بعد مرحلتين انتخابيّتين.. الوطن والمواطن بانتظار استكمال المراحل الباقية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بعد مرحلتين انتخابيّتين.. الوطن والمواطن بانتظار استكمال المراحل الباقية


بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري

الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان

بعد مرحلتين انتخابيّتين..

اجتاز لبنان واللبنانيون النصف الأهم من مراحل الانتخابات البلدية والاختيارية، من محافظة الجبل التي تمتد من شمال لبنان الى جنوبه يوم الأحد 2 أيار، الى محافظتي بيروت والبقاع يوم 9 منه، ليرتاح اللبنانيون يوم الأحد القادم (16/5) بانتظار مرحلتي الجنوب ثم الشمال.

وقد نجحت الحكومة وقواها الأمنية في الاشراف على انتخابات كانت حرة ونزيهة وشفافة الى حدّ كبير، بصرف النظر عن تدخل المال السياسي عندما كانت تدعو الحاجة، وعن مدى القدرة على تقديم الخدمات للناخبين، سواء بنقلهم من بيروت الى قراهم أو العكس، أو تسديد أثمان شرائح هاتفية أو بونات وقود لسيارات لم تتحرك، أو«بدل أتعاب» لتمثيل المرشح داخل قلم الاقتراع أو الانتشار في ساحة المدرسة.

واذا كانت المعارك الانتخابية في الجبل والبقاع حامية الوطيس بين أطراف القوى المسيحية الموالية والمعارضة سابقاً!! فانها كانت في بيروت (الغربية) أو بمعني آخر (الدائرة الثالثة) باردة راكدة، مما اضطر لوائح السلطة أو المعارضة الى تسيير طبّالين وراقصي دبكة (منذ الصباح) حتى يوقظوا المواطنين النائمين يوم عطلة الأحد، أو سيارات تعلوها مكبرات الصوت كي تستنهض الهمم وتطلق الأناشيد الوطنية، مذكرة بشعارات 8 أو 14 آذار السالفة.

فلماذا هذا الركود السياسي، في العاصمة تحديداً، ولماذا هذا الفتور في الاقبال على ممارسة الواجب الانتخابي، مع أن اللبناني معروف أنه سياسي بطبعه، وتشكل السياسة خبزه اليومي؟!

ان لهذا الركود أسباباً كثيرة، لكن أهمها هو تفريغ الحياة السياسية وحتى القوى السياسية من مضمونها السياسي، بدءاً بتيار المستقبل الذي كان يوظف كل خطابه السياسي من أجل الوصول الى «الحقيقة»، حقيقة من قتل الرئيس الشهيد.

فلما تصالح مع خصوم الأمس، وقام الرئيس سعد الحريري بزيارة دمشق وأقام علاقات ودودة مع الرئيس السوري بشار الأسد..

وقبلها سبقه وليد جنبلاط الى طيّ صفحة الماضي، وجرى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ضمت معظم القوى السياسية في البلد.. لم يبق ساعتئذ سوى القوى المسيحية منقسمة على نفسها، من «التيار الوطني الحر» الى حزبي «الكتائب» و«القوات اللبنانية».

وبما أن المواجهة بين هذه القوى تبقى مقتصرة على دائرتي الأشرفية والصيفي وتوابعهما، فإن الدائرة الكبرى (الثالثة) من المزرعة والطريق الجديدة الى البسطة والمصيطبة ورأس بيروت وزقاق البلاط، معظم أصواتها تدعم تيار المستقبل ولائحته الموحدة، المؤلفة من 24 عضواً، فضلاً عن حشد من المخاتير.

وبما أن هذه اللائحة ضمت معظم القوى البيروتية، فإن لوائح غير مكتملة تشكلت، وحاولت قوى المعارضة المنقسمة تسويقها والترويج لها، لكن هذا لم يستطع تحريك الساحة السياسية أو اضفاء طابع سياسي على الانتخابات البلدية والاختيارية.

بقيت عوامل بارزة تسببت في ركود المعركة الانتخابية: أولها الحرص على وحدة العاصمة بيروت، مع أن التمثيل المتوازن للمسلمين والمسيحيين فيها يبدو غير منطقي، لأن المسلمين يشكلون أغلبية في بيروت، والتوازن الطائفي ينبغي أن يعكس واقعاً معاشاً على الأرض.

وأول من اعتمد هذا المبدأ كان الرئيس الراحل رفيق الحريري، واستطاع بوزنه السياسي ضمان نجاح مجلس بلدي مشكل من اثني عشر مسلماً (سنة وشيعة)، واثني عشر عضواً مسيحياً (من كل المذاهب).

وعلى الرغم من أن هذه المناصفة الطائفية ضمنت وحدة العاصمة واكتساح الساحة البيروتية وأراحت المسيحيين من خلال تمثيلهم لنصف المجلس البلدي، الا أنها كافأت القوى المسيحية المتحالفة مع تيار المستقبل وأثارت حفيظة خصومهم السياسيين (التيار العوني) بحجة أنهم لا يريدون صدقة من أحد، وأن الأعضاء المنتخبين يمثلون وجهة نظر سياسية واحدة معادية لهم.

يضاف الى هذا أن هناك أسباباً موضوعية للركود السياسي الذي طبع المعركة الانتخابية، فأن تكون الانتخابات يوم الأحد، وهو يوم عطلة، وأن تكون على مشارف فصل الصيف، فإن كثيرين من الناس يغتنمون هذه الفرصة من أجل الذهاب الى المصايف في الجبال منذ مساء الجمعة، ولا يجد هؤلاء مبرراً يستحق أن يتحركوا بسياراتهم الى زحمة العاصمة يوم الأحد، طالما انه لا معركة سياسية تستحق الذكر.

أما القول بأن أصحاب الشأن أرادوها معركة انمائية، فإن الانماء لا يحتاج الى معركة ولا الى انتخابات، وما يبرر هذا التوجه هو أن معظم المرشحين على اللائحة الرئيسية «وحدة بيروت» غير معروفين لدى معظم شرائح المجتمع البيروتي، لا سيما النساء منهم.

هناك واقع جديد - قديم، فرض نفسه في معركة الانتخابات البلدية الأخيرة، هي عودة الوزن الكمّي للناخبين المجنسين، بعد أن غابوا، أو غيّبوا، بقرار سياسي عن الانتخابات النيابية السابقة.

ففي شهر حزيران عام 2009 حين جرت الانتخابات النيابية، لم يشاهد المواطنون البقاعيون أرتال الباصات التي قدمت عبر الحدود وهي مشحونة بالناخبين المجنسين المقيمين على الأراضي السورية، وكان ذلك نتيجة تفاهم سوري - سعودي من أجل الوصول الى توازن نيابي لا يخل بالمعادلة اللبنانية المعروفة «لا غالب ولا مغلوب»، بينما عدّل هؤلاء الناخبون ميزان القوة في قضاءي زحلة والبقاع الغربي، وتسببوا في دعم تيار سياسي فقد الكثير من وزنه الانتخابي في الدورة النيابية السابقة.

واذا كنا نسترجع ما جرى يومي الأحد من اجل أخذ العبرة، فإن يوم الأحد 30 أيار (في انتخابات محافظة الشمال) سوف يشهد حضوراً بارزاً لهذه الظاهرة، خاصة أن التداخل السكاني في طرابلس وقرى عكار أكبر مما هو قائم في بيروت أو البقاع أو الجبل، خاصة أن الخلل الذي أصاب العلاقات السورية - المصرية والسعودية، تجلى في انعقاد عدد من القمم، السورية الايرانية، والسورية التركية القطرية، والسورية الروسية..

بينما تعذر عقد أي لقاء سوري مع الرئيس مبارك، مع أن مبرّره كان عيادة الرئيس الأسد للرئيس مبارك في شرم الشيخ بعد الجراحة التي أجراها في المانيا.. وهذا ما ينعكس حكماً على الساحة اللبنانية، نظراً لأن لبنان عاد ساحة تستقبل ردود الأفعال وتتأثر بها سلباً أو ايجاباً.

بقي القول ان مرحلتي الانتخابات السابقتين مرّتا بسلام، وبتسليم من جميع الأطراف بنزاهتها وحيادية الدولة فيها، وهذا نادر الوقوع ليس في العالم العربي فقط ولكن في معظم انتخابات أقطار العالم. وعلى الرغم من أن كثيرين يعتبرون أن انتخاباتنا - النيابية أو البلدية - تحولت الى مجرد ملهاة، فلا بأس في ذلك، شرط أن ندفع باتجاه تطويرها، سياسياً وانمائياً، على أمل الوصول الى الأفضل ان شاء الله.

المصدر