الديمقراطية العجيبة في مصر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الديمقراطية العجيبة في مصر

17-05-2012

بقلم: إبراهيم أبو العينين

ثاني أيام الترشيح للمحليات

في عرف الليبراليين والعلمانيين الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيرًا ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبرالية، لأنها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ "الديمقراطية" لوصف الديمقراطية الليبرالية خلطًا شائعًا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق.

فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة، بينما الليبرالية تؤكد حماية حقوق الأفراد والأقليات، وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد، بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعي بالديمقراطيات اللا ليبرالية، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في أخرى، يظهر في العلاقة بين اللبيرالية والديمقراطية، .

كما قد تختلف العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية، باختلاف رأي الأغلبية. وتحت نظام الديمقراطية الليبرالية أو درجة من درجاته يعيش في بداية القرن الحادي والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتين والهند وأنحاء أخرَى، بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعًا آخر من الديمقراطيّة كالصين التي تدعي الديمقراطية الشعبية. كما يطلق مصطلح الديمقراطية أحيانًا على معنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطية، .

أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع، والديمقراطية بهذا المعنى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافة سياسية وأخلاقية معينة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميًّا وبصورة دورية.

إذا أسقطنا هذا الكلام على الواقع في الحياة السياسية المصرية تجد وتسمع ما يثير حفيظتك. عجيب أمر الليبراليين والعلمانيين والنخبة السياسية في مصر نريد أن نتعلم منهم معنى الديمقراطية حتى نتعامل معهم على أساسها، .

فإن كانت الديمقراطية عندهم تعني: حكم الشعب لنفسه فلماذا انقلبتم على مبادئكم وقيمكم التي تتشدقون بها ليلاً ونهارًا؟

هل يعترض أحد في العالم كله على انتخابات أفرزت فئة معينة أو فصيلاً سياسيًّا معينًا له أيديولوجية خاصة؟ عجيب أمر النخبة السياسية في مصر من الليبراليين والعلمانيين، كم هو محير أمرهم؟ لا يرضون أبدًا بما تأتي به الديمقراطية التي يدعونها.

ففي استفتاء مارس قال الشعب كلمته واختار نعم أملاً في الاستقرار بنسبة تتعدى 77%، لم يعجب هذا الاختيار النخبة، وطالبوا بتأجيل الانتخابات البرلمانية حتى يستعدوا ويرتبوا أوراقهم حتى لا ينفرد الإسلاميون بجني ثمرات الثورة كما يقولون، ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب وشكّل الإخوان الأغلبية بالتحالف مع غيرهم فثارت ثائرة العلمانيين والليبراليين مرة ثانية، وكأن الإخوان سيطروا على مجلس الشعب بانقلاب عسكري، أو حتى نزلوا من الفضاء الخارجي، وليس عن طريق صناديق الاقتراع، ثم بعد ذلك جاء تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور التي شكلها مجلس الشعب، فقامت الدنيا ولم تقعد مع أن المجلس يمارس سلطاته وصلاحياته, وكأن المجلس لم يختره الشعب, أو كأن النواب لا يمثلون الشعب، أو أنهم نواب من كوكب آخر.

إذن نريد أن نفهم معنى الديمقراطية عندكم التي تتشدقون بها حتى نعرف قواعد اللعبة عندكم أثبتوا على شيء حتى نستطيع أن نصل إلى طريق ترضون به عن الإسلاميين. تعالوا بنا نتعلم من الممارسة الحقيقية للديمقراطية في الغرب: انتخابات فرنسا نموذج للديمقراطية: في السادس من مايو 2012 انتخب الفرنسيون مرشح اليسار فرانسوا هولاند ليكون الرئيس الرابع والعشرين لفرنسا بعد أن هزم في الدور الثاني الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي مرشح حزب (الاتحاد من أجل حركة شعبية) بفارق يزيد بقليل عن ثلاث نقاط (51.62% لهولاند، مقابل 48.38% لساركوزي ليعود الاشتراكيون إلى قصر الإليزيه بعد أن غابوا 17عامًا، .

وقد أقر ساركوزي بالهزيمة وقال: إنه كقائد يتحمل مسئوليتها وقرر الانسحاب من قيادة حزبه وهنأ هولاند بالفوز وقد بنى ساركوزي حملته الانتخابية خلال الدورين الأول والثاني على تقديم نفسه في صورة الرجل الذي عرف الملفات عن قرب وخبر دهاليز السياسة عكس هولاند.

لكن المرشح الاشتراكي خريج المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة أبان في مناظرة متلفزة قبل 72 ساعة من الدور الثاني عن رجل دولة قادر على تولي مهام الرئاسة، وكان أداؤه في المناظرة مفاجئًا لمعسكر ساركوزي ولمتابعي الشأن السياسي الفرنسي.

بدت عملية الإدلاء بالأصوات بمثابة درس نموذجي في الوعي السياسي لكافة أطراف اللعبة تمثل في احترام الجميع قوانين الانتخابات أثناء عمليات الاقتراع التي تعدت نسبتها 80% ثم جاء خطاب ساركوزي عقب هزيمته أنه سيتعود على ممارسة حياته كمواطن فرنسى يخدم وطنه بعيدًا عن مقعد الرئاسة؛ لأن هناك شيئًا أكبر من هولاند وأكبر من ساركوزي هذا الشيء اسمه فرنسا، (فرنسا فوق الجميع) بالفعال وليس بالكلام وهذه رسالة إلى المتشدقين من الليبراليين والعلمانيين والنخبة في مصر.

لقد برهنت الانتخابات الفرنسية بوضوح أن الفائز الحقيقي ليس هولاند وليس الحزب الاشتراكي وليس تيارًا بعينه وإنما هي فرنسا والمواطن الفرنسي، ثم هل اعترضت النخبة السياسية في فرنسا؟

أو حتى اعترض الخاسرون مع أن الفارق بين التيارين بسيط جدًّا مع أن الانتخابات أفرزت تيارًا مختلفًا تمامًا عن سابقه ربما سيكون له أثره في فرنسا بل في أوروبا كلها على حد قول هولاند، ترى هل ستكون اتنخابات الرئاسة في مصر مثل انتخابات فرنسا؟ (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء: من الآية 51) وإن غدًا لناظره قريب.

كما أن من الملفات التي تحتل برامج ووسائل إعلام النخبة السياسية من الليبراليين والعلمانيين ملف النصارى وكأنهم هم فقط من يعرف حقوق الإخوة الأقباط، وكأنهم لم يعرفوا أو يقرأوا أن أول من عرف حقوق غير المسلمين في الدولة الإسلامية هم المسلمون.

فمن تعريف الديمقراطية عند الليبراليين مراعاة حماية حقوق الأفراد والأقليات: ولا تجد أقلية في العالم معترف بحقوقها كما هي في مصر ونحن مع هذا وندعمه، ولكن أن تتجاوز هذه الحقوق مداها لا شك أن هذا يمثل أزمة حقيقية تحتاج إلى إعادة نظر، فالمصريون لا شك نسيج واحد والكل أمام القانون سواء، لا فرق بين مواطن وآخر.

ففي وسائل الإعلام تجد العجب من الأسئلة المحيرة التي توجه إلى الإسلاميين وإلى مرشحي الرئاسة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها مصر، من هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر ما رأيك في أن يتولى قبطي رئاسة الجمهورية؟

ما رأيك في قانون دور العبادة الموحد؟ وكأن الأقباط يمثلون خمسين بالمائة من تعداد الشعب المصري ولا تجد مثل هذه الأسئلة تطرح عند أي أقلية في العالم، فالمسلمون في فرنسا أكثر من الأقباط في مصر حيث يبلغ عددهم من 5 إلى 6 ملايين، لم نسمع أبدًا أن المسلمين في فرنسا يطمعون في الرئاسة أو حتى يحتكمون إلى شريعتهم بل يطبق عليهم القانون الفرنسي حتى في الأحوال الشخصية.

أما في مصر فالوضع مختلف تمامًا الأقباط في مصر وهم يمثلون أقلية يحتكمون إلى دينهم دون اعتراض من أحد وهذا من مبادئ ديننا الحنيف فالقاعدة "لهم مالنا وعليهم ما علينا"، بل قد تجد الأقلية في مصر وبصفة متكررة تعترض على أحكام القضاء المصري في تحد واضح ولا يحدث هذا في أي مكان في العالم أن الأقلية تحاول أن تفرض نفسها على الأغلبية.

والغريب عند النخبة السياسية في مصر من الليبراليين والعلمانيين أن الديمقراطية التي تأتي بغيرهم يتهمون فيها الشعب بعدم الوعي وعدم النضج السياسي وكأن الشعب يمر بمرحلة طفولة مبكرة يحتاج إلى وصاية العلمانيين والليبراليين حتى يصل إلى مرحلة النضج والرشد.

أيها العلمانيون والليبراليون أفيقوا يرحمكم الله وانزلوا الشوارع وقدموا أنفسكم وبرامجكم للناس عن قرب واتركوا الفضائيات ووسائل الإعلام حتى يتعرف عليكم الجمهور.

آمنوا أولاً بمبادئكم وقيمكم حتى يؤمن بها الآخرون اختلطوا بالجمهور عيشوا مشاكلهم وقدموا حلولاً لها بد النقد والتطاول على الإسلاميين فميدان القول غير ميدان العمل وهذه هي الديمقراطية في أي مكان في العالم التي تعني المنافسة الشريفة لتقديم الخدمات للناس واحترام قواعد الديمقراطية.


ebrahimeneen@yahoo.com القاهرة

المصدر