تقديم كتاب "رمضان شهر الإسلام" للشيخ معوض عوض إبراهيم
المستشار عبد الله العقيل
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضْلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسوله.
أما بعد،،
فإن شهر رمضان منحة ربانية وهبها الله عباده، ونفحة من نفحات الله لهذه الأمة، جعله الله ميدانًا تدريبيًا، يحاول فـيه المؤمن أن يصل إلى ثمرة عظيمة هي تحصيل التقوى والقرب من الله (عز وجل). وتقوى الله هي الوسيلة التي تجعل المؤمن فـي معية الله، ولذلك جعل الله (سبحانه وتعالى) الهدف من الصيام تحصيل التقوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).
والتقوى تولد فـي النفس الخشية من الله (عز وجل)؛ لذلك كانت خير زاد يتزود به المؤمن، وخير ما يكتسي به، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف: 26).
لقد جاء الصيام ليؤكد الإرادة القوية التي تتغير بها حياة المؤمن، ويتغير بها نظامه ونسقه فـي هذه الحياة؛ ليظل قادرًا فـي كل ساعة على الصيام وحفظ الجوارح؛ فالصوم - بمعناه الصحيح - هو قمة حرية النفس، حين تتعالى به على شهواتها، وتقاوم غرائزها، فتنعتق من قيود أسر هذه الشهوات والغرائز، وتسبح فـي آفاق السمو والاستغناء.
ورمضان بمنزلة دورة تدريبية تمد المسلم بالزاد الذي يكفـيه طوال العام، وهو فرصة لترسيخ الصفات الطيبة والأخلاق الحميدة، وتجعل المسلم يدرك قيمة الوقت، ويسعى إلى استغلاله، وحسن استثماره، فهو رأس ماله، وفرصته السانحة لرفع منزلته فـي الدنيا والآخرة.
بين يدي الكتاب:
وبين دفتي هذا الكتاب القيِّم الذي يضم مقالات وخطبًا لأستاذنا الشيخ الجليل معوض عوض إبراهيم، والذي أشرف بالتقديم له، يجد القارئ الكريم من كنوز العلم، وروائع الذكر، والنفحات الربانية، والخصوصيات الرمضانية ما يدفعه إلى تعظيم تلك النفحات، ومضاعفة العمل الصالح فيها، وزيادة الإقبال على الله (عز وجل)، فبين رجب ورمضان يدور الحديث في الفصل الأول من الكتاب، وفي الفصل الثاني يعود إلينا رمضان بنفحاته، فيعلو النداء في الفصل الثالث: "يا باغي الخير أقبل".
وفي الفصل الرابع يشير أستاذنا الشيخ معوض إلى الحكمة من الصيام وفضائله معددًا معانيه، ومتطلبات الصوم المبرور، ثم يوضح العلاقة القوية بين رمضان والقرآن في الفصل الخامس لافتًا الأنظار إلى أفضل الطرق للتعامل مع القرآن الكريم الذي هو دستور هذه الأمة إلى قيام الساعة.
ويبين المؤلف في الفصلين: السادس والسابع ما لشهر رمضان من خصوصية، ومن أثر في النفوس يجعلها تنطلق بالإسلام فاتحة الآفاق بكلمة الله؛ إعلاءً لدين الله، وتبليغًا لرسالاته، فشهر رمصان هو شهر العمل والجهاد لا شهر الراحة والدعة والكسل، فهو يقوي ملكة المراقبة في نفس الصائم، فتنشأ بينه وبين هذا الشهر علاقة خاصة يتمنى أن تدوم طوال العام، فيكون له مع الله حال لا يعلمه إلا هو سبحانه، فتعلو في نفس المؤمن قيم الربانية والإخلاص والتجرد، ويصبح بينه وبين العمل الصالح ألفة تدفعه إلى المداومة عليه.
أما الفصل الثامن والفصل التاسع فيبدو فيهما صهيل الخيل وصليل السيوف في ربط رائع بين الصيام والجهاد، فرمضان شهر الانتصارات ابتداءً من الانتصار على النفس وكبح جماحها وشهواتها إلى الانتصار على العدو مهما كثر عدده، وازدادت قوته، وتعددت أسلحته، وفي الفصل العاشر تناول المؤلف كيفية وداع رمضان وحسن استقبال يوم الجائزة، وما ينبغي أن يكون عليه حالنا بعد رمضان.
وكان خير ختام اختتم به أستاذنا الشيخ معوض كتابه في الفصل الحادي عشر أبيات خالدة بعنوان "رمضان في موكب الشعر" تضم مجموعة قصائد اقتطعها فضيلته من ديوانه "من رحيق الإيمان" الذي لم يطبع بعد.
المؤلف في سطور:
وأستاذنا الشيخ معوض عوض إبراهيم، من مواليد عام 1332هـ - 1912م بالدقهلية ـ مصر، وتخرَّج في كلية أصول الدين سنة 1939م، وفي الدراسات العليا في الدعوة عام 1941م، وعمل واعظًا بالأزهر بمصر، ثم مبعوثًا للأزهر للوعظ والتدريس في بيروت - لبنان من عام 1956م - 1962م، ثم زار اليمن لعدة شهور، عاد بعدها فأنشأ المعهد الديني في بورسعيد عام 1964م، وعمل بالوعظ والتدريس في العقبة من 1965م - 1969م، ثم عمل مفتشًا ومراقبًا للوعظ في القوات المسلحة، ومحاضرًا في الدراسات العليا قسم الحديث في كلية أصول الدين حتى عام 1973م، ثم عمل مدرسًا في كلية الشريعة بالرياض عام 1973م، ثم باحثًا علميًا في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء إلى عام 1976م، حيث عمل بعد ذلك مدرسًا في كليتي أصول الدين والحديث النبوي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وفي عام 1979م إلى 1987م عمل رئيسًا لقسم الدعوة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، وزار الكليات الإسلامية في بلاد: كراتشي، وبيشاور، ولاهور، وإسلام آباد في باكستان، وزار البحرين مرات، وكذلك اليمن وقطر وسوريا، وكتب للعديد من المجلات، مثل: مجلة الإسلام، ومجلة السياسة الأسبوعية، ومجلة منبر الإسلام، ومجلة لواء الإسلام، وله مجموعة من المؤلفات، هي:
ـ فلسطين وكيف نستردها عربية مسلمة.
ـ إنسانية العبادات الإسلامية.
ـ ملامح من هذا الدين.
ـ الإسلام وطرق هديه.
ـ الإسلام والأسرة.
ـ قبس من الإسلام.
ـ ركائز المجتمع المسلم في سورة الحجرات.
ـ مع الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه.
ـ نفحات من القرآن.
ـ الرسالة والرسول في شعر أبي طالب.
ـ مشاهد الوجود وشواهد التوحيد.
ـ عنصر الهداية في القرآن الكريم.
ـ الأولاد ودائع الله عندنا.
ـ ذلك الدين القيم.
ـ رمضان شهر الإسلام.
أما المؤلفات التي تحت الطبع، فهي:
ـ التقوى والمتقون في ضوء القرآن والسنة.
ـ من أدب النبوة.
ـ فلسطين وفقه النصر والتمكين.
ـ الصوم في ضوء القرآن الكريم.
ـ رجال ونساء في مجال القدوة.
ـ من رحيق الإيمان (ديوان شعر).
ـ جوانب من دعوات المرسلين.
ـ دراسات في اللغة والأدب.
ـ خطب الشيخ معوض عوض إبراهيم.
معرفتي به:
ابتدأت معرفتي بفضيلة الشيخ عوض من خلال كتاباته في المجلات الإسلامية الكبرى، وعندما كان أحد أساتذة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، دعيته إلى الإسهام في الموسم الثقافي في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت عام 1398هـ - 1399هـ، وعندما عملت برابطة العالم الإسلامي أمينًا عامًّا مساعدًا ورئيسًا لإدارة المساجد، دعوت فضيلته إلى الإسهام في المجلة التي حملت اسم هذه الإدارة، وبقيت الصلات بيننا إلى اليوم، وحتى يشاء الله تعالى، وتوطدت العلاقة بيننا؛ لأن دوافعنا في العمل كانت واحدة، وهي الدعوة إلى الله (عز وجل)، وتوكيد أن الإسلام هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة مجد أمتنا، التي حرفتها الأهواء عنها، وكان شديد الحرص على حضور الندوة الأسبوعية التي كنت أقيمها في منزلي بالكويت، وأقمنا معًا في دولة اليمن لمدة شهر متنقلين بين حواضرها وقراها.
ومما أثلج صدري وزاد شوقي إلى تجدد الزيارة بيننا تلك الأبيات التي قصدني بها فضيلته إذ يقول:
أبا مصطفى حققت للدين أوطارَا وزدت النـجوم الزُّهرَ لطفًا وأنـوارَا
وعرّفت بالأبرار يبقى عـطاؤهمُ وإن عطَّروا الأجـداث أو حَمِدُوا الدارَا
ونَحَّيْـتَ أستارًا رأينا وراءها شموسًا تضيء النهج، والشهب أسحارَا
بمأثُرةٍ تزكـو بيانًا وحكمةً فتُطربُ آذانًا وتخلـبُ أبصـارَا
وتأسِرُ ألباب الذين تتابـعـوا على سَنَنَ الإسلام هادينَ أبرارَا
وتجمع مِنّا الصّفَّ والرأي والرؤى وتُرجــعنا للدين جندًا وأنصارَا
نسودُ به مثلَ الذي كان مُذْ أتى فأقنَع بالتوحيد من شكَّ أو مَارَى
عرفتك سباقًا لكل فضيلة أبا مصطفى، لا زلت للفضل معيارَا
وألقاكَ بحرًا في الوزارة سلسلاً ونلقاك غيثًا أينما كنت مدرارَا
ونُبْصِر في حالَيْك سفراءَ أمتي حوالَيك يستجلُون دُرًّا وأثمارَا
فلا يجدون الدُّرَّ أو يانعَ الجَنْى سِوَى الشُّغْلِ بالإسلام جَهرًا وإسرارَا
ولما دعينا للكويت عرفتُ الذي دعا ومن ذا الذي أوصى فلبيتُ مختارَا
وكان أبو يعقوب ذاك الذي دعا وكنتَ لسان الصدق للندب تكرارَا
وما زلتما والحمد لله ساعدًا وكفًّا وسيفًا للحق ما جارَا
وجئتَ إلى أم القرى تُحْكِمُ العرى برابطة معروفها في الورى سارَا
لنصرة مظلومٍ وإسعاد مُعْدَم وآية حق تؤثرُ الدين إيثارَا
بمأثُرةِ الأبرارِ تَلْزَمُ دربهُمْ وتدعو إليه الأهل والصَّحبَ تكرارَا
وجئت الربيع الطَّلق يختالُ ضاحكًا ويُرسلُ في الآفاق آسًا وأزهارَا
أبا مصطفى إني أراني بساحلٍ مِنَ البحر من يُحصي لآليه مقدارَا؟
ولو أنَّ لي بالنجمِ حولاً صنعتُها قلائد إعزازٍ فعفوًا وإعزارَا
ولازلت يحبوك المهيمن عونه لتعطي للأجيال زادًا وأسفارَا
شكر واجب:
ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى مركز الإعلام العربي الذي حرص على تقديم هذا الزاد الرمضاني ليستفيد منه القارئ ويكون خطوة على طريق الإصلاح والتمكين.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر
- مقال: تقديم كتاب "رمضان شهر الإسلام" للشيخ معوض عوض إبراهيم موقع العقيل ابومصطفي