د. رفيق حبيب: سياسة الوطن المحروق هل تفشلها السلمية؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د. رفيق حبيب: سياسة الوطن المحروق هل تفشلها السلمية؟


(الثلاثاء 04 أغسطس 2015)

د. رفيق حبيب

مقدمة

د. رفيق حبيب

مع الذكرى الثانية للانقلاب العسكري، توالت عدة أحداث ومواقف وتصريحات، تكشف عن الحالة التي عليها السلطة العسكرية، وتقديرها للمخاطر التي تتعرض لها، وأيضا تقديرها للاستراتيجية الناجحة التي تبقي السلطة قائمة، ثم تحقق لها الاستقرار.

كانت متوالية الأحداث قد بدأت بالتذكير بالمذابح، في تهديد واضح وصريح للحراك الثوري، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، ثم توالت التهديدات والتصريحات بعد ذلك، وبعد اغتيال النائب العام السابق.

رغم أن توقيت اغتيال النائب العام، وتوظيف الحدث سياسيا، يشير إلى أن الحادث ربما دبرته أجهزة داخلية أو خارجية، فإن الحدث في حد ذاته، أشار إلى حالة انفلات للعنف، وأيضا تمادي لحالة توظيف العنف لصالح السلطة القائمة.

كان العنف محتملا، ثم تم استدعاء العنف، ثم تم تغذية العنف، من خلال سياسة العقاب الجماعي والقتل الجماعي، ثم أصبح العنف حاضرا خاصة في سيناء، ومعه انزلقت السلطة بإرادتها في حرب استنزاف طويلة، أرادتها في البداية، لكنها لم تعد تسيطر عليها.

تمدد غطاء الحرب على الإرهاب، وكأنه المبرر الوحيد لبقاء السلطة وحمايتها من أي محاولة تغيير أو انقلاب عليها، فبات واضحا أن أحداث العنف، هي التي تعطي السلطة مبررات للقمع، وتجعل بقاء السلطة مطلوبا وضروريا.

بعد اغتيال النائب العام، كانت دعوات الثأر والانتقام، وكذلك الاستهداف المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، ثم تصفية عدد من قيادات الجماعة، مؤشرا على أن السلطة العسكرية تخوض معركتها الأساسية مع الحراك الثوري والإخوان.

يتمدد العنف إذن، وتدفع السلطة لحرب استنزاف في سيناء، ومع ذلك فإن معركة السلطة العسكرية الرئيسة هي مع الحراك الثوري السلمي، ومع جماعة الإخوان المسلمين التي تتمسك بالنهج السلمي رغم كل ما تعرضت له.

من الواضح، أن السلطة العسكرية وقيادتها، تتعرض لضغوط متعددة من أطراف داخل تحالف الانقلاب العسكري، وهو ما جعل السلطة تبدو مرتبكة ومتشنجة، وهو ما يعني أن الحراك الثوري يضغط على السلطة، ويضعف موقفها أمام حلفائها.

استمرار الحراك الثوري، واستمرار جماعة الإخوان المسلمين، وصمود الرئيس وقيادات الجماعة، رغم كل ما يتعرضون له، يمثل في الواقع أهم عامل يضغط على مفاصل السلطة، ويدفعها إلى حالة من الارتباك.

توظف السلطة العسكرية أحداث العنف، وتواجد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، لتبرير القمع، ولجعل وجودها من دون تغيير ضروري، وفي الوقت نفسه لا يمكنها توظيف الحراك السلمي لمصلحتها، ولا يمكنها توظيف النهج السلمي للإخوان لمصلحتها.

عندما تستهدف السلطة من تنظيمات مسلحة، ثم تستهدف هي جماعة الإخوان المسلمين والحراك الثوري، فإن ذلك يعني أن نهج الحراك الثوري، ونهج جماعة الإخوان المسلمين، يضر السلطة ويربكها ويهدد وجودها، في حين أن العنف يعضد استمرارها، ويبرر بقاءها.

من الواضح، أن تنظيم ولاية سيناء، خاصة عندما يقوم بهجمات واسعة غير مسبوقة في ذكرى الانقلاب العسكري، يحاول أن يحل محل الحراك الثوري، ويحاول أيضا أن يقدم نفسه كبديل لجماعة الإخوان المسلمين.

قدرة تنظيم ولاية سيناء، خاصة بعد إعلان تنظيم بيت المقدس بيعة تنظيم الدولة الإسلامية، على تجنيد المقاتلين والأعضاء الجدد توسعت بدرجة كبيرة، فأعداد القتلى والمعتقلين من التنظيم وإن كان فيهم أبرياء كثر، يمثل أضعاف عدد المسلحين عند بداية الانقلاب العسكري.

الواضح إذن، أن السلطة تستهدف جماعة الإخوان المسلمين والحراك الثوري، وتترك العنف يتمدد بل وتغذية بسياسة العقاب والقتل الجماعي، كما أن تنظيم ولاية سيناء يحاول أن يحل محل الحراك الثوري وجماعة الإخوان المسلمين.

الصورة العامة، توضح أن الحراك الثوري السلمي، يمثل خطرا على السلطة القائمة، حتى وإن لم يتمكن من امتلاك أدوات الحسم بعد، كما أنه يمثل تهديدا في حال استمراره ونجاحه للجماعات المسلحة، والتي تراهن على فشل النهج السلمي.

هل السلطة تخشى السلمية؟

المتابع لتصريحات السلطة وقائد الانقلاب، والمتابع لإعلام الانقلاب، يكتشف بوضوح أن الحراك السلمي لا يمكن أن يكون مدانا، والنهج السلمي لجماعة الإخوان المسلمين لا يمكن أن يكون مدانا أيضا، فالسلمية لها شرعية أخلاقية.

كل الهجوم على الحراك الثوري وجماعة الإخوان المسلمين، يقوم أساسا على التضليل، مما يعني أن حقيقة الحراك الثوري، تكسبه شعبية، كما أن حقيقة جماعة الإخوان المسلمين، تكسبها شعبية، لذا لم تجد السلطة غير تشويه الحقيقة.

مثل الحراك الثوري عامل ضغط على السلطة، خاصة وأنه أفشل قدرتها على إجهاض الثورة، كما أفشل قدرتها على تنفيذ وعدها لحلفائها خاصة في الإقليم والحلفاء الغربيين، بأنها قادرة على وقف الحراك الثوري بعد الانقلاب بأسابيع أو شهور.

يمثل الحراك الثوري، العامل الرئيس لعدم الاستقرار السياسي للسلطة، لأنه محاول ثورية لإسقاط السلطة وإعادة مسار الثورة والتحول الديمقراطي، لذا فالحراك الثوري يدفع حلفاء السلطة للبحث عن بديل.

استمرار العنف وتطوره، لا يدفع حلفاء السلطة العسكرية للبحث عن بديل لقائد الانقلاب ولكن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، هي التي تدفع حلفاء الانقلاب للبحث عن بديل، يمكن أن يحقق حالة استقرار سياسي.

كان من الواضح أن السلطة العسكرية، تريد أن تفجر حالة عنف في الذكرى الثانية للانقلاب، حتى توقف أي مشاريع لتغيير السلطة من داخلها، أو تغيير قائد الانقلاب، مما يعني أن السلطة تحتمي بحالة العنف، في مواجهة أي سيناريوهات للتغيير من حلفائها.

يبدو أن تقييم الحراك الثوري لما يقوم به، أختلف كثيرا عن تقييم السلطة لما يقوم به الحراك الثوري، فالبعض كان يرى أن السلطة تعودت على التظاهرات اليومية، ووصلت لمرحلة التعايش من تلك التظاهرات، ولم تعد تؤثر عليها.

تصور الحراك الثوري، أو بعض المنتمين له، أن قدرته على الاستمرار والصمود ليست كافية، لأنها لم تتطور للقدرة على التصعيد والحسم، مما جعل البعض يتصور أن الاستمرار في حد ذاته لم يعد يضيف جديد، أو لم يعد له فائدة.

في تصوري، أن السلطة لها تقدير مختلف حول الحراك الثوري، وهو أيضا تقدير يدركه البعض داخل قيادة الحراك الثوري، فاستمرار الحراك الثوري رغم القمع، يعني أن إعادة بناء جدار الخوف لم يكتمل بعد، لأن هناك من يتحدى جدار الخوف كل يوم.

يبدو أن السلطة ترى أن استمرار الحراك الثوري، يعني إجهاض جزئي ومتدرج لاستراتيجية القمع، واستمرار في إجهاض استراتيجية الصدمة والرعب، مما يهدد كل الاستراتيجيات الأمنية للسلطة بالإجهاض في نهاية الأمر.

يبدو أن السلطة العسكرية القائمة، وكل منظومة الحكم العسكرية، بل وكل طبقة الحكم، مسكونة بهاجس ثورة يناير 2011 وهو ما يعني أنها مسكونة بهاجس احتمال خروج جماهيري واسع في أي وقت، مما يعيد حالة الثورة مرة أخرى.

جاء الخروج الجماهيري الواسع في يناير 2011، دون أن يسبقه حراك ثوري مثل الحراك المستمر منذ الانقلاب العسكري، مما يعني أن استمرار الحراك الثوري، يمهد لحالة خروج جماهيري واسع، حتى وإن تأخرت.

بقاء السلطة تحت تهديد توسع الحراك الثوري وتحوله إلى خروج جماهيري لا تتمكن من التصدي له، يبقي السلطة في حالة توتر وارتباك، كما يبقيها تحت تهديد محاولة تغييرها، حتى لا تتسبب في حدوث خروج جماهيري واسع.

نظرة السلطة العسكرية القائمة للحراك الثوري، توضح أن استمرار الحراك يمثل خرقا مهما لاستراتيجية السلطة الأمنية، كما يمثل خرقا مهما لاستراتيجية السلطة لتحقيق الاستقرار، وتدعيم الحكم العسكري في مصر للعقود القادمة.

تقييم الحراك السلمي

يبدو مع الذكرى الثانية للانقلاب العسكري، أنه من المهم النظر لرؤية السلطة العسكرية للحراك الثوري، لأنها تكشف عن نقاط القوة والضعف في استراتيجية السلطة، وتكشف أيضا عن حسابات الحلفاء الإقليميين والدوليين.

ما حققه الحراك الثوري، اعتمد أساسا على الاحتجاج السلمي، وعلى القدرة على الصمود، واعتمد أيضا على تحقيق الاستمرار كل يوم، حتى يكون الحراك الثوري، حالة مستمرة لم يتمكن أحد من إجهاضها ولو مؤقتا.

تلك الاستراتيجية، أسست للشرعية الأخلاقية للحراك الثوري، والتي لم تتمكن السلطة من مواجهتها، لهذا حاولت تشويه صورة الحراك الثوري وجماعة الإخوان المسلمين، وكأن السلطة تريد أن تدفع الحراك لحالة تتمكن من مواجهتها.

من الواضح أن السلطة العسكرية تفضل مواجهة العنف والجماعات المسلحة، رغم أنها انزلقت لحالة استنزاف لا تنتهي، ولكنها غير قادرة على مواجهة الثورة أو فكرة الثورة، مما يجعل السلمية تنتصر لفكرة الثورة.

رغم أن الحراك الثوري يحتاج لتطوير أدوات رد الاعتداء والدفاع عن النفس، وتطوير وسائل المقاومة الشعبية، إلا أن الاحتجاج السلمي يظل هو الأداة الأهم في مسار الثورة، والأكثر تأثيرا على السلطة القائمة وحلفائها.

المشهد في ذكرى الانقلاب الثانية، يظهر سلطة متشنجة ومرتبكة، ومندفعة للقمع والتصفية الجسدية والإعدام، مما يعني أن السلطة لم تعد قادرة على الاستمرار في نفس الحالة الراهنة، وأنها تريد تغيير الوضع جذريا وحسم المعركة لصالحها.

مادامت السلطة لم تعد تحتمل الحراك الثوري، فإن هذا يعني أن استراتيجية الاستمرار والصمود، حققت واقعيا أكثر مما كان يتصور البعض داخل الحراك الثوري، لأنها لم تعد فقط مرحلة بل أداة لها تأثير فاعل.

يؤكد المشهد في جملته، على أن استراتيجية الاستمرار والصمود، تبني حالة تهدد بالفعل السلطة العسكرية، كما يبدو من تصرفاتها، لأن استمرار حالة الثورة، يعني إفشال جزئي مستمر لاستراتيجية القمع والصدمة والرعب، وهو ما يمهد لمرحلة إفشال كامل.

سياسة الوطن المحروق

بات واضحا أن السلطة تتبع استراتيجية الوطن المحروق، وليس فقط الأرض المحروقة التي تتبعها في سيناء، فهي تستدعي العنف وتغذيه، ثم تتبع سياسة القمع والقتل الجماعي، فينتشر العنف أكثر، وهي تدفع الحراك الثوري للعنف، وكأن العنف المبرر الوحيد لبقائها.

مصر في حالة حرب، ومهددة بحرب أهلية، وتواجه العنف والإرهاب الحاضر وليس المحتمل، وتعاني من انقسام مجتمعي، والسلطة العسكرية، ترى أن هذا الوضع هو مبرر وجودها واستمرارها، مما يعني أن بقاء مصر في حالة حرب، من لوازم ضمان بقاء الحكم العسكري.

عندما ينتشر العنف، وحرب الكراهية الأهلية، والاقتتال الأهلي بصور مختلفة، فإن مصر تتحول إلى وطن محروق، يحترق بنيران الثأر والانتقام ومتوالية العنف والعنف المضاد، حتى تبقى السلطة العسكرية، ويتم تكريس الحكم العسكري.

في ظل سياسة الوطن المحروق، يبدو أن الحراك الثوري يحتاج إلى تطوير حراكه السلمي أكثر، بعد أن كانت الأولوية فقط لتطوير استراتيجية رد الإعداء والدفاع عن النفس، لأن السلمية ليست فقط العامل الأكثر فاعلية في حراك الثورة، بل هي أداة إخراج مصر من مرحلة الوطن المحروق.

ستظل السلطة العسكرية تنادي العنف والإرهاب حتى تبقى، فهو مبرر وجودها، وتستدعي حالة الحرب الأهلية، فهي المسوغ الرئيس للانقلاب العسكري، مما يعني أن السلطة تتأثر أكثر بالحراك السلمي، لأنه لا يعطي لها أي مبرر للوجود.

الحراك السلمي الثوري بكل أدواته، يمثل الاستراتيجية التي تبقي السلطة العسكرية في حالة تهديد بحدوث موجة ثورية جديدة، أقوى كثيرا من موجة 25يناير، مما يجعل السلطة محاصرة باحتمال الثورة عليها، وهو ما يجعلها مرتبكة، ويجعل بقاءها مهددا.

المصدر