شاهين فوزى يكتب : تنصيب الفرعون ومعركة الوعى
بمرور 9 شهور على الانقلاب العسكرى العلمانى، وفيما يستعد صانعوه الإقليميون لتنصيب الفرعون الأخرق كرئيس للمنكوبة، يرى البعض أن ذاك التنصيب يعنى النجاح الكامل للانقلاب وبداية النهاية للثورة ضد العسكر وحلفائهم.
وكأن هذا السفاح لا يعيث فساداً فى البلاد منذ انقلابه المشئوم، وكأن هذا التنصيب عبر مسرحية هزلية لانتخابات مزورة سيغير من واقع الأمر شيئاً على الصعيد الداخلى أو الخارجى.
وها نحن نلمس الخسائر الكبيرة المتوالية للبورصة المصرية، ونرى اتساع نطاق التظاهرات الشبابية ضد تلك المهزلة، كما برز للقاصى والدانى حجم الكراهية والسخرية التى يكنها المصريون لذاك المشين عبر الهاشتاج المسىء الشهير الأكثر انتشاراً على تويتر وفيس بوك.
إن معركة الوعى هى أساس المعركة ضد الانقلاب العسكرى الذى جسد قمة الانحطاط للنخب العسكرية والسياسية والدينية والكنسية.
فمعركتنا لها وجهان أساسيان، فهى معركة الحرية والعدل والكرامة ضد العبودية والظلم والاستبداد، ومن هذه الوجهة فلم تمر مصر بمرحلة علا فيها الطغيان وبلغ فيها الظلم مبلغاً كما تمر به الآن، حتى بات القضاء مجرد أداة فاسدة فى أيدى جلاوزة العسكر لتدِينه كل المنظمات الدولية بعد فضيحة الحكم النازى بالإعدام على 529 مواطناً،
بخلاف ممارساتهم الدنيئة من تقسيم الشعب لقسمين ونعت معارضيهم بالإرهاب، بينما يمضى إعلام البهتان للترويج لتلك الجرائم من اعتقال وتعذيب وانتهاك للأعراض بكونها فى سبيل الأمن القومى، وهى كذلك بالفعل لكنها على الحقيقة فى سبيل الأمن القومى لإسرائيل!.
أما الوجه الآخر فهى معركة بين رافعى لواء الهوية الحضارية الإسلامية، وبين أنظمة الطغيان التابعة للحلف الصهيوأمريكى. ولأن الحرية والديمقراطية تفرزان على الدوام التيار الأساسى المعادى للتبعية للغرب، فقد كان لابد من نسف فكرة الاختيار الحر واستبدالها بمسرحيات كرتونية هزلية عن انتخابات ديكورية بين عرائس ماريونيت لا تملك من أمرها شيئاً لكونها مصنوعة على عين أجهزة الأمن والمخابرات الداخلية أو الخارجية.
إن معركتنا ليست مع السيسى كشخص، ولو هلك السيسى غداً لصنعوا فرعوناً آخر عبر إعلامهم الصهيونى المتسمى بأسماء عربية، ولكن معركتنا مع النظام العسكرى الأمنى الموالى للصهاينة ومع أذنابه من سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال منتفعين وقادة كنيسة متعصبين، ومعركة كتلك لابد أن تكون عميقة وطويلة، وما نحتاجه فيها أولاً هو الوعى بطبيعتها وأطرافها وحجم التخطيط الذى يدبرونه لإعادة مصر وبلدان الربيع العربى داخل الحظيرة الصهيونية تحت ظلال العلم الأمريكى.
الوعى بأن الحركات السياسية المصنوعة والمخترقة من المخابرات مهما تنوعت شعاراتها بين ليبرالية واشتراكية فإنها ستصير إلى تأييد الاستبداد والتذلل للفرعون لا محالة، وحتى من يتصنعون العلم والكياسة ويتشدقون بالحرية (معتز عبدالفتاح، أيمن الصياد وغيرهم كُثر) سيسبحون بحمد الطاغية ويؤصلون لسفك الدماء تحت ستار الحرب على الإرهاب.
الوعى بأن الحركات الدينية التى تدور فى فلك الأنظمة كلها سواء، لا فرق بين مشايخ الطرق الصوفية الموالية لأمن الدولة وبين شيوخ السلفية المنبطحة المصنوعة لدعم الحكام وتضليل الشعوب عن حقيقة المعركة بين أمة الاسلام وأعدائها.
وحين نرى العسكر واذنابهم يستخدمون أحبار السلطة ووعاظ الشرطة لمباركة جرائم القتل والحرق والتعذيب وانتهاك الأعراض، فلا نرى فارقاً كبيراً بين ياسر برهامى وأتباعه من مريدى حزب "البور"، وبين سعيد رسلان ورفاقه من رموز السلفية السيسية، وبين بعض البراهمة الجدد ممن هاجموا الرئيس مرسى طوال عام ورموه بكل نقيصة، ثم تحولوا الآن للفلسفة والتنظير للابتعاد عن سؤال السلطة وعدم الخروج على السفاحين والقتلة لكونهم حكاماً متغلبين!!!
ولا فارق أيضاً بين على جمعة وأحمد الطيب وسعد الهلالى من قادة الصوفية القبورية خادمة الاستعمار وصنيعة الطغاة، وبين تواضروس وفلوباتير وبيشوى، أو مرقص عزيز الذى أكد مؤخراً أن مصر قد ابتليت بالغزو الإسلامى وأنهم أصحاب البلاد الأصليين!!
وهنا اقتبس من كلمات أحد المفكرين الإسلاميين وهو يصف مشهد الانقلاب العلمانى الدموى:
(وقف السيسي على منصته مرتفعًا عن الجميع، ورص أهل الدنيا عن يمينه، وأهل الدين عن يساره ليؤكد على فصل الدين عن الدنيا، ثم أهل الدين أو المنتسبين له صفهم في صفين، الصف الأول: صف أحبار السوء وكهنة السلطان، أحدهما علماني من مخلفات مبارك بجبة وعمامة، نصير للعسكر حيث كانوا ومتى كانوا، والآخر صليبي انفصالي يزعم أنّ الروح القدس يتنزل عليه ليعصم قراراته، ولذلك أيد السيسي وزعم أن يوم انقلابه يوم تاريخي، كما أيد سلفه شنودة حسني مبارك ونهى عن التظاهر ضده.
ليعيدا للأذهان التاريخ الأسود لتحالف الكنيسة مع الأباطرة، ثم خلف صف أحبار السوء وكهنة السلطان صف آخر، على اليمين صليبية، وعلى اليسار ممثل السلفية "السيسيَّة" في الركن ملتصقًا بالحائط.
وبهذا الترتيب بلّغ السيسي الرسالة؛ السيسي العسكري العلماني المتأمرك يعلو الجميع ويتقدمهم والدين على يساره منفصل عن الدنيا على يمينه، والدين والدنيا في خدمته، وممثل السلفية "السيسية" هناك في الخلف على اليسار وسط الصليبيين ومخلفات مبارك فهذا مكانه وذلك قدره, وليرض بذلك وإلا فإن السجن هنالك).
إنها معركة الوعى المسلوب لدى شريحة كبيرة من المصريين الذين صاروا يرددون ما تلقيه عليهم فضائيات الدعاية السوداء حتى أصبح لديهم المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وأضحى السد الأثيوبى نعمة على مصر، وأصبحت إسرائيل صديقة بينما حماس عدوة، وأضحى الحزب السياسى الحائز على الأغلبية فى البرلمان والرئاسة حزباً إرهابياً!!!!.
بينما يصمت البعض ممن ظنناهم عقلاء، ويهلل البعض الآخر ويصفق فرحاً بتنصيب الفرعون، وحجته فى ذلك حب الوطن المنكوب به وبفرعونه.
وكأن أحمد مطر كان يصف حالهم حين قال:
ما عندنا خبز.. ولا وقود
ما عندنا ماء.. ولا سدود
ما عندنا لحم.. ولا جلود
ما عندنا نقود
كيف تعيشون إذًا؟!
نعيش في حب الوطن!!
الوطن الماضي الذي يحتله اليهود
والوطن الباقي الذي
يحتله اليهود!
أين تعيشون إذًا؟
نعيش خارج الزمن!
الزمن الماضي الذي راح
ولن يعود!
والزمن الآتي الذي
ليس له وجود!
المصدر
- مقال:شاهين فوزى يكتب : تنصيب الفرعون ومعركة الوعى موقع: إخوان الدقهلية