الخير والشر في الربيع العربي
كفر الشيخ اون لاين | خاص
الإندفاع نحو ما تبتغيه النفس عند كثير من الناس أمر لا إرادي ، خصوصا إذا كان هؤلاء المندفعون قليلي الحظ في التربية الإسلامية الصحيحة أو لم يعرفوها من الأساس وكثير ما هم داخل عالمنا العربي والإسلامي ، وفي الأغلبية منهم يوجد صراع نفسي عنيف بين ما استيقنته أنفسهم من صحيح الدين وبين ما أجبرتهم عليه شهواتهم من الذنوب والخطايا ، وفي لحظة من اليأس من نيل الدنيا خلال الآثام والخيانة تضعف الشهوة ولا يجد الناس سوى صراط وحيد هو صراط الفضيلة يسيرون فيه عجزا واستكانة أو رجوعا وتوبة وفي كل خير ، ولعل أوضح مثال لذلك في القرآن الكريم ما نطقت به النسوة مجتمعات بعد أن يئسن من نيل مبتغاهن من نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام حين سؤلن : " ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ؟ " فقلن : " حاش لله ما علمنا عليه من سوء " وزادت امرأة العزيز عليهن ما اعتبرته واجبا من الإعتراف " أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " .
وبعد ثورة يناير اجتاحت مصر عاصفة التحول السياسي والفكري والديني ، فأطلق رجال الحزب الوطني لحاهم واستمسكوا بمسابحهم ومصاحفهم حتى قيل أن حبيب العادلي قد التحق في سجنه بالسلفية الجهادية وحفظ القرآن الكريم ، بينما انضم جمال مبارك إلى طائفة القابضين على الجمر في مجتمع جاهلي فلم يبتعد المصحف عن صدره لحظة واحدة حتى وهو يرفع يده صائحا " افندم أنا موجود " .
وتقبل المجتمع توبة الفلول واعترافاتهم على الطريقة الكنسية في منح صكوك المغفرة ، فما انفك مصطفى الفقى يروي لنا حكايات اجرام مبارك ، وأبلس الكثيرون اقرارا بالإثم فلم يدافعوا ولم ينافحوا ومن هؤلاء بطرس غالي ومحمد رشيد وحسين سالم وغيرهم .
ولولا الكيد الإسرائيلي والأمريكي للثورة لما اختلف اثنان في مصر على أن نظام مبارك بكل مفرداته وأشخاصه وعلاقاته كان نظاما اجراميا ، بل وحتى لحظة جريان دموع أحد الكبراء حزنا على مبارك ونظامه الصهيوني كان النصاري في مصر يتحدثون عن تلك المرحلة بمزيج من الهجاء والشك فقد جري عليهم ما جرى على الشعب في مجمله .
كل هذا من نافلة القول ومما تكرر في الأحاديث والمقالات آلاف المرات وليس هو موضوع الكلام ، وإنما الموضوع أن الصراع الأزلي بين " محور الشر " و " محور الخير " يدور الآن في شوارع مصر فمن يمثل الخير ومن يمثل الإثم والشر والفجور ؟ هل المسلمون الذين يقاومون العسكر في الشارع الآن هم المؤمنون بالله الذين أشارت إليهم الكتب الإلهية والمرسلون ؟ ولماذا هم كذلك وما هو الدليل ؟
أقول غير مندفع من منطلق عقدي لكوني مسلم أن الأقرب إلى الله ولصراطه المستقيم بكل المقاييس البشرية هم المسلمون الذين يقاومون حكم العسكر في مصر ، الذين يبذلون دماءهم في الشوارع لا يحملون في أيديهم سوى أربعة اصابع يرمزون بها إلى الصمود والإستبسال ، فهل يعقل أن الخير الذي أمر الله به في التوراة والإنجيل هو سفك دماء المسالمين المطالبين بحقوقهم ؟ هل يعقل أن تنشأ عقيدة بني اسرائيل من رحم المقاومة السلمية لفرعون ثم تؤيد اسرائيل اليوم فرعونا جديدا ؟ هل يعقل أن عقيدة النصاري تتخذ من الصليب رمزا لها في اشارة إلى المقاومة السلمية للشر ثم تجري دموع السدنة والكهان حزنا على اعتقال مجرم باع بلاده لأعدائها ونهب ثرواتها وقتل ابناءها ؟ هل يعقل في أي شرعة أو منهاج أن القتل عدوانا وظلما مشروع ؟ وأن النهب والسلب والسرقة رزق ساقه الله إليهم ؟ وأن الفسق والزني والفجور سلام اجتماعى ؟ وأن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام طهر وتنقية للنفس ؟
الذين يقاومون الإنقلاب العسكري الإجرامي على الشرعية والديمقراطية هم محور الخير ، والذين يؤيدون الإنقلاب إنما يؤيدون القتل والسرقة والزنى ، والله لم يأمر بقتل نفس بغير حق أو فساد في الأرض وأي حق يجده هؤلاء في ازهاق روح مطالب بحقه الذي اعترفوا هم له به في تقرير مصيره واختيار حكامه وضبط موازين الثروة في بلاده ، والله لم يأمر بالفحشاء والله لم يأمر بأكل أموال الكادحين الفقراء بالباطل وتكديسها في بنوك أوربا وأمريكا ، والله لم يأمر أبدا بأن يكون رموز المجتمع ونبلاؤه من الشواذ والداعرات .
فيا أيها المقاومون المستبسلون في شوارع الأرض التي بارك الله فيها مشارقها ومغاربها أنتم على الحق المبين وماذا بعد الحق إلا الضلال ، أنتم رعاة الخير والقائمون على زرعه وضرعه ، بكم سوف تنهض حضارة قوامها العمل والعدل والسلام والإيمان ، وأبناؤكم الذين تركتموهم ضعافا تخافون عليهم إذ ضمتكم القبور أو السجون هم مصابيح النور في عالم المستقبل وكيف لا وقد اتقيتم الله وقلتم قولا سديدا ، أيتها الأرامل لقد كان أزواجكن على الحق عندما طالتهم رصاصات الغدر ، أيها اليتامي افخروا بآبائكم لأنهم كانوا على الحق عندما اغتالهم الأشرار ، أيها المشردون في بقاع الأرض إن انتشاركم هو توسعة للخير في دنيا سيطر الشر على اطرافها ، أيها المسجونون لقد أضأتم الدنيا من ظلمات سجونكم .
أما أنتم أيها المعترفون في أنفسكم بأنكم محافل الشر والظلم فما أصبركم على النار ، النار التي تجدونها في التوراة والإنجيل والقرآن جعلها الله للقتلة وللصوص وللزناة ولمعاقري الخمر ، وهل تجدون أنفسكم إلا من هؤلاء ولو بلغ بكم ادعاء الإيمان مبلغه ؟ وأنتم أيها المتبعون أين تجدون أنفسكم ؟ مع الخير أم مع الشر ؟
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .... يعظكم لعلكم تذكرون ... صدق الله العظيم الذي اصطفانا بدين قيم ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين .
المصدر
- مقال:الخير والشر في الربيع العربيموقع:كفر الشيخ أون لاين