بين مفهوم المرونة ومنزلق التطويع (2)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بين مفهوم المرونة ومنزلق التطويع (2)

بقلم : د. محمد عبدالرحمن ... عضو مكتب الإرشاد

• إن مفهوم المرونة يكون فى التعامل مع الواقع وليس فى المبادئ والمفاهيم الأساسية، فالجماعة تقابل أى مرونة موجودة فى الواقع المحيط بها بمرونة مثلها، وهى لا تحاول الصدام مع الواقع السياسى، لكن تحاول التكيف معه والاستفادة منه، دون أن تقدم تنازلات فى مبادئها الأساسية.

• لكن عندما يصبح الواقع حولها مغلقاً بالكامل، وتتعرض للتضييق والحصار الشديد، فإن الجماعة لا تركز على تقديم المرونة لأنها لن تجد استجابة، وبالتالى لا يكون لتلك المرونة وظيفة، ولهذا تتجه الجماعة إلى عملية تأكيد ثوابتها ومنهجها، وتحدد الحدود الفاصلة بينها وبين المشاريع الأخرى، وبهذا تصبح مرحلة الحصار هى مرحلة التأكيد على الثوابت، ومهما طال أو قصر الحصار، فإن التمسك بالأهداف وعدم اهتزازها وتقوية البناء الداخلى يشكل حالة نجاح واضحة.

• وعندما تأتى مرحلة الانفتاح بدرجاته المختلفة سواء بعوامل مباشرة أو غير مباشرة من الجماعة، أو من فعل الآخرين وتطور الأحداث، فإنها من المرونة والقدرة على استيعاب الواقع المتغير لتحقيق إنجاز التكيف مع الواقع ما دام به مساحة لقبول الحركة الإسلامية، وبالتالى فإن أسلوب الخطاب الصادر يتغير واتخاذ خطوات فى الحركة والمواقف تتناسب مع الواقع الجديد دون الخروج على المبادىء والأهداف أو إضعاف للصبغة والرسالة.

• وهذا التناوب والتغير الدورى من التضييق والحصار إلى الانفتاح والهدوء وتكراره ليس شيئاً جديداً فى مسيرة الجماعة ولا تنزعج له، وإنما تحسن التعامل معه، ولا يؤثر على رؤيتها أو يحبط عزيمتها أو تتعلق بآمال وواقع متغير قد تفاجئ بعدم استمراره.

• هناك فرق بين المرونة فى المواقف وردود الأفعال، وبين الخضوع لأسلوب التطويع والاحتواء، والذى يبدأ بتطويع الخطاب الدعوى تحت حجج ومبررات شتى منها التعلق بأوهام المكاسب الزائلة أو الاهتزاز من تهديد أو ضغط ما.

• وهذه البداية لا تقف عند هذا الحد، بل تنزلق تدريجياً بنفس الحجج الواهية نحو تطويع المواقف والأعمال لتصل فى النهاية إلى تطويع المبادئ والأفكار.

• وتشير الآيات القرآنية إلى جانب من هذا الأمر، عندما تنفيه عن المجاهدين الربانيين أتباع الأنبياء : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [ آل عمران : 146]

فهى تنفى عنهم هذه المراحل المتدرجة التى تؤدى فى النهاية إلى الهزيمة، فالوهن يكون أولاً فى القلب، ثم يمتد ويظهر أثره فى الأعمال والجوارح ليحل بها الضعف والتباطؤ والتخاذل، ثم ينتهى الأمر إلى الاستكانة والاستسلام والتخلى عن المبادئ والأهداف.

• وحول دعوى البعض أن المرونة تقتضى تغيير الأهداف، ما دام المحيط الخارجى أو العوامل المؤثرة متغيرة، وبالتالى يجب مراجعة الرسالة وتعديلها بما يتلاءم مع الواقع، فإننا نرد على هذه الرؤية التى قد تصلح لحزب سياسى محدود أو دعوة أرضية: أن دعوة الإخوان دعوة إسلامية ربانية، وتحمل مشروعاً إسلامياً على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشروع مستقل وليس رد فعل لأى مشروع أخر.

• وليس لها أو لأى كائن أن يغير فى ثوابت ومبادئ وأهداف دعوة الإسلام وهدى القرآن، وإنما التطوير فى الوسائل والإجراءات، وبالتالى فإننا على مدار السنين نرى نفس الأهداف العملية من تربية الصف الربانى القدوة الملتف حول قيادته المتمثل فيه الصفات الإسلامية التربوية فى أعلى درجاتها، وكذلك فى حمله رسالة الإسلام للمجتمع وإرشاده وتربيته وإنهاض الأمة الإسلامية لتؤدى دورها ورسالتها فى إعلاء كلمة الله.

ولأن الجماعة صاحبة رسالة، تتعلق بها الأمة، فقد تأتى أحداث ومواقف أساسية تتطلب إعلان رأى الجماعة المستند لرأى الإسلام.

وقد يكلفها هذا الكثير من التضحيات أو يتسبب فى التضييق عليها.

وإذا جاز لغير الجماعة أن يسكت أو يخضع مكرهاً مضطراً، فإن ذلك لا يجوز للجماعة التى تحمل لواء الدعوة وتقود الجماهير بل تعلن رأى الإسلام وموقفها فى وضوح وحسم وفق الآداب والضوابط الإسلامية. لقد طلب من الإخوان أن تسكت على اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع العدو الصهيونى مقابل السماح لهم بالحركة، فرفض الإخوان ذلك، وأعلنوا موقفهم الرافض لها على أساسٍ شرعى، ونزلوا للجماهير لتوعيتها وتبيان مخاطرها ونالهم من ذلك أذيً كثيراً من اعتقال وتضييق ومطاردة حتى يومنا هذا ونتذكر فى هذا موقف الإمام أحمد بن حنبل فى مواجهة بدعة "خلق القرآن" حيث أنه كان عالماً يتبعه العامة وجمهور الناس.

• كذلك فإن عوامل النجاح والفشل لمشروع الجماعة وفق الرؤية الإسلامية، يمتلكها الصف وتنبع من داخله، وأما المتغيرات الخارجية والضغوط والضربات مهما اشتدت فهى مجرد معوقات تؤثر على سرعة الإنجاز أو ترفع حجم التضحيات.

• يقول فى ذلك القرآن الكريم : (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ) [ آل عمران : 111] .. (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [ الأنفال 64] وبالتالى فإن المخططات التى تواجهها الجماعة، وتصاعد المشروعات المعادية لها ولدعوتها، تواجه ذلك كله بالتمسك بعوامل النصر والثبات وتماسك وتقوية الصف والبناء التربوى الإيمانى والاستمرار فى حمل الدعوة وترسيخ أركان البيعة، واللجوء لله عز وجل أولاً وآخراً، فهذا هو طريق النصر ومعيار النجاح فى التصدى لكل الضغوط والأزمات، ولا يعنى هذا ترك التدبير أو عدم استفراغ الجهد البشرى، فهذا واجب أساسى، لكن العامل الحاسم هو ما أشرنا إليه. يطرح البعض إما للتساؤل أو للمشاركة فى حملات التشويه ضد الجماعة، مصطلح الصفقات، وهل هو جائز فى الجماعة، وهل المواقف التى تتخذها تقع ضمن هذا الإطار ؟؟

إن "الصفقة" فى المفهوم التجارى يعنى عملية بيع وشراء بين طرفين مما يحقق الربح والمصلحة فى ظن كل منهما.

وفى المفهوم السياسى تعنى الصفقة بين طرفين هو تنازل طرف أو تراجعه عن بعض مواقفه أو أفكاره مقابل مكسب يناله من الطرف الأخر وبالتالى ذلك يحمل معنى التنازل عن حقوق وواجبات متعلقة به أو المخالفة لما يقوم عليه الطرف من مبادئ ومناهج .

وهذا الأمر بهذا التعريف فى عرف ومبادئ الدعوة الإسلامية غير جائز، وكم عُرض على الجماعة طوال تاريخها من إغراءات رفضتها ، وتعرضت لضغوط وتضحيات كبيرة تحملتها فى سبيل الثبات على مبادئها وأهدافها، وبالتالى فإن إطلاق وصف الصفقة على حركة الجماعة ومواقفها وتعاملها مع الأحداث ومع الآخرين بأنه صفقة، فيه تجاوز وعدم تثبت وخلط فى الأمور يحمل معه أسلوب الافتراء.

فأولاً: إن المرجعية عند الجماعة فى حركتها ومواقفها وتعاملها مع غيرها هو أحكام الشرع، فما أجازته وأباحته يقع فى دائرة الاختيار، وما منعته وحرمته لا يجوز تخطيه والأخذ به.

وثانياً: أن الجماعة لديها مؤسساتها الشورية ولا يجوز لأفراد أن يتجاوزوا فى قولهم وقراراتهم دون الرجوع لهذه المؤسسات الشورية القائمة على ضوابط الدعوة.

ثالثاً: أن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، مرفوض عند الجماعة، ومخالف لضوابط الشرع، فالغاية والوسيلة داخلة وخاضعة لأحكام الشرع.

رابعاً: إن الجماعة تتعاون مع الآخرين وتتواصل معهم، وفق مبدأها " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.

وهذا يعنى أن مساحة التعاون تكون فى الجزء المشترك بينها وبين غيرها من الأطراف والاتجاهات ، ولا يعنى أى تنازل من الجماعة عن مبادئها وأهدافها.

خامساً: أن الجماعة لها أسلوبها المميز فى اتخاذ المواقف والتعامل مع الآخرين ، فهى تحرص على عدم تجريح الأشخاص والهيئات ولا تعارض لمجرد المعارضة ، ولا تتهم النوايا، منضبطة بالخلق الإسلامى الرفيع، وتقول للذى أحسن أحسنت ولو كان مخالفاً ومعادياً لها، وتقول للذى أساء أسأت ولو كان من أفرادها، وبالتالى فإنها عندما لا تجارى الأحزاب والأفراد فى هجومهم أو أسلوبهم المخالف لذلك لا يعنى هذا أنه نتيجة لصفقة.

سادساً: إن اتخاذ الجماعة للمواقف ، والأحداث والمشاركة مع الغير وحجم الخطوات التى تتحرك بها والتفاوض مع الآخرين أو الاتصال بهم ، كل ذلك يخضع لمبادئ الدعوة ولإمكانيات الجماعة ومصلحتها المعتبرة شرعاً، ليس من منطلق إغراء أو من منطلق خوف من التضحية ويكون ذلك فى إطار وفق خطتها ورؤيتها، فالمشاركة فى تشكيل ما أو عدم المشاركة جائز شرعاً وخاضع لهذه الضوابط وعمل هدنة بين فصائل المقاومة وبين العدو الغاصب جائز شرعاً ولا يسمى صفقة والمفاوضة مع أى طرف لتحقيق مطلب شرعى أو لدفع معوقات وتخفيضها أو للتعاون على أمر نافع ، جائز شرعاً طالما انضبط الأمر بالحكم الشرعى، لكن لا يحق فى هذه الممارسة أن تكتم حقاً أو تتنازل عن مبدأ أو تسكت على ظلم أو تزين للآخرين الخلل والفساد.

وهى إذا عاهدت ووعدت صدقت، ولا يتم هذا التعاون بضوابطه مع الآخرين فى الخفاء أو من وراء ظهور مؤسساتها.

وأخيرا نذكر قول الإمام الشهيد فى رسالة المؤتمر الخامس : "أحب أن أقول لإخواننا من دعاة الأحزاب ورجالها : إن اليوم الذى يستخدم فيه الإخوان المسلمون لغير فكرتهم الإسلامية البحتة لم يجئ بعد ، ولن يجئ أبدا ، وإن الإخوان لا يضمرون لحزب من الأحزاب – أيا كان – خصومة خاصة به"