جبهة اليسار .. الدور والآمال

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
جبهة اليسار .. الدور والآمال

2008-09-20

بقلم : محمود نوارة

الوضع المعقد الذي تعيشه الحالة الفلسطينية، والتجاذب الحاد الذي وصل إلى ذروته بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وتداعيات ذلك على مجمل الوضع الفلسطيني. شكل دافعاً أساسياً لتلتقي أهم ثلاثة من قوى اليسار الفلسطيني (الجبهة الديمقراطية، الجبهة الشعبية، حزب الشعب) لإنشاء ائتلاف جبهوي تحت عنوان (جبهة اليسار).

جاء تشكيل الجبهة بعد سلسلة اجتماعات بين قادة الفصائل الثلاثة، بدأت منذ العام الماضي في غزة ورام الله ودمشق، وكان أبرزها اجتماع في دمشق في 24 نيسان الماضي، شارك فيه الأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمه، والأمين العام لحزب الشعب بسام الصالحي، ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية عبد الرحيم ملوح.

وكبرنامج للجبهة، يجري صياغة وثيقة تستند إلى (وثيقة الوفاق الوطني) (التي توافقت عليها الفصائل الفلسطينية في العام 2006)، وجميع الوثائق الثنائية والثلاثية الصادرة عن الفصائل المكونة للجبهة، إضافة إلى أخذ المستجدات الوطنية والإقليمية في الحسبان.

في قطاع غزة توافقت القوى الثلاث على وثيقة برنامجية خاصة بالقطاع من أربعة محاور:

الأول يتعلق برأب الصدع وعودة الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام، عن طريق تنشيط دور الجبهة من خلال التحركات السياسية والشعبية الضاغطة لتسريع عملية الخروج من الأزمة.

والثاني يتمثل في العمل على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي للحد من ظاهرتي الفقر والبطالة، وتدهور الوضع المعيشي ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بفعل الحصار الإسرائيلي. والثالث يتعلق بوضع الحريات العامة التي تعرضت وما تزال تتعرض إلى تدهور غير مسبوق، وتأكيد التعددية السياسية والثقافية، وصون الحقوق المكتسبة المثبتة في القانون، ومن ضمنها حرية الرأي والتعبير والصحافة وغيرها.

والرابع يشير إلى السعي لإجراء انتخابات في الاتحادات والنقابات والجامعات والهيئات المختلفة، وفقاً لمبدأ التمثيل النسبي الكامل.

تبنت (جبهة اليسار) منذ لحظة تشكيلها مواقف تخدم الغاية التي شُكّلت لأجلها، فعقدت لقاءات على أعلى المستويات بين قياديي الجبهة وقيادات من حركتي فتح وحماس، وتؤشر نتائج هذه الاجتماعات إلى أنها بدأت تلعب دوراً فعلياً في إبراز حسن النوايا لدى (فتح) و(حماس)، على ضوء الاستعدادات الجارية لعقد حوار وطني شامل. ورحبت (جبهة اليسار) في هذا الخصوص بالدعوة التي أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) إلى حوار وطني شامل تشارك فيه كل القوى، وبالرعاية المصرية، داعية جميع القوى إلى الاستجابة لهذه الدعوة.

ودانت (جبهة اليسار) بشدة، التفجيرات التي استهدفت شاطئ غزة، ودعت إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تتسم بالحيادية والشفافية في عملها، لتحديد المسؤوليات، وإعلان النتائج للشعب، وتقديم الجناة للمحاكمة. كما دانت الإجراءات الاعتباطية التي اتخذتها [[حركة حماس]] إثر التفجير، والتي تمثلت بجملة اعتقالات واسعة طالت العشرات، وإغلاق عدد من المؤسسات الأهلية الوطنية. كما دانت الاعتقالات في الضفة التي جاءت في إطار ردة الفعل.

وفيما يخص الاعتقال السياسي ركزت الجبهة على إدانة جميع أشكاله، داعية إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين في غزة والضفة. كما دعت إلى الاتفاق على ميثاق شرف لتحريم الاعتقال السياسي وتجريمه، والابتعاد عن الفعل وردات الفعل، باعتبار كل ذلك يزيد الانقسام والاحتقان، ويضعف قدرة المجتمع على الصمود في مواجهة الاحتلال. وبادرت جبهة اليسار (14/8) بتشكيل لجنة وطنية لبحث ملف المعتقلين السياسيين في الضفة وغزة، تضم إلى جانب القوى الثلاث حركة (فتح)، و(حماس)، و(الجهاد الإسلامي)، مهمتها تسليم قوائم بأسماء المعتقلين السياسيين، ووضع آلية للإفراج الفوري عنهم، وبدأت نتائج تشكيل اللجنة تظهر فور إطلاقها.

ودعت الجبهة في أكثر من مكان إلى وقف الحملات الدعائية والتحريضية من طرفي النزاع (فتح) و(حماس). وقررت (جبهة اليسار) مواصلة تصعيد الحملات الشعبية على مراكز القرار، في سبيل جميع ما ذكر، كمقدمة لانعقاد الحوار الوطني الشامل. كما أن نشاط (جبهة اليسار) بدأ يمتد إلى مخيمات الشتات، فكانت المبادرة التي تقدمت بها الجبهة لصون أمن مخيم عين الحلوة في صيدا، إثر الأحداث الأمنية التي شهدها المخيم (19/8)، وساهمت هذه المبادرة بالفعل في تجاوز الأزمة التي شهدها المخيم، والتي تمثلت باشتباكات وانفجارات في عدد من أنحاء المخيم.

إن هذا العرض الموجز لما قامت به (جبهة اليسار) حتى الآن، يوضح الدور الذي بدأت تلعبه في الساحة الفلسطينية. وكان هذا العرض ضرورياً، لأن أهمية وجود (جبهة اليسار)، تكمن في الفعل الحقيقي والمؤثر الذي تستطيع إنجازه، في التخفيف من وطأة حالة الانقسام المدمر والعمل على إنهائه. ولعل هذا يشكل العنوان العريض لضرورة وجود جبهة اليسار، وتتعدد الأسباب التي تجعل من وجودها حاجة ملحة ومنها:

  • أصبح ضرورياً النهوض بالحالة اليسارية الفلسطينية، التي أصيبت بتراجع ملحوظ في أدائها مقارنة مع الماضي. وليس خافياً أن فعالية اليسار تراجعت مقارنة بفعاليته في مراحل سابقة، ولكن توحيد جهود ثلاث قوى يسارية، سيكون ـ بلا شك ـ أشبه بنهضة يسارية، وسيمنح هذه الفصائل ثقلاً إضافياً.
  • الحاجة الماسة لدرء العواقب الوخيمة لحالة الاستقطاب الثنائي الحاد التي تُعمّق الانقسام في الساحة الفلسطينية، وبالتالي ضرورة وجود قوة تمثل عامل توازن، وصمام أمان للوحدة الوطنية الفلسطينية.
  • الحفاظ على النظام السياسي الفلسطيني، الذي تعرّض لضربات قاسية، عبر اتفاقات المحاصصة الثنائية بين (فتح) و(حماس) والتي كان لها أثر بالغ السوء على مجمل الحالة الفلسطينية. أما وجود قوة ثالثة كبرى فلن يسمح لأي من الأطراف بتجاوزها.
  • الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فالفصائل الثلاثة المشكلة لـ (جبهة اليسار) التقت عند نقطة برنامج يستلهم وثيقة الوفاق الوطني، التي تؤكد أولاً على إصلاح مؤسسات منظمة التحرير، وإجراء انتخابات شاملة لجميع مؤسساتها، وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل، وتأكيداً لشرعيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني.
  • ممارسة الرقابة على أداء المفاوض الفلسطيني، في ظل الحالة العبثية التي تعيشها المفاوضات، وعلى ضوء المماطلة التي يمارسها الجانب الإسرائيلي واستمرار سياسة فرض الوقائع الاحتلالية، وإغراءات التنازل التي تقدم للمفاوض الفلسطيني.

كانت التجربة اليسارية الفلسطينية على مدار أربعة عقود، تجربة غنية بالاستخلاصات والدروس، واستطاعت قوى اليسار الفلسطيني بحيويتها المعهودة القيام بمراجعات نقدية جريئة، وليس الاكتفاء بالمرور على الأخطاء. كما أن اليسار الفلسطيني أغنى مسيرة الثورة بالمبادرات والمقترحات التي قوّمت اعوجاجها في بعض المراحل.ولكن ـ كما ذكرنا سابقاً ـ فإن الدور الفاعل والمؤثر لليسار أصيب بتراجع، بفعل جملة من العوامل والأسباب الموضوعية، التي عكست نفسها على جميع التيارات اليسارية في العالم، بفعل ظروف انعكست على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. وجميع الظروف تؤكد أن هذه هي اللحظة التاريخية المناسبة لجمع طاقات قوى اليسار المبعثرة ضمن إطار واحد، نظرا لحساسية الأوضاع التي تهدد مستقبل القضية الفلسطينية برمته. وهذه هي اللحظة التاريخية التي تتطلب من اليسار الفلسطيني أن يتقدم ليأخذ دوره الطبيعي.

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات