التجربة اللبنانية في الانتخابات البلدية.. مؤشّـر لتخريب الديمقراطيّة
بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان

ما يجري في لبنان هذه الأيام ليس شأناً معزولاً عن المسار السياسي العام، ولا هو خروج على المألوف في الحياة السياسية.
فالانتخابات هي أبرز آليات الشورى والديمقراطية، وأهم وسائل المجتمعات المتحضرة في انتاج نظام الحكم وتشكيل مرجعية القرار السياسي والانمائي التي هي المجالس النيابية والبلدية.
واذا كان المجتمع غير متحضر، فإنه كفيل بافساد اكثر الأنظمة تحضراً، وسيكون جاهزاً لتحويل أفضل الأنظمة السياسية الى مجرد نظام عشائري أو استبدادي أو طائفي ومذهبي. وهذا هو حال لبنان وعدد من الأقطار العربية هذه الأيام، ولنبدأ من لبنان.
يعتبر العرب أن لبنان هو أفضل الأقطار العربية حرية وديمقراطية وتعددية سياسية وحزبية. وكان ملجأهم السياسي ومصرفهم المالي ومرتعهم السياحي.
لكن لا يكاد يمر عقد من السنين حتى يقع البلد في ما يمكن أن يسمى «ثورة» أو حرباً أهلية أو انقساماً طائفياً.
ولم يكن معظم اللبنانيين يجدون حرجاً في النفوذ السوري على الأراضي اللبنانية، نظراً للتكامل القديم سكانياً واقتصادياً وحتى سياسياً، ونظرة خاطفة الى خريطة المنطقة تؤكد هذا المعنى. وقد ألف اللبنانيون أن تكون لهم مرجعية، مصرية في عهد دولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) أو فلسطينية أيام سيطرة منظمة التحرير، مروراً بمرحلة الاحتلال الاسرائيلي الواسع عام 1982، ليعود لبنان بالتدريج الى الحضن السوري، لا سيما بعد اتفاق الطائف عام 1990.
ماذا عن الحياة السياسية والتجربة الديمقراطية اللبنانية بعد الخروج السوري من لبنان؟ جاءت نتائج انتخابات عام 2005 محكومة بالزلزال الذي أعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما لحق ذلك من أحداث، لكن البلد لم يستقر على حال بعد ذلك. وعلى الرغم من فوز تكتل 14 آذار بأغلبية نيابية في انتخابات عام 2009، لكنها لم تستطع توظيفها عند تشكيل أول حكومة بعد الانتخابات، واضطرت للقبول بحكومة «وحدة وطنية» استغرق تشكيلها خمسة أشهر، ولا تزال عاجزة عن فعل شيء، بما في ذلك التعيينات الإدارية والقضائية، لتقف عاجزة أمام اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، حتى بعد قيام رئيس الوزراء سعد الحريري بزيارة دمشق.
وعلى الرغم من تمثيل معظم القوى السياسية في الحكومة، وأنها أجازت قانوناً للانتخابات، لكنه ما زال يراوح في اللجان النيابية، ليجري تحويله بعد ذلك الى الهيئة العامة للمجلس النيابي، لتجري مناقشته والتصويت عليه بعد ذلك، مما يوحي بأن بعض زعماء الكتل يتحدثون بلسانين ويقابلون وسائل الإعلام بوجهين، وهم يتسترون بضرورة اجراء اصلاحات في القانون، لكنهم يسعون الى تأجيل الانتخابات دون أن يمتلكوا الجرأة لإعلان هذه الرغبة.
لذلك، فإن الأيام تمضي، ووزير الداخلية يعلن عن فتح باب الترشيح، كما يعلن رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي أن الانتخابات واقعة بدءاً من 2 أيار، وبعضهم أطلق حملته الانتخابية.. لكن بعضهم يعمل على وضع العصي في الدواليب، باتجاه تأجيل «تقني» على الأقل، لا يستدعي قراراً من المجلس النيابي، لعدّة أشهر مما لا يسيء الى موسم الاصطياف!! هذا عن مجرد انتخابات بلدية..
أما في بريطانيا، فقد أعلن رئيس الوزراء غوردن براون يوم الثلاثاء الماضي أن «جلالة الملكة» وافقت على حل «مجلس العموم» وأنه حدد يوم 6 أيار القادم موعداً لاجراء الانتخابات.. ولم يقل أحد في حزب المحافظين أو سواه كلمة احتجاج واحدة.
أما الانتخابات في العالم العربي حولنا فإن لها شأناً آخر.
بالأمس جرت في العراق، وفازت قائمة «العراقية» بأغلبية بسيطة على «دولة القانون»، فتحولت طهران محجة للسياسيين، كما أن زعماء آخرين زاروا دمشق والرياض، وكذلك طهران وأنقرة، فضلاً عن المرجعيات في الداخل العراقي، سعياً الى ازالة العقبات وتمهيداً لتشكيل الحكومة العراقية القادمة، والأغرب من هذا أن رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي كان قد أطلق عدّة تهديدات بأحداث أمنية كبيرة قبيل اعلان نتائج الانتخابات اذا لم يجر تكليفه هو بتشكيل الحكومة.
وها هي الأحداث الرهيبة تقع يومياً في عمق المنطقة الخضراء داخل بغداد، يذهب ضحيتها العشرات يومياً، دون ان يعرف أحد من يحدث هذه التفجيرات ومن صاحب المصلحة في تفجير الساحة العراقية.
أما اذا اتجهنا جنوباً الى السودان، فإن الانتخابات (الرئاسية والنيابية والولائية) شكّلت أزمة مستعصية منذ أسابيع. فقد أعلنت الحكومة، ورئيس المفوضية القومية للانتخابات الهادي محمد أحمد أنه «لا تأجيل للانتخابات..
لا تأخير للانتخابات»، بعد ضغوط بدأتها أحزاب المعارضة للمطالبة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، فلما استجابت الحكومة، وبدأ الرئيس عمر البشير حملته الانتخابية مدعوماً بحزبه «المؤتمر الوطني» الحاكم، باشرت أحزاب المعارضة بحملة مضادة، مطالبة بتأجيل الانتخابات، لأسباب تباينت بين حزب وآخر.
وبعد أن تحدد يوم الأحد القادم (11 نيسان) موعداً نهائياً، وأمت السودان هيئات رقابة دولية، في مقدمتها المبعوث الأمريكي الخاص سكوت غريشون، الذي صرح يوم السبت الماضي بعد لقائه ممثلي الحكومة والمعارضة بأن «الانتخابات في الموعد المقرر، وأنها سوف تكون حرة ونزيهة». والمشكلة أن أحزاب المعارضة لا تلقى قبولاً لدى الشارع السوداني، فبعضها تقليدي قبائلي صوفي (الأمة والوطني الاتحادي) وقد أصابتها الانقسامات..
وبعضها مناطقي (الحركة الشعبية وأحزاب دارفور)، اضافة الى «المؤتمر الشعبي» الإسلامي بزعامة الدكتور حسن الترابي، والحزب الشيوعي بزعامة محمد ابراهيم نقد.. بينما يتابع الرئيس عمر البشير جولاته التي يتجمع فيها عشرات الآلاف في مختلف محافظات السودان.
وقد انقسمت أحزاب المعارضة مؤخراً بين من يقاطع جزئياً، ومن يقاطع في الشمال ويشارك في الجنوب.. لكن الانتخابات واقعة (ان شاء الله) يوم الأحد القادم، المأمول أن يحقق الرئيس البشير نصاب الفوز في الدورة الأولى (خمسين بالمائة) حتى يستطيع مواجهة ما يتعرض له السودان من مؤامرات وانقسامات.
هذه نماذج لـ«الديمقراطية العربية»، وللانتخابات في لبنان والعراق والسودان، وهي الأقطار الأوسع حرية وأنقى ديمقراطية، بينما نماذج الأنظمة الأخرى دون هذا المستوى بكثير. ومن هنا ندرك تماماً أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ثقافة وممارسة، تتجذر في المجتمع، وتزداد أصالة من خلال التجربة الحيّة، والاخلاص لها من خلال التجاوب معها كلما تقدمت الحياة السياسية وتأصلت تجربتها الديمقراطية.
المصدر
- مقال:التجربة اللبنانية في الانتخابات البلدية.. مؤشّـر لتخريب الديمقراطيّةموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان