الفرماوي: أنا لسان حال جماهيري للمسئولين
- منذ عام 87 والإخوان أثبتوا أنهم نواب خدمات
- شعارنا واضح "الإسلام هو الحل" وليس الإخوان
الحوار مع الدكتور عبد الحي الفرماوي ممتع؛ فالرجل لا يكتفي بحمل هموم الوطن بل ينظر لها ويرى أنَّ هناك أسسًا للإصلاح يجب أن ننطلق منها وأن لا نغفلها، فهو في الوقت الذي يرى فيه أن أولى خطوات الإصلاح هي في تفعيل دور مجلس الشعب وتفعيل نوابه ليقوموا بدورهم التشريعي والرقابي لا يستطيع أن ينسى أنَّ السنوات الطويلة التي تلت الثورة والتي جعلت دور نائب مجلس الأمة أو نائب الاتحاد الاشتراكي آنذاك دورًا خدميًّا، وأنَّ هذا الشكل من أشكالِ الحياة النيابية امتد بعد عودةِ الأحزاب وعودة مجلس الشعب مرسخًا في أذهان الناس صورة نائب الخدمات، ويرى أنها صورة يجب التعامل معها وعدم إغفالها؛ لأن الناس في حاجةٍ إلى مَن يحمل همومهم البسيطة أيضًا، بل ويضع نصب عينيه الحلول المناسبة لأهالي الدائرة ويرسم طريقة خدمتهم.
ويشغل الدكتور الفرماوي الذي وُلِد بمحافظة المنوفية بشهر رجب عام 1362 الموافق شهر يوليو من عام 1942م العديد من المناصب بجامعة الأزهر، فهو وكيل كلية أصول الدين بالجامعة، وعضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بالجامعة الأزهر الشريف، ويمارس الدكتور أدوارًا عديدة على مستوى العالم الإسلامي والمؤسسات العلمية الإسلامية فهو عضو لجنة وضع مناهج الجامعات الإسلامية برابطة الجامعات الإسلامية، والمستشار الديني للاتحاد الدولي المنظمات الطبية الإسلامية، فضلاً عن إشرافه على العديد من رسالات الدكتوراة والماجستير بجامعات الأزهر وأم القرى والإمام محمد بن سعود.
ولأن الدكتور شارك في برلمان 87 ضمن قائمة التحالف الإسلامي الذي ضم الإخوان وحزبي العمل والأحرار كان لا بد لنا من معرفة ماذا قدَّم وقتها وما الفائدة من دخول الإخوان في معترك الحياة السياسية؟
- ماذا عن تجربتك كنائبٍ في البرلمانِ عام 1987م؟
- في 87 حصلنا على 37 مقعدًا من مقاعد البرلمان، وكان تمثيلنا بفضل الله عز وجل تمثيلاً قويًّا، فقد كنا نعي تمامًا أننا نواب عن وطنٍ كاملٍ ولسنا نواب عن دائرةٍ واحدة، صحيح كنت أنا والأستاذ عاكف والأستاذ مختار نوح نواب عن شرقِ القاهرة لكننا كنا نعمل بقوةٍ ضمن منظومة إخوانية متحدة استطاعت أن توازن بين الدور الرقابي والتشريعي وبين الدور الخدمي؛ فعلى مستوى الدور التشريعي استطعنا أن نتصدى للعديدِ من مشروعات القوانين التي تُخالف الشريعة وأن نُجهضها قبل أن تتحكم في رقابِ العباد، وتقدمنا بالعديد من مشاريع القوانين التي تتفق مع الشريعة ولكن حالت أغلبية نواب الوطني دونها.
- لكن الناس تنظر للنائب على أنه لا بد وأن يقدم لها خدمات ملموسة في الدائرة؟
- على مستوى الخدمات استطعنا بفضل الله عز وجل أن نقدم للناس أيادي المساعدة ولم نتوانَ عن أي مطلبٍ سواء في دائرتنا وهي شرق القاهرة والتي استطعنا فيها أن نحل مشكلاتٍ كانت مزمنة كالمجاري والمرافق العامة ووقتها كان رؤساء الأحياء يضطرون تحتِ الضغط الرقابي لنا في المجلس أن ينزلوا إلى الشارع ليتولوا بأنفسهم الإشرافِ على إصلاحِ الأحوال وتقديم الخدمات.
- وامتدت خدمات الإخوان في ذلك الوقتِ من أسوان إلى الإسكندرية ولم نتوانَ في تقديمها وكما يقولون المقدمات تؤدي إلى النتائج فإذا كان ذلك فعل نواب الإخوان في الثمانينيات فهو أيضًا ما تمَّ في مجلس :2000 فإذا نظرت إلى ما قدَّمه إخوان مجموعة الـ17 في برلمان 2000 م فستعرف ما قام به نواب :الإخوان ليثبتوا أنهم ليسوا رجال وعود وأقوال فقط بل أهل عزيمة وأفعال فرغم أنَّ نسبتهم في المجلسِ لم تتعد 3%، فإنَّ إحصاءات الأمانة العامة لمجلس الشعب ذكرت أن إجمالي المشاركات لجميع النواب من حيث عدد طلبات الإحاطة والاستجوابات ومشروعات القوانين وغيرها 50 ألف مشاركة، اختص نواب الإخوان وحدهم بـ 15 ألفًا منها، وهو ما يوازي 30% من إجمالي المشاركات، هذا فضلاً عن الأنشطة الخدمية لأبناء دوائرهم، بل وخارج دوائرهم الانتخابية كذلك مثل استفادة 6 آلاف مريض من القوافل الطبية وتكريم 25 ألف طالب وطالبة واستخراج 30 ألف قرار علاج مجاني على نفقة الدولة بمتوسط ألفي جنيه للقرار الواحد بخلافِ إجراء ألف عملية مياه بيضاء مجانية ضمن مشروع مكافحة العمى بالتعاون مع مستشفيات ومراكز مغربي وعقد دورات تدريبية لحوالي 15 ألف شباب وفتاة ومحو أمية 2500 رجل وامرأة، وهذا دليل على أن أي عمل نستطيع كجماعةٍ وكأفراد يلتزمون خطها يمكن أن يُقدم للعبادِ وللبلاد أيضًا.
- ولكن ما زال هناك مَن يشكك في قدرتكم على خدمة الجماهير، ويرى أنكم كمعارضين للحكومة لن تستطيعوا أن تقدموا خدمات للناس بدوائركم؟
- أولاً أنا أرفض الاختزال الذي يرسم نائب مجلس الشعب في صورة حامل الطلبات الذي يلهث خلف وزير أو محافظ ليوقع له عليها، فهذه الصورة التي أرادوها للنائب صورة مزيفة ومضللة بل وتبعده عن دوره الأساسي وهو الدور التشريعي الرقابي، فداخل البرلمان يجب أن نكون مشاركين في التشريعاتِ التي تُخرج في النهاية قوانين تتحكم في مصائر ومستقبل هذا البلد وأبنائه، ونحن مراقبون للحكومة وأدائها لنحافظ على هذا البلد من الفساد والمفسدين.
- وأحلام البسطاء من أبناء الدائرة مَن سيحملها وينوب عنهم فيها؟
- قلت أنا أرفض الاختزال ولم أقل أرفض التعبير عن أبناء دائرتي، فلو تركتني لأكملتُ لك، وحتى يسود مفهوم النائب الحقيقي وحتى إشعار آخر يجد الناس فيه أنفسهم أمام المسئولين دون وساطة، فلا بد أن أكون أنا لسان حالهم وأن أحمل فوق كاهلي متاعبهم دون مللٍ أو كلل؛ لذلك فلن نغفل الدور الخدمي كما لم نغفله من قبل، بل وقد أعددنا من الآن أنفسنا لفتح مقرات في الدائرة لتلقي طلباتهم وحمل شكاواهم فنحن منهم وبهم وما وصلنا إلى المقاعد إلا بفضل الله ثم بمساندتهم للإخوان؛ لذلك فالمقرات التي ستفتح بعد التأهل لمجلس الشعب ستكون مواعيد تواجدي بها محددة، كما أنني سأقوم بزيارات للأحياء حتى لا يكون هناك مطلب حُجِب عني فلن نخيب أمالهم فينا بإذن الله، ومع ذلك لا ندعي أنَّ لدينا عصا سحرية ولكن معنا صبرنا ودأبنا على المتابعة وحث المسئولين على أداءِ واجباتهم تجاه الناس ومتابعة الميزانيات المرصودة من الدولة للخدمات والتأكد من أنها تُصرف في أوجهها الصحيحة ولا تهدر.
- هذا عن دوركم في الدائرة وفي المجلس.. فماذا عن رؤيتكم للإصلاح الذي يتوق إليه الجميع؟
- للإخوان منهج متكامل في الإصلاح يبدأ ببناء الفرد، والمبادرة التي أطلقها فضيلة المرشد كان واضحًا فيها أنها المبادرة الإصلاحية الوحيدة التي تُعلي من شأنِ الفرد كأساسٍ في عملية الإصلاح، وأنا فرد من الإخوان ودوري في الإصلاح ينطلق من هذه المبادرة، لذلك فقد وضعت نصب عيني القيام بدور دعوى واسع بين أبناء الدائرة لبناء القاعدة الشعبية التي تستطيع أن تساعد على التغيير، فالتغيير لا يمكن أن تقوم به فئة واحدة من فئات المجتمع ولبناء هذه القاعدة سأسعى جاهدًا لإطلاق حرية الدعاة إلى الله وإعادة الدور الدعوي للمساجد فلا بد أن يُتاح للناس أن يستمعوا إلى دروس العلم وإلى الدعاة الواعيين الفاهمين الذين يستطيعون النهوض بالمستوى الفكري ورفع الوعي عند الناس.
- منذ الثمانينيات إلى الآن والإخوان يرفعون شعار الإسلام هو الحل وهو شعار وفقًا لرؤيةِ البعض فيه اتهام للمسلمين من غير الإخوان بأنهم لا يعرفون الإسلام وإقصاء للنصارى من معادلة الوطن؟
- من يزايدون على شعارنا عليهم أن يقدموا لنا حلولاً لمشاكلنا بدلاً من الدخول في جدلٍ ومزايداتٍ لقد جرَّب هذا البلد الكثير من الحلول، فالتجربة الاشتراكية فشلت في مصر وفشلت حتى في الدولة التي أطلقتها وفُتت إلى دويلات عديدة ولم تخلف غير الرشوة والفساد والاضطهاد والدول البوليسية التي يُعاني منها أبناء البلاد التي اكتووا بنارها، والتجربة الرأسمالية والتي انطلقت عندنا تحت مُسمَّى الانفتاح لم تؤدِ إلى غير الديون التي أثقلت بها البلد ولم تخلُ من فسادٍ وظهور رؤوس الأموال الطفيلية وحدِّث ولا حرج، بل إنَّ الرأسمالية تتهاوى الآن في أمريكا، فالأمريكان مضطهدون من حكوماتهم المتعاقبة التي يشتريها أصحاب النفوذ والمال وهم أصحاب السلطة الحقيقية هناك ويكفى أنَّ أمام كل غني في أمريكا يعيش ألف فقير جائع لا يجد من يمد له يد العون.
- وهل الإسلام سينجح فيما فشل فيه الآخرون في النهاية انتم تقدمون نظرية كغيركم؟
- نحن لا نقدم نظرية بل نقدم كتالوج رباني فالله الذي صنع الإنسان وفطره هو الذي وضع له النظام الذى يمكنه من ممارسة دوره في الحياة.
- إذًا فأنتم تقدمون أنفسكم نوابًا عن الله في تطبيق منهجه؟
- بل نحن جماعة من المسلمين اجتهدنا في فهمِ منهج الله عزَّ وجل وحملنا راية تطبيقه على الأرض وقدمنا أنفسنا فداءً للناس وللإسلام حتى نعبد الناس لربهم ولا نتركهم لتستعبدهم مناهج ثبت فشلها ولا ندعي الكهنوت فلا نختص دون الناس بشيء من الله فنحن وهم بشر ولا نقول إنَّ الإخوان هم الحل بل نرى ونؤمن بأن الإسلام كمنهجِ للحياة في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وفي كل شئونِ الحياة هو الحل وقدمنا برنامجنا للإصلاح وفقًا لهذه الرؤية، وهذا المنهج وإذا جاء غيرنا بالإسلام كحلٍ فسنكون أول من يمد اليد له.
- ولكنه حل وفقًا لرؤية آخرين سوف يُقصي طرفًا من أطرافِ الوطن وهم النصارى وسيحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية بفرضِ الجزية عليهم؟
- الجزية مفروضة علينا وعلى إخواننا من النصارى من غير الإسلام ، فالضرائب التي ندفعها هي بمثابة الجزية التي يتهموننا بأننا سنفرضها على النصارى ولكنها جزية على رقابِ الشعب كله فكلنا الآن درجة ثانية، والخوف من منهجِ الإسلام كمنهجِ حاكم للبلد لا تجده عند العقلاء من النصارى ولكنها دعوى العلمانيين الذين يحاولون أن يرهبوا طرفًا من أبناء الأمة ليتخذوا منهم ساترًا في المعركة ضد الإسلام بحجة أنَّ النصارى لا يريدون.
- ولكن ألا ترى معي أنَّ الحكم بالإسلام يمكن أن يخل بمبدأ المواطنة ويحولهم إلى مجرَّد أهل ذمة؟
- لقد فُسِّر مصطلح أهل الذمة خطأً من قِبل البعض باعتباره درجة أقل من المواطنة، ولكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فحق المواطنة يعني أنَّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا، والذمة تزيد عليه وتدعمه أيضًا فمعنى أن لهم ذمة عندنا أي أنَّ لهم في رقبتنا دين يجب الوفاء به حتى لا نُحاسب عليه، فنحن مسئولون يوم القيامة عن عدمِ إيذائهم أو المساسِ بحقوقهم في المواطنة، والذمة مزية زائدة لهم حتى لا يأتي يوم يتعالى فيه مسلم على نصراني متخذًا من سلطانِهِ وسيلة للجور، فالذمة زيادة رعاية واحتياط عدالة لضمان معيشة كريمة لمَن هم على غير ديننا.
- وباقترانِ المواطنة بالذمة يصبح من العسير أن نخل بحقوق الشركاء في الوطن والمكفولة بالأحاديث وبفعل الصحابة، فالأمر عقيدة إسلامية راسخة في نفوس أبناء هذا الدين، ولن ينسى التاريخ مشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يرفض أن يُصلي في كنيسة بيت المقدس؛ حفاظًا لأهلها عليها من استغلالِ أي مسلم في أي زمنٍ من أزمنة التاريخ بحجة أنَّ عمر صلى بها، ولن تُمحى من كتبِ السيرة وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم بتركِ الرهبان والقساوسة في بيعهم وصوامعهم وعدم التعدي عليهم حتى في حالة الحرب بين الدولة الإسلامية وبين غيرها.
- هل هناك مضايقات أمنية تتعرَّض لها أم أنَّ الأمور تسير بشكلٍ طبيعي؟ وهل تشعر بفارقٍ بين انتخابات 87 وبين انتخابات 2005 م؟
- هناك بون شاسع بين ما يحدث الآن وما كان يحدث في 87 فوقتها كنا نضطر إلى اختيارِ مواعيد بعينها لتعليقِ الدعاية ويُلاحَق أنصارنا ويُعتقل شبابنا وتُقطع الدعاية الخاصة بنا، أما الآن فهناك مساحة كبيرة من الحرية نتحرك بها في الشارع ولا نُعاني هذه الدورة من الملاحقاتِ الأمنية بل هناك حياد تام من الشرطة والأجهزة الأمنية بل وتعاون في بعض الأحيان بما يؤدي إلى تسهيلِ الحركة والمسيرات، وأود أن أتقدم لهم بالشكر والتهنئة على مواقفهم ومدى تفهمهم لدورهم الذي أظهروه حتى الآن، وأرجو أن يستمر الحال على هذا المستوى من المسئولية؛ فالوضع مبشرٌ بالخيرِ لمصرَ إن شاء الله.
المصدر
- مقال:الفرماوي: أنا لسان حال جماهيري للمسئولينإخوان أون لاين