خيار السلام.... وخيار المفاوضات

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
خيار السلام.... وخيار المفاوضات

اعادة اعتبار

ثلاثي الدمار

إن الشرط الأول كي يخرج المفاوض الفلسطيني من مأزقه أن يعيد الاعتبار للمعادلة التالية: «من لا يملك القدرة على خوض الحرب لا يملك القدرة على خوض غمار المفاوضات.ومن لا يجيد القتال ضد الاحتلال والاستيطان لا يجيد التفاوض للخلاص من الاحتلال والاستيطان».

وقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس،في القمة العربية الأخيرة في دمشق،ليعيد التأكيد على تبنيه خيار السلام،داعياً الجانب الإسرائيلي إلى اعتماد الموقف نفسه،ممنياً النفس أن يتدخل المجتمع الدولي،ممثلاً في اللجنة الرباعية،لإزالة العراقيل أمام هذا الخيار،وهي كثيرة.

وبعد لقائه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس،التي دعت إلى تجميد الاستيطان الإسرائيلي،أعلنت تل أبيب عن دفعة جديدة من العطاءات ومشاريع التوسيع الاستيطاني بمئات الشقق السكنية،خاصة في القدس المحتلة وفي محيطها في موقف تحدٍ للفلسطينيين الداعين إلى وقف الاستيطان مقابل استئناف المفاوضات.

رئيس دائرة المفاوضات في اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. صائب عريقات لم يجد في هذا الموقف الحرج حلاً سوى الطلب إلى الولايات المتحدة للتدخل في محاولة عقيمة لاستحضار موقف أميركي محايد،ليس موجوداً إلا في أوهام الجانب الفلسطيني المفاوض.


سؤال جديد قديم

وهو ما يعيد طرح السؤال الجديد ـ القديم:ما معنى خيار السلام؟وهل يختلف عن خيار المفاوضات؟ومن هو القادر على خوض غمار السلام،وما هي شروط هذا كله،وأين يقع التضليل الفلسطيني في هذه المسائل؟

لا نعتقد أن ثمة شعباً لا يرغب في السلام والاستقرار والأمن، لكن تعريف السلام بين نظام سياسي وآخر، وبين دولة وأخرى،يختلف باختلاف موقع هذا النظام أو هذه الدولة،وباختلاف مصالحها المحلية والإقليمية بأهدافها الإستراتيجية كما ترسمها لنفسها.

وهو ما نسميه المصالح العليا للدولة.لذلك إذا كان الفلسطينيون والإسرائيليون والأميركيون يتحدثون جميعاً عن السلام،فإننا نعتقد أن مفهوم السلام لدى كل من هؤلاء ليس واحداً.

فلدى الشعب الفلسطيني يتلخص مفهوم السلام بجلاء الاحتلال والاستيطان عن كامل الأراضي الفلسطينية (والعربية) المحتلة بعدوان الخامس من حزيران (يونيو) 67، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة،وعاصمتها القدس الشرقية،وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.

أما لدى الجانب الإسرائيلي فللسلام مفهوم آخر،يقوم على الوصول إلى تسوية للصراع مع الفلسطينيين،يضمن لإسرائيل ضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية المحتلة،بما في ذلك القدس الشرقية نفسها،وقيام كيان فلسطيني (لا مشكلة في أن يسمي نفسه دولة) يدير شؤون الفلسطينيين ويضبط حركتهم السياسية بما يقمع التيارات «المتطرفة»،وبما يضمن سلامة إسرائيل من الجهة الشرقية.

وهذا يفترض تقييد الكيان المذكور بسلسلة من الاشتراطات والالتزامات التي تحوله إلى مجرد حالة تابعة أمنياً واقتصادياً للمركز الإسرائيلي.

كما يقوم السلام على إسقاط حق اللاجئين في العودة إلى مناطق 48،ولا يستبعد بعض الأطراف الإسرائيليين ضرورة التخلص من الفلسطينيين داخل إسرائيل نفسها،كضمانة إستراتيجية لأمن إسرائيل وسلامها،عبر تهجيرهم (طردهم) إلى رحاب «الدولة» الفلسطينية التي ستقوم على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة.

لذلك عندما يتحدث أولمرت عن السلام فإنه لا يتحدث عن الأمر ذاته الذي يتحدث عنه الفلسطينيون كما رسمته قرارات مؤسساتهم التشريعية والتنفيذية.


مفهوم السلام عند امريكا

أما الجانب الأميركي فإن مفهومه للسلام يتطابق مع المفهوم الإسرائيلي بشكل شبه كامل. وإن كان الطرفان يتباينان (أحياناً) في التكتيكات التي توصل إلى تحقيق هذا السلام الذي اعتدنا على تسميته بالسلام الأميركي ـ الإسرائيلي.

لذلك عندما يتدخل الرئيس بوش ويتحدث عن «رؤيا الدولتين»، فإنه لا يساوي بين الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية. وعندما تتحدث وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس عن ضرورة دفع المفاوضات إلى الأمام،فإنها تعني الضغط على الفلسطينيين،أكثر فأكثر للرضوخ للاشتراطات والمطالب والاقتراحات والمواقف الإسرائيلية.

وحتى عندما نتحدث عن المفاوضات، فإن المعنى لدى الأطراف الثلاثة ليس واحداً... فالمفاوضات كما يتوافق عليها الفلسطينيون (كما في وثيقة الوفاق الوطني في 27/6/2006) هي التي تقوم على قرارات الشرعية والدولية،وتتناول قضايا الحل الدائم،وتستجيب للحقوق والمصالح العليا الوطنية الفلسطينية.

أما المفاوضات لدى الجانب الإسرائيلي فهي وسيلة لفرض الاشتراطات على الجانب الفلسطيني وصولاً لاتفاق يلبي مصالح إسرائيل السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والديمغرافية.أما الجانب الأميركي فللمفاوضات عنده أكثر من معنى هي أحياناً وسيلة لتهدئة الخواطر وتخفيف حدة التوتر في المنطقة،وأحياناً أخرى للوصول إلى اتفاقات مختلة لصالح الجانب الإسرائيلي.

وحتى الآن لا يبدو أن الجانب الأميركي قد قرر إطلاق مفاوضات جادة وجدية تصل بالطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى «حل دائم» (يتطابق بالطبع مع الرؤية ويخدم المصالح الإسرائيلية) لإدراكه صعوبة مثل هذا الأمر،وحجم العراقيل التي تقف في طريقه،مستفيداً من تجارب سابقة،أهمها تجربة مفاوضات كامب ديفيد (2تموز /يوليو 2002) وطابا (كانون الثاني / يناير 2001).


خلاصة واضحة

هذا كله يقودنا إلى خلاصة واضحة وهي أن المفاوضات تعتبر شكلاً آخر من أشكال الصراع،يحاول من خلاله كل طرف أن يقطف ثمرة الدور الصراعي الذي يقوم به في مجالات وميادين أخرى ضد الطرف الآخر،ويحول هذه الثمرة إلى اتفاق سياسي يتنازل فيه الطرف الأضعف (أي الأقل قدرة على الصمود) للطرف الأقوى.

هذا ما أكدته تجارب المفاوضات في العالم،إن بين الدول المتصارعة أو بين الدول الاستعمارية وبين حركات التحرر العالمية:في الجزائر،في تونس،في المغرب،في ليبيا،في مصر،في فيتنام،وفي جنوب إفريقيا،وجنوب اليمن،وفي غيرها من دول العالم.

كلها فاوضت المستعمرين إلى الطاولة وهي تخوض ضدهم حرباً عنيفة اعتمدت فيها الانتفاضة الشعبية وحرب العصابات.زاوجت بين أسلوبين في العمل، بحيث يدعم النضال في الشارع (بأشكاله المختلفة) الموقف التفاوضي؛بدوره يفتح الموقف التفاوضي أفقاً سياسياً للنضال في الشارع،ويحوله إلى مكسب حتى لا يضيع هباء.

الجانب الإسرائيلي نفسه بعد توقيع اتفاق أوسلو،لجأ إلى الأسلوب ذاته،فلقد واصل التفاوض مع الجانب الفلسطيني،وواصل في الوقت نفسه أعماله العدوانية ضد الشعب الفلسطيني،وقد لخص رابين (رئيس حكومة إسرائيل آنذاك) الموقف بالمعادلة التالية: «نفاوض وكأنه ليس هناك إرهاب. ونقاتل الإرهاب وكأنه ليست هناك مفاوضات».

ما يسجل على الجانب الفلسطيني الرسمي،الممسك بزمام القرار السياسي أنه لم يعتمد السلام خياراً فحسب، بل اعتمد المفاوضات سبيلاً وحيداً للوصول إلى هذا السلام.وثمة فارق كبير بين خيار السلام،المفتوح على كل الاحتمالات،وبين خيار المفاوضات سبيلاً وحيداً إلى السلام.

ففي الحالة الأولى، يوضع السلام كهدف استراتيجي،ويتم تعريف السلام بما يخدم المصالح الإستراتيجية والوطنية العليا،ثم توضع الأساليب والآليات للوصول إلى هذا السلام.

هنا تصبح الخيارات مفتوحة،إذ يمكن الوصول إلى السلام عبر الكفاح المسلح،وإلى جانبه الكفاح الشعبي الشامل،والعمل الإعلامي،والدبلوماسي،وكذلك المفاوضات.

وهذا ما تنبهت له وثيقة الوفاق الوطني الفلسطينية في 27/6/2006،حين رسمت أهداف النضال الوطني، واعتمدت،للوصول إلى هذه الأهداف،وتحقيقها كل الأساليب المشروعة، بدءاً بالمقاومة،مروراًَ بالكفاح الشعبي،والإعلامي،والدبلوماسي،انتهاء بالعمل التفاوضي.

ولم تجد الوثيقة تعارضاً بين هذه الأساليب،بل رأت أنها تشكل في مجموعها صيغة متكاملة،يكمل كل أسلوب فيها الأسلوب الآخر،فتتضافر الأساليب،وتتفاعل في بوتقة كفاحية واحدة،وبقيادة سياسية تمتلك رؤيتها الاستراتيجية وتلتزم أهداف النضال،ولا تساوم عليها،ولا تحيد عنها،والمصارحة تفترض بنا الاعتراف أن أولمرت يتبع هذا الأسلوب في مفاوضاته مع الجانب الفلسطيني الرسمي فهو يجلس إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت نفسه ينفذ خطته الاستيطانية لفرض الأمر الواقع على الجانب الفلسطيني،وليرسم حدود «الدولتين» كما يمارس في الوقت نفسه أعماله العدوانية في القطاع وفي الضفة،لإضعاف الحالة الشعبية الفلسطينية،ولكسر إرادة الصمود، وفرض إرادته السياسية على الفلسطينيين.


مأزق المفاوض الفلسطيني

إن مأزق الجانب الفلسطيني المفاوض أنه أعلن تخليه عن أحد الأساليب المؤثرة في العملية التفاوضية:المقاومة المسلحة ضد العدو، تجييش الحالة الشعبية وبناء مؤسسات مقاتلة،إعلامياً ودبلوماسياً وتستطيع أن توفر للشعب مقومات صموده،ليتحول إلى قوة صدامية ضد كل مظاهر الاحتلال الاستيطانية والعسكرية.

هذا المأزق قاد المفاوض الفلسطيني إلى وضع بائس،إذ وجد نفسه إلى طاولة المفاوضات،يضع اشتراطات ثم يتراجع عنها،ويرفع شعارات ثم يتخطاها،ويوجه إنذارات ثم يبتلعها.

فلا الاستيطان توقف (بل هو ازداد شراسة في التهام الأرض وتوسيع البنية الاستيطانية في الضفة الفلسطينية المحتلة). ولا العدوان العسكري توقف (بل ازداد وقاحة في أعمال من يسمون بالمستعربين الذي يتولون إعدام المناضلين الفلسطينيين في عقر دارهم بدم بارد دون أي اعتبار لأي رد فعل فلسطيني محتمل).

الأخطر من هذا،أن العملية التفاوضية تقابل بلا مبالاة من الشارع الفلسطيني،لأن المواطن الفلسطيني،وبتجربته الغنية، فقد الثقة في المفاوض الفلسطيني،وفي المفاوضات الحالية،ويدرك جيداً أن أولمرت وليفني وباراك،ليسوا في وارد تقديم ما يتوجب تقديمه للوصول إلى تسوية.

إن الشرط الأول، كي يخرج المفاوض الفلسطيني من مأزقه هو أن يعيد الاعتبار للمعادلة التالية: «من لا يملك القدرة على خوض الحرب، لا يملك القدرة على خوض غمار المفاوضات.ومن لا يجيد القتال ضد الاحتلال والاستيطان،لا يجيد التفاوض للخلاص من الاحتلال والاستيطان».

ونعتقد أن هذه المعادلة،تحمل في طياتها برنامجاً متكاملاً،وصنعت عناوينه وثيقة الوفاق الوطني في 27/6/2006 وبالتالي إن المد في عمر العملية التفاوضية الحالية،وفقاً للأسس والآليات المعتمدة،ليس من شأنه سوى توفير المزيد من الوقت لأولمرت ليوسع استيطانيه،ويوسع عدوانه،ويلحق بالحالة الفلسطينية المزيد من الخسائر والأضرار.من هنا وجب إعادة النظر بالسياسة المعتمدة والعودة إلى وثيقة الوفاق الوطني.

المصدر