البسطويسي: نصف اللجان لم يشرف عليها قضاة
حوار- جهاد عز الدين
محتويات
مقدمة

- هناك انحراف تشريعي في صياغة المادة 76 له أهداف خفية
- كيف يعين الحزب الحاكم نصف لجنة الانتخابات وهو خصم؟!
- إصرار اللجنة على سرية الفرز وإعلان النتائج أمر يدعو للريبة
- شتان ما بين اللجنة العليا للانتخابات والمجلس الدستوري الفرنسي
- الحكومة تدعي أنَّ عدد القضاة غير كافٍ ثم تستبعد 2500 قاض
منذ القول بتعديل المادة 76 من الدستور، والجميع ظل ينتظر بشغف يوم الانتخاب، وكيف سيكون ورغم أنَّ المادة تمَّ تعديلها، ولجنة الإشراف على الانتخابات تمَّ تشكيلها، وأول انتخابات رئاسية في مصر تمَّ إجراؤها إلا أنَّ معركةً للقضاة ما زالت مستمرة وهو ما جعلنا نلتقي بأحد الذين خاضوا غمار هذه التجربة ومارسوا فيها دورًا عن قُرب، فمن وسط نادي القضاة، ومن بين نواب محكمة النقض، بل وأحد الذين استبعدتهم الدولة من الإشراف يتحدث المستشار هشام البسطويسي عضو اللجنة التي شكلها نادي القضاة للتحقيق في تجاوزات يوم الانتخاب عبر سطور هذا الحوار.
- بدايةً وقبل الخوض في تفاصيل أول انتخابات رئاسية في مصر- هل تعتقد أن تعديل المادة 76، بما أثارته عقبها من أزمات دستورية وتشريعية، لم تكن سوى خدعة من الحكومة لجلب مثل تلك البلابل، أم أنها بحق نصر سياسي كما يصوره البعض؟
- كانت مصر بالفعل في حاجةٍ لأن يُصبح اختيار الرئيس بالاقتراع الحر المباشر، خاصةً أنَّ مسألة الاستفتاء قد انتهت من العالم كله، ولكن للأسف، ما تمَّ بعد ذلك من صياغة المادة وما ترتب عليه من إجراءات، أضاع الهدف الأساسي، من التعديل بل وصادر حق الشعب في الاختبار، وبعيدًا عن الحديث عن الفقرة الخاصة بالقيود على الترشيح، فهذا شأن السياسيين يعترضون عليه كما شاءوا، ولكن ما يعنينا هنا، هو اللجنة المشرفة على الانتخابات وطريقة تشكيلها، والصلاحيات والاختصاصات التي مارست بها عملها، فقد جاء ذلك كله، مخالفًا للدستور ذاته، وهذا التضارب الدستوري أخطر في أي دولة من مجرد اعتراض شعبها على مادة أو أكثر.
المادة 76
- إذن لنبدأ أولاً في التعليق على المادة من حيث الصياغة.
- الدستور بعكس النصوص القانونية، هو عبارة عن فلسفة تضع الإطار العام، والعقد الاجتماعي الذي يتوافق عليه الشعب، ولذا فلا يوجد دستور في العالم به مادة تحوي هذا العدد الهائل من الأحكام والكلمات، وصياغة مشوهة بتلك الصورة، إنما تفضح بجلاء الهدف غير السوي من ورائها وهو تحصين هذه الأحكام المعيبة من الطعن عليها، بوضعها في صلب الدستور؛ لأنه من المعروف أنَّ الأخير لا يتغير إلا بنيةٍ من رئيس الجمهورية، وهذا هو ما يُسميه الفقه القانوني (الانحراف التشريعي) أي الانحراف في صياغة النصوص لهدف خفي.
- وبماذا تضاربت المادة بعد صياغتها الجديدة مع الدستور ذاته؟
- الدستور المصري قائم على مبدأ الفصل بين السلطات، أما لجنة الإشراف على الانتخابات، فقد منحت السلطات الثلاثة جميعها في يدٍ واحدة، فمن ناحية تنازل أمامها مجلس الشعب عن كافةِ سلطاته فيما يخص قضية الانتخاب، فقد ترك لها تحديد المواعيد والإجراءات وطُرق الدعاية، كما أصبحت تملك سلطة تنفيذية لم تعط في يوم من الأيام لوزير الداخلية حين كان مشرفًا على عملية الانتخابات برمتها، والأخطر من ذلك أنها أصبحت سلطة فوق القضاء؛ فقراراتها محصنة ضد الطعن عليها أمام أي جهة، وهو ما يخالف بوضوح المادة (68) من الدستور والتي تنص على عدم جواز تحصين أي قرار إداري من الطعن عليه.
لجنة الانتخابات
- وهل تعتبر قرارات اللجنة إدارية بما تحويه من عدد كبير من القضاة؟
- اللجنة من حيث التشكيل تتكون من رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا، وعضوية كل من النائب الأول لرئيس محكمة النقض، ومثله في مجلس الدولة، بالإضافة إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة، ولم يتوقف الأمر عند هؤلاء، فهناك أيضًا خمسة من الشخصيات العامة، تختارهم الأغلبية الكاسحة في البرلمان؛ أي أنَّ من يختارهم هو الحزب الحاكم الذي له مرشح في الانتخابات، أي أنه خصم أعطى لنفسه الحق في اختيار الأشخاص الذين سيحكمون بينه وبين منافسيه، وهو أمر غير مسبوق في العالم، وقد كان من المفترض أن تكون هناك لجنة أو جهة محايدة تتولى تشكيل اللجنة، وكان لنادي القضاة اقتراحٌ أيده الشعب المصري بكل طوائفه باستثناء الحزب الحاكم وهو أن تتشكل اللجنة من قضاةِ الحكم وحدهم دون الشخصيات العامة، وأن يتم اختيار القضاة عن طريق الانتخابات داخل الجمعيات العمومية للمحاكم، بمعنى أن تنتخب الجمعية العمومية لمحكمة النقض ثلاثة من أعضائها، ومثلهم من الاستئناف ومجلس الدولة، وهؤلاء التسعة يختارون من بينهم رئيسًا وهنا يكون تحصين القرارات ضد الطعون مقبولاً إلى حد ما طالما أنه لا شك في حيادية وموضوعية اللجنة، لكن أن ينفرد حزب منافس داخل الانتخابات بتشكيل وتحديد اختصاصات ووظائف لجنة الفصل بينه وبين الأحزاب الأخرى، فهذا أمر غير مقبول.
- ولكن د. إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستوري، يعترض دومًا، على إقحام المحكمة الدستورية في العمل السياسي، مؤكدًا أنَّ ذلك سعيًا من الدولة للحد من اختصاصاتها، وتحويلها من راعٍ للدستور إلى مجرد رقيبٍ سياسي.. فكيف ترى ذلك الرأي؟
- الأمر على ناحيتين، فمن جهةٍ لا بأسَ من اشتراك رئيس المحكمة الدستورية، بحثًا عن أشخاصٍ لهم صفة الحيدة، وهو شرط لا يكفيه أن يكون الشخص قاضيًا، وإنما لا بد أن يكون منتخبًا من بين القضاة أو من الشعب، وهذا يجرنا للأسف للقول بأن الأزمةَ في المحكمة الدستورية أن رئيسها نفسه معين وليس منتخبًا، أي أنه يأتي مفروضًا على المحكمة ذاتها، وذلك بقرارٍ من رئيس الجمهورية، دون أن يجلس للفصل في أية قضية دستورية ولو لساعةٍ واحدة من قبل، بالرغم من أنَّ حساسية منصب هكذا يقتضي أن يكون صاحبه مارس هذا العمل من قبل، فضلاً عن أن يكون له دراية وخبرة كافيتين.
- وكيف ترد على د. فتحي سرور، حين يؤكد أنَّ تحصين قرارات اللجنة من الطعن أمر مقبول وسبقنا إليه المجلس الدستوري الفرنسي؟
- الفرق كبير بين اللجنة وهذا المجلس المذكور، فالأخير يضم في عضويته رؤساء الجمهورية السابقين، ونحن بالطبع ليس لدينا هذا اللقب، كما أنهم منتخبون انتخابًا حرَّا مباشرًا من الشعب وليسوا معينين، وأشخاص كهؤلاء وصلت من قبل لأعلى مناصب في الدولة ليس لها أطماع أو آمالٍ في مناصب أخرى، وبالتالي لا يسهل إغراؤها أو التأثير عليها، أما لجنتنا، فمَن يضمن لنا أنهم لم ولن يتعرَّضوا للإغراء، وإذا سلَّمنا بذلك للقضاة فكيف تبتعد بالشخصيات العامة عن تلك الشبهة أو على الأقل الشكوك في تطلعها للمناصب الهامة، وليس أدل على تلك الفروق من الممارسة نفسها فلم نسمع عن أية قرارات معيبة أو مخالفة للدستور صدرت عن هذا المجلس الفرنسي، بعكس لجنة الانتخابات هنا وفي أول تجربة تتعرض لها.
مآخذ عديدة
- ننزل الآن لأرض الواقع، لنرى كل تلك المآخذ على اللجنة، كيف ترجمها يوم 7 سبتمبر الماضي؟
- أولاً: أعطت اللجنة لنفسها حق منع منظمات المجتمع المدني، بل والمجتمع كله من مراقبة الانتخابات، بالرغم من أنها آليات معروفة ومتبعة في العالم كله، وبالرغم من أنَّ القانون والدستور لم يعطيا اللجنة حق مصادرة الحقوق الأصيلة للأفراد، إلا أنَّ صياغة المادة 76 صورت للقائمين على اللجنة أنهم يملكون إمكانية مصادرة أي وكل حق.
- ثانيًا: صدرت العديد من القرارات الخاطئة، فمن المعروف أنَّ غمس أصبع المواطن في الحبر الفسفوري مرحلة سابقة على التصويت، وليست تالية له، وإلا فكيف نُجبر المواطن بعد أن يضع صوته في الصندوق على غمس أصبعه، وإذا رفض وامتنع فكيف نبطل حينها صوته، بعد أن ضاع وسط العديد من الأصوات داخل الصندوق، وهو الأمر الذي سهَّل التلاعب في الكثيرِ من اللجان.
- ثالثًا: تأتي بدعة كشوف الوافدين، فقد كانت تعليمات اللجنة تؤكد على قبول التصويت من أي فرد في أي لجنة غير المقيد بها، طالما كانت معه بطاقته الانتخابية وبطاقته الشخصية بالرغم من أن وجود البطاقة الانتخابية ليست دليلاً على أنَّ حاملها له حق الانتخاب، أو أنه مقيد في الجداول الانتخابية، فالدولة هي التي تصدر تلك البطاقات، وتقوم بتوزيعها على الأفراد، والأهم من ذلك أنه كانت هناك تعليمات شفوية لرؤساء اللجان أفصح عنها رؤساء اللجان أنفسهم شددت على عدم التقيد بالبطاقة الانتخابية أو التدقيق في أمرها، والسماح لأي مواطن يحمل البطاقة الشخصية بالإدلاء بصوته كوافدٍ في أيةِ لجنة، كل ذلك يدلُّ على عدم وجود آلية لضبط تلك البدعة مما أفسح الطريق للغرض والهوى، وأصبح بابًا لتزوير الاقتراع.
- رابعًا: أكثر من نصف اللجان كان يشرف عليها محامي الحكومة وأعضاء النيابة الإدارية والنيابة العامة، وهؤلاء ليسوا قضاة بحكم القانون، فطبقًا للمحكمة الدستورية القضاة المعنيون في الإشراف على الانتخابات هم (من جبلوا على الحيدة والاستقلال والفصل في المنازعات) وأعضاء الهيئات القضائية بحكم وظائفهم تابعون للسلطة التنفيذية ويخضعون لرقابتها، ومن الأدلة على ذلك واقعة حدثت مع أحد الزملاء في الإسكندرية؛ حيث شكا له المواطنون أنَّ هناك سيدةً بباب اللجنة تدعي أنها هي المشرف على الانتخابات هناك، وأنها تحثهم على التصويت لمرشح الحزب الوطني، بل وتتوعد مَن يخالف ذلك بتوقيع غرامة مالية عليه، وبعد استيضاح الأمر تبيَّن أنَّ تلك السيدة وكيلة نيابة إدارية، وهي بالفعل عضو اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات في الإسكندرية، وقد تركت مقرَّها، للمرور على بقية اللجان الفرعية، لِتكُره المواطنين على اتجاهٍ معين في التصويت.
- خامسًا: الصلاحيات الأسطورية للجنة في الدستور، لم تجعلها فقط محصنة ضد الطعن عليها، بل حرَّم على أية جهة تفسير أو تأويل قراراتها وما تتخذه من إجراءات، كل ذلك بالطبع أعطاها فرصة التجرؤ على عدم تنفيذ أحكام القضاة بلا مراجعةٍ من أحد.
- هل هذا هو ما دفع القضاة لإعلان إبراء الذمة من نتائج الانتخابات؟
- ليس ذلك فحسب، فالإصرار على سرية الفرز، وسرية إعلان النتائج، أمر غريب ويوحي بالشك، ففي العالم كله، لا بد أن يكون الفرز علنيًا، يحضره مندوبو المرشحين لكن ما حدث هو طرد كافة المندوبين من الفرز وإعلان النتائج في السر للجنة العامة فقط دون أن تكون هناك أية ضمانات أن ما كان في الصناديق هو نفسه ما تمَّ الإعلان عنه، والقول بعدم التشكيك في اللجنة؛ لأنَّ أعضاءها من القضاة، أمر غير كافٍ للثقة، فالوسيلة الوحيدة للطمأنينة هي العلانية والعمل تحت رقابةِ الناس، بل إنَّ هؤلاء القضاة بذلك عرَّضوا سيرتهم القضائية للشبهة، وهذا لا يليق.
- كيف يتبدل الأمر، ويكون التأكيد على سرية الفرز، وأين الضمانات لسرية الاقتراع؟
- للأسف، فالتعليمات التي صدرت وهي عدة صفحات، لم تتضمن كلمةً واحدةً عن ضمانات سرية التصويت وكأنها شيء غير مهم وغير قابل للتعرض له، فلم يأتِ مثلاً ذكر (السواتر)، وضرورة أن يكون عددها مطابقًا للصناديق، كما أن القاضي بمفرده مسئول عن خمسة أو ستة صناديق، وكل صندوق كان يقف عليه ما لا يقل عن اثنين من موظفي الحكومة أو من تابعي الحزب الحاكم، وهو ما يخالف تعليمات اللجنة نفسها، مما وضع المواطن البسيط في حرج أمام من يعطيه ورقة الانتخاب، ويظل ينظر إليه وهو يشير، ثم يصاحبه إلى الصندوق حيث يضع الورقة، كل ذلك والقاضي وحده لا يستطيع مراقبة كل الصناديق في وقتٍ واحد، فقد كان من المفترض، أن يتبع كل قاضٍ صندوق واحد فقط، وأن تجري حينها الانتخابات على ثلاثة أو أربعة أيام، أو على الأقل تتم توسعة اللجان، وبدلاً من أن يقبل الصندوق 600 صوتٍ يقبل ألفًا أو أكثر، وبالطبع كل تلك الحلول والاقتراحات لم يلق إليها أحدٌ بالاً.
التدخل الأجنبي
- ذكرتم من قبل أنَّ إغلاق باب الطعن أمام المحكمة الوطنية يفتح الباب لأن يكون التقاضي أمام محاكم أجنبية، فهل نحن على مقربة من تدخلات أجنبية من وراء تلك اللجنة؟
- أي شخصٍ له الحق في اللجوء إلى المحاكم الأجنبية، طالما حُرِم من حق التقاضي داخل بلده، ولن تكون تلك أول تجربة فقد قامت من قبل شركة بمقاضاة حكومة دولة الإمارات وذلك أمام محكمة في إنجلترا, وحينما حاولت الإمارات الدفع بعدم اختصاص المحكمة, جاءت حيثيات الحكم مؤكدةً أنه بعد البحث ثبت أنَّ النظام القضائي لدولة الإمارات لا يتيح محاكمة عادلة منصفة، وفقًا للمعايير الدولية, وبالتالي لا يعتد دوليًا به, ويستطيع أي شخص اللجوء لقضاء دولة أخرى, وتلك الواقعة ليست غريبة إذا علمنا باختلاف مفهوم السيادة الوطنية الآن عمَّا سبق, وبالتالي فنحن لم نحقق تجربةً رائدةً ونصرًا سياسيًّا بقدر ما يسرنا طرق التدخلات الأجنبية على راغبيها.
سياسة الأمر الواقع
- سؤال آخر حيَّر البعض, كيف تصدر الجمعية العمومية لنادي القضاة, تقريرًا يؤكد بطلان الإجراءات التي تمَّت في الاستفتاء على المادة 76، وبالتالي عدم الاعتداد بنتيجته، ومع ذلك يتم إجراء الانتخابات وكأنَّ شيئًا لم يكن؟
- نادي القضاة ليس محكمة أو جهة مخولة لإصدار أحكام على الأشياء, ولكنه مثله في ذلك مثل بقية منظمات وجهات المجتمع المدني, يراقب ويصدر توصيات, والمفترض- بالطبع- أنَّ الدولةَ التي تحترم شعبها عندما تجد الرأي العام أو جهات موثوق بها قد أبدت رأيًا مُعينًا, لا بد إذن من احترام هذا الرأي, وتعديل المواقف تبعًا لذلك, لكن عندنا مع الأسف, الحكومة تمارس سياسة الأمر الواقع, فالنص والمادة, قد أصبحا أمرًا ساريًا والدولة بمالها من سلطة سوف تعمل هي النص, ولن تأبه بكل ما يثار.
- وكيف تفسر الحكم الصادر من القضاء الإداري إبان الطعون العديدة على إجراءات الاستفتاء, من حيث البطاقة, وتنقية الجداول, بأن الاستفتاء من أعمال السيادة التي لا يجوز الطعن في شئونها؟
- أولاً كون الاستفتاء من أعمال السيادة, هو اجتهاد لمجلس الدولة, وليس قاعدة قانونية يجب العمل بها, كما أنه أمر ساد في ظل مفهوم للسيادة الوطنية تغير الآن ولا يصح أن نظل أسرى له.
لجنة تحقيقات
- هل عدم الأخذ بما جاء في تقريركم بشأن الاستفتاء, سيصيب القضاة بشيء من الإحباط أم ستسعون بالفعل لإصدار مثيل له بشأن الانتخابات الرئاسية؟
- نادي القضاة شكل بالفعل لجنةً لإجراء تحقيقات قضائية فنية منضبطة، فهناك تجاوزات كثيرة تناقلتها الألسنة والصحف, ولكنها تحتاج إلى تحرٍ وتوثيق, مثل القول بوجود حبر فاسد, يتتبع أخذ عينات منه وتحليلها بالفعل، وأيضًا المواطنون الذين انتخبوا في أكثرِ من لجنة, كم كان عددهم؟ وهل كان بالفعل مؤثرًا؟ ومن ناحية أخرى بدعة الوافدين والبطاقات الانتخابية المزورة, كل ذلك يتتبع الكشف عن أوراق الانتخابات وجداول الناخبين ودراسة ما حدث بدقة, وقد تقدمنا بالفعل للجنة الانتخابات بطلبٍ لإعطاءنا تلك الأوراق, وحتى الآن لا نعرف إذا كانت ستتعاون معنا أم لا, ومع ذلك فقد لا ننتهي من ذلك التقرير قبل شهر أو أكثر.
- ولكن إذا ثبتت وقائع التزوير, هل سنواجه حينها أزمة رئيس غير دستوري, خاصةً مع الجزم من قبل بفساد الاستفتاء؟
- الوضع ليس نصًا دستوريًّا أو قانونيًّا سوف نطبقه وكفى, خاصةً أنه ليست لدينا محكمة مختصة لنظر مثل تلك الدعوى, ولكن الأزمة الحقيقية هي في أن الشعب إذا فقد الثقة بأنَّ رئيسه هو فعلاً مَن أراده واختاره, سوف يكون رئيسًا ضعيفًا, خاصةً أمام العالم, صحيح أنه سوف يمارس مهامه, ولكن النظرة إليه من الداخل والخارج ستكون مهتزة, وكنا نود لرئيس مصر أن يتولى بقوة وشرعية أكثر من ذلك, خاصة أنه لم تكن هناك أية مبررات للإساءة للتجربة, ولذا فسيظل التاريخ يذكر أنَّ أول انتخابات رئاسية مصرية قد أثارت الشبهات القانونية والدستورية, وفتحت أبواب التدخل الخارجي.
- هل نسبة المشاركة التي لم تتعد 23% يثير شبهات قانونية أيضًا؟
- بالطبع, فالرئيس الحالي يتولى أمور أكثر من 70 مليونًا, بالرغم من أن مَن انتخبه 6 ملايين فقط, من أصل 7 ملايين ناخب, خاصةً أنه من المعروف أن تلك النسبة بها جزء مصطنع, وهم من استطاع الإدلاء بصوته أكثر من مرة.
استبعاد القضاة
- يبقي أخيرًا الحديث عن معركة القضاة، فهل كان قرار استبعاد 2500 قاض، أمر يمس هيبة واستقلال العدالة؟
- ليست هناك معركة للقضاة، كل ما في الأمر أننا حريصون على الوصول لقضاء مستقل عن السلطة التنفيذية والتشريعية، وقد ظل السابقون، يحاولون في ذلك إلى أن صدر أول قانون للسلطة القضائية في مصر عام 1949م يقنن هذا الاستقلال، وتمتعنا به حتى ثورة يوليو التي انتقصت من ذلك الحق، بإلغاء الانتخاب مثلاً في مجلس القضاء الأعلى وإنشاء العديد من المحاكم الاستثنائية، وحاليًا القضاة ليسوا في معركةٍ مع أحد، ولكنهم حريصون على المطالبةِ بحق الشعبِ المصري في أن يكون القضاء مستقلاً، فتلك ميزة للشعب وليست للقاضي.
- نعود إذن للحديث عن قرار الاستبعاد.
- بالرغم من أنَّ اللجنة قبل الانتخابات ملأت الدنيا ضجيجًا وصياحًا بأنَّ عدد القضاة لا يكفي، وهم مضطرون للاستعانة بغير القضاة، وبالرغم من ذلك تستبعد 2500 من هؤلاء القضاة، وذلك بحجة اشتغالهم بالسياسة، وهو قول غير حقيقي، ويعتبر قذفًا يستوجب العقاب عليه، وسنسائلهم عليه فعلاً، فهؤلاء القضاة وأنا واحد منهم لم ينضموا لحزبٍ أو يميلوا لاتجاهٍ على حساب آخر كل ما أرادوه هو استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات، ولا يمكن أن يُتهم مَن يطالب بالاستقلال والحيدة بالعمل السياسي، بل على العكس الذي يقاوم العدالة ويريد أن تظلَّ السلطة التنفيذية مسيطرة على القضائية، هذا هو مَن يشتغل بالسياسية لانحيازه التام للحزب الحاكم على حساب بقيه الشعب والأحزاب.
مقاطعة الانتخابات
- ولكن لماذا اتخذ القضاة من قبل موقفًا بمقاطعة الإشراف ثم تراجعوا عنه؟
- كان القرار معلقًا حتى موعد انعقاد الجمعية العمومية في 2 سبتمبر الجاري، وفيها أعدنا تداول ومباحثة الأمر، فوجدنا المقاطعة لن تفيد أحدًا، فالحكومة من الأفضل لها الإتيان بالهيئات القضائية وأعضاء النيابة الإدارية والعامة فيقوموا بالإشراف كله وينتهي الأمر، ولذا فحين قررنا المشاركة كشفوا هم عن وجههم القبيح باستبعاد قضاة مشهود لهم بالعدل والحيدة؛ الأمر الذي فضح النوايا المبيتة تجاه التلاعب في الانتخابات، نفس الأمر حدث إبان الاستفتاء فقد كانت 5% فقط من اللجان تحت إشراف قضاة حقيقيين، ومع ذلك أمكن لهؤلاء، كشف الفساد والتجاوزات التي حدثت وقتها، ولذا فقد وجدنا أنَّ الأمور- بدون القضاة- كانت ستظهر للعالم وكأنَّ كل شيء صحيح، أما المشاركة فهي أجدى وأنفع للشعب وللمرشحين، وفي نفس الوقت أعلنَّا أننا بريئون من النتائج أيًَّا ما كانت فهي ليست مسئوليتنا، فمن ناحيةٍ فالقاضي غير مستقل ولم تتم الاستجابة لمطالبنا بإصدار قانون السلطة القضائية قبل الانتخابات، ومن ناحيةٍ أخرى لم يكن القضاة هم المشرف الوحيد في حين تمَّ استبعاد عدد كبير من القضاة، وأصرَّت اللجنة على سرية الفرز ولم تحرص على سرية الاقتراع، ونحن هنا لا نتحدث عن نجاح (مبارك) من عدمه، ولكن الحديث عن تجربة كان من المفترض أن ينظر إلينا العالم بعدها باحترام، فالشعب المصري ليس أقل من أي شعبٍ آخر يمارس الديمقراطية بحق.
- وما الوضع للانتخابات قبل عام 2000م وإعمال نص الإشراف القضائي؟
- كلها كانت انتخابات باطلة بحكم الدستور ووفقًا للمادة 88 التي تنص على وجوب الإشراف، وقد قضت بالبطلان فعلاً المحكمة الدستورية، وهي الإشكالية التي أثارت قضية أنَّ القوانين الصادرة عن مجلسٍ تشريعي باطل تصبح باطلة أيضًا، ولكنَّ المخارج لمثل تلك الأزمات متاحة باستمرار فقد غضوا الطرف عن الحكم زعمًا بخطورة حدوث انهيارٍ تشريعي مع التوصية للمجالس التالية بإعادةِ النظر في تلك القوانين واعتبار ما فات أمر واقع وانقضى، وهكذا كل الشبهات الدستورية والقانونية الحالية، ستصبح أيضًا أمرًا واقعًا وانتهى.
نادي القضاة
- الخلاف الذي حدث بين القضاة، البعض أقرَّ المشاركة والبعض عارضها يصوره البعض على أنَّ انقسامًا يدب داخل نادي القضاة، فما حقيقة الوضع؟
- التهويل يأتِ ممن لم يعتد الديمقراطية، ويظن أنَّ أي خلافٍ في الرأي معناه انقسام، بل على العكس، نحن حريصون على الاختلاف حتى نصل للأصوب، عن طريق الحوار المنضبط، ثم نحتكم للتصويت، والأقلية تلتزم برأي الأغلبية وهو ما حدث بالفعل، ولكن
- الشيء الغريب بحق، هو الموقف الشاذ المستمر من مجلس القضاء الأعلى تجاه غالبية القضاة، فما يصدره حاليًا من بيانات يصفنا فيها (بالقلة المارقة) وما شابه، هو فعلاً ما نرى فيه سلوكًا معيبًا لم يصدر عن جهةٍ قضائية من قبل، ومع ذلك فنحن تجاوزنا تلك الأزمة ونأمل من مجلس القضاء أن يتريثوا في إصدار أحكامهم ولا يخالفوا جموع القضاة.
- لا نتصور أن تبدءوا معركةً ثم تتغاضون عنها، فما الموقف الحالي من قانون السلطة القضائية؟
- كان إصدار ذلك القانون ضمن وعود الرئيس الانتخابية ونتمنى أن يفي بوعده قبل الانتخابات البرلمانية.
- ولماذا مهلة 30 أكتوبر؟ وماذا تعني؟
- هي فقط للمتابعة، بعدها نجتمع ونرى الموقف المناسب، فمنذ ستة أشهر تقريبًا أبدى بعض الزملاء الرغبة في الدفاع عن الأمر بطرق عنيفة بعض الشيء كالتظاهرات والاعتصامات، وتعليق الجلسات وهي الطرق التي لم يسبق للقضاة أن اتبعوها من قبل، ولذا هدأنا الزملاء قليلاً وأمهلنا أنفسنا وإياهم لنرى الدولة كيف تتصرف إلى ما قبل الانتخابات البرلمانية، خاصةً أنَّ الأمر لا يحتاج إلى انعقادٍ برلماني، بل يكفي أن يصدر رئيس الجمهورية قرارًا جمهوريًّا يكون له سلطة القانون طالما كانت هناك ضرورة عاجلة ثم يتم عرضه بعد ذلك على البرلمان، وبالطبع ليست هناك ضرورة أهم من اقتراب الانتخابات التشريعية وتحتاج لقضاء مستقل، حتى لا تتعرض هي أيضًا للشكوكِ والشبهات.
دستور غير صالح
- ما النصوص الدستورية الأخرى الملحة في تغييرها الآن؟
- الدستور كله لم يعد صالحًا الآن، فلا يصح أن تحكم فلسفة مجموعة من النصوص، تكون على النقيض من مجموعة نصوص أخرى، وللأسف هذا التضارب الدستوري، أخطر من وجود قانون غير دستوري، على الأقل فالأخير يقبل الطعن فيه أمام المحكمة الدستورية، أما التضارب الدستوري لا توجد محكمة تنظر فيه.
- ومن ناحية أخرى فلا يمكن تعديل المادة 76 دون تعديل المادة 75 التي تضع شروطًا لمرشح الرئاسة، والمادة 77 التي تحدد مدد الرئاسة، فالعالم كله متفق الآن على ألا تزيد المدد الرئاسية عن دورتين فقط.
- وهناك مواد أخرى كثيرة مثل الحديث عن القوات المسلحة، فكيف نفتح باب الترشيح الرئاسي وللرئيس- وفقًَا للدستور- هذا الكم من الصلاحيات للتدخل في القوات المسلحة، فلا بدَّ من أن نضمن قدرًا من الاستقلال لها، ولا تكون طوع بنان فرد أيًّا كان، يوجهها تبعًا لإرادته فقط، فالجيش ليس ملكًا لحزبٍ على حسابِ حزبٍ آخر بل هو ملك للشعب، كما أن مهمة القوات المسلحة في الدستور الحفاظ على المكاسب الاشتراكية، وهو ما يعني أننا حين ألغينا التأميم واتجهنا للخصخصة، وفقًا للدستور على الجيش أن يقوم بانقلاب.
المصدر
- مقال:البسطويسي: نصف اللجان لم يشرف عليها قضاةإخوان أون لاين