شكرًا للأخ العقيد
وحده العقيد معمر القذافي يمكن أن يفعلها: أن يدعو إلى عقد اجتماع لمجلس الدفاع العربي المشترك.
ذلك أنني لا أعرف زعيما عربيا يمكن أن يخطر على باله أنه لا يزال في العالم العربي كيان أو مؤسسة باسم مجلس الدفاع المشترك.
وإذا افترضنا جدلا أن بين أولئك الزعماء من احتفظت ذاكرته باسم المجلس، فإنني أشك كثيرا في أن «يتهور» واحد منهم ويدعو أعضاءه للاجتماع في ظل الظروف الراهنة.
وإذا وجد من يغامر بذلك، فلدى شك كبير في أن تلقى الدعوة أي ترحيب من جانب أغلب الحكومات العربية، لسبب جوهري هو أن ملفات هذا «الشغل» انتقلت إلى عواصم أخرى بعيدة لا علاقة لوزراء الخارجية والدفاع العرب بها،الاستثناء الوحيد الذي يمكن أن يخرج على ذلك المألوف هو الأخ العقيد، بوصفه الزعيم العربي الذي يتعذر التنبؤ بتصرفاته، وقد عود الجميع على مفاجآته.
ليس لديّ أي تحفظ أو استنكار للدعوة، وإنما العكس هو الصحيح. حيث أعتبرها من مفاجآت العقيد المنعشة والسارة. ولست أخفي أنني أتمنى أن يؤخذ الأمر على محمل الجد، بحيث يصبح العمل العربي المشترك حقيقة نعيشها، وليس حلما يداعب خيالاتنا، وألا يقتصر التعاون العربي على اجتماعات وزراء الداخلية وتبادل معلومات الأجهزة الأمنية.
كما أتمنى أن يكون لوزراء الخارجية والدفاع العرب كله في قضايانا المصيرية، بدلا من المشهد المهين والمزري الذي صرنا إليه، منذ قيل لنا إن 99٪ من أوراق اللعبة السياسية في يد الولايات المتحدة الأمريكية. الدعوة لتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك جاءت من ليبيا باعتبار أنها ترأس القمة العربية في الوقت الراهن. وقد فوجئت بها الأمانة العامة لجامعة للدول العربية منذ ثلاثة أسابيع حين تلقتها ضمن مذكرة بعثت بها الخارجية الليبية، التي اقترحت عقد الاجتماع المفترض في مدينة «سرت» في الفترة ما بين 15 و20 ديسمبر الحالي..
لم تشر المذكرة إلى سبب توجيه الدعوة وعلاقة ذلك بالظروف التي تمر بها الأمة العربية، لكنها أشارت إلى أن الهدف هو تفعيل معاهدة الدفاع التي وقعت بين الدول العربية في سنة 1950، وتنشيط مؤسسات العمل العربي المشترك وذلك من خلال دراسة السبل الكفيلة بتنفيذ نصوص المعاهدة المذكورة، ومواكبة التطورات في مجال الدفاع على المستوى الوطني العربي، بما يحقق الأهداف والغايات المرجوة من إنشائه. لغة المذكرة تمتص شحنة الحماس التي يستشعرها المرء لأول وهلة حين يتلقى الخبر، حيث تعطي انطباعا بأن الهدف منها هو مجرد تفعيل آليات المجلس، وليس شيئا آخر مما يخطر على بال الذين يبحثون عن عرب حقيقيين يدافعون عن عرض الأمة المستباح، أو حتى الغيورين على العمل العربي والحالمين به.
وأغلب الظن أن الذين أعدوها كانوا مدركين لحدود حركة وسقف الإرادة العربية.
ولذلك فإن أمانة الجامعة العربية تعاملت معها بهدوء يليق بحدودها المتواضعة، فوزعتها على الدول الأعضاء التي لم تأخذها بدورها على محمل الجد، إذ لم تقبلها ولم ترفضها، لكنها فوتت الموعد المقترح، وطلبت أغلب الدول دراسة الموضوع دراسة وافية بما يعنى إحالة الاقتراح إلى المستقبل المجهول.
هذا الذي حدث ليس مستغربا، لأن مجلس الدفاع العربي لم يجتمع منذ أكثر من 40 عاما، وكانت آخر اجتماعاته قبل حرب 67 وبعد عبور الجيش المصري إلى سيناء عام 73.
وبعد انتقال الجامعة العربية إلى تونس عقد المجلس دورة طارئة عام 81، لم تحضرها مصر التي كانت قد وقعت اتفاقية الصلح مع إسرائيل عام 1979.
وبعد ذلك الاجتماع مباشرة اجتاحت إسرائيل لبنان واحتل العراق الكويت ودمر العراق في وقت لاحق وتواصل الانقضاض الإسرائيلي على فلسطين، وظلت الحكومات العربية متفرجة على ما يجرى، دون أن يحرك فيها كل ذلك شيئا.
شكرا للأخ العقيد لأنه ذكرنا بما نسيناه، وأخرج اتفاقية الدفاع المشترك من مدفنها لكي تطل علينا في خبر منشور، قبل أن تعود إلى كفنها مرة أخرى.