الدكتور عز الدين إبراهيم.. رحمه الله
بقلم: الدكتور محمد لطفي الصباغ
توفي الأخ الحبيب، والصديق الوفي، والرجل الزكي، والخطيب المًصْقَع الداعية إلى الله على بصيرة، صاحب الخلق الكريم الدكتور عز الدين إبراهيم.. توفي يوم السبت 30 كانون الثاني 2010م.
كان من أبر الدعاة إلى الله.. وقد لجأ من مصر إلى سوريا مطلع الخمسينات، فعمل مدرساً في المعهد العربي الإسلامي، وقد أكرمه أهل دمشق، وأحلوه منزلة كبيرة، وتزوج من أسرة دمشقية.
كان عز الدين وسيم الخلقة، لا تفارق البسمة شفتيه وكان يخطب الجمعة في بعض مساجد دمشق، ولا سيما في مسجد الجامعة السورية. ثم سافر إلى بريطانيا وجاء منها بشهادة الدكتوراه.
كان رحمه الله إذا خطب لا يلحن، وكان إلقاؤه متميزاً محبوباً. كان يتقن الانكليزية ويتكلمها بطلاقة.
وأذكر أني سمعت محاضرة له في كلية التربية من جامعة الملك سعود بالرياض، وقد كنت معه عضواً في لجنة وضع مناهج اللغة العربية للمرحلة المتوسطة، والمرحلة الثانوية، وكان يرأس تلك اللجنة الدكتور عبد الرحمن الباشا، وقد أدهشني ذكاء الدكتور عز الدين في إدارة الحوار وبراعته في مناقشة الآخرين ليقنعهم بوجهة النظر التي يراها.
وكان يمتاز بفكر نيّر، يعرضه بأسلوب لبق جذاب، يدل على ذلك رسالة موجزة كتبها في (اتجاه الفكر الإسلامي)، وهي تدل على نظرة عميقة سليمة ناقدة موجهة، وهي رسالة موجزة قال فيها:
الملاحظ في السنوات الأخيرة أن التفكير الإسلامي قد اتّسَمَ بالطابع العملي التطبيقي، فلو تتبعنا كتابات المفكرين الإسلاميين ومحاضراتهم لوجدنا أنها تدور في الأغلب حول الحلول العملية التي يمكن أن يقدمها الإسلام لإصلاح الحياة من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقلّما نجدها تمسّ الجوانب الروحية في الإسلام، كالعقائد والعبادات والأخلاقيات. ولعلّ الدافع الى هذا الاتجاه العملي أمران:
أولهما يتعلق بالنهضة الإسلامية المرتجاة التي يعمل لها كثيرون من المخلصين في كل مكان..
وثانيهما يتعلق بالجوّ الفكري العام في العالم، فقد سادت العالم موجات فكرية طاغية، واهتم أصحاب المذاهب المختلفة بإبراز مزايا مذاهبهم بشتى وسائل الإبراز، ولذلك كان من الضروري أن يعنى الداعون الى الإسلام بإبراز مزايا مذهبهم، وخصوصاً الجوانب العملية، باعتبار أنها مجال الاحتكاك والمخاصمة بين المذاهب.
فلهذين السببين حرص المفكرون الإسلاميون من كتَّاب ومربّين ومحاضرين على أن يعالجوا الجوانب العملية وأن يفرّوا من الجوانب الروحية، حتى أنّ بعض الوعاظ المستنيرين يعتبر الحديث عن الجنة والنار والحساب والعبادة والمثل الخلقية وسائر الموضوعات الروحية ضرباً من التخلّف والانتكاس في تصور وعرض القضايا الإسلامية على الناس، ويقول:
ونحن لا نعيب الاتجاه العملي التطبيقي للفكر الإسلامي ولا ننتقده، لأن الدوافع إليه طبيعية ومنطقية كما قدمنا، ولأن الإسلام في حقيقته دين عملي شامل يفي بمطالب الحياة جميعاً.
ولكننا نخشى أن يؤدي التمادي في هذا الاتجاه العملي مع إغفال الجوانب الروحية إلى أخطار وخيمة تكاد نلمس آثارها من الآن في حقلين، في حقل الدراسة وفي حقل التربية.
ويقول: الجوانب الروحية الأصيلة في ما نعتقد ثلاثة:
- أولها العقيدة وثانيها العبادات وثالثها الأخلاق وقواعد السلوك وختم رسالته بقوله:
- وبعد، فقد عانت النهضة الإسلامية الحديثة في مبدأ أمرها من جمود المسلمين وعدم تفكيرهم في النواحي العملية للإسلام، ولذلك اهتمّ المصلحون الإسلاميون كثيراً بتأكيد الاتجاه العملي.
- واليوم نلاحظ أنّ الاتجاه العملي قد ثبت، ونخشى أن يطغى على ما عداه من الاتجاهات الأخرى الضرورية في تصور الإسلام وتصويره وتوجيه نهضته، ولذلك لزم أن ننادي بضرورة ايجاد التوازن بين اتجاهات الفكر الإسلامي بحيث نعنى بالجوانب الروحية والعملية معاً.
- كان - رحمه الله - داعية متحركاً رحَّالة مغامراً، لا يكاد يستقر في مكان حتى ينتقل الى مكان آخر إذا رأى أن ذاك المكان يستطيع أن يعمل فيه لدعوته بشكل أفضل.
- ومن ذلك أنه لما قامت الحكومة المصرية في عهد الملك فاروق باعتقال عدد من زملائه الشباب الدعاة، استطاع عز الدين واثنان من اخوانه أن يغادروا مصر عن طريق الصحراء الى ليبيا، وقابلوا الملك السنوسي فأعطاهم اللجوء السياسي بعد أن سمع خطبة رائعة من عز الدين.
وبعد هدوء الأحوال في مصر رجع عز الدين إليها وأسس مع بعض إخوانه (لجنة الشباب المسلم). وكان لها نشاط فكري مشكور.
ثم اعتقل مع عدد كبير من اخوانه عام 1954م وبعد خروجه من السجن في مصر توجّه الى سوريا ثم الى قطر ثم الى لندن، ثم عاد الى قطر ثم الى السعودية، وأخيراً الى الامارات العربية..
وكان أينما يذهب يترك أثراً طيباً.
ويذكر العلامة القرضاوي انه كان له دور مهم مع الشيخ عبد الله بن علي المحمود في ترشيد المسلمين السود في أمريكا واعادتهم الى الإسلام الصحيح.
المصدر
- مقال:الدكتور عز الدين إبراهيم.. رحمه اللهموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان