الهيئة والأوقاف تكرمان فقيد الوسطية سالم البهنساوي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الهيئة والأوقاف تكرمان فقيد الوسطية سالم البهنساوي
ندوة "وفاء وعرفان" لإبراز جهود المفكر الإسلامي سالم البهنساوي
علماء الكويت يتحدثون عن إسهاماته في بيان صفاءالفكر الإسلامي والدفاع عنه ضد المغالين والمنحرفين
سالم البهنساوي2.jpg

قبل نحو عام، وفيما كان وفد وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية مشاركاً في مؤتمر الوسطية في اذربيجان، أسلم المفكر الاسلامي ورائد الوسطية المستشار سالم البهنساوي الروح وافضى الى ربه بعد ان اتم صلاة الفجر اثر يوم شاق من العرض والمناقشة في محاور المؤتمر.

قبل نحو عام فقدت الكويت والعالم الاسلامي رجلاً نذر نفسه لبيان نصاعة الفكر الاسلامي والذود عنه في وجه المغالين والمتطرفين، وايضاً في وجه المنحرفين والعلمانيين والمستشرقين.

نعم، كان المستشار البهنساوي واحداً من الدعاة العظام ورجال الاصلاح، ملك الاسلام حياته فنذر نفسه لخدمته طوال عقود.

ولمكانته هذه، وتقديراً لجهوده، تبنت مجلة "العالمية" والهيئة الخيرية الاسلامية فكرة اقامة ندوة وفاء لتكريم جهود الفقيد الراحل، وعرفاناً بما قدمه من عطاء للفكر الاسلامي، تبرز اسهاماته الدعوية والفقهية والقانونية وابراز مؤلفاته وجهوده العظيمة في الدفاع عن الدين وسماحته ووسطيته.

د. عادل الفلاح: كان أحد دعاة الإسلام العظام بذل ما أتاه الله من قوة وعافية وجهد ومال في نشر رسالة الإسلام بوسطيتها واعتدالها


وحظيت الندوة التي بادرت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية برعايتها، ببرنامج ثري غطى جوانب عديدة من حياة الراحل، والقيت كلمات عديدة، فيما يلي تفاصيلها.

وكيل وزارة الأوقاف د. عادل الفلاح: حقيقة .... لم اكن لاعرف ان اللغة العربية على غناها وثرائها قد تعجز امام التعبير عن بعض المشاعر والشجون الا في هذا الموقف الذي اقف فيه امامكم وقد تزاحمت فيه المعاني التي اريد ان اعبر عنها وانا اتحدث عن رجل من رجالات الاسلام في واقعنا المعاصر نذر حياته كلها لله تعالى مجسدا قوله تعالى (قل ان صلاتي ونسكي ومحيايى ومماتي لله رب العالمين).

نعم ايها السادة الحضور ...... لقد فقدنا منذ عام عالما فاضلا، ومفكرا واثقا وعلما بارزا ابي الا ان يبذل ما آتاه الله من عافية وقوة ... وجهد ومال في نشر رسالة الاسلام بوسطيتها واعتدالها بعيدا عن الافراط والتفريط.

لقد كان الاستاذ سالم البهنساوي واحدا من دعاة الاسلام العظام، ومن كبار رجال الاصلاح، اجتمع له ما لم يجتمع الا لقليل من النابهين، فهو مؤمن صادق الايمان، مجاهد في ميدان الدعوة والفكر، ملك الاسلام حياته، فعاش له، ونذر حياته كلها لخدمته، وسخر قلمه وفكره في الدفاع عنه وبيان مقاصده وجلاء اهدافه، وشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه او جهال المنتسبين اليه، لم يدع وسيلة تمكنه من بلوغ هدفه الا سلكها، فاستعان بالكتاب والصحيفة والاذاعة والتلفاز في تبليغ ما يريد.

رزقه الله فكرا عميقا، وثقافة اسلامية واسعة ومعرفة رحيبة بالاسلام، فاثمر ذلك كتبا عدة في ميدان الفكر الاسلامي، تحيي امة، وتصلح جيلا، وتفتح طريقا، وتربي شبابا، وتبني عقولا، وترقي فكرا، كان - رحمه الله - رجل اصلاح عالماً بادواء المجتمع الاسلامي في شتى ربوعه، اوقف حياته على كشف العلل ومحاورة المغرضين ودعاة الفساد في لغة واضحة لا غموض فيها ولا التواء، يجهر بما يعتقد انه صواب دون ان يلتفت الى سخط حاكم او غضب محكوم، يحركه ايمان راسخ وشجاعة مطبوعة، ونفس مؤمنة.

لقد عرفته منذ ما يقارب 25 عاما حلا وترحالا اقامة وسفرا فوجدته كريم الطباع، دمث الخلق، خفيف الروح، كريما مضيافا، لا يضن بافادة ولا يبخل بنصيحة يفاكه في الحل والترحال، يستذكر تاريخه المليء بالتجارب والفوائد والمحن احيانا، ونوادر ما وقع له، ويمازح جلساءه، وهو الصادع بالحق لا يجامل فيه حريص على بيانه مهتم باجلائه.

طوال هذه الرحلة الطويلة عايشت رجلا ذا طبع ملائكي النزعة، اذا خالطته خالطت رجلا صافيا كماء المزن رقيقا كأوراق الزهر، تلمس فيه الحنان والرقة والحدب والحب، ونحس فيه الاخلاص والابوة والود، واذا ناقشته وجدت علما عزيزاً، وادبا جماً، وأفقاً واسعاً، ونظراً ثاقباً، ومعرفة غامرة، يحيط بزمانه، ويلم بواقعه، يملك زمام نفسه، ويدري وقع خطوه، ويعرف كيف يسير وسط الاشواك في ايام نحسات، يتعدى المزالق، ويختار الدروب، ويوجه بدون احراج، ويعلم بمنطق القدوة، ويربي بأساليب الحب، ويدعو ببصيرة وحنكة، ويرد بصبر واناة، وفقه وحكمة. ومن اهم الصفات التي عرف بها رحمه الله :

انكاره لذاته واخلاصه لله:

لقد كان قليل الحديث عن نفسه واعماله يقبل النقد ويقر بالخطأ اذا نبهه احد اليه لا يستعلي بما معه من علم ولا يماري بما اتاه الله من فكر واجتهاد.

السعي المستمر في حوائج الناس:

فقد رأيته غير مرة ماشياً في حاجة صاحب حاجة، قريباً، وغير قريب، من بلده ومن غير بلده، مسلماً وغير مسلم، مطيعاً، وغير مطيع، يفعل ذلك بنفسه، فان عجز طلب من اصحابه واصدقائه السعي لقضاء هذه الحاجة، ولقد كان التوفيق حليفه كي يستمر في قضاء هذه الحوائج.

رعاية العلاقات الاجتماعية:

من صلة الرحم، وعيادة المريض، وتشييع الجنائز، والتهنئة بالنعم،، والمواساة في الشدائد والمحن، والاصلاح بين الناس، ولم شمل الاسر والعوائل وهكذا كان لا يفوته شيء من ذلك، ومن خالط الاستاذ سالماً واقترب منه، وجد في سلوكه واعماله تصديق ذلك، والعجيب انه كان يحض غيره على رعاية هذه العلاقات.

عمق الفكرة وسعة الافق وبعد النظر:

وعرفنا ذلك من خلال عمله معنا في اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية فما تعرض عليه قضية او يؤخذ رأيه في قضية من القضايا الا ونشعر من خلال تناوله لها انه يحيط بها من كل جانب، ويقلبها من جميع الوجوه، ثم يعطي الرأي فيها بما يكشف عن افق واسع، ونظر بعيد، وفكر عميق.

ادركنا هذا عملياً من مناقشته للفكر التكفيري، والغزو الفكري للتاريخ والسيرة، والفكر اليساري، والعلماني والقانون الوضعي، مقارناً بالشريعة الاسلامية، والسلام من وجهة نظر الفكر الصهيوني والعرب، وسبب الخلاف بين السنة والشيعة، وغير ذلك من القضايا.

تعزيز الوسطية

ولقد ارقه كثيراً تخلف الامة، وتبديد هويتها، وترك رسالتها، واندثار ثقافتها، وضياع عزتها، وموت ارادتها، وهاله بشدة ضلال مثقفيها، وحيرة موجهيها، وشرود شبابها ومعلميها فلم يجد الا الوسطية سبيلا الى انتشال الامة من هذا التخبط الذي اصابها فألف كتابه القيم تهافت العلمانية في الصحافة العربية الذي فضح فيه غلاة العلمانية في صحافة الامة التي تعتبر اداة التوجيه الكبير في الشعب، والتي يسيطر عليها للاسف الشديد الرءوس الداعية الى نبذ عقائد الامة وتبديل هويتها، فكان بحق ندا قويا، ومحاوراً مقتدراً عنيداً وفي مقابل الوقوف في وجه الغلاة ممن يتدثر بالدين ألف كتابه القيم "الحكم وقضية تكفير المسلمين" الذي اصبح المرجع الاول في العصر الحاضر في كشف مناهج وافكار التكفير مقارنة بالحكم الشرعي من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية واجماع الصحابة - رضوان الله عليهم - ولهذا وصف الباحثون هذا الكتاب بأنه اوسع واشمل ما صدر من الكتب في كشف ودرء هذه الفتنة في عصرنا الحاضر، كما تميز بعلاج تلك المشاكل بالانصاف والدقة.

وفـــاتــــه

كان من اصعب المواقف التي واجهتها في حياتي موقف فراق استاذنا رحمه الله فلقد وافته المنية في رحلة جهاد بالقلم وبالفكر بصحبتنا الى اذربيجان حيث كان يشارك في مؤتمر الوسطية في اذربيجان وبعد ان امضى يوما شاقاً في المحاورة وعرض محاسن الاسلام لكل من يتساءل ويستفسر حتى انني اشفقت عليه من كثرة المناقشات فطلبت منه ان يستريح ثم يكمل ولكنه أبى واكمل حواره ثم جلسنا لنتناول العشاء ثم ذهب الى غرفته واستيقظ لصلاة الفجر كعادته وصلى معنا في غرفتي في الفندق وبعد ان فرغ من ختم الصلاة ودعا الله بما شاء له ان يدعو سأل عن البرنامج اليومي ثم ذهب الى غرفته وهناك اسلم الروح لباريها، فهدأت النفس الذكية، وصعدت الروح الطاهرة، وتوقف القلب الصافي الرحيم، وسكنت العروق النابضة بالحياة المضيئة، وانطفأ وهج العقل والفكر المنير، وارتعش القلم المجاهد ثم همد هموده الاخير، وارتاحت الحروف على صدور السطور المشوقة الى البيان الذي ولى والعلم الذي توقف والنبع الذي غاض.

د. عصام الفليج : كان عضوا فعالا في لجنة الشريعة وساهم في تحقيق أهدافها واستكمال مشاريعها وقدم عشرات الأبحاث وأوراق العمل

د. عصام الفليج وكلمة اللجنة الاستشارية العليا لاستكمال احكام الشريعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الهادي الامين محمد بن عبدالله النبي الكريم، وعلى آله واصحابه اجمعين، وبعد ..

العلماء الربانيون مصابيح الدجى، يرحلون وكأنهم شموع انتهت مادتها، ذهبت ذبالتها فانطفأ لهيبها المضيء، وقد تعوض الشمعة بشموع، والمصابيح بمصابيح، ولا يعوض العلماء الربانيون الا ان يشاء الله تعالى، فان الله تعالى بانتزاعهم ينتزع العلم الرباني من الارض.

وما الدهر الا ليلة بعد يومها ونجم تراه طالعاً ثم آفلا

وقرن جديد خلف قرن ودولة تعاقب اخرى لا يزلن شواغلا

افتقد العالم الاسلامي علماً من اعلام الدعوة الاسلامية في العصر الحديث، وكاتباً كبيراً من ارباب الفكر والقلم، امتطى صهوة جواده للذود عن الاسلام، والدفاع عن افكاره السامية، ومبادئه الغالية، يدفع عنه ابطال المبطلين، وتحريف الغالين، وافتئات المنهزمين، ما يزيد على ستة عقود من السنين، فقد كان فضيلة المستشار سالم علي البهنساوي رحمه الله تعالى داعية مخلصاً، ومفكراً متبحراً، ومربياً فاضلاً، يصول في صفوف الشباب ومنتدياتهم، محاضراً فذاً وكاتباً صحفياً، نعم .. فقد كان شخصية فذة في عالم الفكر والفقه والقانون والعلم الشرعي، احبه الجميع، واحترمه كل من حاوره حتى مخالفيه، وذلك لفصاحة لسانه وحسن بيانه، وتمام ادبه ورقي تعامله، لم يجعل الدنيا له هماً، ولم تكن نفسه مقدمة على اخوانه، فقد عمل لاجل المسلمين وفي خدمة الاسلام، رافعاً راية الوسطية في الفكر.

لقد خدم المستشار سالم البهنساوي رحمه الله دولة الكويت في عدة منابر بدءاً من الهيئة العامة لشؤون القصر، ووزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، واللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية التي اتحفها بجل وقته، وساهم فيها كمستشار في عدة لجان ومؤتمرات، وقدم فيها العشرات من الابحاث واوراق العمل، وظل مخلصاً في عمله حتى اتاه اليقين.

فقد انضم المستشار سالم البهنساوي رحمه الله لفريق عمل اللجنة التشريعية، وكان عضواً فعالاً ثم شارك كمستشار كريم للجنة الاعلامية يرعى خطواتها، ويسهم في رسم خططها، ويسعى في سبيل تحقيق اهدافها، مؤملاً ان يساهم عمله هذا في تحقيق استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، ولعمري فذاك وحده غاية نبيلة وهدف سام، ربما كان يداعب احلامه وافكاره منذ كان غلاماً يافعاً، وقد آن أوان قطافه.

لذا .. لم يترك رحمه الله تعالى مؤتمراً من مؤتمرات اللجنة الاستشارية العليا الا وشارك فيه، ولا ندوة من ندواتهما الا وله فيها مداخلات قيمة، ومناقشات هادفة، تنم عن عزيمة صادقة، وحرص كبير، واخلاص صادق على نجاح اللجنة في مهمتها الكريمة التي وجدت من اجلها.

رحمك الله يا رافع لواء الوسطية التي كنت تدافع عنها منذ اكثر من ثلاثين سنة، والآن بدأ الناس ينتبهوا لها، رحمك الله يا من دافعت عن المرأة التي نسيها الآخرون، رحمك الله يا من أسست لادب الحوار والكلمة، رحمك الله يا ابا اسامة وجعل الجنة مثواك، فهكذا عرفناك، ولا نزكي على الله احداً، وآخر دعوانا ان الحمد رب العالمين.

ممثل شؤون القصر: نهض بالإدارة القانونية لخدمة القصر وعلمنا كيف نبحث ونجتهد في انتزاع حقوق القصر وترك في الهيئة معاني إيمانية

حسين الباتل وكلمة الهيئة العامة لشؤون القصر

يفقد الانسان نفسه شيئاً فشيئاً حينما يفقد الاخوان الاعزاء والزملاء الاوفياء.

نجتمع الليلة وفاءً وتكريماً لذكرى الشيخ الجليل والمستشار الامين والفقيه النبيل سالم البهنساوي رحمه الله.

عرفت الهيئة الفقيد منذ عام 1972 وحتى نهاية الخدمة في 15/8/1999 الى ما يقارب ربع قرن. ومجال القول في الفقيد ذو سعة. والحديث عن انجازاته في الهيئة يطول ونختار ثلاثة امور كانت ولازالت تعطي ثمارها في خدمة الايتام.

اولاً: سعيه في الاخذ بقول جمهور الفقهاء بوجوب الزكاة في اموال القصر والزام الاوصياء باخراجها.

وقد صدرت الفتوى الشرعية من هيئة الفتوى بوزارة الاوقاف بتأييد هذا الرأي.

ثانياً: سعيه الحثيث في اصدار قانون الهيئة رقم 67 لسنة 1983 والنص في مواده على جواز اقتطاع مجلس الادارة جزءاً من مال المشمولين برعاية الهيئة حتى تستثمره باسمها. ولقد شهدنا معاناة المرحوم في اقناع اعضاء مجلس الامة والمسؤولين بذلك حتى تم اعتماده وكان من بركة ذلك ان اموال القصر لم تتأثر بالهزات الاقتصادية التي مرت في تاريخ البلاد.

ثالثاً: النهوض بالادارة القانونية واستخلاص الخبرات القانونية لخدمة القصر فكانت الادارة في ازهى عهودها حتى اصبح العمل فيها يكفي كشهادة خبرة جديدة بالاحترام والتقدير. وحينما تتوه الكلمات وتختلف الآراء في حل المشكلات كنا نلود باستاذنا فكان خير معين.. لقد علمنا كيف نبحث ونجتهد في انتزاع حقوق القصر وترك في الهيئة معاني ايمانية كانت نبراساً للقلوب واحياءً للهمم.

وكان للفقه عند الفقيد مكانة لا تجهل وكثيرا ما كان يتحدث يذكر بعض القواعد والمبادئ الفقهية ومنها على سبيل الفائدة: مراعاة نتائج التصرفات او اعتبار المال والتبصر بالامور العواقب وما عسى ان ينتج عن التصرف من اضرار ومفاسد نحو المستشار الفقيه.

اننا في الدنيا بين استقبال ووداع وهي حقيقة نراها ثم ننساها وننسى معها الراحلين ولكن هناك رجالاً لا يدخلون دائرة النسيان. ان حياة الفقيد طويلة وعريضة وخيركم من طال عمره وحسن عمله.

والله اسال ان يرحم الفقيد رحمة واسعة ويسكنه فسيح جناته مع احبابه.

واشكر من قام بهذه المبادرة والقائمين عليها لتعبر عن الوفاء والمحبة بيننا جميعا.

رغم مرضه اصر أ. عبدالله العمر على المساهمة في ندوة وفاة وعرفان حيث وزع كلمة مطولة على المشاركين في الندوة تميزت بالصدق والموضوعية والطرح المتميز.

كلمــة ابنـة الفقيــد

في البداية أود ان اشكر الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وعلى رأسها السيد/ يوسف الحجي والاستاذ/ ابراهيم حسب الله وجميع العاملين بها وكل من كان له دور في اختيار والدي المرحوم المستشار/ سالم البهنساوي للتكريم اليوم.

لا استطيع ان اصف لكم مدى السعادة التي شعرت بها عندما دعيت لهذا الاحتفال، لانني علمت ان هناك من يزال يذكر ابي، فقد خيل إليّ في بعض الاوقاف اننا كأسرته وحدنا فقط من نذكره.

حقيقة لا اعرف ما اقوله، حيث ان الكلمات تتلاشى في موقف كهذا، لقد اعتدت ان احضر مثل هذه المناسبات لاستمع لابي وهو يحاضر، فمن الصعب عليّ اليوم ان اقف هنا لاتكلم عنه.

فمهما قلت ومهما حكيت لن أوفي ابي حقه أبدا، فهو لم يكن ابا عاديا. فهو كان للبعض صديقاً، اخاً، ناصحاً، مستشاراً، اباً ولكنه بالنسبة لي كان العالم مجتمعاً في شخص واحد وبرحيله فقدت هذا العالم. فبعد مرور عام على وفاة ابي لا استطيع إلى الآن التكيف مع الحياة بدونه.

ترددت كثيرا فيما ساتكلم اليوم؟ فكل ما سأقوله قد يكون معروفا للبعض. ولكني اكتشفت شيئا مهما لم ادركه حقا إلا بعد وفاة ابي وهو ما سأتحدث عنه.

أبي كما لم أعرفه من قبل؟! نعم، فقد يستغرب البعض كيف لم اعرف ابي من قبل وهو الاقرب إلى نفسي؟؟ بعد وفاة ابي ادركت جيدا ان الصفات والخصال التي كان يتصف بها ما هي إلا شيئ خاص جدا يميزه هو عن غيره.

فقد كنت اظن ان كل تلك الصفات والخصال عامة يتمتع به كل الآباء وكل الناس، ولكنني ادركت جيدا بعد رحليه ان كل ما كان يتصف به ما هو إلا اخلاق يندر ان تجتمع في احد، كانت مجتمعة فيه رحمه الله. وساسرد لكم عشر صفات من بعض ما كان يتميز بها ابي:

1 - حبه للاسلام:

لم يكن ابي عصبي الطباع بل كان هادئا والشيء الوحيد الذي كان يثيره هو تعدي احد على حد من حدود الله أو تطاول احد على الدين الاسلامي أو الرسول صلى الله عليه وسلم. هنا كان يثور ولا يهدأ إلا اذا رد على الاعتداء والتطاول.

2 - الحرص على أداء الصلاة:

كان حريصا على اداء الصلوات في وقتها في المسجد وخصوصا صلاة الفجر وما كان يتأخر عن الذهاب للمسجد الا عند المرض.

كما كان حريصا على قراءة القرآن الكريم يوميا، فقد كان له ورد محدد يقرؤه بعد صلاة الفجر مع اذكار الصباح والمساء.

كما كان حريصا على زيارة المقابر والدعاء للموتى يوميا، بل انه كان يذكر اسماء اصدقائه واقاربه المتوفين شخصا شخصا في دعائه.

3 - البشاشة:

ما رأيت عمري أبي إلا مبتسما ابتسامته المعهودة الهادئة الرقيقة فحتى في اصعب واشد الظروف قساوة كان دائما مبتسما طلق الوجه. لم يدخل يوما المنزل بعد يوم طويل وشاق مشحون بالاحداث إلا والابتسامة تعلو شفتيه.

4 - التفاؤل:

كان دائم التفاؤل والثقة بالله، دوما كان يقول (تفاءلوا بالخير تجدوه). كان ييسر ويبسط كل الامور، فعندما كان يراني منفعلة ومحتدة لامر ما كان دائما يبتسم ويهون الامور. فلم يكن يحب التعقيد ابدا. وكان دوما على يقين بنصر الله في كل الامور.

5 - البساطة:

كان ابي رحمه الله متواضعاً جدا جدا لا بعد الحدود، فما كان ينفر من احد قط، لدرجة انه كان يجلس يستمع للجميع وهو العالم المثقف كما لو كان تلميذا مبتدئا.

6 - حب العلم والقراءة:

كان يقضي جل وقته في القراءة أو كتابة الكتب والمقالات، لدرجة انني كنت أكره معرض الكتاب الذي كان يحرص على زيارته كل عام، لأنه كان يعود بصناديق من الكتب وعندما كنت أقول له: (يا أبي الناس تذهب إلى معرض الكتاب وتعود بكتاب أو اثنين وليس بصناديق من الكتب؟ فكان يضحك ويقول: هذه الكتب كنوز انت لا تعلمين قيمتها).

7 - حب الاطفال:

ابي كان يحب الاطفال جدا، ويحترم عقلية الاطفال، فكان يجلس مع اولاد اختي المرحومه ايمان ويتحدث معهم ويستشيرهم ويأخذ رأيهم ويحترم رايهم لدرجة انه كان يقول لوالدتي عن ابنتي ذات العام الواحد عندما كانت تبكي ولا تهدأ إلا عندما يأخذها ابي ويجلسها بجواره ويعطيها اوراقا واقلاما مثله: (دي بتفهم بس انتوا اللي مش عارفين تتعاملوا معاها).

وكان يرفض بشدة مبدأ ضرب الصغار، فلا اذكر انه ضربني أو احدا من اخواني يوما أو رفع صوته علينا. وكان يشترط على كل من يزورنا في المنزل الا يضرب أو يصرخ في صغاره في وجود أبي.

8 -الاهتمام والرعاية:

كان ابي رحمه الله يهتم بكل التفاصيل، حتى رغم سفره المتكرر إلا انه لم يشعرنا يوما انه بعيد أو غائب فكان يتابع امورنا أولا بأول حتى بعد زواجي واستقلالي بحياة خاصة كان دائم الاطمئنان والاهتمام بي وكانني مازلت معه في البيت.

9 - النظام والترتيب:

كان أبي منظما جدا ولم ادرك هذه الحقيقة إلا بعد وفاته، فكنت دائما اتهمه بأنه فوضوي خاصة عندما كنت أدخل المنزل واجد اوراقه مبعثرة على الطاولة فكان يضحك ويقول: (انا عارف كل ورقة فيها ايه ومكانها فين، بس انتوا ما تلمسوش الورق وتلعبوا فيه).

وبعد رحيله اكتشفت انه كان منظما جدا وان كل شيء له ملف أو ظرف خاص محدد ومرتب ومكتوب عليه ما به من اوراق.

10 - الاهتمام بالآخرين:

لم يكن ابي رحمه الله يتأخر عن تلبية طلب أو مساعدة لأي شخص يلجأ إليه، يعرفه أو لا يعرفه، بل كان يتابع الأمر حتى بعد اعطاء المشورة أو انجاز العمل لهذا الشخص حتى يتأكد ويطمئن انه انهى موضوعه على اتم وجه.

كل ما سردته ما هو إلا غيض من فيض مما كان يتصف به أبي رحمه الله ولولا خوفي من الاطالة لظللت احكي ما كان يتصف به دون ملل. عزائي الوحيد واملي انه في جنة الخلد ان شاء الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وفي الختام ادعوكم جميعا لقراءة آخر ما كتبه من كتب والتي قال فيها الحمد لله الذي اطال في عمري كي انهي هذين الكتابين لينفع الله بهما المسلمين.

والكتابان هما: الاصلاح السياسي الحائر بين أهله وأركسة العلمانيين.

كما ارجو منكم ان تتذكروه بدعائكم.

يوسف عبدالرحمن: خدم الكويت بصمت عبر فكره ومنهجه الوسطي وندعو الباحثين والمهتمين لتوثيق مسيرته ودراسة مؤلفاته القيمة

القى منظم الندوة مدير ادارة العلاقات العامة والاعلام ورئيس تحرير العالمية يوسف عبدالرحمن كلمة قال فيها : وفاءً وتكريماً للراحل المستشار - سالم البهنساوي - وعرفانا لما قدمه من عطاء للفكر الاسلامي ولدولة الكويت أمرنا ووجهنا والدنا - يوسف جاسم الحجي - رئيس الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية ورئيس مجلس إدارة مجلة "العالمية" بضرورة عقد ندوة - وفاء - تضم مجموعة من الفعاليات تأخذ بعين الاعتبار لمحة عن حياة الفقيد ونشأته واخلاقه واسهاماته الفكرية والفقهية والقانونية وابرز مؤلفاته وجهوده العظيمة في الرد على الشبهات ولشجاعته وجرأته في مواجهة الفكر التكفيري، وانتصاره للشريعة الاسلامية في مواجهة القانون الوضعي. إلى جانب عطاءاته واسهاماته في الهيئة العامة لشؤون القصر واللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، اضافة لدوره الكبير كمستشار لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية. ودوره التطوعي الاستشاري في الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية.

- لا بد من توجيه الشكر والتقدير لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ممثلة بمعالي الوزير الدكتور/ عبدالله معتوق المعتوق - ووكيلها الدكتور/ عادل عبدالله الفلاح - وجميع اركان الوزارة ولدورهم الداعم للهيئة الخيرية الاسلامية وتكفلهم برعاية ندوة " الوفاء" التي هي في حقيقتها لمسة وفاء من الهيئة ومجلتها ومن وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية للمستشار سالم البهنساوي - الذي خدم الكويت بصمت عبر فكره ومنهجه الوسطي البعيد عن الغلو والتطرف والتشدد.

رحمك الله ايها المستشار استاذنا - سالم البهنساوي - فقد احببت الكويت واهلها فاحبوك وهاهم اليوم يستذكرونك بعرفان. واننا في الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية ومجلة "العالمية" ندعو الباحثين والمهتمين لتوثيق سيرة هذا الرمز الاسلامي الوسطي وجزاه الله الجميع كل خير. له الرحمة ان شاء الله ولكم من بعده طول العمر مقروناً بالصحة والعافية والانجاز لخدمة هذا الدين القيم.

كتيب و (سي دي) عن الفقيد الراحل

انجزت إدارة العلاقات العامة والإعلام في الهيئة كتيباً عن المستشار سالم البهنساوي تضمن تعريفا به واستعراضا لجهوده واسهامته الفكرية في العمل الاسلامي عبر مجالات مختلفة كما تضمن الكتيب ابرازا لعمله الكبير والجليل في الرد على الشبهات التي اثارها العلمانيون والمستشرقون وكذلك ردوده على اصحاب فكر التكفير والتطرف. وقد تم توزيع الكتيب خلال اقامة الندوة.

هذا ويتوافر قرص ممغنط (سي دي) يتضمن سيرة الفقيد الراحل وعناوين مؤلفاته وجهوده في الفكر الاسلامي وعمله في لجنة شؤون القصر واللجنة العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة.

المصدر