الربيع العربي متى يثمر؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الربيع العربي متى يثمر؟
عماد الحوت - نائب عن الجماعة الإسلامية في لبنان

مقال نشر في جريدة الشرق الأوسط


يستعجل البعض في تحليله للمشهد المصري ليوحي أنه يمثِّل بداية الخريف للربيع العربي ثم يذهب أبعد من ذلك مبشراً بنهاية الإسلام السياسي، وهذا أقرب للأمنيات والرغبات من التحليل الموضوعي، ليعطي الأولوية لمعركةٍ مع ما أسماه الإسلام السياسي على حساب بذل الجهد في سبيل نهوض الوطن وتكامل الأمة خاصةً وأنها تواجه مشروعين يسعيان لإضعافها وتغييب دورها، المشروع الصهيوني والمشروع الإيراني اللذان لا يمكن مواجهتهما إلا بأمة صاحبة رسالة ومشروع، تغادر موقع المتلقي لتتحول لموقع المبادر.

ويحلو للبعض أيضاً أن يدخل لعبة التصنيفات المتعلقة بالإسلام السياسي، وأن يصفه بالمتصادم مع الحريات والديمقراطية وأنه لا يستحق أن تختاره الشعوب بإرادتها الحرة عبر صناديق الإقتراع أربعة مرات متتالية في انتخابات مجلس الشعب، ومجلس الشورى، والانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور مما يجعل من المستحيل أن يكون هذا الخيار مجرد طفرة، لا سيما أن واقع الميادين المؤيدة لعودة الشرعية واستمرار الاعتصامات والمسيرات لمدة أربعة أسابيع، والتي لا يضرها تجاهل بعض القنوات العربية لوجودها، ليبرر قبوله المجيء على ظهر الدبابات بعدما خذلته صناديق الاقتراع ليظهر جلياً من هو أقرب للحياة أو الخريف.

وهنا يخطر على بالي سؤال، أو ليست المملكة العربية السعودية جزءاً من الإسلام السياسي بل عنواناً من عناوينه، وهي التي ترتكز على كتاب الله وتطبيق شريعته في الحكم، وهل هي معنية لا سمح الله بهذا الخريف المزعوم، بل إنني أكاد أجزم أن الإسلام السياسي بخير وأن المستقبل لا يزال أمامه بينما عدد من التيارات الأخرى ومنها بعض اللبراليين أصبحوا بعيدين عن خيارات الشعوب.

تكفي المقارنة بين ما قبل الإنقلاب حيث جاء الرئيس بصناديق الاقتراع، فلم يقفل مؤسسة إعلامية واحدة، ولم يفتح معتقلاً سياسياً، بينما من يبشر بخريف الإسلام السياسي جاء من خلال انقلاب عسكري كان أول ما فعل إقفال محطات التلفزيون، والقيام بالاعتقالات السياسية ومهاجمة المعتصمين السلميين مما يدل على وجود أزمة شرعية حقيقية لديهم.

ويحاول البعض الإيحاء بأن الإسلاميين لا يمتلكون أي مهارة في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح المواطنين واحتواء الآخرين، ولكن هل من يدعي ذلك قدم تجربة أفضل، فالرئيس المنتخب الذي يرغب البعض بمنعه من الاستكمال ولو على حساب دم المصريين ومستقبلهم وكرامتهم، قد يكون جانبه الصواب في بعض الاجتهادات في جو مليئ بالتشويش والتعويق، ولكنه في أقل من سنة استطاع أن يؤمن ما يكفي من قمح لعام كامل من مصر والسودان، ووقع على اتفاقية للطاقة النووية مع روسيا، وإقامة أكبر مصنع للإسمنت في العالم مع البرازيل، ومشروع المنطقة الحرة في قناة السويس مع الصين، واتفاقية الطاقة الشمسية مع ألمانيا، واتفاية الصناعات العسكرية مع الهند، بينما الانقلابيون لم يستطيعوا تأمين الاعتراف سوى من أربعة دول أحدها الكيان الصهيوني.

لقد فات من يبشر بانتهاء الربيع العربي والإسلام السياسي أن الشعوب قد اكتشفت قوتها وامتلاكها زمام المبادرة من جديد، وتنبهت الى قدرتها على الحراك السلمي لتحقيق الإصلاح والتغيير والكرامة الإنسانية والحرية والعدالة، فكسرت حاجز الخوف من بطش أجهزة أمن الدولة المختلفة.

وللمستعجلين على التخلص من الإسلام السياسي أقول، إن زهور الربيع العربي، والإسلام السياسي جزء منه ولا يختزله، لا بد أن تنضج ثماراً في مصلحة الأمة ولكنه يحتاج لاستكمال عملية التحول الى أن يمر بثلاثة مراحل، مرحلة الانتفاض على النخب الحاكمة التي تصر على الاستبداد والظلم والفساد وقد وقعت، ثم مرحلة المعركة السياسية والاجتماعية مع فلول الأنظمة البائدة ومع المعوقين وهو ما نمر به اليوم، ثم المرحلة الثالثة وهي تأسيس الدولة عبر بناء نظام ديمقراطي تعددي حر يستند الى شرعية شعبية حقيقية ويمثل تطلعات الشعوب ومصالحها وقضاياها.

لقد كان الأمل كبيراً بعد ثورة 25 يناير بأن تتكامل وسطية أرض الكنانة مصر وأصالة أرض الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية لتعود أمتنا من جديد أمة رسالة ومشروع، قادرة على مواجهة المشروعين الصهيوني والإيراني، ولكن يبدو أن هذا يسيء الى البعض، ولكنني أمام ما أراه من إصرار الشعب المصري على استعادة شرعيته التي سلبها الانقلاب بالأدوات السلمية، والقيام بعد ذلك بحوار وطني بل سقوف ولا شروط، أرى أن هذا الأمل أصبح أقرب للتحقيق من أي وقت مضى.

المصدر