تركيا من الانقلاب العسكري إلى الانقلاب الاقتصادي
عز الدين الكومي
عندما وقع الانقلاب العسكري الفاشل فى تركيا، نجح الرئيس أردوغان مع شعبه الواعي في إفشال الحركة الانقلابية، وفضح المخطط الانقلابي، واليوم راهن أردوغان على وعي الشعب فى إفشال المحاولة الانقلابية الاقتصادية التي يقودها الغرب مع أمريكا!!
فتركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة تعانى من مؤامرة اقتصادية دولية، حيث سحبت الولايات المتحدة الأمريكية خمسة وعشرين مليار دولار، من السوق التركية، وكذلك فعلت أوروبا، وبعض رجال الأعمال الأتراك المرتبطين بالغرب، للضغط على تركيا لتنفيذ أربعة شروط يطالب بها الأمريكان والغرب ، إذا أرادت تركيا الاستقرار الاقتصادي وهذه الشروط هي: إلغاء حالة الطواريء، ووقف الحديث عن الاعدامات، وعدم التدخل لتعديل الدستور، والإفراج عن غلمان أمريكا وأوروبا من السجون التركية!!
ولاشك أن سحب الاستثمارات بهذه الصورة أدى إلى تهاوي الليرة التركية بصورة غير مسبوقة!! ولكن وعي الشعب التركي ، الذي أحبط المحاولة الانقلابية الفاشلة المدعومة من كل قوى الشر، وقدم مئات الشهداء من أجل استقرار البلاد، والحفاظ على المكتسبات التي تحققت فى السنوات العشر الأخيرة، حين خرج بالملايين لمواجهة الانقلابيين ودباباتهم، هاهو اليوم يواجه المؤامرة الاقتصادية بتقديم الملايين من مدخراته لإفشال الانقلاب الاقتصادي!!
فكما كانت كلمات أردوغان عبر الفيس تايم، هي كلمة السر في خروج الملايين وإفشال المحاولة الانقلابية؛ ها هي كلمات أردوغان اليوم ستكون بمثابة كلمة السر أيضا لإفشال المحاولة الانقلابية الاقتصادية، فقد طلب أردوغان من الشعب أن يقاطع الدولار، ويتعامل بالليرة التركية أو الذهب، وكانت الاستجابة السريعة والتسابق نحو البنوك ومحلات الصرافة لتبديل العملة الأمريكية بالليرة!!
وكان أردوغان أول المبادرين بتغيير ما بحوزته من عملات أجنبية لدعم الليرة التركية، وعندما حاول زعيم المعارضة الاصطياد فى المياه العكرة، والتشكيك في أردوغان واتهمه بعدم المشاركة في حملة دعم الليرة التركية؛ أحضر له وزير العدل إيصال مشاركة أردوغان فى حملة دعم الليرة التركية!!
وعلى ما يبدو أن أمريكا لم تيأس من فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها غلمانها فى مساء يوم 15 يوليو 2016، والتي تشير أصابع الاتهام إلى تورطها مع دول أخرى، فقد لجأت لانقلاب ناعم ، حيث قامت بسحب استثماراتها من السوق التركية، لكن وعي الشعب التركي سيفشل هذه المحاولة أيضا كما أفشل المحاولة الانقلابية!!
ولاشك أن تركيا تتعرض لضغوط شديدة، سواء بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية عليها، أو بعدم استكمال إجراءات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي!!
ومن هذه الضغوط أن رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في «براون براذرز هاريمان» فى نيويورك، قال عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة ما معناه: إن تدهور الموازين المالية والخارجية إلى جانب تفاقم المخاطر السياسية من المرجح أن يكونا محفزين لخفض التصنيف الائتمانى لتركيا العام الجاري!!
على الرغم من أن الليرة، لم تتأثر كثيرا جراء المحاولة الانقلابية، وهذا يرجع لقوة الاقتصاد التركي!!
كما أن مؤسسة التصنيف الائتماني «موديز» قالت: أن الانقلاب الفاشل قد يؤثر تأثيراً سلبياً كبيراً على منحنى النمو التركي، حيث خفضت وكالة التصنيف الائتماني توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي إلى 3% العام الجاري، ما دفع رئيس الوزراء التركي إلى القول: بأن تقييم مؤسسة التصنيف الائتماني "موديز" منحاز، بعدما خفضت تصنيف ديون تركيا السيادية إلى أقل من المستوى الاستثماري، ولا نعتقد بأن تلك التقييمات محايدة، وقال إن تقييمات الوكالات الائتمانية لا تعني الكثير لأنقرة!!
ولاشك أن تركيا استفادت بشكل كبير من تعميق التكامل مع الاتحاد الأوروبي، من خلال تطوير كل من الصادرات والواردات والحصول على التمويل، حيث تحتل الدول الأوربية قائمة الدول المصدرة لرؤوس الأموال الأجنبية لتركيا، وأن السياحة الأوروبية تمثل الرقم المهم في معادلة السياحة التركية!! كما ترتبط تركيا بمصالح مشتركة قوية من الناحية الاقتصادية مع دول أوروبا، بحيث لا يمكن الاستثمارات الأوروبية أن تستغني عن تركيا، ولا يمكن لتركيا أن تستغني عن الاستثمارات الأوروبية!!
ولا يخفى على أحد أن للغرب مصالح اقتصادية كثيرة في تركيا، حيث تعتبر تركيا الممر الآمن للغاز الطبيعي من دول القوقاز إلى أوروبا، وبخاصة بعد أزمة أوروبا وأميركا مع روسيا، واستخدام روسيا الغاز الطبيعي ورقة ضغط في إدارة الصراع، وهو الأمر الذي سيضعف من سيناريو فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، من قبل أميركا ودول أوربا!!.
وفى حالة إصرار الدول الغربية وأميركا على إعاقة النشاط الاقتصادي لتركيا، فإن تركيا يمكنها فتح مجالات أوسع نحو دول أميركا اللاتينية، ومجموعة البريكس، وكذلك الدول العربية الحليفة لتركيا، وبخاصة قطر والسعودية !!
ومن ثم فسيكون سيناريو فرض العقوبات المباشرة على تركيا غير ناجع، وبالتالي ستلجأ أمريكا والدول الغربية إلى استخدام معوقات أخرى، لكن حالة الاستقرار السياسي التي تتمتع بها تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، ستعزز من قدرات تركيا الاقتصادية، نظرا لما تحظى به حكومة العدالة والتنمية من تأييد شعبي واسع، يمكنها من تنفيذ برنامجها الخاص بتطهير المؤسسات من العناصر الفاسدة بسهولة وإعادة بناء أجهزة الدولة ومؤسساتها بأريحية كبيرة!!
وإذا أضفنا إلى ما سبق امتلاك تركيا لقطاع إنتاجي قوي ومتنوع، وأن وقوف الشعب التركي بكل قوة لدعم حكومته، للحفاظ على الليرة التركية من الانهيار واستبدال الدولار الأمريكي بالليرة للحد من ارتفاع سعر الدولار!!
ومن الواضح أن الشعب التركي، الذي عانى كثيرا من الانقلابات العسكرية، لم يعد يقبل بانقلابات جديدة، سواء كانت عسكرية أم اقتصادية، حتما سوف يفشل الانقلاب الاقتصادي حفاظا على ما تحقق من انجازات، وضعت تركيا ضمن أفضل اقتصاديات عشرين دولة على مستوى العالم
المصدر
- مقال: تركيا من الانقلاب العسكري إلى الانقلاب الاقتصادي موقع نافذة مصر