دولة بوليسية علينا فقط..!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

دولة بوليسية علينا فقط..!

دولة بوليسية علينا فقط

قرأت مقالاً رائعًا للأستاذ محمد فهمي في جريدة (العربي) الناصري في العدد الصادر أول مارس بعنوان:

(الأكذوبة الكبرى مصر دولة بوليسية)، يتندر فيها الكاتب من وصف مصر بالدولة البوليسية معللاً ذلك بأن الدولة البوليسية لها هيبة ولا يتجاسر اللصوص على سرقة الحكومة أما في بلادنا فإن الناس تسرق قضبان وفلنكات السكك الحديدية والعلامات الإرشادية بمنتهى الهدوء وهم يسمعون الأغاني ويتناولون الوجبات وكل ما فعلته وزارة الداخلية عمل مناقصة لاستبدال اللافتات الإرشادية المصنوعة من الحديد بأخرى من البلاستيك. وتساءل لماذا لا تظهر الدولة البوليسية في حوادث الاغتصاب واختطاف حقائب السيدات وسرقة الآثار؟

وانتهى الأستاذ محمد فهمي إلى أن موضوع أننا دولة بوليسية (واسعة شوية وأننا يدوبك مصنع أحذية كبير!).

وإن كان المقال أصاب بطريقة مدهشة التناقض الذي نعيشه مع هذا النظام البوليسي إلا أنني أختلف معه في نقطة محورية، وهي أننا بالفعل دولة بوليسية تحكم بالحديد والنار، ولكن على مَن؟

على كل مَن يريد أن يفتح فمه ويختلف مع النظام أو يطالب بحقه أو يطالب بتداول السلطة أو بالحريات.

نعم دولة بوليسية بامتياز فيها الأحزاب والنقابات وجميع منظمات المجتمع المدني مؤممة. فيها عدد أفراد الداخلية من جنود أمن مركزي وعساكر ومخبرين وضباط وقيادات تعدى مليونًا و100 ألف فرد!!

دولة تُحكم بقانون الطوارئ ومحاكم وأمن الدولة والمحاكم العسكرية.

ودولة فيها محافظ مدينتك السيد اللواء، ورئيس الحي الذي تسكن فيه السيد اللواء، ورئيس مرفق المياه السيد اللواء، بل رئيس هيئة الصرف الصحي السيد اللواء، ورئيس هيئة النظافة السيد اللواء، ورئيس هيئة التشجير والتجميل السيد اللواء، بل إن جميع الأجهزة داخل مجلس الشعب والشورى من سكرتارية ومراسم واستقبال وعلاقات عامة بل والمكتبة وغيرها يرأسها سيادة اللواء أو من دونه من عميد وخلافه ولو فتحت التليفزيون لتشاهد مباراة كرة قدم سيطل عليك سيادة اللواء أو العميد معلقًا، بل وإن انتهيت من المباراة وأردت أن تستمع لرأي رئيس اتحاد الكرة أو مسئول في جهاز الشباب والرياضة بل وعضو في إدارة نادٍ رياضي ستجد اللواء في انتظارك، لو فكرت في الذهاب للتبرع في جمعية خيرية أو حتى جمعية تخص المسجد أسفل بيتك ستجد رئيسها السيد اللواء، ستنتابك حالة من الحيرة والخوف حتى تعتقد أنك لو فتحت باب الثلاجة ستجد السيد اللواء يجلس فيها يراقب حركة الوارد والمنصرف من الثلاجة!!!


كده مصر تكون دولة إيه ؟

نعم يا سيدي بوليسية بالعشرة، فالأمن أمن سياسي وله الأولوية المطلقة، فالقهر والسحل والتحرش بالمتظاهرين على أعلى مستوى وهل ننسى التحرش بالمتظاهرات في 25 مايو منذ ثلاثة أعوام مضت ونفي المعارضين للصحراء لوقت زمني محدد مثلما حدث للدكتور القدير الراحل عبد الوهاب المسيري أو الرقص (استربتيز) مع المعارضين وتجريدهم من ملابسهم قطعة قطعة مثلما حدث مع الكاتب الكبير عبد الحليم قنديل!

أو ضربهم وتحطيم نظارتهم الطبية مثل ما حدث مع أحمد منصور مذيع قناة (الجزيرة)!

نظرة يا سيدي لسجناء الرأي في بلادنا والمعتقلين السياسيين وتوريد الآلاف للمعتقلات، والدقة في اعتقال المعارضين وترويعهم فجرًا دون أن يفلت منهم أحد، وانظر إلى التغلغل في جميع مؤسسات الدولة من جامعات وهيئات وشركات ووزارات حتى ضج أحد المستشارين الكبار بالشكوى وطردهم من قاعة المداولة وصرح قائلاً إنه يضطر أحيانًا في بعض القضايا الهامة التداول في دورة المياه لمنع التلصص عليه!

حتى أصبح تعيين (التومرجي) في بر مصر يحتاج لموافقة الأمن!

واسمح لي أن أختلف معك مرة أخرى في أن مصر أصبحت مصنع أحذية كبير، وليست دولة بوليسية!

فأنت يا أستاذي تظلم مصنع الأحذية الكبير، فهذا المصنع فيه نظام ولا يتم تعيين (الصنايعية) فيه بالواسطة والمحسوبية وتستخدم فيه أجود الخامات وأرخص الأسعار وليس طبقًا للمناقصات المضروبة بل وفيه مواكبة للجديد والتحديث دائمًا في هذا المصنع حاضر وقوي.

بل إن هذا التشبيه فيه ظلم للأحذية التي توضع وتحفظ وتعرض في أفخر الفاترينات في أرقى مناطق البلد ولا تعرض في عشش أو في المقابر وأسفل الكباري.

اللهم إن كنت تقصد الشبه في توريث المصنع للأبناء!

ولذلك أعتقد أن هذا التشبيه غير موفق فمصر مصنع، ولكن مصنع معطل.

كانت مصنعًا للشرف والرجولة والريادة عبر التاريخ.

مصر مصنع حطين وعين جالوت.

مصر مصنع أكتوبر، ومصنع مشرفة والسنهوري وجمال حمدان وحسن البنا والغزالي وزويل والشعراوي.

فللأسف وقع هذا المصنع في أيدي مجموعة من الفاسدين واللصوص فخصخصوا المصنع وباعوا ممتلكاته وشردوا وجوعوا عماله.

وتوقف المصنع عن الإنتاج والإبداع وعششت فيه الغربان وأصابه الخراب.


أخيرًا.. أستاذي الفاضل أتفق معك بكل قوة أن مصر دولة غير بوليسية على فئة بعينها بل ناعمة وكلها حنية على المسرطنين وأصحاب العبارات الخربة مثل راندا الشامي ويوسف عبد الرحمن وممدوح إسماعيل فهم يغادرون البلاد في رعاية الدولة المدنية الحديثة والحكومة الالكترونية الذكية (المهنجة)!

مصر معك كل حق ليست دولة بوليسية بل وطيبة وبنت حلال مع الفاسدين واللصوص وتطلق عليهم متعثرين وترسل لهم مندوبين في إقامتهم خارج البلاد للتفاوض معهم لإعادة المسروقات!

مصر دولة عندها ضعف نظر (ومش واخدة) بالها من التثبيت في الشوارع وبيع المخدرات جهارًا نهارًا على نواصي الشوارع بل توصيله (دليفري) لباب البيت.


يا أستاذ لقد نكأت الجراح

فمصر تحتاج إعادة تأهيل لكل مناحي الحياة فيها.

أعتقد أن البداية الحقيقية لبلادنا أن ننهي عصر الدولة البوليسية التي تقوم بحماية بل وتكريس الظلم والاستبداد عن طريق تزوير إرادة الناخبين.

وليكن الرهان على دولة مدنية حديثة الحكم فيها لصندوق انتخابي نظيف والطريق إليه نظيف، والحكم فيها للمدنيين وليس لعسكري، ولا لأحمد نظيف!


المصدر : نافذة مصر