السَّمْتُ الصّالح والهَدْيُ الصّالح

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
السَّمْتُ الصّالح والهَدْيُ الصّالح


بقلم: الشيخ نزيه مطرجي

كان رسولُنا الأكرم صلى الله عليه وسلم مُشرقَ الوجه، نيِّر السَّمت، كأن شعاعَ الشمس يجري في عروق وجهه الشريف، إذا تكلّم انفرجت أساريره، وتَلأْلأَ مُحيّاه، ورُئي النّور يخرج من ثناياه!

وإذا ضحك افترّ ثغرُه عن مثل سَنا البرق، أو مثل حَبّ الغمام!

كان يدعو المؤمنين إلى طلاقة الوجوه، والإقبال على الأنام بالبِشْر والابتسام، فيقول: «كلُّ معروفٍ صدَقة، وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طليق» رواه مسلم.

جاء في الخبر أن يحيى عليه السلام لقي عيسى عليه السلام وعيسى مبتسم فقال يحيى: ما لي أراك لاهياً كأنك آمن؟ فقال: ما لي أراك عابساً كأنك آيِس؟ فقال: لا نبرَح حتى ينزل علينا الوحي. فأَوْحى الله إليهما: أَحبُّكم إليّ الطَّلْقُ البسَّام، أَحْسنُكما بي ظنّاً!

لا يكون العبد من الدعاة إلى الله المفلحين حتى يتخلَّق بسنّة سيد المرسلين وبالصحابة الهادين المهدييّن، فيجمع بذلك بين السَّمت الصالح والهَدْي الصالح، ويكون إِلْفاً مَأْلوفاً، وبَرّاً عَطوفاً.

يقول الإمام مالك رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشّام يقولون: واللهِ لَهَؤلاء خيرٌ من الحواريِّين فيما بَلَغَنا، وصدقوا في ذلك!

تلقى اُناساً تعرف في وجوههم نضرة الإيمان واليقين، يُحدِّثونك بألسنة أحلى من العسل، ويقبلون عليك بأعين أَصْفى من اللُّجَين، وتودّعك ابتسامات أرقّ من العطر وألطف من نسَمات الفجر! لِلهِ دَرُّهم! فإن كانوا من حملة الدعوة إلى الله، فما أقدرَهم على الوصال بهذه الخصال! وما أبرعَهم في بلوغ شِغاف القلوب، وما أسعدَ الدعوة بانضمام هؤلاء الكرام من دعاة المعروف إلى الصّفوف!

وتَلْقى أُناساً دُعاةً على النقيض من الطّيّبي الذِّكر، لكلٍّ منهم وجهٌ محبوسٌ على العُبوس، وكلٌّ رهينٌ بالتجهُّم والتَّقْطيب كمن فُجع بموت قريب، أو فَقْد حبيب! فإذا كان هؤلاء أيضاً من رجال الدعوة إلى الله فهم فتنة وبلاء على كل من يدنو منهم أو يَصطفيهم لنفسه! وعامّة الأَنام يَنْفِرون من ذوي السِّحن الكالحة، والألسنة الحِداد الجارحة، ولسانُ حال كلِّ من خالَطهم يقول: لا أَظْلَمَ اللهُ إلا هذه السِّحَنْ! ولا أَرْغَمَ اللهُ إلا هذه المعاطِس!

هل يفوت حريصاً على السُّنَن، مُجْتَنِباً للبِدع أن يعلم أن نبيّ الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم كان دائمَ البِشر، سَهْل الطَّبع، ليِّن الجانب، ليس بفظٍّ ولا غَليظٍ، ولا صَخّابٍ في الأسواق، وكان يُقبل بوجهه الطَّلْق حتى على السُّفهاء من الخَلْق! فما يمنعُك من أن تعمل بسنّته، وتسير على طريقته؟!

إنه واللهِ لا ينتهي عَجَبُنا من أن نَلْقى في روضات الدعوة إلى الله، ومحاضن الهداية والإصلاح، هُداةً نفوسُهم تأنف من البِشر ولين الطبع، وتنفِر من الصالح من الهَدْي، والطيِّب من القول.

فيا دعاةَ الهداية والإصلاح، أَصْغوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن الهَدْيَ الصالح والسَّمْت الصالح والاقتصاد جُزءٌ من خمسة وعشرين جزءاً من النُّبوة» رواه أحمد. وإن كثيراً ممن حَشروا أنفسهم في زُمرة الدعاة إلى الله ما لهم من هذه السِّمات فَتيل ولا قِطْمير.

قال علقمة لصاحبه: لقد هيَّجت أشواقي إلى لقاء هؤلاء الهُداة الذين تفيض طباعهم أدباً وحكمة، فهل نجد أحداً منهم في هذا الزمان؟

قال ميسرة: لا تزال طائفة منهم قائمين على الحق، ومن بَحث عنهم وجدهم، فإن لَقِيَهم الناس أَنِسوا بهم، ورحَّبوا بهم ترحيب العُشّاق ليوم التّلاق، وابتسَموا لِلُقْياهم ابتسامَ الرّياض الزّاهرة للسُّحب الماطرة!.

المصدر