الاجتماع الدولي : تصاعد السجال الإسرائيلي ـ الفلسطيني (ملف)
بقلم : «الحرية» ـ رام الله ـ القاهرة ـ نيويورك
يتفق المراقبون أن قضية الاجتماع الدولي، الذي دعا له الرئيس الأميركي جورج بوش، على أن ترعاه وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، أخذت تطغى أكثر فأكثر على اهتمامات الحالة الفلسطينية، خاصة في ظل تطورات ومستجدات شبه يومية، من شأنها أن تلقى المزيد من الأضواء الكاشفة، على ما كان قد خفي من هذا الاجتماع، وتجيب على العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام المطروحة حوله.
ليفني: القضايا المتفق عليها
@ فالسجال الإعلامي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تصاعد، وفي اتجاهين مختلفين.
فوزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني لا تنفك تحذر من خطورة الذهاب بعيداً في التفاؤل بما يمكن أن يسفر عنه هذا الاجتماع من نتائج.
وبذريعة التحلي بالواقعية، تدعو ليفني الجهات المعنية إلى ضرورة أن يعالج الاجتماع فقط «القضايا المتفق عليها».
وأن يتجاوز القضايا المختلف عليها، دون أن تحدد الموعد القادم لمناقشة مثل هذه القضايا.
وطبعاً للمراقبين فإن القضايا المختلف عليها هي القضايا الكبرى، كشروط قيام الدولة الفلسطينية وحدودها وعلامات سيادتها، وقضايا المياه والقدس والمستوطنات واللاجئين وغيرها.
أما القضايا المتفق عليها فهي تكاد تكون نادرة، جداً.
حتى أن بعض المراقبين تساءل مستنكراً عن هذه القضايا المتفق عليها ـ حسب تقديرات ليفني ـ إذ لاحظ هؤلاء أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حكومة تل أبيب إيهود أولمرت لم يتوصلا، رغم اللقاءات المتكررة بينهما، إلى الاتفاق على قضايا جزئية ومحدودة، كإطلاق سراح دفعات من الأسرى والمعتقلين، وإعادة المبعدين، وتخفيف الحواجز والإجراءات عليها، وتسهيل تنقلات الفلسطينيين وغير ذلك من قضايا تحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال.
ويخلص المراقبون إلى إن تصريحات ليفني هذه حول القضايا المتفق والمختلف عليها، تتنبئ منذ الآن بأن ما سيسفر عنه الاجتماع الدولي لا يساوي الضجة في الأوساط السياسية.
ما هي الواقعية؟!
@ ويلاحظ المراقبون في السياق نفسه أن ردود محمود عباس على تصريحات ليفني توضح المسافات الشاسعة التي تفصل بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي.
فقد رأى عباس أن «الواقعية» التي دعت لها ليفني تتطلب ـ إذا ما كانت دعوة حقيقية ـ معالجة القضايا المعلقة والتي تعطل إمكانية الوصول إلى التسوية والسلام في المنطقة، ويعني بها قضايا الحل الدائم.
ويلاحظ المراقبون أن رد عباس على ليفني يكشف كيف أن رؤية الجانب الفلسطيني إلى الاجتماع الدولي تختلف بشكل جذري عن رؤية الجانب الإسرائيلي.
فرام الله ـ كما يقول المراقبون ـ تطمح إلى أن يشكل الاجتماع مدخلاً لاستئناف مفاوضات الحل الدائم.
حتى أن عباس ذهب في موقفه إلى حد القول إن قضايا الحل الدائم لا يتطلب الاتفاق حولها أكثر من ستة أشهر إذا ما توفرت لدى الطرفين النية لحلها.
ويرى المراقبون أن عباس في موقفه هذا يتجاهل كل التقديرات السياسية التي تقول إن إسرائيل وحكومتها ليستا في حال تؤهلهما للوصول إلى حل مع الجانب الفلسطيني، وأن ما يتم التحضير له في الولايات المتحدة لا يتعدى لقاءاً إعلامياً ليس أكثر، لن يقود إلى نتائج عملية ذات قيمة استراتيجية.
تجاوز المبادرة العربية
@ كذلك يلاحظ المراقبون أن ليفني، في مواقفها المعلنة دعت الدول العربية إلى التخلي عن مبادرة السلام كما أقرتها قمة بيروت وأعادت إحياءها قمة الرياض. ويقول المراقبون إن ليفني دعت إلى «سياسة جديدة» إزاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، حين دعت العرب «ألا يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين»، وحين دعت العرب أيضاً إلى «تشجيع الفلسطينيين على التجاوب مع المواقف الإسرائيلية».
كذلك حين دعت العرب إلى «تقديم تنازل كلما قدمت إسرائيل تنازلاً للفلسطينيين».
ويقول المراقبون إن ليفني بدعوتها هذه إنما تدعو العرب إلى خطوات متلاحقة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل خطوات إسرائيلية جزئية، لا تمت بصلة إلى قضايا الحل الدائم.
ويرى المراقبون أن السياسة الإسرائيلية هذه من شأنها أن تدخل الحالة العربية في شباك المناورات الإسرائيلية.
لأن اعتماد إسرائيل سياسة الباب الدوار لا يمكنها من التحايل على أي خطوة جزئية قد تتخذها هنا أو هناك، فتتراجع عنها، لتعود مرة أخرى لتقدمها إلى الفلسطينيين مقابل ثمن عربي جديد.
شروط أولمرت
@ كما لاحظ المراقبون أن إيهود أولمرت دخل هو أيضاً على خط الاشتراطات المسبقة، وخط قطف ثمار الاجتماع الدولي حتى قبل انعقاده.
إذ اشترط أولمرت أن تلتزم الدول العربية المدعوة إلى الاجتماع باشتراط اللجنة الرباعية، أي أن تعترف بإسرائيل، وأن تتعهد بنبذ الإرهاب ومكافحته، وأن تبارك الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وإذا ما تذكرنا أن الدول المدعوة هي لجنة المتابعة العربية (12 دولة) وعدداً من الدول الإسلامية ك إندونيسيا و ماليزيا وغيرها، لا تصح جلياً، كم ستكسب إسرائيل في ميدان تطبيع العلاقات بينها وبين الدول العربية والإسلامية، وكيف تكون قد نجحت في تجاوز مبادرة السلام العربية التي تشترط التطبيع بالانسحاب الإسرائيلي الكامل حتى حدود الرابع من حزيران (يونيو) وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين طبقاً للقرار 194.
الملاحظ، في السياق نفسه أن أحداً من الدول العربية لم يرد مباشرة على اشتراطات أولمرت، وإن كانت بعض المواقف العربية، كالموقف السعودي، تجاوزت اشتراطات رئيس حكومة إسرائيل، حين حاولت أن ترسم للاجتماع جدول أعمال طبقاً للمبادرة العربية، وبما يقود إلى حل قضايا الوضع الدائم.
تفاؤل فلسطيني بلا أساس
@ على صعيد آخر لاحظ المراقبون أن الجانب الفلسطيني، ورغم بعض التصريحات المتشددة التي تصدر عن بعض الناطقين باسمه، كالمستشار السياسي للرئيس عباس السفير نمر حماد، أخذ في التراجع أمام الضغط الإسرائيلي، ويبدي لهفة مكشوفة لحضور الاجتماع، أياً كانت الشروط، ومهما انخفض سقف المرتقب منه.
فقد نزل الجانب الفلسطيني عند موقف أولمرت الذي دعا إلى الاكتفاء بـ «بيان مشترك» يقدمه الجانبان إلى الاجتماع، تعبيراً عن التوافق بينهما.
اللافت للنظر أن الجانب الفلسطيني بين موقفه مقلوباً، إذا وافق مسبقاً على البيان المشترك حتى دون الاتفاق على ما سوف يتضمن هذا البيان.
فعباس على سبيل المثال، يطمح إلى أن يكون هذا البيان أقرب إلى «اتفاق إطار» يحدد الخطوط العامة لمعالجة قضايا الحل الدائم.
بينما يريده أولمرت بياناً عاماً، غامضاً بهوامش عريضة لمناورات إسرائيلية للتملص من استحقاقات الحل الدائم.
ويرى المراقبون أن ميزان القوى المختل لصالح الإسرائيليين، يجعل من طموح عباس مجرد أمنية لن ترى النور في الاجتماع الدولي.
@ وأخيراً، وليس آخراً، يلاحظ المراقبون أن الفريق الذي يدير المطبخ السياسي في مقر المقاطعة في رام الله، ويحضر للاجتماع الدولي، يحاول على الدوام أن ينظر إلى ما يسمى بالقسم الملآن من الكأس.
وهو القسم الصغير، والصغير جداً، إذ يصور هذا الفريق الاجتماع الدولي أنه الفرصة الأخيرة الواجب استغلالها لدفع العملية التفاوضية إلى الأمام.
ويرى المراقبون أن في المبالغة في مواقف هذا الفريق ما يلفت النظر، ويؤشر إلى أن هذا الفريق يشعر بالمأزق السياسي الذي يعيشه.
فهو من جهة يدعو إلى وقف أعمال المقاومة، والانتفاضة والاكتفاء بالعملية السياسية.
وهو من جهة ثانية يلاحظ بوضوح أن العملية السياسية، ومنذ قمة شرم الشيخ في شباط (فبراير) 2005، والتي انطلقت بين عباس وشارون، وتواصلت بين عباس وأولمرت، لم تنتج شيئاً ملموساً حتى الآن، لا على الصعيد الاستراتيجي، ولا على صعيد القضايا الجزئية.
في كل الأحوال، يرى المراقبون أن محاولات الفريق السياسي في المقاطعة في رام الله لتلميع الاجتماع الدولي هي أشبه بالنفخ في قربة مثقوبة، خاصة وأن الإسرائيليين، يزدادون تشدداً في مواقفهم كلما اقترب موعد الاجتماع الدولي.
المدعوون 36 دولة!
كشفت مصادر غربية أن المدعوين إلى الاجتماع الدولي سوف يتجاوز عددهم 36 دولة، في مقدمها الولايات المتحدة وباقي أعضاء اللجنة الرباعية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، واليابان، ولجنة المتابعة العربية (12 دولة عربية) وعدد من الدول الإسلامية كماليزيا وإندونيسيا وربما تركيا.
المصادر قالت إن الجانب الفلسطيني يرى في زيادة عدد الحضور جانباً إيجابياً وآخر سلبياً.
الإيجابي، قد يكون تعبيراً عن الاهتمام بقضية الشرق الأوسط، وإذا ما لعبت هذه الدول دوراً في الضغط على الإسرائيليين للدخول في مفاوضات جدية. والإيجابي أيضاً إذا ما تحول هذا الاجتماع إلى مؤسسة تجتمع دورياً لتتابع العملية التفاوضية وتزيل العقبات التي تحول دون تقدمها.
أما الجانب السلبي، فيتمثل باحتمال أن يتحول الاجتماع إلى مجرد مهرجان إعلامي تلقى فيه الخطب ثم سرعان ما ينفض لتعود الأمور إلى نطاقها الضيق في اللقاءات العبثية بين عباس وأولمرت.
المصادر الغربية قالت إن واشنطن وقفت خلف هذا العدد الكبير من المدعوين، وأن الهدف هو توفير السبب الضروري لتغيير عنوان اللقاء من «اجتماع دولي» إلى «مؤتمر دولي»، دون أن يطال ذلك المضمون الذي من المتوقع أن يبقى على حاله
الموعد في النصف الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر
توقعت مصادر فلسطينية أن يتحدد موعد الاجتماع في الخامس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، ولم تستبعد أن يؤجل إلى العشرين منه.
مصادر أخرى توقعت أن بعقد نهاية الشهر الحادي عشر وربطت بين التحضيرات وبين تحديد الموعد.
المصادر نفسها قالت إن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس سوف تقوم بجولة جديدة في المنطقة في النصف الثاني من هذا الشهر، لتوجه الدعوات إلى الأطراف المعنية و«لتطمئن» على «التوافق» الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
المصادر توقعت أن تمارس رايس ضغوطاً على الجانب الفلسطيني «لتليين» موقفه وبحيث يستجيب للاشتراطات الإسرائيلية الداعية إلى الخروج من الاجتماع بموقف عام، غير محدد، ولا يشكل إلزاماً للإسرائيليين في أي من قضايا الحل الدائم.
ورقة سعودية
كشفت اتصالات دبلوماسية أن الجانب السعودي الذي سيشارك في الاجتماع الدولي يعتزم تقديم ورقة يهدف من خلالها إلى قطع الطريق على مناورات الجانب الإسرائيلي، وعلى محاولات إفراغ الاجتماع من مضمونه وتحويله إلى مجرد تظاهرة إعلامية تلقى فيها الخطب دون أية نتائج.
الاتصالات أوضحت أن الجانب السعودي يهدف أيضاً في تقديم الورقة إلى قطع الطريق على أية مبادرة سياسية قد يجري تقديمها من الأطراف العربية والإسلامية تتجاوز مبادرة السلام العربية التي جرى إعادة التأكيد عليها في القمة العربية التي عقدت مؤخراً في الرياض.
الاتصالات أوضحت أيضاً أن الجانب السعودي، ممثلاً بوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل سيدعو في ورقته إلى وقف الاستيطان فوراً في المناطق الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك وقف تشييد جدار الفصل والضم والتوسع الاستيطاني والعنصري، والالتزام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والقرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي.
كما ستدعو الورقة السعودية إلى وضع إطار زمني واضح ومحدد للقيام بخطوات تمهد لإطلاق العملية التفاوضية منها مثلاً إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين وإزالة الحواجز، والانسحاب إلى خطوط 28/9/2000، والعمل في الوقت نفسه على بناء مسارات تفاوضية شاملة تتناول قضايا الحل الدائم كافة.
مصادر عربية قالت إن الموقف السعودي يأتي في سياق مناقض تماماً لتصريحات ليفني التي دعت العرب إلى الضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات للجانب الإسرائيلي.
لماذا فقد بوش صبره؟!
نقلت مصادر فلسطينية عن الرئيس الأميركي جورج بوش، في حديثه إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس في نيويورك قوله إنه فقد صبره، وأنه يستعجل عقد الاجتماع الدولي بلا إبطاء.
المصادر قالت أيضاً إن بوش دعا عباس إلى التحرك سريعاً لإنجاز التحضيرات المطلوبة لأجل انعقاد الاجتماع. التفسيرات الفلسطينية لحديث بوش تباينت بشكل واضح.
بعض مستشاري السلطة استبشروا خيراً بموقف بوش ورأوا في افتقاده إلى الصبر، إشارة إلى أن بوش حريص على أن يسفر «المؤتمر الدولي» عن نتائج عملية، تقود إلى إطلاق العملية التفاوضية بشأن مفاوضات الحل الدائم.
أطراف أخرى رأت في موقف بوش ما يدعو إلى الريبة، وأن بوش فقد صبره لأنه بحاجة إلى إنجاز سياسي «معين» يقوي به مواقفه في الداخل، في مواجهة خصومه الديمقراطيين، خاصة على أبواب انتخابات رئاسية قادمة، يدخلها الجمهوريون أنصار بوش وهم في حالة يرثى لها، إن في العراق، أو في أفغانستان ، أو في فلسطين.
مراقبون اشتموا في مواقف بوش رائحة من يرغب في تنظيم مهرجان إعلامي يغطي به فشله في السياسات الإقليمية في المنطقة، خاصة وأن حركة المعارضة لسياسته في العراق وضد إيران في اتساع، يجري التعبير عنها في التظاهرات الحاشدة التي بدأت تشهدها العاصمة الأميركية واشنطن.
الحضور رهن بجدول الأعمال
قال دبلوماسي عربي أن ثمة مشاورات بين الدول العربية المعنية بالاجتماع الدولي تناولت مستوى الحضور.
وقال الدبلوماسي أن الأطراف العربية المعنية توافقت على أن يكون مستوى الحضور رهناً بجدول الأعمال.
المملكة السعودية سوف توفد وزير خارجيتها على رأس وفد بلادها، باعتبارها الرئيس الدور للقمة العربية.
وسوف يقدم ورقة عمل مشتقة من المبادرة العربية.
مصر والأردن اتفقتا على أن يترأس وفدي البلدين وزيرا الخارجية، أحمد أبو الغيط، وعبد الإله الخطيب.
أما سوريا فقد أوضحت مصادر أنها إن قررت أن تحضر فسوف يترأس وفد بلادها وزير الخارجية وليد المعلم.
الدبلوماسي العربي قال إن حضور وزراء الخارجية العرب، خطوة بروتوكولية تنسجم مع ترؤس وزيرة خارجية البيت الأبيض للاجتماع.
المصدر
- مقال:الاجتماع الدولي : تصاعد السجال الإسرائيلي ـ الفلسطيني (ملف)المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات