الزوجة الصابرة.. "أسماء بنت عميس"
20-11-2003
محتويات
نسبها
هي أسماء بنت عميس بن معد، وأمهـا: هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية، وهي خت ميمونة أم المؤمنين، وأخت لبابة أم الفضل زوج العباس عم النبي- صلى الله عليه وسلم-، قال رسول- صلى الله عليه وسلم-: "الأخوات المؤمنات: ميمونة زوج النبي، وأم الفضل امرأة العباس، وأسماء بنت عميس امرأة جعفر، وامرأة حمزة، وهي أختهن لأمهن" (أخرجه الطبراني).
السابقة إلى الإسلام
تزوجت أسماءُ بنت عميس جعفرَ بن أبي طالب ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأسلمت معه في وقت مبكر مع بداية الدعوة، وكان إسلامها قبل دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم بمكة.
جهاد وهجرة
لما أذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى الحبشة، كانت أسماء بصحبة زوجها من جملة المسلمين المهاجرين، متحملين أذى قريش وطغيانهم، كل ذلك في سبيل الله تعالى وفرارًا بدينهم، أنجبت لجعفر في بلاد الحبشة أبناءه الثلاثة: عبدالله، ومحمدًا، وعونًا، وظلت أسماء بنت عميس- رضي الله عنها- في ديار الغربة قرابة خمسة عشر عامًا.. كانت مدة طويلة، عادت بعدها أسماء من الحبشة متوجهةً إلى هجرة ثانية، كانت إلى المدينة المنورة، وعَنْ أَبِي مُوسَى- رضي الله عنه- قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا- يَعْنِي لأَهْلِ السَّفِينَةِ-: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ- وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا- عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟
قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ، الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلا وَاللَّهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم-، وَايْمُ اللَّهِ، لا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلا أَشْرَبُ شَرَابًا، حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، وَأَسْأَلُهُ، وَاللَّهِ لا أَكْذِبُ وَلا أَزِيغُ وَلا أَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "فَمَا قُلْتِ لَهُ؟" قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ" قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالاً يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مَا مِن الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ، مِمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- (أخرحه الإمام البخاري)
تنافُسٌ في الخير
ونعلم من هذه القصة وأمثالها مدى التنافس الحميد بين المسلمين، رجالهم ونسائهم، فهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول لأسماء بنت عميس: لقد سبقناكم بالهجرة، وترد عليه أسماء وتثبت حقها في السبق، ويصبح الأمر قضيةً ينشغل بها المجتمع، حتى يفصل فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- بالحكم "لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ"، وبهذا قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأسماء بنت عميس وأصحابها بالسبْق على عمر، وهكذا ناضلت أسماء لإثبات حقها الشرعي، وها هي تبشِّر وتَنْشُر هذا الأمر بين من كانوا يأتونها جماعات للسؤال عن حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وقضائه لهم بالسبْق في الهجرة والجهاد.
الزوجة الصابرة
ومضى جعفر مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- يشهد معه كل المشاهد حتى استشهد- رضى الله عنه- في موقعة مؤتة، وحزنت أسماء على زوجها حزنًا شديدًا، ولكنها ظلت صابرةً تربي أولادها، وتدعو إلى الله ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وجاءت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (فيما يرويه الإمام أحمد) فذكرت له يُتم أولادها وجعلت تشتكي فقال: "الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ".
هدية تستحقها
تقدّم أبو بكر الصديق طالبًا الزواج من أسماء- رضي الله عنها-، فكان ذلك هدية من الله لها فقبلت الزواج منه، وانتقلت معه إلى بيت الزوجية، وكانت نِعم الزوجة المخلصة، وكان هو مثال للزوج الصالح الذي تستمد منه نور الإيمان، وبقيت عنده إلى أيام خلافته، وأنجبت له ابنه "محمدًا"، وعندما أحس أبوبكر الصديق بدنو أجله، أوصى أسماء بتغسيله- رضي الله عنهما- وأوصاها إن كانت صائمةً في ذلك اليوم أن تفطر، وهذا يدل على منتهى الحب والثقة التي كان يوليها لزوجته أسماء- رضي الله عنهما، وعندما حانت ساعة الموت، حزنت أسماء ودمعت عيناها، وخشع قلبها فصبرت واحتسبت لله تعالى.
أسماء المحدِّثة
روت عن النبي- صلى الله عليه وسلم-60 حديثًا، ومن مروياتها عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه لما أُصيب جعفر رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أهله فقال: "إِنَّ آلَ جَعْفَرٍ قَدْ شُغِلُوا بِشَأْنِ مَيِّتِهِمْ، فَاصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا".
زوج الخليفتين
أخذت أسماء على عاتقها الدعوة إلى الله وتربية أبنائها من جعفر وابنها محمد من أبي بكر، تدعو الله أن يوفقهم، ويصلح بينهم، وبعد فترة وجيزة كان علي- رضي الله عنه- ينتظر انتهاء عدتها؛ ليتقدم إليها، فهو رفيق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصهره لابنته الراحلة فاطمة الزهراء، وشقيق جعفر الطيار زوجها السابق، فكان وفاءً لأخيه الحبيب جعفر، ولصديقه أبو بكر الصديق- رضي الله عنه، أن يتزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأسماء بنت عميس، وعاشت معه، فكانت له صورة للمرأة المسلمة، والزوجة المؤمنة، وقد أنجبت له يحيى وعونًا، واستحقت بذلك لقب صاحبة الهجرتين (الحبشة والمدينة)، ومصلية القبلتين (بيت المقدس والكعبة)، وزوج الشهيدين (جعفر وعلىّ)، وزوج الخليفتين (أبو بكر وعليّ).
فطنة وذكاء
كان علي- رضي الله عنه- معجبًا بها وبذكائها ورجاحة عقلها، فقد اختلف ولديها" محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر" فيما بينهما، وكل منهما يتفاخر بأبيه فقال كل منهما:- " أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك"، وجعل علي رضي الله عنه هذه المسألة لأسماء، فكان ذلك دلالة على أنه كان يريد منها أن تستخرج من فؤادها من الحب والوفاء، واختبارًا لذكائها. فلما وقفت أسماء بين ولديها، قالت بكل ثقة ومن غير تردد: "ما رأيت شابًا خيرًا من جعفر ولا كهلاً خيرًا من أبي بكر"، فسكت الولدان، وتصالحا فقال "علي" مداعبًا: " فما أبقيت لنا؟ ولو قلت غير الذي قلت لمقتُّّك".
وفاتها
ظلت- رضي الله عنها- على مستوى المسئولية التي وضعت لأجلها، زوجةً لخليفة المسلمين، وكانت على قدر هذه المسئولية لما كانت تمر عليها من الأحداث الجسام، حتى جاء على مسمعها مقتل ولدها "محمد بن أبي بكر"، فتلوَّت من الحزن والألم عليه، فعكفت في مصلاها، وحبست دمعها وحزنها، حتى شخب ثديها (سال منها) دمًا ونزفت، وتمر الأيام، والأحداث، حتى فجعت بمقتل زوجها الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلم تعد قادرة على احتمال المصائب والأوجاع، فوقعت صريعة المرض، تتلوى من شدة الألم على فراق أزواجها الصحابة الطاهرين، وولدها "محمد بن أبي بكر"، وفاضت روحها إلى السماوات العلى نحو سنة40 هـ، فرضي الله عنها.
المصادر
- دور المرأة في حمل الدعوة.. "محمد حسين عيسى".
- من أعلام الصحابيات.. "محمد علي قطب".
- عظماء الإسلام.. "محمد سعيد مرسي".
- موسوعة الحديث الشريف CDشركة حرف.
المصدر
- الزوجة الصابرة.. "أسماء بنت عميس"إخوان أون لاين