أمن الدولة وحضور سيارة إسعاف لنقله ثم تجاوب ضابط الترحيلة الذي عليه أن يُضحي بوقته وجهده للبقاء مع المريض إذا تقرر حجزه بالعناية المركزية أو لحين إجراء فحوصٍ ضرورية، كثيرًا ما تسبب نفاد صبر ضابط الترحيلة في عودة السجين المريض إلى السجن مرةً أخرى ليواجه قدره المحتوم.
المصدر
- مقال:شهادتي لأيمن نورإخوان أون لاين