الشيخ خليل الصيفي.. فارس لا يترجل
بقلم: الدكتور صلاح الدين أرقه دان – الكويت
مقدمة

جاءنا كالشمس المشرقة في ديجور أيام الظلم والهزيمة.. وكالمطر الغيث في صحراء التراجع القاحلة.. ليقف بقامته الشامخة واعظاً وإماماً ومدرساً في المسجد العمري الكبير.. ومربياً معلماً حيث تطأ قدماه، مسجداً كان أم مقهى، أم منتدى شبابياً.. كان بياض قلبه يبز بياض شعره.. وصبره على الأذى مدرسة أيوب، وتحمله مدرسة يوسف، وعلو همته مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم).. متواضع حتى تظن أنه مستسلم لكل شيء.. وشامخ أبيّ حتى تخال أنه لا يقدر عليه شيء.. فتخشع في محرابه.. وتلم له طواعية من دون إكراه..
كنا ننظر إلى النصف الفارغ من كأس الدعوة وهي تعاني أعاصير الجاهلية الحديث.. وكان ينظر إلى نصفها المليء ووعد الله الذي لا يخلف الميعاد.
أول ما لقنني إياه:
لا تسقني كاس الحياة بذلة
- بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
كأس الحياة بذلك كجهنمَ
- وجهنمُ بالعز أفخر منزل
كنت في صيدا صباح يوم السبت (20/2/2010)، وغادرت ظهراً فجاءني النعي بين الأرض والسماء، وما هبطت الطائرة في مطار الكويت إلا وأنا أردد:
"جاء النعي بنعي الخليل، فبئس الخبر
- أساء إليّ بذاك النعي، ولكن قدر".
نعم والله، إنه القدر الذي لا مهرب منه ولا مفر، كما قال مولانا علي بن أبي طالب (كرم وجهه):
أي يومين من الموت أفر
- يوم لايـُقدر أو يوم قدِر
يوم لايقدر لا أحذره
- ومن المقدور لا ينجو الحذِر
شيخي الفاضل، وأستاذي الجليل، اعذر لي تقصيري وإساءتي في حقك حياً وميتاً، فقد شاء الله أن أكون في عالم الاغتراب الذي أخذ مني كل مأخذ، وأصابني بكل ابتلاءات الدنيا، وليس أقلها انتزاعي من أهلي وإخواني، وساحتي وميداني، والحمد لله اولاً وآخراً.
إلى من لا يعرف
الشيخ خليل الصيفي، شيخ لا كالشيوخ، ومربٍ لا كالمربين، كانت دعوته قبل أهله.. وكان إخوانه قبل نفسه.. وكان طلابه قبل أبنائه.. حتى الذين أساؤوا إليه.. والذين عقوا الدعوة وانقلبوا عليها.. فصدق فيه قول الحبيب المصطفى: "أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحسن إلى من أساء إليك"..
أحب الشيخ خليل صيدا وأحبته، وانتسب إليها فقبلته، وأنجب فيها وأصهر إليها، وبقي على بره ووفائه للسلطان يعقوب (لوسي) حيث مولده وصباه، هذه القرية البقاعية الرابضة السامقة، فبنى جسراً من المودة والمحبة بين البقاع والساحل، وجمع القلوب بعدما أنار الصدور، وقلّص المسافات.. ثم ها هو يـُسـْلم أمانته في صيدا ويـُسـْلم جسده للبقاع.
شيخي وأستاذي
من أقصى المشرق العربي إلى ساحل الثبات والرباط, تحيات لا تفي بحقك، وكلمات لا ترتقي إلى مقامك، وعبرات لا تقارن بعطائك، ودعوات لا تصلح إلا أنها قيلت فيك.
جعبتي مليئة بقصص وخواطر ومواقف لا يمكن أن تقع إلا مع الشيخ خليل.
ولعل الله يكتب بقية من عمر لإخراجها إلى النور.
وأتقدم باسمي وباسمي عائلتي وإخواني هنا بأصدق وأحر التعازي لعائلة الشيخ أبي أنس، إلى الحاجة أم أنس، وأنس وإخوته وأخواته، وإلى صهره الأخ العزيز بسام حمود، وإلى أشقاء الشيخ وشقيقاته، وإلى إخواني في بقاع الخير والعطاء، وإلى إخواني الذين جمعتني وإياهم حلقة الشيخ ودروسه. ونعاهد على ذات الشوكة ولو كره الكارهون.
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون
المصدر
- مقال:الشيخ خليل الصيفي.. فارس لا يترجلموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان