شعب مصر كله يرفض التوريث
إذا صح الخبر الذي نشرته جريدة الدستور يوم الجمعة 11 إبريل 2008 في صدر صفحتها الأولى من أن نيابة أمن الدولة وجهت إلى المهندس/ جورج إسحق المنسق العام المساعد لحركة كفاية تهمة الوقوف ضد توريث الحكم في مصر فإنه يكون أمراً عجباً لا يمكن تصوره خاصة لمن لديه إلمام ولو صغير بالقانون، وأنا أرجح أن يكون الأمر لم يرد في تحقيقات النيابة على أنه اتهام بل على أنه سؤال، وحتى في هذه الحالة فإنه لا موجب له لأنه من المعروف أن الغالبية العظمى من المصريين إذا استثنينا أصحاب المصالح يرفضون تماما انتقال السلطة بالطريقة التي يتم التمهيد بها الآن عن طريق سن القوانين التي تساعد على ذلك والقيام بعملية التزوير التي تؤدي بالضرورة إلى انتقال الحكم بصورة سهلة إلى نجل الرئيس، ولأنه المفروض أننا في ظل نظام جمهوري لا يسمح بأن يقف الرئيس الحالي معلنا انتقال السلطة منه إلى ابنه وإلا أصبحت ملكية رسمية عائلية وهو ما لا يقوى عليه الرئيس الآن على الأقل وبالتالي فإنه يتم التمهيد لذلك وفقا لما نراه الآن وإن كان متصورا إذا أفلح الرئيس في نقل السلطة لنجله من إن يقوم الأخير إذا دانت له الأمور بأن يعلنها ملكية وراثية صريحة في أسرة مبارك حتى تقوم ثورة أخرى تنزع الملك منهم وتعيد الجمهورية مرة أخرى ونصبح في عهد الجمهورية الثانية كما حدث في فرنسا هذا السيناريو ليس مستبعدا، والناس في الشارع تتحدث عنه كلما ترى أي مظهر من مظاهر تمهيد الطريق لانتقال السلطة لابن الرئيس وتتحدث عن وصول هيثم جمال مبارك إلى الحكم لأننا جميعا نعرف ما يتميز به الشعب المصري من روح المرح رغم ظروفه السيئة وأنه يواجه استبداد الحكام بإطلاق النكات والطرفات الساخرة التي تعبر عن واقعه المرير وما يعيشه من ضيق وكبت.
الحديث عن التوريث يملأ الشارع المصري تماما مثل أزمة الخبز والماء والسكن والبطالة والفساد والرشوة وتزوير الانتخابات، فليس جورج إسحاق فقط هو من يتحدث عن التوريث ويقاومه حقا قد يكون هو وحركة كفاية أول من وقف ضد التوريث ولكن تبعه شعب مصر كله يطالب بالديموقراطية الحقيقية ويقول لا لتوريث الحكم، إن من حق ابن الرئيس أن يرشح نفسه حتى اعتمادا على اسم العائلة فهذا حقه ولكن الذي ليس من حقه بكل تأكيد ويجب على الشعب كله أن يقف في طريقه هو أن يستغل سلطة والده للترشيح وأن تمهد له الطريق حتى يصبح هو المرشح الوحيد أو الحقيقي في انتخابات الرئاسة، من حقه فقط كمواطن مصري أن يرشح نفسه للرئاسة بعد تعديل الدستور وفتح الباب لكل مصري يجد في نفسه الكفاءة لهذا المنصب مع وضع شروط للترشيح فتكون شروطا منظمة وليست مانعة كما هي الآن وأن يتم الانتخاب في ظروف طبيعية بعيدة تماما عن تدخل السلطة التنفيذية وتحت إشراف دولي كامل يعرض على العالم نتائج الانتخابات ويتم فرز الأصوات بكاميرات مراقبة وتوضع شاشات لها خارج اللجان وتكون اللجنة المشرفة من موظفين تابعين للأمم المتحدة لأننا لازلنا في مرحلة الريبة التي تجعل كل الأمور محاطة بالشك، في انتخابات تتم بهذه الطريقة يمكن لنجل الرئيس أن يرشح نفسه مع غيره وإذا كان هو الأوفر حظا فأهلا به وسهلا أما غير ذلك فهو الغصب للسلطة الذي يجب أن يقاوم بكل ما أوتي الشعب من قوة حتى لا تظل أوضاع مصر كما هي بل وتزداد سوءً.
سمعت في إحدى المرات مقدمة برنامج في التلفاز تتحدث عن التوريث وتقول أنه ليس بدعة بل حادث في أمريكا أحد أهم معاقل الديموقراطية في العصر الحديث بوصول بوش الابن إلى الحكم بعد بوش الأب وفي الحقيقة أني شعرت وأنا أسمعها أني أسمع نكتة سخيفة وقلت لنفسي إذا كان ابن الرئيس عندنا على استعداد أن يخوض غمار الحملة التي يخوضها مرشح الرئاسة الأمريكية ويفوز في النهاية فمرحبا وأهلا فإنه سيكون في النهاية هو الأحق بها حتى وإن لم يكن الأجدر شأنه في ذلك شأن الرئيس الأمريكي الحالي الذي أفزع الدنيا بتصرفاته.
يا أخي جورج إسحق كلنا معك في رفض التوريث وإذا كان مصير من يرفض التوريث هو السجن فإني أطالب الحكومة وهي تعد الموازنة القادمة بأن تتجاهل أزمة الخبز والماء والسكن والبطالة وأن تخصص أكبر قدر ممكن من المال لإنشاء سجون تتسع لشعب مصر الرافض للتوريث.
الرئيس في كل مناسبة يسأل فيها عن التوريث ينفي ذلك تماما، والواقع الذي نعيش فيه يشهد بأن كل شئ يحدث في مصر يمهد للتوريث والناس في حيرة أيهما نصدق هل ما تسمعه الأذن من الرئيس أو ما تلمسه اليد وتراه العين من إجراءات لا يمكن أن تؤدي إلى غير ذلك، المفروض أن الرئيس لا يكذب والمفروض أيضا أن ما نشاهده ونلمسه أيضا صادق فما هو تفسير ذلك؟ وتفسير ذلك في نظري أن الرئيس حين ينفي التوريث يقصد بذلك التوريث في صورته الواضحة وهو انتقال السلطة بإعلان نجل الرئيس رئيسا على البلاد كما يحدث في النظم الملكية وهو أمر غير وارد بالطبع في ظل نظام المفروض فرضا وليس واقعا أنه نظام جمهوري لا تنتقل فيه السلطة إلا بالانتخاب هذا هو ما يقصده الرئيس بنفي التوريث، أما انتقال السلطة لأبن الرئيس عن طريق انتخابات صورية يكون فيها المرشح الوحيد أو الحقيقي ويجري تزويرها كالعادة فإن ذلك لا يعتبر في نظر الرئيس توريثا لأنه هو نفسه أتى إلى الحكم ومن سبقه بذات الطريقة، في هذا الإطار يمكن أن نفهم قصد الرئيس من نفي التوريث ويمكن في ذات الوقت التوفيق بين ما نسمعه من الرئيس وما نشاهده ونلمسه من تمهيد الطريق أمام ابن الرئيس للوصول بسهولة ويسر إلى كرسي الرئاسة.
شعب مصر يرفض التوريث وإذا كان من يخطط له يضع في اعتباره تجربة سوريا في ذلك فإن الأمور في مصر الآن مختلفة ولو أن الأمور كانت في سوريا وقت وفاة حافظ الأسد وتولي الرئيس الحالي كما هي في مصر الآن لصعب هذا الأمر عليهم ولما مر بالسهولة التي مر بها، وحتى الآن لا أعتقد أن الشعب السوري قد خضع واستسلم تماما لهذا الأمر وأن المستقبل ممكن أن يكون فيه ما يغير الأمور سواء في مصر أو سوريا لأن طبيعة الأمور تقول أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح وأن العرب ليسوا أقل من غيرهم في حب الحرية والديموقراطية والرغبة في التضحية من أجلها خاصة وأنه ثبت أن الديموقراطية هي الوسيلة الوحيدة للتقدم والرقي والخلاص من المشاكل التي تعاني منها الشعوب، وإذا حدث أن تم إجهاض مخطط التوريث في مصر فإن ذلك سيكون البداية لكل الوطن العربي للتخلص من كل النظم الاستبدادية التي تجسم على أنفاس الشعوب وتتحكم فيها وتقضي على مستقبلها.
رفض التوريث إذن ليس جريمة بل إن السعي على تحقيقه والعمل على حدوثه هو الجريمة الحقيقية في حق هذا الوطن والشعب، وإذا تغيرت الأوضاع في مصر فإن جميع من يعمل على التوريث الآن ويساعد عليه سيجد نفسه هو موضع الاتهام، وهذا ما يخشاه من يسير في هذا الطريق، لأنه يعلم نهاية كل من يقف مع الظلم والفساد والتزوير وهم على أي حال قصار النظر لأنه حتى إذا لم ينلهم جزاء قريب نتيجة لاستمرار الأوضاع السيئة بعض الوقت فإن الزمن ليس في صالحهم أو صالح أبنائهم وأحفادهم الذين سيعانون في المستقبل من سمعة آبائهم الذين ناصروا الظلم ووقفوا مع الطغيان والتاريخ لا يرحم وإذا كان أبناء جورج إسحق سيفتخرون يوما أن أباهم ضحى من اجل مصر، فإن أبناء جلاديه سيطأطئون الرؤوس خجلا مما فعل آباؤهم.