تهديدات إسرائيليّة وإنذارات المقاومة.. مخاطر جديرة بالاهتمام
بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان
العالم كله يتحدث عن احتمالات وقوع حرب في الشرق الأوسط على خلفيّة امتلاك إيران قدرات نووية. وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تقوم بجولة خليجية بعد مشاركتها في منتدى أمريكا والعالم الإسلامي الذي انعقد الأسبوع الماضي في الدوحة، وتزور كلية دار الحكمة للبنات في جدة حيث تستكمل حملتها على إيران قائلة: ان إيران أكبر راعية للإرهاب في العالم حالياً، وصرفت النظر عن الاجابة على سؤال طرحته احدى الطالبات: لماذا لا تطالب الولايات المتحدة بنزع الأسلحة النووية لدى الكيان الصهيوني.
وفي نفس الوقت يقوم مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز بجولة يلتقي خلالها معظم المسؤولين اللبنانيين، ويؤكد بعد زيارته رئيس الجمهورية استمرار دعم الولايات المتحدة للبنان، ولا سيما «على مستوى المساعدات العسكرية للجيش اللبناني».
وقبله وبعده يزورنا عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي.. وكلهم يتحدثون عن محاذير المرحلة واحتمالات قيام اسرائيل بشنّ عدوان على المواقع النووية الإيرانية قد تكون الساحة اللبنانية مستهدفة فيه.. يقع كل هذا والعالم العربي، والنظام العربي، يبدو غير معني بكل ما يدور حوله وما قد يستهدفه.
لا وزراء الخارجية العرب يتداعون لعقد لقاء استثنائي في نطاق جامعة الدول العربية، ولا على مستوى اقليمي، خليجي أو شرق أوسطي، والكل ينتظر القمة العربية القادمة في طرابلس الغرب، كأن العدوّ الاسرائيلي ينتظر موقفاً من الذين سوف يشاركون في هذه القمة، ماذا يقولون وماذا يفعلون.
على المستوى اللبناني ما زالت القوى السياسية تعيش حالة استرخاء، فالحشد الجماهيري يوم الأحد الماضي في وسط بيروت جاء مطمئناً لقوى 14 آذار، كذلك فإن الخطباء جاءت كلماتهم متناسقة، الرئيس الحريري لم يلامس في خطابه النقاط الساخنة وأكد على العلاقة الأخوية مع سوريا بعد زيارته لدمشق، بينما ركّز الخطباء الآخرون - بشكل منسّق - على أدبيات 14 آذار وشعاراته المألوفة، دون تجاوز للخطوط الحمراء.
لكن أحداً لم يتوقف بشكل جدي وموضوعي عند التهديدات التي يتعرض لها لبنان على لسان عدد من المسؤولين الاسرائيليين، وأبرزهم الوزيران يوسي بيليد وأفيغدور ليبرمان، رغم مبادرة رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتن ياهو بعد ساعة الى الادلاء بتصريح، حاول فيه التخفيف من حدة ما جاء على لسان الوزيرين، سواء لجهة التهديد بضرب إيران أو الأراضي اللبنانية.
لكن ما قاله السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مساء الثلاثاء الماضي كان حاسماً في دلالته على أن العدوان الاسرائيلي على لبنان ليس مجرّد تهويل اسرائيلي ولا تحذير أميركي، بل هو خطر حقيقي تحدث عنه نصر الله بدقة ووضوح عندما ردّ على التهديدات الاسرائيلية بإنذارات مثلها، فقد خاطب الاسرائيليين قائلاً: «اذا ضربتم الضاحية فسنضرب تل أبيب.. اذا ضربتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت فسنضرب مطار بن غوريون في تل أبيب.. اذا ضربتم موانئنا فسنقصف موانئكم، واذا ضربتم مصافي النفط عندنا فسنقصف مصافي النفط عندكم، واذا قصفتم مصانعنا فسنقصف مصانعكم، واذا قصفتم محطات الكهرباء عندنا فسنقصف الكهرباء عندكم»، وهذا الكلام - الانذار واضح الدلالة بأن خطراً حقيقياً يتهدد لبنان، كل لبنان.
واذا اعتبر العرب أنهم غير معنيين بهذا الانذار، وان بعضهم بات حليفاً للمشروع الأمريكي الصهيوني الرامي الى ضرب إيران أو محطات برنامجها النووي أو مجرد التهديد بذلك، فإن الوضع في لبنان يختلف تماماً عن الآخرين.
حتى لو حاول البعض إلقاء التبعة على المقاومة وسلاح المقاومة، وأن العدوان الاسرائيلي سوف يستهدف المواقع والمناطق الجنوبية، لأن ما تحدث عنه السيد نصر الله ليس في الجنوب والضاحية فقط، من مطار بيروت الدولي الى مصافي النفط والموانئ ومحطات الكهرباء.
ولا يزال اللبنانيون يذكرون أن حرب تموز عام 2006 استهدفت 92 جسراً، من الجنوب الى الحدود الشمالية، ومن الساحل حتى البقاع، ولا يزال كل لبنان يعاني أزمة كهرباء حتى الآن، مع أن خزانات الوقود فقط تعرضت للقصف وليس المحطات.
لذلك فإن لبنان معني بشكل جدّي بما قاله السيد نصر الله في خطابه، وبما استدعى ذلك من تهديدات اسرائيلية، وان ذلك يعني رافعي شعارات السيادة والاستقلال والمتمسكين بلبنان 10.452 كيلومتراً مربعاً، الا اذا كانوا قد تخلوا عن استكمال ثالوث الشعار الذي هو الحرية..
واذا كان تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» قد استغرق خمسة أشهر، وبعد ذلك خمسة أشهر أخرى لاحقة حتى الآن دون أن تعالج هذه الحكومة أي شأن ذي بال، فلا هي أصدرت تعيينات موظفي الفئة الأولى لا في الادارة ولا القضاء ولا المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولا حددت موعداً لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، ولا أعلنت بموجب أي قانون سوف تجري، ولا استطاعت تشكيل حتى هيئة الرقابة على المصارف.. فهل يمكن للمواطن اللبناني أن يتوقع من هذه الحكومة ان تتولى مسؤولية الدفاع عن أمن البلد وسلامة حدوده واستقراره؟!
واذا كانت الحكومة عاجزة عن الوصول الى تفاهم أو توافق على القضايا الصغرى نتيجة التجاذب القائم بين مكوّناتها السياسية على الحصص والمكاسب الشخصية والزعامية، فإن البلد كله معنيّ بمعالجة الشأن الوطني المصيري المتعلق بأمنه وسلامته، وليس أقرب من الدعوة الى طاولة للحوار الوطني، شبيهة بتلك التي علقت جلساتها عندما توقفت عند موضوع الاستراتيجية الدفاعية، فتناقش الأزمة القائمة، والتهديدات الجدية التي يتعرض لها البلد، ولا بأس بأن تناقش دور الجيش والقوى النظامية الأخرى في الدفاع عن البلد، وكذلك دور المقاومة وكل القوى الحيّة في الساحة اللبنانية تحت عنوان المقاومة، والاحتياطات اللازمة التي تعتمدها الوزارات والمؤسسات المختصة، حتى لا يبقى المواطن حائراً ماذا يصنع والى أين يذهب.
وهنا لا بدّ من التأكيد على أن العدوّ الصهيوني استفاد من تجربته في حرب تموز 2006، كما أن المقاومة استفادت من تجاربها في تلك الحرب.
لذلك فإن المواجهة سوف تكون أوسع وأشد ضراوة، وتحتم على جميع القوى السياسية الحيّة التي يعنيها أمن هذا البلد وكرامته واستقراره، أن تولي الشأن الوطني ما يستحقه من عناية واهتمام.. خاصة أننا نرى ما يتخذه العدوّ الصهيوني من اجراءات واحتياطات لكل المحاذير والاحتمالات.. هذا اذا كان الوطن والمواطن محل اهتمامنا على كل المستويات.
المصدر
- مقال:تهديدات إسرائيليّة وإنذارات المقاومة.. مخاطر جديرة بالاهتمامموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان