الدين في خدمة الكفر
بقلم:ا / إبراهيم عيسى ...
رئيس تحريرجريدة الدستور
يعيش بيننا كيان اسمه نصاري الأمن، هذا ما فهمته من كاتبنا الكبير ماجد عطية وهو يحلل التعامل السياسي والإعلامي مع مأساة الفتن والحوادث الطائفية التي تتفجر في مصر هذه الأيام بسبب البنات والمعاكسات والكنائس والحاجات الساقعة!، لم يحدد أستاذنا الكبير ماجد عطية ملامح ولا قسمات هذا الكيان، ولكن بات مؤكداً أن الأقباط يشعرون بوجود مجموعة من السياسيين والمثقفين ورجال الأعمال الأقباط أعضاء في الحزب الحاكم وفي الأحزاب المسماة ـ تجاوزاً ـ بالمعارضة وآخرين يقولون عن أنفسهم ـ كذباً ـ إنهم مستقلون، وهم في الأصل يشتغلون ضمن تعليمات جهاز الأمن ومهمتهم الدفاع عن مواقف (أو لا مواقف) الدولة تجاه الأقباط والتحدث باسمها والتهليل لها والتهوين من التجاوزات ضد الأقباط والتوسط بين الكنيسة والداخلية وهؤلاء من يصفهم معظم الأقباط بأنهم نصاري الأمن، وكان المفكر اليساري الكبير سعد زهران قد كتب دراسة مدهشة، نشرها مؤخراً في كتابه «مختارات من الفكر السياسي» بعنوان «التقدمية كمهنة»، ويحكي فيها كيف تحول يساريون وشيوعيون في الحياة المصرية إلي خدمة الدولة وكيفية توظيف التقدميين المحترفين «كتاباً وصحفيين وفنانين ونقابيين واقتصاديين ومنظرين ومتفرغين حزبيين» لإقامة الجسور وقنوات الاتصال المطلوبة بين السلطة والجماهير، وهي عملية تهدف ــ في التحليل الأخير ــ كما شرح لنا مفكرنا الكبير سعد زهران إلي:
ــ إقناع الجماهير بأن كل إجراء سياسي أو اقتصادي تقدم عليه الدولة هو إجراء من أجل رفع المستوي المادي للجماهير، ومن أجل استرداد كرامتها وتحرير إرادتها ودرء المخاطر التي تهدد حياتها أو تنال من قِيَمها.
ــ احتواء حركة الجماهير وتفريغ طاقاتها والتنفيس عن وجدانها وشحنه في اتجاه الخنوع للسلطة والولاء لها وترديد شعاراتها ومحبة رموزها، خاصة محبة القائد المناضل البطل.
ــ تسهيل مهمة التنظيم السياسي الذي يمثل السلطة، وبينما يقوم المنظرون التقدميون المحترفون بطبخ الزاد الفكري للتجنيد، يقوم الجهاز الإداري بتقديم الامتيازات المادية والنفوذ الفعلي الذي يغري الكثيرين بالانخراط في صفوف التنظيم.
ــ وأخيراً وليس آخراً، تساعد هذه الجسور الجماهيرية الجهاز السلطوي، الإداري والبوليسي، «الذي هو عصب النظام وعموده الفقري وسنده الأساسي»، علي القيام بمهامه وصياغة قراراته وتنفيذها في مختلف المجالات، الاقتصادية والإدارية والأمنية.
هذه المهام التي قام بها مثقفون محسوبون علي اليسار، وبعضهم من أبرز رموزه، موجودون يا أستاذ سعد كذلك الآن بنفس المهمة والهمة في التيار الليبرالي وعند المثقفين العلمانيين الذين تستخدمهم الدولة، فباعوا أفكارهم وقبلوا التدليس والموالسة والنفاق للأمن وللدولة وتعاملوا مع نظام الحكم من موقع الخدم وسفرجية الأفكار، مهمتهم مهاجمة زملائهم اليساريين الحقيقيين والليبراليين الفعليين والعلمانيين المخلصين واتهمامهم بالطفولية أو التطرف أو الحماقة أو التحالف مع الإخوان والظلاميين.
لقد تحولت ظاهرة التقدمية كمهنة إلي جميع التيارات في العصر الحالي؛ فمع بقاء اليساري كمهنة (وهم أصدقاء رجال الأعمال المستغلين والفاسدين وفي نفس الوقت أعضاء معينون في المجالس الديكورية وهم في قلب الأحزاب الهشة والهامشية التي تطبل وتصفق لحكمة القائد منذ كان جمال عبدالناصر وحتي صاروا يريدونه جمال مبارك!) هناك أيضا الليبرالي كمهنة والذي ينتمي لأمانة السياسات وللحزب الحاكم الذي يمارس حزبه القمع والقهر والتزوير ونفي الآخر وضرب حرية الرأي ونسف حرية التعبير، ومع ذلك يخرج الليبرالي كمهنة يدافع عن جمال مبارك والحزب الوطني ويعتبره بمنتهي الصفاقة ليبراليًّا، ثم هناك العلماني كمهنة، حيث يخوض حرباً بلا هوادة ضد التيار الإسلامي ويشكك بقوة وببسالة في المنجز الحضاري للدين الإسلامي، بينما يخرس ويضع حذاءً في فمه أمام تأليه الرئيس وتوريث الحكم واحتكار السلطة وتجارة الحزب الحاكم بالدين وقمع المنتمين للتيار الإسلامي باسم الدفاع عن الحرية، والظاهرة كلها لها جذرها التاريخي في ظاهرة وعَّاظ السلاطين الذين كانوا ومازالوا يجلسون تحت أقدام السلطان يحللون له الحرام ويحرِّمون علي الناس الحلال ويستخدمون الدين لتخدير الجماهير ويستعملون الفتاوي لخدمة سياسة الحكم والحاكم، وكأن الدين عندهم وظيفة، بل يستخدمونه في إضفاء شرعية الظلم والعتو واللصوصية، إنهم ببساطة يستخدمون الدين في خدمة الكفر!
المصدر: نافذة مصر