النطاق القانوني للمصالحة من حيث أطرافها

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
النطاق القانوني للمصالحة من حيث أطرافها


الثلاثاء,07 أبريل 2015

كفر الشيخ اون لاين | خاص

منذ تاريخ الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى الآن ولا يكاد شهر يمر إلا وتتداول الفعاليات السياسية فكرة المصالحة بين طرفي الأزمة المصرية ، والفكرة في مضمونها جذابة ومغرية فهي تحقن الدماء وتصرف الناس عن سبل الإنتقام إلى سبيل البناء ، وهى -عند من لم تصبه من ويلات النظم الإجرامية المتتالية التي حكمت مصر مصيبة - " راحة بال " ، غير انه من اللازم ابتداء وقبل الحديث عن فكرة المصالحة تحديد هذين الطرفين تحديدا جامعا مانعا وحتى تكون الفكرة فيما بعد جلية الأبعاد من حيث أطرافها الذين هم مقصد التصالح وحاملي تبعاته الجسيمة ، وهنا نضع أيدينا على يوم الخامس وعشرين من يناير لنجد الدولة في مواجهة كافة التيارات السياسية وفي مواجهة الشعب أيضا و كان الطرفان في تلك اللحظة مشاعا مختلطا لا يمكن فرزه وتبرأ الذي اتبعوا من الذين اتبعوا وتقطعت بهم الأسباب ، فكانت فكرة المصالحة يومئذ أقرب من المواجهة والعفو أقرب من العقوبة حفاظا على رجال ونساء من أن يطأهم الثوار فتصيبهم منهم معرة بغير علم ، ولم يكد يمر على تولي المجلس العسكري أسبوعا واحدا حتى بدأت تظهر في الأفق المعادلات التي كتبت بالحبر السري قبل الثورة ، وكان اولها مبادرة البرادعى والتي أطلقها داعيا إلى مد أجل حكم المجلس العسكري للبلاد حتى لا تسقط في يد الإخوان المسلمين وهو ما أوضح من البداية رفض القيادي المدني للخيار الديمقراطي وهو ما جلاه من بعد ما قام به المفتش الدولي من دور في الإنقلاب العسكري الإجرامي ، من جانب متصل سرعان ما أصدرت القيادات السلفية فتاوي " فورية " للإنخراط في الحياة الحزبية وكونت حزب النور الذي أعلن منذ البداية أن هدفه عدم ترك " الكعكة " للإخوان المسلمين " ليفوزوا " بها منفردين ودعا الذي تولي كبره منهم إلى غزوة الصناديق وقال عبارته الشهيرة " الشعب عايز دين .. اديله دين " ، واجتهدت الكيانات السلفية عموما لإظهار وجه أصولي للثورة ومادة تعمل عليها وسائل الإعلام الغربية لإقناع الرأي العام في تلك الدول أن ثورة مصر إنما تستمد أيديولجيتها من أحداث 11 سبتمبر وأن السلفيون قادمون ، أما النصارى فقد حسموا خيارهم من اللحظة الأولي للإستفتاء على تعديل دستور 1971 باختيارهم " لا " وهو ما يعني تعطيل الإستحقاقات الدستورية قدر المستطاع واعاقة طريقة التغيير بكل إمكاناتهم ، وانهمرت دموع البابا شنودة حزنا على حسني مبارك ولم يزل كاظما حزنه إلا من تلك الدموع حتى توفي " بحسرته " عليه وتوالت بعد ذلك الفعاليات النصرانية المناهضة للثورة حتى وصلت ذروتها أيضا في يوم الإنقلاب عندما جلس البابا تواضروس في مقدمة صفوف الإنقلابيين والحقيقة أن النصاري كانوا أوضح ما يكون منذ البداية فخيارهم لا غموض فيه وولاؤهم غير ملتبس فهم مع نظام مبارك وامتداداته ولو كان نظام مبارك نظاما عميلا فاسدا مجرما ،

أما القضاء فقد انكشف ستره كما لم يحدث لثمة قضاء في تاريخ مصر ، وتدرج تعاطي محاكمه المختلفة مع ألوان الثورة المضادة حتى وصلت ذروتها أيضا في حضور رؤساء الهيئات القضائية المختلفة احتفالات الإنقلاب وفعالياته ، ولم يزل القضاء يؤدي دوره على كافة الأصعدة وكافة درجات المحاكم كرأس حربة لنظام مبارك وامتداده الإنقلابي ، وحرم القضاء المصريين من العدل بل وحرمهم من ادعاء خضوعهم للقضاء العسكري لأنه أدي دورا أحد من دور القضاء العسكري وما انفك يرتدي رابطة عنقه وحلته ووشاحه المدني ، أما الأحزاب التي تكونت بعد الثورة على عجل فقد انقسمت إلى طائفتين طائفة ضد الإنقلاب وهذه قلة وهى في مجملها أحزاب اسلامية كالوسط والبناء والتنمية إذا استثنينا بعض الأعضاء والطائفة الثانية من الأحزاب والحركات السياسية فقد أيدت تدخل الجيش بالإنقلاب على الرئيس الشرعي وقد بدا واضحا أن المحرك الرئيسي لأغلب تلك الحركات أموال أجنبية وتوجهات مخابراتيه اقليمية ودولية ومحلية وجميعها تنضوي تحت منظومة تحتل أمريكا ادارتها العليا ، وإذا ضممنا الإعلام والشرطة والجيش بالإضافة إلى ادارات مؤسسات كبري كالأزهر والأوقاف إلى نظام مبارك وامتداده الإنقلابي فلا يبق لنا سوي الحركات اليسارية والليبرالية الشبابية وهذه أيضا تحرك أغلبها تمويلات أجنبية وقد أيد معظمها الإنقلاب والإنقلابيين ويبقى الشعب المصري الذي قوامه تسعون مليونا لهم تسعون مليون رأي فيما حدث من ثورة واستحقاقات دستورية وانقلاب عسكري غير أن مظلة الحركات الفاعلة السابق الإشارة إليها قد غطت معظم الحراك السياسي الشعبي ، وقد بدت جماعة الإخوان المسلمين كطرف كبير يمثل الشرعية الدستورية والإستحقاقات الإنتخابية والإمتدادات الشعبية ومعها حزب أو حزبين اثنين من الأحزاب الصغيرة بينما كل المكونات السياسية قد انضمت للإنقلاب والإنقلابيين .

تلك الصورة الصعبة التي تمثل الحياة السياسية في مصر في مجملها لم يفرزها الإنتقاء الطبيعي التي وضع نظريته " داروين " في كتابه " أصل الأنواع " وإنما أفرزتها ببساطة أيدي المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والمصرية عندما بدأت ارهاصات سقوط نظام مبارك بعد أن تبنت الولايات المتحدة نفخ رياح التغيير في عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر واشغال الشرق الأوسط بنفسه وتقليب الأوضاع السياسية فيه لتحجيم الحركات الإرهابية في المحيط الأمريكي والأوربي .

عندما يتحدث الناس عن المصالحة وقبل الخوض في موضوعها علينا أن نحدد أطرافها ، كثيرون هم من يعتبرون أن النظام الإنقلابي الذي يحمل كل تلك الدماء هم مجموعة الضباط في الجيش والشرطة الذين أطلقوا الرصاص فلا يرون إلا أطراف المشهد الدموي والحقيقة أن عناصر الثورة المضادة التي تحركت منذ بدء فعاليات الثورة هى من صنعت الإنقلاب ومن صنعت الدماء التي تفجرت في كل شارع في مصر من شرايين المدافعين عن الحق والعدل والحرية .

الملاءمة مصلطح قانوني يقصد به ترك تقدير ظروف الحال لمن بيده الأمر أو هى السياسة القانونية ، وإن قبض التعريف في تحديد طرفي المصالحة يجعل الكثيرين منهم بمنأي عن عقوبة مستحقة ، وإن بسطه أكثر مما يجب يطال السلبيين من حزب الكنبة أو الحمقي الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا عندما صوتوا لحزب النور باعتباره حزب التيار السلفي على سبيل المثال .

الحديث عن المصالحة يقتضي تحديد المجرمين الراغبين في التصالح إذا اتفقنا على أن الطرف الآخر هو الشرعية المستحقة وأولياء الدم والشعب المكلوم في مقدراته وشرفه وكرامته في مجمله ، مع ابقاء الباب مفتوحا دائما لخروج بمقدار من تلك الدائرة الإجرامية باعمال قوله تعالي " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " وإن اعمال النص القرآني بتصرف وحكمة تراعي الحال يومئذ لهو أسرع وسيلة لإسقاط الإنقلاب من خلال تخلي الداعمين له يوم تبدأ أركانه في التصدع وهو يوم قريب جاءت أشراطه القاطعة وعلينا أن نضع له تصورا فلا يفاجئنا فيه يومئذ ما فاجأنا في الحادي عشر من فبراير 2011 عندما أسلمنا القياد للذئاب لصدمة التغيير التي لم نكن قد توقعناها أو حتى فكرنا في تداعياتها .

المصدر