ذَوُو التِّيجان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ذَوُو التِّيجان


بقلم: الشيخ نزيه مطرجي

العلماء هم وَرَثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دِرْهماً ولا ديناراً ولكن وَرَّثوا العِلْم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر، وشَرَفٍ غامِر، وكان أعلى منزلةً عند الله من العبد الصابر والغنيّ الشاكر.

ولو كان أحدٌ من العباد أشرفَ من العلماء، لقَرَنهم اللهُ باسمه واسم ملائكته كما قَرَن اسمَ العلماء، يقول الله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إلا هُوَ والملائكةُ وأُولو العِلْمِ قائماً بِالقِسْطِ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ} آل عمران 18. وخصَّ الله تعالى أهلَ العلم بالرِّفعة وعُلوَّ المراتب والدَّرَجات في الحياة وبعد الممات.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثَ طوائف من الناس يَشْفعون يومَ القيامة: الأَنبياء، ثم العلماء، ثم الشُّهداء، فَأَعْظِمْ بمنزلةٍ هي واسِطةٌ بين النُبوَّة والشَّهادة بشهادة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (تفسير القرطبي).

إن العلماء نِعمة صَيِّبة من نِعم الله على الدنيا، ومِنحة طيِّبة لأهل الأرض، فهم مصابيحُ الدُّجى، وأَئِمّةُ الهُدى، وحُجَّةُ الله في أرضه، بِهِم تُمْحَى البِدَعُ من العُقول، وتُرفع الرِّيَبُ من القلوب.

«إنّ مَثَل العلماء في الأرض كمَثَل النّجوم في السّماء يُهتدَى بها في ظُلمات البرّ والبحر، فإذا طُمست النجومُ أوشكَ أن تَضِلَّ الهُداة» أخرجه أحمد.

والعِلم الشريف يحمله مِن كلِّ خَلَف عُدولُه، يَنْفون عنه انتحال المُبْطِلين، وتحريفَ الغالين، وتأويلَ الجاهلين, والله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَبْقَ عالِم اتخذ الناس رؤساءَ جُهّالاً فَسُئِلوا فأَفْتَوْا بغيرِ علم فضلُّوا وأَضلُّوا. من حديث رواه البخاري.

فذَهَابُ العلم بذَهاب العلماء. قال ابن مسعود يوم مات عمر رضي الله عنه: «إني لأحسب تسعةَ أعشار العِلم اليومَ قد ذَهَب».

ولكن الله عزوجل بمنّه وكَرمه جعل الدنيا لا تخلو من عالِم مجتهد، وجعل العلماء في أمة محمد صلى الله عليه وسلم, كلما هَلك عالِم خَلَفه عالم، لئلا تُطْمَسَ معالِمُ الدين، وتخفى أَعلامُه.

لِله دَرُّ علماء الأمة الأتقياء الفُضلاء! هل بقي من سُلالتهم أحدٌ من ذوي التِّيجان في هذا الزّمان؟ وهل نشأ في هذا العصر أحدٌ من ذاك «الغَرْس الذي غَرَسه الله في الدين يستعملُهم في طاعته؟». إنهم إن وُجدوا فهم أندَرُ من الياقوت والجوهر، ومن الدرِّ الأحمر! وإن الدنيا ظَمْأى إلى علمهم، وجَوْعى إلى زادهم, ما أَفْرغَت المُزْنُ قَطْرَها، وما أَنبتتِ الحقولُ زهرَها وبَقْلَها.

إننا نحسَبَ أن العلماء الصالحين هم أكثر الناس تشبُّعاً بمعنى قول الله تعالى: {مَنْ كانَ يُريدُ العِزَّةَ فلله العِزَّةُ جميعاً} فاطر 10, فهم يلتمسون العِزَّة من الإله، ويستوهبون القوّة والكرامة من حِماه, وهذه العزّة تُحْصِّنهم من الرِّضا بالهَوان، وتَحميهم من السُّكوت على الضَّيْم والخِذْلان, إنهم لا يقبلون الدنيَّة في دينهم ولا دُنياهم، وإذا سيم أَحَدُهم خُطَّة خَسْفٍ قال «لا» بملء فيه.. فالعِزَّة ميراثُهم، والإباء والكرامة طِباعهم, فإنّ من تضعضع منهم لغنيّ أو زعيم ليَنال ما في يده من المال أو الجاه، أو وقف على أبوابِهم، فليس جديراً بأن يُكرَّسَ ويُتَوَّج.

روت كتب السِّيَر أن الشيخ سعيد الحموي عالمَ الشّام في عصره، كان يُدرّس تلاميذه، قد مَدَّ رِجْلَه، فدخل عليه جبّار الشّام إبراهيم باشا، فلم يتحرّك له، ولم يَقْبِض رِجله، ولم يبدّل جلسته! فغضب الباشا، ولكنه كتم غضبه, ولما خرج بعث إليه بصُرَّةٍ فيها أَلْفُ ليرة ذهبية! فردّها الشيخ وقال للرسول الذي جاء بها: قُل للباشا، إنّ الذي يمدّ رِجْلَه لا يمدُّ يَدَه!

وإن حامل العلم المتوَّج لا يليق به إلا أن يتَّصف بالتعفُّف، وأن يكسب من الحلال الطيَّب، ويدَعَ الحرام الخَبيث، وقد قدّم ربُّنا عز وجل الحلالَ الطيّب على العمل الصالح، فقال تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا كُلُوا من الطيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحاً إني بما تعملونَ خَبيرٌ} المؤمنون 50، يجتنبون مواضع الرِّيَب، ويَسُدُّون النَّوافذ التي تُطِلُّ على المُحَرَّمات. يقول الصِّدّيقُ رضي الله عنه: كنا نَدَعُ سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب واحد من الحرام.

وإن على العالِم أن يستبرئ لدينه وعِرضه، فيجتنبَ خَلْطَ المال العامّ بالمال الخاصّ، ويتورَّع عن الانتفاع بمال الوَقْف أو مال اليتيم أو مال الزَّكاة والصَّدقات، أو مال الأمانات والوصيّات والمَبَرّات، وأن يَنْأَى عن كل مواقع التُّهم وإساءة الظّنّ، فإن فَقَد التعفّف والتورّع، فليس من حقّه أن يَتجبَّب ويَتعمَّم!

فيا ذوي التيجان، بالله عليكم لا تجعلوا الإسلام محجوباً بكم! ولا تكونوا بلاءً لأمتّكم وفتنةً لعدوّكم!

المصدر