القرار الأول لحل الإخوان
مركز الدراسات التاريخية
محتويات
مقدمة
كما ذكرنا المحاولات التي دبرت لحل جماعة الإخوان المسلمين غير أنها لم تكتمل لعدم وجود ما يشين الجماعة او يعرضها للحل قانونيا، والواضح ان الخصام كان خصاما سياسيا، وهذا هو الدافع الرئيسي لحل الإخوان، فوفق الظروف والحيثيات لم يكن قرارات الحل التي صدرت ضد الإخوان تتماشي وفق القانون بل كانت نابعة من أغراض سياسية
حيث استند في إصدار هذا الأمر إلى البند الثامن من المادة الثالثة من القانون (15) لسنة 1923م الخاص بالأحكام العرفية، وقد تجاوز في هذا القرار الصلاحيات الممنوحة له بموجب ذلك القانون، والذي لا يتحدث إلا عن فضِّ الاجتماعات أو منع حدوثها، ولو بالقوة، ولكنه لا يشمل حلَّ الجمعيات وإعدامها وإنهاء حياتها القانونية أو مصادرة أموالها، ويعدُّ إصدار "النقراشي" هذا القرار تجاوزًا للسلطة المخولة له، واعتداءً على القانون والدستور.
ثلاثة عشر دافعا لحل الإخوان
ويؤكد التقرير الذي رفعه عبد الرحمن عمار مدير الأمن العام من جرائم ضد الإخوان تستجوب حل الجماعة، وكانت كلها جرائم ليست صحيحة بل بعضها كان الضحية فيها الإخوان لكن التقرير نسبها للإخوان؛
وقد تضمنت المذكرة ثلاثة عشر دافعا هم:
- الدافع الأول: لحل الجماعة أوضحت تحقيقات النيابية العسكرية العليا رقم 883 لسنة 1942 قسم الجمرك إلى أن الجماعة كانت تهدف إلى قلب النظم السياسية للهيئة الاجتماعية عن طريق الإرهاب باستخدام فريق من أعضائها دربوا تدريبا عسكريا وأطلق عليهم اسم الجوالة .
- الدافع الثاني: أنه بتاريخ 6 يوليو سنة 1946 وقع اصطدام في مدينة بور سعيد بين أعضاء هذه الجماعة وخصوم لها استعملت فيها القنابل والأسلحة وأسفر عن قتل أحد خصومهم وإصابة آخرين وضبط لذلك واقعة الجناية رقم 679 لسنة 1946 قسم ثان بور سعيد .
- الدافع الثالث: أنه بتاريخ 10 ديسمبر 1946 ضبط بعض أفراد هذه الجماعة بمدينة الإسماعيلية يقومون بتجارب لصنع القنابل والمفرقعات .
- الدافع الرابع: وقعت بتاريخ 24 ديسمبر 1946 حوادث إلقاء قنابل انفجرت في عدة أماكن بمدينة القاهرة وضبط مرتكبوها اثنان من هذه الجماعة قدما لمحكمة الجنايات فقضت بإدانة أحدهما بقضية الجناية رقم 767 سنة 1946 قسم عابدين 117 سنة 1946 كلي
- الدفاع الخامس: تعددت حوادث اشتباك أفراد هذه الجماعة مع رجال البوليس ومقاومتهم لهم بل والاعتداء عليهم وهم يؤكدون واجبهم في سبيل حفظ الأمن وصيانة النظام مثال ما حدث في يوم 29 يونيو سنة 1947 بدائرة قسم الخليفة من اعتداء فريق من جوالة الإخوان المسلمين على مأمور هذا القسم ورجاله .
- الدافع السادس: ثبت من تحقيق الجناية رقم 4726 لسنة 1947 الإسماعيلية أن أحد أفراد هذه الجماعة ألقي قنبلة بفندق الملك جورج بتلك المدينة فانفجرت وأصيب من شظاياها عدة أشخاص , كما أصيب ملقيها نفسه بإصابات بالغة
- الدافع السابع: أنه حدث في 19 يناير 1948 ضبط خمسة عشر شخصا من جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة جبل المقطم يتدربون على استعمال الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع وغيرها من أدوات التدمير والقتل.
- الدافع الثامن: في 27 فبراير سنة 1948 اعتدي فريق من هذه الجماعة على خصوم لهم في الرأي وأطلقوا عليهم أعيرة نارية قتلت أحدهم وكان ذلك بناحية كوم النور مركز ميت غمر وضبط لذلك واقعة الجناية رقم 1407 لسنة 1948 .
- الدافع التاسع: عثر بتاريخ 22 أكتوبر بعزبة محمد فرغلي رئيس شعبة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية على صندوق يحتوي على قنابل مما استدعي تفتيش منزله فوجد بأرض تلك الغرف سردابات بها كميات ضخمة من القنابل المختلفة والمفرقعات والمقذوفات النارية والبنادق والمسدسات وأحد عشر مدفعا كما عثر في فجوة بأرض الغرقة على وثائق تقطع بأن هذه الجماعة تعد العدة للقيام بأعمال إرهابية واسعة النطاق شديدة الخطر على كيان الدولة وأمنها وضبطت لذلك قضية الجناية العسكرية رقم 82 سنة 1948 قسم الإسماعيلية.
- الدافع العاشر: تم حرق أحطاب في 18 يناير 1948 لأحد الملاك بناحية كفر بداوي واتهم بوضع النار فيها فريق من شعبة الإخوان المسلمين بتلك القرية ولما قام البوليس بالفحص عن أحوال تلك الشعبة تبين أن أحد أعضائها مقدم لمحكمة الجنايات في جريمة شروع في قتل شيخ خفراء البلدة .
- الدافع الحادي عشر: أنه بتاريخ 13 فبراير 1948 قام بعض أفراد شعبة الإخوان المسلمين بناحية كفر البرامون بإقناع الأهالي بأنهم سيعملون في زيادة أجورهم وإرغام تفتيش أفيرون الذي يقع بزمام القرية على تأجير أرضية مقسمة على الأهالي بإيجار معتدل وقادوا مظاهرة طافت بالقرية تردد هتافات مثيرة ولما أقبل رجال البوليس لقمع الفتنة اعتدوا بإطلاق النار وقذف الأحجار وقد وقع شجار بعد ذلك بنفس القرية في يوم 13 مارس 1948 بين جماعة الإخوان المسلمين وبين خصوم لهم فأسفر عن قتل أحد الأشخاص وإصابة آخرين .
- الدافع الثاني عشر: أنه في يوم 26 يونيو 1948 حرض الإخوان المسلمون عمال تفتيش زراعة محلة موسي التابع لوزارة الزراعة على التوقف عن العمل مطالبين بالأراضي التابعة لهذا التفتيش الأمر الذي سجلته تحقيقات القضية رقم 921 لسنة 1948 جنح مركز كفر الشيخ.
- الدافع الثالث عشر: ومن الأساليب التي لجأت إليها الجماعة إرسال خطابات تهديد لبعض الشركات والمحال التجارية لابتزاز أموال منها بحجة لها اشتراكات في جريدتهم واقتنصوا بالفعل أموالا بهذه الوسيلة وقد تقدمت بعض هذه الشركات بالشكوى من هذا التهديد طالبة حمايتها من أذى هذه الجماعة .
- وقد اعتبرت المذكرة بعد استعراض هذه الأحداث أن وجود الجماعة يهدد الأمن والنظام تهديدا بالغ الخطر ,وأنه أصبح من الضروري اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التي تروع أمن البلاد في وقت هي أحوج ما تكون فيها إلى هدوء كامل وأمن شامل ضمانا لسلامة أهلها في الداخل وجيوشها في الخارج. (1)
وفي تمام الساعة الحادية عشرة من مساء يوم 8 ديسمبر 1948م بدأت نشرة الأخبار بالبيان التالي:
- "أصدر محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء بصفته الحاكم العسكري أمرًا بحل جماعة الإخوان المسلمين، وجميع شُعبها في مصر، وإغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وضبط أوراقها وسجلاتها وأموالها... وممتلكاتها، وحظر اجتماع خمسة أو أكثر من أعضائها، وتسليم كل وثائق الجمعية وأموالها لأقسام الشرطة.
وقد جاء نص الأمر العسكري كالآتى:
- مادة (1) تُحل فورًا الجمعية المعروفة باسم "جماعة الإخوان المسلمين" وكذلك شعبها أينما وجدت وتغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها وتضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وعلى العموم كافة الأشياء المملوكة للجمعية.
حظر الاجتماعات وجمع الإعانات:
- ويحظر أعضاء مجلس إدارة الجمعية المذكورة وشُعبها ومديريها وأعضائها المنتمين إليها بأي صفة كانت، مواصلة نشاط الجمعية، وبوجه خاص عقد اجتماعات لها أو لإحدى شعبها أو تنظيم مثل هذه الاجتماعات أو الدعوة إليها أو جمع الإعانات أو الاشتراكات أو الشروع في أي شيء من ذلك ويعد من الاجتماعات المحظورة في تطبيق هذا الحكم اجتماع خمسة فأكثر من الأشخاص الذين كانوا أعضاء بالجمعية المذكورة.
- كما يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي السماح باستعمال أي مكان تابع له لعقد مثل هذه الاجتماعات أو تقديم أية مساعدة مادية أو أدبية أخرى.
- مادة (2) يحظر إنشاء جمعية أو هيئة من أي نوع كانت، أو تحويل طبيعة جمعية أو هيئة قائمة. إذا كان الغرض من الإنشاء أو التحويل القيام بطريق مباشر أو غير مباشر بالنشاط الذي كانت تتولاه الجمعية المنحلة، أو إحياء هذه الجمعية على أية صورة من الصور، كما يحظر الاشتراك في كل ذلك أو الشروع فيه.
وجوب تسليم الأوراق أو المستندات:
- مادة (3) على كل شخص كان عضوًا بالجمعية المنحلة أو منتميًا إليها كان مؤتمنًا على أوراق أو مستندات أو دفاتر أو سجلات أو أدوات أو أشياء من أي نوع كانت متعلقة بالجمعية أو بإحدى شعبها أن يقدم تلك الأوراق والأشياء إلى مركز البوليس المقيم في دائرته في خلال خمسة أيام من تاريخ نشر هذا الأمر.
تسلم أموال الجمعية:
- يعين بقرار من وزير الداخلية مندوب خاص تكون مهمته استلام جميع أموال الجمعية المنحلة وتصفية ما يرى تصفيته منها ويخصص الناتج من التصفية للأعمال الخيرية أو الاجتماعية التي يحددها وزير الشئون الاجتماعية بقرار منه.
- على كل شخص كان عضوًا في الجمعية المنحلة أو منتميًا إليها وكان مؤتمنًا على أموال أيًا كان نوعها تخص الجمعية أو إحدى شُعبها أن يقدم عنها إقرارًا للمندوب الخاص المشار إليه في المادة السابقة في خلال أسبوع من تاريخ نشر هذا الأمر. وعليه أن يسلمها إلى ذلك المندوب في الميعاد الذي يحدده لهذا الغرض أو في تاريخ استحقاقها حسب الأحوال.
- يجب على كل شخص طبيعي أو معنوي كانت له معاملات مالية من أي نوع كانت مع الجمعية المنحلة أو إحدى شُعبها أن يقدم عنها إقرارًا مبينًا به طبيعة هذه المعاملات والمستندات المؤيدة لها وما إذا كان مدينًا أو دائنًا بأي مبلغ وموعد الاستحقاق إلى غير ذلك من البيانات التي تسمح بتعرف تلك المعاملات.
- ويقدم هذا الإقرار إلى المندوب الخاص المعين طبقًا للمادة الرابعة بكتاب موصى عليه في خلال أسبوع من تاريخ نشر هذا الأمر.
الغاء العقود التى لم تنفذ
ويجوز دائماً للمندوب الخاص الغاء جميع العقود التى كانت الجمعية المنحلة أو إحدى شعبها مرتبطة بها ولم يبدأ أو لم يتم تنفيذها، دون أن يترتب على هذا الالغاء أى حق فى التعويض للمتعاقدين معها.
كل مخالفة للمواد 1، 2، 3 يعاقب مرتكبها بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين أو أمر آخر فضلاً عن مصادرة الأموال موضوع الجريمة. ويجوز لرجال البوليس أن يغلقوا بالطريق الإداري الأمكنة التي وقعت فيها الجريمة.
كل مخالفة لأحكام المادة الخامسة يعاقب مرتكبها بالحبس وبغرامة قدرها خمسون جنيهًا فإذا كانت قيمة المبلغ الذي لم يقدم عنه الإقرار المشار إليه في المادة الخامسة تزيد على خمسين جنيهًا كانت العقوبة الحبس وغرامة تعادل قيمة المبلغ المذكور بحيث لا تزيد على 4000 جنيه.
إذا كان الشخص المحكوم عليه في إحدى الجرائم السابقة موظفًا أو مستخدمًا عموميًا أو بمجالس المديريات أو المجالس البلدية أو القروية أو أية هيئة عامة أخرى أو كان عمدة أو شيخًا تحكم المحكمة أيضًا بفصله من وظيفته، وإذا كان طالبًا في أحد معاهد التعليم الحكومية أو الواقعة تحت إشراف الحكومة تحكم أيضًا بفصله منها وحرمانه من الالتحاق لمدة لا تقل عن سنة.
مادة (10) يكون للمندوب الخاص المعين طبقًا للمادة الرابعة صفة رجال الضبطية القضائية في تنفيذ أحكام المادتين 3،5 وله في هذا السبيل حق دخول المنازل وتفتيشها كما أن له تفويض من يندبه لهذا الغرض في إجراء عمل معين من تلك الإعمال، ويعفى المندوب المذكور والمفوضون عنه وكذلك رجال الضبطية القضائية فى مباشرة تلك الاجراءات من التقيد بالأحكام الموضوعية لهذا الغرض فى قانونى تحقيق الجنايات (انتهى نص الأمر).
وبعد إصدار القرار تحركت جحافل البوليس لمحاصرة المركز العام واعتقال كل من فيه، مع غلق جميع شعب الإخوان في القطر، فقد جاء في صحيفتا الأهرام والأساس أنه بعد صدور قرار الحل مباشرة أرسلت حكومة النقراشي قوات البوليس التي حاصرت المركز العام للإخوان المسلمين في الحلمية الجديدة وألقت القبض على من فيه باستثناء حسن البنا وأغلقت جميع الشعب كافة في أنحاء البلاد وصودرت جميع ممتلكات الإخوان من أموال وشركات. (2)
وقال صحيفة المصري الوفدية (عند الساعة الحادية عشر والدقيقة والعاشر اخترقت قوات البوليس بسياراتها القاهرة في طريقها إلى المركز العام لجماعة الإخوان).
وعند وصول القوات كان هناك بعض شباب الإخوان مجتمعين في فناء المركز العام فاقتحم البوليس الدار وألقى القبض عليهم جميعًا ونقلهم، بعد تفتيشهم، إلى قسم الخليفة توطئة لإرسالهم إلى المعتقل.
وقام رجال البوليس بعد ذلك بالتفتيش فلم يتركوا ركنًا في حجرة إلا فتشوه ولم يهملوا دولابًا دون أن تمتد إليه أيديهم بالبحث والتنقيب.ووضع رجال البوليس جميع الأوراق التي ضبطت في الدار، أو مع الشباب المقبوض عليهم في جوالات وأرسلت إلى قسم الخليفة لحفظها بمعرفة المختص.
وشاهد مندوب "المصري" عددًا كبيرًا من السيارات المصفحة يستقلها بعض الضباط في طريقهم إلى باقي شُعب الإخوان المسلمين.وكان الجنود يرتدون الخوذات الحديدية ومزودين بالأسلحة والمدافع الرشاشة.
واستمرت القوات تواصل تفتيشها واعتقالاتها حتى تم تنفيذ جميع الإجراءات وأغلقت جميع الشُعب والفروع التابعة للجمعية بالشمع الأحمر". (3)
ووصفت مجلة (الدعوة) في عام 1952م عملية احتلال مركز الإخوان واعتقال من فيه عشيّة صدور قرار الحل، فقالت تحت عنوان (جاء الحق وزهق الباطل):
- "في يوم 8 ديسمبر (كانون أول) 1948م وفي الساعة الحادية عشر مساءًا دوّي صوت المذيع لنشرة الأخبار بأول خبر، فإذا به أمرٌ عسكري بحلِّ جمعية الإخوان المسلمين. فأسرعنا إلى دار المركز العام (بالحلمية الجديدة) حيث وجدنا الإمام الشهيد والمرشد الراحل في مكتبه، رابط الجأش، ثابت الجنان، وقد وصله ومعه صفوة من الإخوان لم تكن قد انصرفت بعد.
- ومضت دقائق معدودات في حديثٍ هام، وإذا بصوتٍ يشقُّ الفضاء عرفنا فيه صوت معاون الدار، وخرجنا إلى الفضاء نستطلع، فرأينا القوات المسلحة والسيارات المصفّحة تحاصر الدار من كل جانب، ثم تقتحمها، وكأنها تقتحم حصنًا منيعًا ملؤه الجنود والسلاح، وعلى رأس القوة ضابط شاهر مسدسه مثبت بصره وحواسه في شخص فضيلة المرشد العام
وقال:
- إنا عندي أمرًا بالقبض على مَن بالدار عدا فضيلة المرشد، ثم أخذ يرجو فضيلته أن يسهّل مهمتّه لأنه (عبد مأمور).
- وخرجنا من المركز العام بعد أن أغلق البوليس أبوابه إلى سيارة من سيارات البوليس كانت عند الباب، وركبنا في حراسة الجند وهم شاهرو السلاح، وأبى فضيلة المرشد العام رحمه الله إلاّ أن يركب معنا، ويطلب إلى رئيس القوة أن يعتقله معنا.
- وعبثًا حاول الضابط الاعتذار، وقد ركب معنا السيارة حتى مقرّ المحافظة، وهناك احتالوا عليه فجاءه أحد الضبّاط يرجوه للتفاهم معه، فنزل فضيلته من السيّارة واتّجه إلى مكتب الحكمدار. (4)
وقد تصدي الأستاذ حسن البنا مفندا اتهامات حكومة النقراشي في مذكرتها المرفقة بقرار الحل والإجراءات التي اتخذتها الحكومة بحل الجماعة وما ترتب علي ذلك من إجراءات أخري ونفي البنا عن الإخوان صفة الإجرام؛
وبين أن وسائلهم ظاهرة ومعروفة في إلقاء المحاضرات والدروس والوسائل والصحف والأندية والمساجد والمنشآت وكلها ناطقة بأن وسائل هيئة الإخوان المسلمين لم تتعارض مع القانون في يوم من الأيام وتناول في حديثه الرد علي الحوادث التي نسبتها الحكومة للإخوان المسلمين وفند مذكرة حكومة النقراشي
كما يأتي :
- أولا: قال الشيخ البنا بأن الجناية العسكرية العليا رقم 883 لسنة 1942 قسم الجمرك بأنه كان موضوع الاتهام فيها الدعاية للمحور وأرادوا أن يفحموا فيها الإخوان عندما ادعي أحد المتهمين بأنه عرض على الأستاذ حسن البنا شخصيا أنواعا من السلاح والعتاد الألماني وأن الأستاذ البنا سر بذلك ورحب بالحصول على هذه الأسلحة وأن الوسيط في ذلك من إخوان طنطا وقد قبض عليهما فعلا وحينما ضيق عليه المحقق الخناق وهدد بالمواجهة وحكم ببراءة الآخرين وقد برئ فيها الإخوان.
- ثانيا: الجناية رقم 679 لسنة 1946 قسم ثان بور سعيد أوضح حسن البنا بأن الإخوان المسلمين قد اعتدي عليهم فيه ولم يكونوا معتدين ولم تثبت إدانة أحد منهم في شئ ولم يكن القتيل الذي قتل خصما من خصوم الإخوان ولكنه كان صبيا في الطريق العام وادعوا خصما ليوهموا الناس أن الإخوان يعتدون على خصومهم بالسلاح .
- ثالثا: بالنسبة للتهمة الثالثة قال الشيخ حسن البنا بأنها واقعة لا أساس لها من الصحة وقال إني أسأل وكيل وزارة الداخلية من هؤلاء الأشخاص ؟ وهل حوكموا ؟ وبماذا حكم عليهم ؟ لأن الإخوان في الإسماعيلية معرفون.
- رابعا: أن الشخص الذي أدين في قضية الجناية رقم 767 لسنة 1946 قسم عابدين بمناسبة حوادث 24 ديسمبر 1946 لم يثبت الاثنان أنهما من الإخوان ولم تثبت إدانتها في هذه القضية وقد كانت هذه الحوادث شائعة في ذلك الوقت بين الشباب بمناسبة الفورة الوطنية .
- خامسا: حادث اشتباك الجوالة بمأمور قسم الخليفة يوم 29 يونيو سنة 1947 وضح بأنه حادث عادي ولم يكن فيه اعتداء ولكنه عندما اعترض المأمور طابور من جوالة الإخوان وأراد منعهم بالقوة اشتبك مع قائدهم وانتهي الأمر بالتفاهم .
- سادسا: الجناية رقم 4726 ثبت أن الذي اتهم فيها غير مسئول عن عمله وسقط الاتهام ضده في سنة 1947.
- سابعا: هؤلاء الخمسة عشر الذين ضبطوا في 19 يناير 1948 بعضهم من الإخوان ومعظمهم لا صلة له بالإخوان أصلا ولقد برروا عملهم بأنهم يستعدون للتطوع في إنقاذ فلسطين حينما أبطأت الحكومة في إعداد المتطوعين وقد قبلت الحكومة منهم هذا التبرير وأفرجت عنهم النيابة في الحال ونص قرار النيابة بأن الحفظ لنبل المقصد وشرف الغاية.
- ثامنا: الجناية رقم 1407 لسنة 1948 كوم النور مركز ميت غمر وضح البنا بأن الاشتباك حدث لأسباب عائلية لا صلة لها بالرأي العام وأن كان فريق من الفريقين ينتمي إلى هيئة من الهيئات وكثيرا ما يقع مثل هذا الاشتباك في القرى بين من لا صلة لهم بحزب أو هيئة .
- تاسعا: بين البنا أن ما نسب إلى الشيخ محمد فرغلي في المذكرة لا زال رهن التحقيق ومن الإنصاف انتظار ما يسفر عنه وأن الاتهام قبل التحقيق ظلم صارخ وقد سألت النيابة الشيخ محمد فرغلي ثم أفرجت عنه وكان الأمر العسكري قد صدر بعد ذلك باعتقاله .
- عاشرا وحادي عشر: وضح الشيخ حسن البنا فيما يتصل بحوادث كفر بداوي وكفر البرامون أن أساس النزاع فيها هو أن عمدة كل منهما يريد ألا تقوم في القرية أية جماعة ويكون لها مظهر وكيان وكل من العمدتين صهر للآخر وخطتهما في ذلك واحدة وقد كان الإخوان هدفا لاضطهادهما بتهدية لنفوس هؤلاء المظلومين المحرومين الذين يستغثيون ولا مغيث وقبض على أربعة من الإخوان ثم أفرجت النيابة عنهم بلا ضمان .
- ثالث عشر: شرح الشيخ حسن البنا بأن خطابات التهديد التي ذكرها وكيل الداخلية وأكد بأن الوكيل تحدث مع صالح عشماوي ورد عليه مدير الجريدة رسميا نفي فيه بشدة هذا الاتهام ورجاه أن يقف موقفا حازما مع هذه الشركات التي تتهم المصريين بالباطل وطلب منه أن يقدم بيانا بمقدار هذه الأموال التي حصل عليها الإخوان بالفعل وختم الشيخ البنا بيانه بأن قرار الحل باطل شكلا وموضوعا. (4)
يقول الدكتور سيد عبد الرازق في رسالة الدكتوراه:
- ومن خلال العرض السابق يتضح لنا بجلاء أنه لا يوجد من الدوافع الثلاثة عشر التي قدمتها مذكرة حكومة النقراشي دافع واحد مقنع يمكن أن يدفعها إلى إنهاء التحالف بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين وحلها وتصفيتها. (5)
رد فعل الإخوان على الحل
سارع الإمام البنا في الرد على دعاوي الحكومة واتهاماتها الباطلة للإخوان المسلمين وتعسفها في حل الجماعة واتخاذها كل أساليب البطش والقمع للقضاء على دعوة الإخوان المسلمين، فكتب رسالة بعنوان قضيتنا بين يدي الرأي العام المصري والعربي والإسلامي والضمير الإنساني العالمي
فذكر فيها أن العالم كله قد سمع عن قضية الإخوان المسلمين من جانب واحد هو جانب الحكومة التي اعتدت على هذه الهيئة بإصدار أمر عسكري عليها وهو الجانب الذي يملك كل وسائل الدعاية... ولكن هذا الرأي العام لم يسمع من الطرف الآخر.
والسبب في ذلك أنهم حرموا كل وسائل الدفاع عن أنفسهم وشرح قضيتهم للناس فصودرت صحفهم وعطلت أقلامهم وكممت أفواههم واعتقل خطباؤهم، واعتبر كل اجتماع خمسة منهم في أي مكان جريمة أقل عقوبتها السجن ستة أشهر.
لذا فقد تقدم بهذا البيان للرأي العام المصري العربي والإسلامي والضمير الإنساني العالمي حتى لا تقع الخطأ ويظلم في الحكم.
عن الأسباب الحقيقية وراء قرار الحل ووقوف الحكومة المصرية من الإخوان هذا الموقف الشاذ الذي لم تقفه من أحد حتى من الصهيونيين أعداءها المحاربين وقد بينها على النحو التالي:
- (1) الضغط الأجنبي:
- فلقد أقر سعادة وكيل الداخلية بنفسه للأستاذ المرشد العام، إن مذكرة قدمت إلى النقراشي باشا من سفير بريطانيا وسفير فرنسا والقائم بأعمال سفارة أمريكا، بعد أن اجتمعوا في فايد في 6 ديسمبر تقريبًا يطلبون فيها المبادرة بحل الإخوان المسلمين
- وذلك بالطبع طلب طبيعي من ممثلي الدول الاستعمارية الذين يرون في الإخوان المسلمين أكبر عقبة أمام الامتداد لمطالبهم ولشعبها في وادي النيل وفي بلاد العرب ومواطن الإسلام وليست هذه أول المرات التي طلب فيها مثل هذا الطلب، بل هو طلب تقليدي كان يتكرر دائمًا على لسان السفير البريطاني في كل المناسبات لكل الحكومات، وكانت كلها تحجم عن إجابته حتى في أحرج الأوقات.
- فلقد طلبت السفارة من رفعة النحاس باشا في سنة 1942م (والحرب العالمية على أشدها والألمان على الأبواب) حل الإخوان المسلمين وتعطيل نشاطهم، فأبى أن يجيبه على ذلك، واكتفى بإغلاق الشُعب كلها مع بقاء المركز العام إلى حين
- وكان في وسع دولة النقراشي باشا رحمه الله أن يرفض هذا الطلب أو أن يتفاهم مع الإخوان على وضع يريحهم ويريحه، ولقد كان الإخوان على أتم الاستعداد لهذا التفاهم وبخاصة بعد عودة المرشد العام من الحجاز، على أنه لم يفعل ذلك وخطا هذه الخطوة التي لا تدل إلا على أن مصر لا زالت للأجانب قبل أن تكون لأبنائها، وأنه لا زال للأجانب كل النفوذ والسلطان في هذه الأوطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- (2) التمهيد للمفاوضات:
- كما أن من هذه الأسباب كذلك التمهيد لإجراء المفاوضات مع الإنجليز من جديد، وقد علم الخاص والعام أن الإخوان هم أعظم العقبات ضد المساومة على حقوق البلاد والعبث البريطاني بها في مناورات المفاوضات
- وقد أشارت إلى ذلك الصحف الأجنبية بمناسبة قرار الحل، فكان طبيعيًا أن يمهد للمفاوضات المنتظرة بحل الإخوان وشغلهم بأنفسهم عن مجريات الأمور وتقلبات الأحوال وعن التطلع إلى ما يجري بالسودان من فظائع ومآس ونكبات، وها هي ذا بوادر السياسة ونتائجها بدأت في الظهور الآن، وسيعيد التاريخ نفسه من جديد فتتآلف الأحزاب وتتم المفاوضات وتوقع المعاهدة وتصبح معاهدة المجد والفخار.
- ولقد فشلت الحكومة المصرية والحكومات العربية فشلاً ذريعًا في حل قضيتي فلسطين والسودان، وتعلم الحكومة تمام العلم معرفة الإخوان الدقيقة ببواطن الأمور وأسباب هذا الفشل، وتشعر بأنهم سيشددون عليها الحساب فأرادت أن تسبقهم إلى ذلك وأن تستر هذا الفشل بهذا الإجراء
- ولعلها كانت تتوقع أن يثور الإخوان في مصر أو يتمرد المتطوعون منهم في فلسطين فتحملهم تبعة ما يكون من ذلك، ولكن الإخوان لا يسعهم في دينهم وإخلاصهم لوطنهم ولأمتهم إلا أن يسدوا على الفتنة كل الثغرات، فلم يكن منهم إلا ضبط الأعصاب وتحمل الصدمة بالصبر والثبات ومعالجة الأمور بالحكمة والأناة، والعافية للمتقين.
- (4) الإعداد للانتخابات القادمة:
- كما وقر في نفس القائمين بالحكم أنهم هم الذين سيجرون الانتخابات القادمة في هذا العام، وأنهم بذلك يستطيعون أن يكتسبوا دورة برلمانية جديدة بالأساليب المعروفة في الانتخابات، وهم يعلمون مدى تغلغل فكرة الإخوان في نفوس الشعب ومختلف طبقاته وبخاصة في القرى والريف
- فكان طبيعيًا أن يحسبوا حساب منافستهم في هذا الميدان، وأن يحاولوا بمثل هذه الضربة أن يباعدوا بينهم وبين بعض الجمهور، ويشوهوا جهادهم هذا التشويه على ملأ الناس، وهكذا تلعب الروح الحزبية دورها في مثل هذا الشأن الخطير النتائج العميق الآثار.
- (5) الأصابع الخفية:
- ولا ننسى في هذا المضمار عمل الأصابع الخفية والدسائس من ذوي الغايات الذين خاصموا هذه الدعوة من أول يوم وتربصوا بها الدوائر حتى وصلوا في النهاية إلى ما يريدون، فاليهودية العالمية والشيوعية الدولية والدول الاستعمارية وأنصار الإلحاد والإباحية؛
- كل هؤلاء من أول يوم يرون في الإخوان ودعوتهم السد المنيع الذي يحول بينهم بين ما يريدون من تحلل وفوضى وإفساد ولا يألون جهدًا في معاداتهم بكل ما يستطيعون، وهم لا يستطيعوا كتمان شعورهم هذا، ولا إخفاء سرورهم وفرحهم لنجاح خطتهم حين أعلن قرار الحل فأقاموا المآدب والولائم وتبادلوا التهاني وجعلوه يومًا من أيام المواسم والأعياد. (5)