المسكوت عنه في تجربة الانتخابات

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المسكوت عنه في تجربة الانتخابات

2010-06-16

بقلم : مهند عبد الحميد

بيان تأجيل الانتخابات المحلية الى أجل غير مسمى الصادر عن الحكومة، لم يكن مفاجئا كما قال كثيرون، بل جاء تتويجا لحراك اجتماعي سياسي محموم. التبرير الذي قدمه البيان لم يكن مقنعا، والردود الغاضبة والشامتة كانت بالمستوى ذاته من الهشاشة. التأجيل بهذه الطريقة عبر عن تناقض بين التحولات الاجتماعية وقدرة المركز السياسي على التلاؤم معها. وإذا كان من السهل إعادة بناء المراكز المفتتة في مرحلة الانتفاضة الثانية في مركز سياسي واحد اللجنة التنفيذية للمنظمة، واللجنة المركزية والمجلس الثوري لفتح، وقبل ذلك إعادة بناء السلطة والاجهزة الامنية في الضفة الغربية فان إعادة بناء دعامات اجتماعية او رافعة اجتماعية للمركز من خلال الانتخابات كان صعبا ومعقدا إلى ابعد الحدود.

ثمة اهمية كبيرة للتوقف عند مغزى تأجيل الانتخابات والاسباب التي قادت الى التأجيل، وكيفية التحضير للانتخابات المحلية، وأداء القوى السياسية، والديناميات الداخلية في فرز المرشحين. والتوقف عند ما لم يقل وما لم يكشف عنه النقاب، وكل ذلك من اجل عودة سريعة لانتخابات تضع مصلحة الوطن والمواطن في مركز الاهتمام.

عندما عقد مؤتمر فتح ابلى المتنافسون على عضوية (المركز ــ اللجنة المركزية) بلاءً حسنا في بناء تحالفات وضمان اصوات لنيل عضوية اللجنة المركزية والمجلس الثوري، ونجحوا في ذلك نجاحا لافتا للانتباه، ولم يتوقف هؤلاء من فرط حماستهم للمركز عند اهمية تمثيل نصف المجتمع (النساء) ــ نصف التنظيم بعضوية رمزية، ولم يتوقفوا ايضا عند أهمية انتخاب رموز ثقافية وفكرية كما كان عليه الحال من قبل. كان التوق للظفر بعضوية المركز فوق كل اعتبار، واقوى من كل شيء.

خلافا للنشاط ــ فوق التوقع ــ في الاعداد لانتخابات المركز(مؤتمر فتح)، ابدى المركز الجديد اهمالا كشف عن مستوى انفصاله عن قاعدته التنظيمية والجماهيرية. كان من المفترض ان تستجيب قاعدة التنظيم لموقف المركز الجديد وكان من المفترض وقبل كل شيء ان يستجيب اعضاء المركز لقرارهم. ما حدث هو العكس، ما حدث هو فوضى جديدة شبيهة بالفوضى التي سادت اثناء انتخابات المجلس التشريعي وقادت الى خسارة فتح في الانتخابات، والسؤال، لماذا؟ لماذا لم يتم استيعاب الدرس الذي دفع المجتمع ثمنه غاليا؟ ودفعت قاعدة فتح ثمنه مضاعفا!!

لنبحث إذا عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تلك التحولات التي ادت في خصوصية واقعنا تحت الاحتلال، الى ظهور تشكيلات اهلية مجزأة، مكونة من الوجهاء والعائلات وأرباب العشائر ورجال الدين الجدد، هؤلاء الذين اعيد انتاجهم في سياق اقتصاد ريعي يعتمد على الدعم الخارجي، أو من خلال وكلاء للسلع الاسرائيلية، ومقاولين او مضاربي عقارات. اي من خلال بنية اقتصادية غير قادرة على الانتاج. إن بنية من هذا النوع من الطبيعي ان تستقوي بعلاقات ما قبل رأسمالية، كالطائفية والتعصب الديني والعشائرية والواسطة والمحسوبية والسلطة الذكورية والزعامة التقليدية. ومن الطبيعي أن تقدم خطابا وثقافة شعبوية على النقيض من العقلانية والحداثة. وفي إطار هذه العلاقات يصعد المحافظون والمتعصبون والنخب الدينية، ويتصدر المشهد الشخصي والعائلي كمعبر عن البيئة المحلية. وفي الوقت نفسه يضعف الاستقطاب الشعبي للمنظمة المدنية وللمتمردين على العشيرة والعائلة، ويتراجع وزن المنظمات الشعبية والنقابات والاحزاب السياسية.

فيما مضى كانت العائلات والعشائر ورجال الدين يعملون ويتحركون في إطار التنظيم وبقيادته، وفي ظل التحولات الجديدة حدث العكس، اصبحت التنظيمات ملحقة بالعشائر والعائلات والقيادات التقليدية والنخب المالية. هذا ما حدث في الانتخابات السابقة 2005 ــ 2006، وهذا ما كاد يحدث في هذه الانتخابات. قرار التنظيم بوضعه الجديد وبقيادته الجديدة لم يعد ملزما لابناء التنظيم. فهؤلاء لهم مرجعية أخرى (عشيرة، عائلة، رجال دين كبار الممولين) اقوى بكثير من التنظيم. وحتى تستقيم الامور فان الحل يكون بحل التناقض سلبيا اي بخضوع التنظيم للمرجعية الجديدة كتجسيد للتحولات. لقد كانت حماس نتاجا للتحولات المجتمعية ولهذا السبب كان الانسجام سيد الموقف بين المركز السياسي(قيادة حماس) والتنظيم والقاعدة الاجتماعية.

لقد اعتقد البعض في مركز فتح ان العلاقة مع القاعدة الاجتماعية تستقيم من خلال الاجهزة الامنية التي يمكن ان تتدخل لحل التناقض، وحاول البعض استخدام الاجهزة في تذليل العقبات وتطويع الذين شقوا عصا الطاعة، لكن الحظ لم يحالفهم. وحاولوا ايضا حل التناقض بوضع المنظمات الشعبية والنقابات تحت السيطرة، من خلال إعادة هيكلتها وكانت النتيجة إضعاف وشل وتفتيت تلك المنظمات. ونظر البعض للسلطة كمركز جديد مدعم بأجهزة الامن، باعتباره بديلا عن المنظمة والتنظيمات بمختلف تفرعاتها (منظمات شعبية ونقابات ومنظمات جماهيرية)، لكن ذلك اصطدم بإخفاق في استقطاب بنية اجتماعية او قاعدة اجتماعية، تأخذ بالاعتبار التحولات وتستطيع النفاذ اليها. بقيت السلطة ببنيتها البيروقراطية وما اعتراها من تشوهات غير قادرة على حل التناقض بين المركز والقاعدة الاجتماعية.

إن الاخفاقات السابقة تطرح اهمية التدخل بمنطق جديد، يضع حدا لاستسلام التنظيمات واستتباعها للتحولات الاجتماعية الرجعية داخل المجتمع. ويضع حدا لتماهي قوى المعارضة مع السلطة، وخضوع التنظيمات الصغيرة للقطبين (فتح وحماس)، ويضع حدا لتماهي المثقفين مع الشعبوية والتهافت.

هل يمكن دفع استقطاب من نوع جديد في إطار الاجسام الحية من التنظيمات والعناصر المستقلة والمستوى الثقافي المطالب قبل غيره في رؤية واستجلاء التحولات الاجتماعية؟ هل يمكن الشروع بإعادة ترميم البنية الوطنية وثقافتها ؟

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات