المستشار محمد المأمون

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المستشار محمد المأمون الهضيبي ... المرشد السادس للإخوان المسلمين

المستشار عبد الله العقيل

(1340 - 1424هـ / 1921 - 2004م)

هو محمد المأمون بن حسن إسماعيل الهضيبي، من مواليد 28/5/1921م، في قرية الشواولة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، وهو ابن الأستاذ المستشار حسن الهضيبي ـ المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في الفترة من 1951م حتى وفاته في الحادي عشر من نوفمبر عام 1973م، ونشأت أسرته بقرية الصوالحة ـ مركز شبين القناطر ـ محافظة القليوبية، وتنقلت إلى أماكن متعددة بمصر، إذ كان والده يعمل قاضياً بوزارة العدل المصرية.

التحق محمد المأمون الهضيبي بالتعليم العام في مصر بمراحله المختلفة حتى تخرجه سنة 1941م في كلية الحقوق جامعة الملك فؤاد ـ القاهرة حالياً ـ وكان ترتيبه العاشر على دفعته.

حياته العلمية

صدر القرار بتعيينه وكيلاً للنيابة، وتدرج في المناصب إلى أن وصل إلى منصب رئيس محكمة النقض، وهي آخر عهده بالعمل الحكومي في مصر، وبعد ذلك عمل بالسعودية، وظل بها فترة، ثم عاد بعدها ليتفرغ للدعوة، وكان رئيساً لمحكمة «غزة» عام 1956م، وشارك في أعمال المقاومة الشعبية خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وقد اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي.

معرفتي به

ولقد سعدت بمعرفة أستاذنا الفاضل منذ نصف قرن تقريباً، وكانت معرفتي به آنئذ معرفة غير عميقة، حيث كانت لقاءاتي به قليلة جداً مع والده وأشقائه، ولكن بعد خروجه من السجن ومجيئه مع والده ـ المرشد الثاني للإخوان المسلمين، المستشار حسن الهضيبي ـ للحج سنة 1393هـ ـ 1973م، توثقت الصلة بيننا وتعمقت المعرفة، فوجدت فيه رجاحة العقل وحسن التدبير والموازنة الشرعية في النظر في واقع الأحداث ومجريات الأمور، مع الصلابة في المواقف، والتمسك بالثوابت، وعدم التفريط فيما يمس العقيدة أو الأصول المحكمة، واحترام الشورى والالتزام بنتيجتها.

كما وجدت فيه رحابة الصدر في الأخذ بكل ما جدّ من الوسائل لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية، والتعامل مع طموحات الدعاة لتطوير وسائل الدعوة الإسلامية المعاصرة. وكانت لقاءاتي به بعد ذلك أثناء زياراتي لمصر في عهد المرشد العام الثالث عمر التلمساني، وعهد المرشد العام الرابع محمد حامد أبو النصر، وكذا المرشد العام الخامس مصطفى مشهور، حيث كان قريباً من كل هؤلاء يستشيرونه في الكثير من الأمور، ويشاركهم في معظم القرارات المهمة.

ثم كانت مشاركتي إياه في مؤتمر الجزائر سنة 1990م بحضور الأستاذ مصطفى مشهور، والدكتور توفيق الشاوي، وغيرهم من إخوان مصر والبلاد العربية.

مع جماعة الإخوان المسلمين

انتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين وما لبث أن ابتُلي بالسجن، والاعتقال في عهد عبدالناصر عام 1965م، وتنقل بين السجن الحربي، وطرة آنذاك.

وأفرج عنه السادات عام 1971م، وبعدها رفع دعوى يطالب فيها بعودته للعمل بالسلك القضائي، فأعطته المحكمة حق العودة، ولكن الحكومة رفضت إعادته لعمله دون إبداء أي مبررات.

في البرلمان

رشحته الجماعة مع مجموعة من إخوانه لانتخابات مجلس الشعب، ففاز منهم 37 عضواً في الدورة البرلمانية عام 1978م، وكان نائباً عن دائرة الدقي، بمحافظة الجيزة، وكان حينها هو المتحدث الرسمي للكتلة الإخوانية في البرلمان، فكانت خطبه في البرلمان ومناقشاته ومداخلاته تتسم بالعمق والفهم القانوني للمسائل، كما كانت أحاديثه لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة لها الوزن والاعتبار من حيث التأصيل وحسن العرض، والوصول إلى الهدف المأمول، وتناول هو وإخوانه في البرلمان المصري القضايا الإسلامية التي تصب في مصلحة الشعب المصري وتؤيد الحقوق المشروعة للمواطنين، وتحارب الفساد بكل صوره وأشكاله، وتطرح الرؤى والتصورات لعلاج المشكلات وحل المعضلات وتذليل الصعوبات، لتحقيق أهداف الأمة وطموحات الشعب وفق المنظور الإسلامي المستقى من هدي الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة.

ولقد ساعده ـ بالإضافة إلى تربيته الأسرية على يد والده الإمام حسن الهضيبي وانخراطه في سلك العاملين في الحقل الإسلامي ـ كفاءته العلمية وخبرته القانونية وتمرسه العملي في الشؤون القضائية، إذ استطاع أن يوظف كل ذلك في تحقيق أهداف الدعوة الإسلامية، برسم خططها ووضع برامجها وتقديم مشاريعها.

لقد كان أستاذنا المستشار محمد المأمون الهضيبي من الرعيل الذين اضطلعوا بمسؤولية الدعوة في وقت مبكر، وحملوا على عاتقهم تكاليفها وأعباءها دون كلل أو ملل، ورغم كبر السن والمعاناة الطويلة في سجون الطغاة ـ خرج بحمد الله أقوى صلابة، وأقدر كفاءة، وأعمق إيماناً بالحق الذي يعمل له، متعاوناً مع إخوانه وتلامذته، من جنود دعوة الحق والقوة والحرية في مصر وخارجها.

مرشداً عاماً للإخوان المسلمين

اختير الأستاذ مأمون الهضيبي نائباً للمرشد العام، الأستاذ مصطفى مشهور، والمتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، ومع مرض وغيبوبة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين مصطفى مشهور في 29 أكتوبر 2002م إثر نزيف في المخ، أصبح مأمون الهضيبي القائم بأعمال المرشد العام بالنيابة.

وفي مساء يوم الأربعاء 22 من رمضان 1423هـ ـ الموافق 27 من نوفمبر 2002م تم اختياره مرشداً عاماً للإخوان المسلمين، خلفاً للأستاذ مصطفى مشهور، ليصبح المرشد العام السادس لجماعة الإخوان المسلمين.

كان للهضيبي مواقف متميزة من الأوضاع الداخلية والخارجية، ففي الداخل شنّ هجوماً شديداً على السلطات في مصر، في أول ظهور علني في لقاء موسع منذ تسلمه زعامة الإخوان، وانتقد ما وصفه بتغلغل الفساد في جميع المؤسسات الحكومية والجمود السياسي، وتزايد الفقر، محذراً من أن ذلك يؤدي إلى تفكك كبير لتماسك المجتمع.

وكان للجماعة في عهد مأمون الهضيبي، موقف من تصريحات شيخ الأزهر الشريف بشأن قانون حظر الحجاب في فرنسا، فقد تقدم النائب الإخواني في البرلمان المصري الدكتور حمدي حسن بطلب إحاطة عاجل إلى رئيس الوزراء المصري الدكتور عاطف عبيد، بوصفه وزيراً لشؤون الأزهر الشريف، مطالباً فيه بتعيين شيخ جديد للأزهر، بدلاً من الشيخ الحالي، يحفظ للأزهر هيبته وكرامته، ويعيد إليه المصداقية، ويتصرف بحكمة وعقل، ويسترشد بأولي العلم والمختصين في المجالات المختلفة، ويحظى باحترام المسلمين في مصر والعالم.

ورغم قصر المدة التي تولى فيها مسؤولية الجماعة مرشداً عاماً للإخوان المسلمين خلفاً للمرشد السابق الأستاذ مصطفى مشهور، إلا أنه ـ بفضل الله ـ قد وفق إلى جمع القلوب، ورصّ الصفوف، والانطلاق بالدعوة في سائر الميادين ومختلف المجالات، وكان لتوجيهاته وتحركاته ومقالاته في رسالة الإخوان وغيرها خير زاد للإخوان المسلمين في مصر وسائر أنحاء العالم العربي والإسلامي.

من أقواله

«اقتادوني إلى إدارة المباحث ثم نقلوني إلى «سجن أبي زعبل»، وهناك مارسوا معي أنواع التعذيب التي كانوا يمارسونها مع المعتقلين التي تشمل: التعليق من الأرجل، والضرب الشديد، والمحمصة، وغيرها من وسائل التعذيب الوحشي، ثم نقلوني مرة أخرى إلى «سجن أبي زعبل» حتى عام 1967م، ثم نقلونا إلى سجن طرة ومكثنا فيه حتى مات عبدالناصر.

وفي عهد السادات بدأت الإفراجات وخرجت مع الدفعات التي خرجت.

وبعد خروجي سافرت إلى الحج، وهناك التحقت بالعمل في قسم الحقوق العامة وقسم الحقوق الخاصة، والعمل فيها عمل قضائي وشرعي، وظللت فترة طويلة حتى قضت محكمة النقض ببطلان الاستقالة التي أكرهت عليها زمن عبدالناصر.

وبعد صدور الحكم عُدت إلى مصر واستكملت عملي لفترة بسيطة، ولم تكن السلطات مرحّبة بعودتي للعمل، فصدرت تعليمات بانتدابي إلى السعودية، حيث عدتُ مرة أخرى إلى هناك حتى أوشك سني على بلوغ الستين، لأكون رئيس محكمة استئناف القاهرة، بناء على قرار مجلس القضاء، وعلى اعتبار أنني منتدب في الخارج، فقطعت سفري وعدتُ وتسلمتُ عملي لأيام ثم صدر قرار إحالتي للتقاعد».

ومن أقواله أيضاً: «إن الدولة التي يشكّل المسلمون نسبة 95% من سكانها، لا يمكن أن تكون المناداة فيها لتطبيق الشريعة الإسلامية ـ التي تعد جزءاً من عقيدتهم ـ عملاً محرَّماً، والدولة المنصوص في المادة الثانية من دستورها على أن الدين الرسمي فيها هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع والأحكام لا يمكن أن تكون المناداة فيها بتطبيق الشريعة شيئاً محظوراً أو جريمة من الجرائم، والفيصل في ذلك أحكام المحكمة الدستورية، ولا يمكن أن يمنع مسلم مصري من أن ينادي بما يأمر به الدستور من المطالبة بأحكام الشريعة الإسلامية، إن الاختلافات في وجهات النظر وفقه حسم الخلاف ينبني على تقبل الرأي الآخر.

ويجب أن تكون هناك وسيلة شورية لحسم الخلاف، وهذا أمر طبيعي، ولو كان الناس بصمة واحدة وآراؤهم متفقة ما كان هناك مبدأ اسمه الشورى، حتى يحدث تكامل في الآراء، فالبشر كل منهم ينظر إلى المسألة من زاوية خاصة، والشورى تحدث التكامل بين هذه الرؤى المختلفة. فإذا أمكننا أن نتبادل الرأي بأخوّة وثقة، فمن الممكن أن تحدث الشورى نوعاً من أنواع التكامل.

والمطلوب في هذه الحالة أن يكون حسم الأمر بطريقة معينة، ويكون ذلك في الغالب بالتصويت ورأي الأغلبية هو الذي يُنفذ.

إن جهدنا الأول هو التربية والتنشئة على العقيدة الإسلامية، ولكن أحياناً العمل السياسي يظهر أكثر من غيره، وهذه طبيعة العمل السياسي.. ومع هذا فهناك جوانب سياسية لها أهمية بالغة، مثل: الحريات العامة التي هي حياة الدعوات والأحزاب، وإذا كان البلد محكوماً بأحكام عرفية وقوانين الطوارئ فمما لا شك فيه أن ذلك فيه تضييق على الدعوة والدعاة، وفي الواقع: الحريات أساس من أسس المبدأ والعقيدة الإسلامية، وهي عمل دعوي في المقام الأول.

ونحن - الإخوان المسلمين - لا ندّعي لأنفسنا الكمال، ولا نبخس مجهوداتنا والبناء الذي نريده ضخم، وليس سهلاً، والأعداء يتكالبون علينا من كل جانب ـ داخلياً وخارجياً ـ بأعداد لا حصر لها، ولكن نقول: إن كانت دعوة الإخوان المسلمين بدأت منذ عام 1928م على يد خمسة أشخاص في بلدة الإسماعيلية التي كانت شبه مستعمرة أجنبية، فلنا أن نسأل: أين هي دعوة الإخوان المسلمين الآن؟

إنها بفضل الله موجودة في كل العالم ومنتشرة في كل مكان بأعداد ضخمة والحمد لله، ولقد أصبحت الشغل الشاغل لأعداء الأمة الإسلامية.. والحكام المستبدون لا يقلق بالهم سوى الإخوان المسلمين.

ولو كانت دعوة الإخوان المسلمين بائرة أو ضعيفة أو متخلفة أو منكرة، فلماذا يخاف منها الحكام المستبدون؟.. ولماذا يزوّرون الانتخابات؟ بل ويمنعونها سواء كانت انتخابات نيابية عامة أو نقابية؟!

إنهم يفعلون ذلك لأنهم يعلمون نتائجها وأنها في غير صالحهم.

إن دعوة الإخوان المسلمين منتشرة في أنحاء العالم العربي والإسلامي بفضل الله، ودعاتها لا يتوقفون عن الدعوة إلى الله مهما كانت العقبات التي يضعها أعداء الإسلام في الداخل والخارج على حد سواء، يريدون أن يطفئوا نور الله، ولن يستطيعوا ذلك بإذن الله، لأنها دعوة الإسلام الحق، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

قالوا عنه

يحكي عنه الدكتور محمد حبيب ـ النائب الأول للمرشد العام للإخوان ـ فيقول: «الذين يتحدثون عن أن الجماعة لا تعرف الشورى في مبادئها، لا يعرفون شيئاً عن الشورى أو الإخوان!! لقد كان المستشار مأمون الهضيبي إذا أراد أن يأخذ رأي أعضاء مكتب الإرشاد في قضية ما، يطرح علينا الموضوع طرحاً وافياً بكافة تفاصيله وجزئياته دون أن يبدي رأيه الشخصي في الموضوع، ولو حتى مجرد تلميح أو إشارة! حتى لا يوجهنا لا شعورياً إلى تبني رأيه!! ثم يبدأ في الاستماع لرأينا في الموضوع محل المناقشة واحداً تلو الآخر حتى نمل نحن من كثرة النقاش، ولا يمل هو!! ورغم هذا كان حريصاً غاية الحرص ألا يبدو على تعبيرات وجهه أو لسانه أنه مستريح لرأي فلان أو ممتعض من رأي علان!! فإذا ما وجد أن الآراء مجتمعة أو غالبيتها قد اتجهت نحو رأي ما أقره فوراً دون أن يبدي هو حتى وجهة نظره! أما إذا كان الخلاف في قضية هو سيد الموقف عندها يتدخل هو ويدلي بقناعاته في الموضوع محل النقاش ويحسم الخلاف!! هكذا كان، وهكذا كان من سبقه.

إنه التواضع في أبهى صوره، والقيادة الفذّة في أحسن أشكالها».

ويقول د. ممدوح المنير:

«لم يكن رحيل المرشد العام للإخوان المسلمين فضيلة المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله، بالأمر الهين على إخوانه وأحبائه، فالرجل العظيم لم تكن حياته العادية لداعية عادي إنما كانت حياته حياة دعوة في قلب إنسان، وكعادة العظماء يحار المرء حين يتناول حياتهم، لأنه ببساطة لا يعرف من أين يبدأ؟ فجوانب العظمة لديه تضعك في موقف لا تُحسد عليه.

هل أتحدث عن الهضيبي القاضي الذي يحكم بميزان العدل ويصل إلى أعلى المراتب في السلك القضائي؟

أم أتحدث عن العالم الجليل الذي يجمع بين علوم الشرع والقانون بشكل موسوعي؟

أم أتحدث عن المجاهد الذي شارك في أعمال المقاومة الشعبية خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، واعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي على إثر ذلك؟

أم أتحدث عن الهضيبي الداعية الإسلامي الذي يحمل همّ الأمة الإسلامية بين جوانحه، ويبذل من نفسه وماله وراحته في سبيل دعوته؟

أم أتحدث عن الهضيبي المعتقل في سجون عبدالناصر لسنوات طويلة، وعندما سمع الحكم بحبسه قال: «شهادة في سبيل الله ما كنت أظن أنني سأستحقها».

وفاته

توفي المستشار مأمون الهضيبي في القاهرة، مساء الخميس الموافق الثامن من يناير 2004م عن عمر يناهز 83 عاماً، وذلك إثر وعكة صحية ألمت به، حيث أجري للهضيبي فحص طبي في أحد مستشفيات القاهرة، إثر آلام أحس بها إلا أنه توفي بعد عودته إلى منزله.

وشارك في الجنازة أكثر من 300 ألف صلوا على الفقيد بمسجد «رابعة العدوية»، بعد صلاة الجمعة، وقد سار المشيعون على الأقدام من المسجد، مروراً بطريق النصر، حتى وصلوا إلى مقر النادي الأهلي بمدينة نصر (شرق القاهرة)، ثم حمل الجثمان في سيارة خاصة، وخلفها مئات السيارات التي أقلّت المشيعين لدفنه في مقابر عائلته بـ«عرب الصوالحة»، مركز شبين القناطر، بمحافظة القليوبية، حيث دفن الفقيد مع والده الراحل المستشار «حسن الهضيبي»، المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين.

نسأل الله العلي القدير أن يتغمد فقيدنا الغالي بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته ويحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وأن يلحقنا بهم أجمعين في جنات النعيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.

وقد قيل في رثائه كثير من الشعر نذكر منه:

هو الموت أعجزَ طب الطبيب وفاق بيان الأديب الأريبِ

فللموت أوفى بيان.. مبين بقدرة علاّم أخفى الغيوبِ

قضاء إذا حُمَّ فض الحياة بسهم قوي عدول ضروبِ

ولكن فزعنا بنزف القلوب لفرقة قلب كبير حبيبِ

وكان كطود رفيع مهيب ففي جنة رحبة يا «هضيبي»

مضى «مصطفى» فرفعت اللواء بعزم قدير وعقل خصيبِ

وقدت المسيرة لا الصف هان ولا أضعفتك دواعي المشيبِ

فعشت المشيب بروح الشباب دؤوباً قوي السنا والشبوبِ

بعزم وفيّ وقلب فتيّ وفكر مضيء ثريّ نجيبِ

وكنت الصمود الذي لا يهون بليل ظلوم ويوم عصيبِ

وناديت: عيشوا شموخ الجبال فما كان منا سوى المستجيبِ

وقلت: هو النصر لا يستحَق بغير الثبات وتقوى القلوبِ

هو الخير باق ليوم المعاد فعيشوا الحياة لخير الشعوبِ

أعدت أباك «الهضيبي» الكبير بعلم وصدق وجهد صليبِ

فقد كان طوداً أشم العلاء وما اهتز يوماً لعصف الهبوبِ

ولا هاب يوماً نباح الكلاب ولا أفزعته حداد النيوبِ

وقال: دعاة ولسنا قضاة ومرجعنا للإله الحسيبِ

فسرت على الدرب «مأمونها» ودربك يزري بكل الدروبِ

عليه منارة قرآننا وسنة طه الرسول الحبيبِ

لقد لاع فقدك كل الشعوب ففي جنة رحبة يا «هضيبي»

المصدر