التجديد في فكر القرضاوي
محتويات
المقدمة

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
فإن العلماء لذوي فضل على الأمة بأسرها ، إذ أنهم مصابيح الهدى ، وسرج الحق في الأرض ، بهم يهتدي الناس إلى الحق المبين ، ويتمسكون بحبل الله المتين ، فمن أجل ذلك وبذلك وجب على الناس تكريمهم
وإن تكريم العلماء ليس تكريما لأشخاصهم ، إنما هو تكريم للعلم في أشخاصهم ، وإن أهل الباطل ليكرمون قوادهم في الباطل ، مسبغين عليهم هالة من التعظيم والتوقير ، وهم أقل من ذلك بكثير ، فجدير بنا نحن المسلمون أن نوقر علماؤنا ونقدرهم ، ونذكر لهم فضلهم وجهدهم وجهادهم في نشر دين الله في الأرض ، ولا نتتبع زلاتهم ولا عوراتهم من أجل التشهير فيهم ، وذلك مما يغضب الله ، وسنة الله في الخلق معلومة في هتك سر من يتتبع عورات العلماء .
وفي هذا البحث نود إن شاء الله أن نكتب عن عالم جليل من علماء العصر الحالي ، وممن يُشهد لهم في مجال العلم والفكر الإسلامي ،وخاصة أنه من المجددين في الفكر الإسلامي والخطاب الإسلامي المعاصر ، ذلك التجديد المستند إلى الأصول والثوابت الإسلامية ، ونحن اليوم في أمسّ الحاجة ، خاصَّة في الوقت الراهن ، إلى تجديد خطابنا الديني حتى يستطيع الآخرون فهمه،.
وهذا ما يتميز به فكر القرضاوي الوسطي ، ومن المعلوم أنَّ الدين الإسلامي به ثوابت لا تتغيَّر من عصر إلى عصر، وبه من المُتغيرات التي تختلف من عصر إلى آخر، ومن ثمَّ ففكْرة التجديد غير مرفوضة من الناحية الإسلامية، فالقرآن المكي الذي نزل قبل الهجرة أصّل لموضوعات العقيدة ومكارم الأخلاق ، في الوقت الذي اهتم فيه القرآن المدني بالتشريع وتنظيم المجتمع. فهذا الفهم نجده في فكر الشيخ القرضاوي ، فهو يجمع بين السلفية والتجديد ، ( أي بين الأصالة والحداثة ) ، فيوازن بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر ، مبتعدا عن التعصب الأعمى ، أو الهوى المتبع .
وهذه الكتابة عن هذا الشيخ الجليل هو من باب معرفة الفضل لإهله ، فإن معرفة الفضل لإهله ، وإنزال الناس منازلهم ، وبخاصة العلماء ، مما ندب الشرع إليه ، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله علية وسلم ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) رواه الترمذي .
ويقول عليه الصلاة والسلام " من استعاذ كم بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به ، فادعوا الله له حتى تروا أن قد كافأتموه " رواه أبو داود .
وفي هذا البحث الموجز تكلمت عن خصائص ومظاهر التجديد في فكر الشيخ القرضاوي في الفقه والعقيدة والدعوة والشعر ، وتيار الوسطية الذي يمثله الشيخ ، وترجمة موجزة عن حياته ومؤلفاته ، وأثره في الفقه الإسلامي .
نشأته ومؤهلاته
ولد الدكتور/ يوسف القرضاوي في إحدى قرى جمهورية مصر العربية، قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية، وهي قرية عريقة دفن فيها آخر الصحابة موتاً بمصر، وهو عبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي، كما نص الحافظ بن حجر وغيره، وكان مولد القرضاوي فيها في 9/9/1926م وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره.
التحق بمعاهد الأزهر الشريف، فأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية وكان دائما في الطليعة، وكان ترتيبه في الشهادة الثانوية الثاني على المملكة المصرية، رغم ظروف اعتقاله في تلك الفترة. ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالية سنة 52-1953م، وكان ترتيبه الأول بين زملائه وعددهم مائة وثمانون.
ثم حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر، وعددهم خمسمائة.
وفي سنة 1958حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب.
وفي سنة 1960م حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين.
وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراة) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، عن: "الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية".
أعماله الرسمية
عمل الدكتور/ القرضاوي فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفاً على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر.
ونقل بعد ذلك إلى الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف للإشراف على مطبوعاتها والعمل بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد.
وفي سنة 1961م أعير إلى دولة قطر، عميدا لمعهدها الديني الثانوي، فعمل على تطويره وإرسائه على أمتن القواعد، التي جمعت بين القديم النافع والحديث الصالح.
وفي سنة 1973م أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات نواة لجامعة قطر، فنقل إليها ليؤسس قسم الدراسات الإسلامية ويرأسه.
وفي سنة 1977م تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميداً لها إلى نهاية العام الجامعي 1989/1990م، كما أصبح المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر، ولا يزال قائما بإدارته إلى اليوم.
وقد أعير من دولة قطر إلى جمهورية الجزائر الشقيقة العام الدراسي 1990/ 1991م ليترأس المجالس العلمية لجامعتها ومعاهدها الإسلامية العليا، ثم عاد إلى عمله في قطر مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة.
حصل على جائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي لعام 1411هـ.
كما حصل على جائزة الملك فيصل العالمية بالاشتراك في الدراسات الإسلامية لعام 1413هـ.
كما حصل على جائزة العطاء العلمي المتميز من رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لعام 1996م.
كما حصل على جائزة السلطان حسن البلقية (سلطان بروناي) في الفقه الإسلامي لعام1997م
جهوده ونشاطه في خدمة الإسلام
الأستاذ الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، أحد أعلام الإسلام البارزين في العصر الحاضر في العلم والفكر والدعوة والجهاد، في العالم الإسلامي مشرقه ومغربه.
ولا يوجد مسلم معاصر إلا التقى به قارئاً لكتاب، أو رسالة، أو مقالة، أو فتوى، أو مستمعاً إلى محاضرة، أو خطبة أو درس أو حديث أو جواب، في جامع أو جامعة، أو ناد، أو إذاعة، أو تلفاز، أو شريط، أو غير ذلك. ولا يقتصر نشاطه في خدمة الإسلام على جانب واحد، أو مجال معين، أو لون خاص بل اتسع نشاطه، وتنوعت جوانبه، وتعددت مجالاته، وترك في كل منها بصمات واضحة تدل عليه، وتشير إليه.
مؤلفاته
ألف القرضاوي الكثير من الكتب في مجالات عدة أهمها:
• الفقه
• في علوم القرآن والسنة
• العقيدة
• التصوف
• توجيه التيار الإسلامي
• تراجم الشخصيات الإسلامية
• الأدب (شعر ومسرح)
مؤهلات القرضاوي الفقهية
1- القرآن الكريم : أتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره.وتعمق في أسراره وعجائبه التي لا تنقضي وله كتب في ذلك (الصبر في القرآن الكريم, العقل والعلم في القرآن الكريم, كيف نتعامل مع القرآن العظيم
2- السنة وعلومها وله كتب كثيرة في ذلك قد ذكرتها في البحث
3- اللغة العربية وآدابها ، فقد تمكن من اللغة العربية تمكنا شديدا بل وأنه كان يعد رسالة علمية ( الماجستير) في فقه اللغة ، وقد سبقه في هذا المجال العلامة اللغوي ابن قتيبة ، وذلك من معهد الدراسات العربية العالية في اللغة ولأدب ( أنظر كتاب القرضاويفقيها ص 51 ) ، بالأضافة إلى أن القرضاوي كان شاعرا ، وله ديوانين من الشعر .
4- الفقه الإسلامي ومذاهبه ، درس الفقه الإسلامي في الأزهر وكان على مذهب الأمام أبي حنيفة ، وتدرج في دراسته ثم توسع فيه ، ثم درس بقية المذاهب الفقهية وتوسع فيها ، ولم يتعصب لمذهب معين بل كان مع الدليل الأقوى ، ومع روح التيسير ، مخاطبا الناس بلغة العصر ، بعيدا عن التعصب لأي مذهب ( انظر المرجع السابق )
5- الملكة الفقهية والثقافة الدينية والأنسانية التي كان يمتلكها الشيخ .
فقد كان يركز على فقه الحديث ثم يرجع الى علوم السنة ليعرف صحيح الحديث من معلوله ، ومقبوله من مردوده ، ومطلقه من مقيده ، وعامه من خاصه ، ويتمرس بمعرفة الرواة ، ويخوض بحار تلك العلوم ( انظر شريعة الإسلام صالحة للتطبيق للشيخ القرضاوي ص 91 )
الوسطية والأعتدال
تلك الخاصية التي تتوافر عند الشيخ في كتاباته كلها الفقهية و الدعوية و غيرها ، حتى وصفه الكثيرون بأنه " رائد الوسطية " في عصرنا و نجد أن الشيخ يستقي هذه الخاصية من قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " البقرة 143) وقد دعا الشيخ في كتبه كثيرا الى الوسطية ، وندد بالتشدد والغلو في الدين وشنع بالتفريط فيه أيضا . فالوسطية هي الوسط بين أمرين دون إفراط أو تفريط ، أو بين تسب وتشدد .
التيسير
ويعني بالتيسير أي تيسير الفقه ، فالناس في عصرنا في أمس الحاجة لهذا التيسير ، ويعني بتيسير الفقه أمرين :
( ا-) تيسير فهمه للناس .
( ب-) وتيسير أحكامه للعمل والتنفيذ .
وذلك للتيسير على الناس وتبني أيسر الآراء ، والبعد عن التضييق والتشدد ، وقد كان القرضاوي يسلك هذا المسلك عن طريق مخاطبته للعقل المعاصر مستشفا ذلك من قوله تعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا).ويقول: (إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين).
ويقول: (إنما بعثت بحنيفية سمحة). وكان يستخدم معارف العصر ومقاديره ومصطلحا ته وترجيح بعض الآراء الفقهية على بعض ، أو في بيان حكمة الشارع فيما شرع : إيجابا أو استحبابا ، أو تحريما أو كراهة ، أو إباحة,وكان يربط الفقه بالواقع ويحذف ما لا يتصل به من صور إفتراضية أو مسائل لم تعد قائمة في زماننا .
اشتغل الدكتور القرضاوي منذ فجر شبابه بالدعوة إلى الإسلام، عقيدة ونظام حياة، عن طريق الخطب والمحاضرات والدروس والأحاديث، وساعده على ذلك اتصاله المبكر بحركة الإخوان المسلمين، وتعرفه على الإمام الشهيد حسن البنا، وهيأ له ذلك أن يجوب محافظات القطر المصري من الإسكندرية إلىأسوان، وإلى سيناء وأن يزور بعض الأقطار العربية مثل سوريا ولبنان والأردن، بتكليف من الأستاذحسن الهضيبي ـ المرشد الثاني للإخوان المسلمين ـ لنشر الدعوة، وهو لا يزال طالباً بكلية أصول الدين. وقد لقي في سبيل دعوته كثيراً من الأذى والاضطهاد والاعتقال عدة مرات منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية في عهد فاروق سنة 1949م، وبعد ذلك في عهد الثورة في يناير سنة 1954م، ثم في نوفمبر من نفس السنة حيث استمر اعتقاله نحو عشرين شهراً، ثم في سنة 1963م.
ومما يذكر للشيخ القرضاوي أنه برغم ارتباطه بحركة الإخوان المسلمين، وانتمائه المبكر إليها، وابتلائه في سبيلها، وجهوده العلمية والدعوية والتربوية فيها، وإجماع أنصارها على عظيم مكانته فيها، نراه لا يألو جهداً في الدعوة برفق إلى النقد الذاتي لمواقفها، لترشيد مسيرتها وتحسين أدائها، وتطوير مناهجها، كما دعا بإخلاص إلى التعاون مع كل الحركات الإسلامية الأخرى، ولم ير بأسا من تعدد الجماعات العاملة للإسلام، إذا كان تعدد تنوع وتخصص لا تعدد تعارض وتناقض، على أن تتفاهم وتنسق فيما بينها، وتقف في القضايا الإسلامية الكبرى صفاً واحداً، وتعمق مواضع الاتفاق، وتتسامح في مواضع الخلاف، في دائرة الأصول الإسلامية الأساسية القائمة على محكمات الكتاب والسنة.
وقد تجلى هذا الاتجاه النقدي البناء المنصف في عدد من كتبه وبحوثه ومقالاته ومحاضراته، ولقاءاته الصحفية. كما في كتاب "الحل الإسلامي فريضة وضرورة" الباب الأخير منه، ومقالات مجلة الأمة تحت عنوان "أين الخلل؟" وقد جمعت في رسالة مستقلة، وكتاب "أولويات الحركة الإسلامية". قدمته سلسلة كتاب الأمة في كتابها الأخير: "فقه الدعوة: ملامح وآفاق" الذي جمعت فيه مجموعة حوارات "الأمة" مع كبار العلماء والمفكرين المسلمين، وكان حوارها معه حول: الاجتهاد والتجديد بين الضوابط الشرعية حاجات العصر".
قالت المقدمة في التعريف به:
"ولعل نظرة سريعة على عناوين الكتب التي قدمها للمكتبة الإسلامية تعطي صورة واضحة عن شمولية اهتماماته، والقدر الهام الذي ساهم به في تشكيل العقل الإسلامي المعاصر، وما منحه من الفقه الضروري للتعامل مع الحياة، وتصويب المسار للعمل الإسلامي، وترشيد الصحوة لتلتزم المنهج الصحيح، وتأمن منزلقات الطريق.
يرى أن الحركة الإسلامية تعني مجموع العمل الإسلامي الجماعي الشعبي المحتسب المنبثق من ضمير الأمة، والمعبر بصدق عن شخصيتها وآلامها وآمالها وعقيدتها وأفكارها وقيمها الثابتة وطموحاتها المتجددة وسعيها إلى الوحدة.
كما يرى أنه ليس من العدل تحميل الحركة الإسلامية مسئولية كل ما عليه مسلمو اليوم من ضياع وتمزق وتخلف، بل أن ذلك هو حصيلة عصور الجمود وعهود الاستعمار، وإن كان عليها بلا شك قدر من المسئولية يوازي ما لديها من أسباب وإمكانات مادية ومعنوية هيأها الله لها، استخدمت بعضها، وأهملت بعضا آخر، وأساءت استعمال بعض ثالث.
ويرى ضرورة أن تقف الحركة الإسلامية مع نفسها للتقويم والمراجعة، وأن تشجع أبناءها على تقديم النصح وإن كان مراً، والنقد وإن موجعا ولا يجوز الخلط بين الحركات الإسلامية والإسلام ذاته، فنقد الحركة لا يعني نقد الإسلام وأحكامه وشرائعه، ولقد عصم الله الأمة أن تجتمع على ضلالة ولكنه لم يعصم أي جماعة، أن تخطئ أو تضل خصوصاً في القضايا الاجتهادية التي تتعدد فيها وجهات النظر.
ويقول: أن بعض المخلصين يخافون من فتح باب النقد أن يلجه من يحسنه ولا يحسنه، وهذا هو العذر نفسه الذي جعل بعض العلماء يتواصون بسد باب الاجتهاد، والواجب أن يفتح الباب لأهله، ولا يبقى في النهاية إلا النافع، ولا يصح إلا الصحيح.
وهو لا ينكر تعدد الجماعات العاملة للإسلام، ولا يرى مانعاً من التعدد إذا كان تعدد تنوع وتخصص: فجماعة تختص بتحرير العقيدة من الخرافة والشرك، وأخرى تختص في تحرير العبادات وتطهيرها من البدع، وثالثة تعنى بمشكلات الأسرة، ورابعة تعنى بالعمل التربوي، ويمكن أن تعمل بعض الجماعات مع الجماهير وبعضها الآخر مع المثقفين، على شرط أن يحسن الجميع الظن بعضهم ببعض، وأن يتسامحوا في مواطن الخلاف، وأن يقفوا صفاً واحداً في القضايا الكبرى.
ويرى أن على الحركة الإسلامية أن تنتقل من مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل على مستوى الإسلام ومستوى العصر ـ ولا يعفيها من سؤال التاريخ أن تقول أنها كانت ضحية لمخططات دبرتها قوى جهنمية معادية للإسلام من الخارج ـ وأن تعمل في إطار النخبة والجماهير معاً. وسوف تنجح الحركة الإسلامية عندما تصبح حركة كل المسلمين لا حركة فئة من المسلمين.
ويأخذ على بعض العاملين للإسلام حرمان أنفسهم من العمل لخير الناس أو مساعدتهم حتى تقوم الدولة الإسلامية المرجوة، فهو يرى أن كل مهمة هؤلاء الانتظار فهم واقفون في طابور الانتظار دون عمل يذكر حتى يتحقق موعودهم.
ويرى ضرورة التخطيط القائم على الإحصاء ودراسة الواقع، وأن من آفات الحركة الإسلامية المعاصرة غلبة الناحية العاطفية على الاتجاه العقلي والعلمي، كما أن الاستعجال جعل الحركة الإسلامية تخوض معارك قبل أوانها، وأكبر من طاقتها.
ويأخذ على بعض العاملين للإسلام النفور من الأفكار الحرة والنزعات التجديدية التي تخالف المألوف والمستقر من الأفكار، وضيقهم بالمفكرين، وربما أصدروا بشأنهم قرارات أشبه بقرارات الحرمان.
ويقول: إن اتباع أهواء العامة أشد خطراً من اتباع هوى السلطان، لأن الذين يتبعون هوى السلطان يكشفون ويرفضون.
ويرى أن الاستبداد السياسي ليس مفسداً للسياسة فحسب بل هو مفسد للإدارة والاقتصاد والأخلاق والدين، فهو مفسد للحياة كلها.
ويرى أن الصحوة الإسلامية تمثل فصائل وتيارات متعددة كلها تتفق في حبها للإسلام، واعتزازها برسالته، وإيمانها بضرورة الرجعة إليه، والدعوة إلى تحكيم شريعته، وتحرير أوطانه، وتوحيد أمته.
ويعتبر أهم تيارات الصحوة وأعظمها هو التيار الذي أسماه "تيار الوسطية الإسلامية" لأنه التيار الصحيح القادر على الاستمرار، ذلك أن الغلو دائما قصير العمر وفقاً لسنة الله.
ويرى أن أهم المحاور التي يقوم عليها هذا التيار، والمعالم التي تميزه:
- الجمع بين السلفية والتجديد.
- الموازنة بين الثوابت والمتغيرات.
- التحذير من التجميد والتجزئة والتمييع للإسلام
- الفهم الشمولي للإسلام.
وينصح الحركة الإسلامية أن تعمل على ترشيد الصحوة، ولا تحاول احتواءها أو السيطرة عليها، فمن الخير أن تبقى الصحوة حرة منسوبة إلى جماعة أو هيئة أو حزب.
ويرى أنه ليس من العدل ولا من الأمانة أن نحمل الشباب وحدهم مسئولية ما تورطوا فيه، أو تورط فيه بعضهم من غلو في الفكر أو تطرف في السلوك، والعجب أننا ننكر على الشباب التطرف ولا ننكر على أنفسنا التسيّب، ونطالب الشباب بالاعتدال والحكمة ولا نطالب الشيوخ والكبار أن يطهروا أنفسهم من النفاق.
ويرى أنالشباب ضاق ذرعاً بنفاقنا وتناقضنا فمضى وحده في الطريق إلى الإسلام دون عون ما.
ويرى أن المؤسسات الدينية الرسمية ـ على أهميتها وعراقتها ـ لم تعد قادرة على القيام بمهمة ترشيد الصحوة الشبابية وعلاج ظاهرة الغلو ما لم ترفع السلطات السياسية يديها عنها، وأن الذي يعيش مجرد متفرج على الصحوة الإسلامية أو مجرد ناقد لها وهو بعيد عنها لا يستطيع أن يقوم بدور إيجابي في تسديدها وتشيدها، فلابد لمن يتصدى لنصح الشباب من أن يعايشهم ويتعرف على حقيقة حالها.
ويرى أن أسباب الخلاف قائمة في طبيعة البشر، وطبيعة الحياة، وطبيعة اللغة وطبيعة التكليف، فمن أراد أن يزيل الخلاف بالكلية فإنما يكلف الناس والحياة واللغة والشرائع ضد طبائعها، وأن الخلاف العلمي لا خطر فيه إذا اقترن بالتسامح وسعة الأفق، وتحرر من التعصب وضيق النظر.
ويرى أن الأمة المسلمة اليوم ابتدعت في دين الله، والابتداع في الدين ضلالة، وجمدت في شؤون الدنيا، والجمود في الدنيا جهالة، وكان الأجدر بها أن تعكس الوضع فتتبع في أمر الدين، وتبتدع في أمر الدنيا.
ويرى أن من العلماء من قصر في واجب البلاغ المبين، ومنهم من مشى في ركاب السلاطين، ومنهم من جعل من نفسه جهازاً لتفريخ الفتاوى حسب الطلب.
والحكام في الغالب أشبه بشعوبهم وهم إفراز مجتمعهم.
ولاشك أن الأخ الدكتور يوسف القرضاوي يعتبر من أبرز الفقهاء المعاصرين الذين يتمتعون بقدرة متميزة على النظر الدقيق من خلال كسبه المتعمق للعلوم الشرعية، وتجربته الميدانية في مجال العمل الإسلامي، كما يعتبر من المفكرين الذين يمتازون بالاعتدال، ويجمعون بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، وتجمع مؤلفاته بين دقة العالم، وإشراقة الأديب، وحرارة الداعية.