الإخوان والعسكر... ومن يتجرع السم؟؟
كفر الشيخ اون لاين | خاص
لعل السؤال الذي يطرح نفسه علي كل مصري منذ وقوع الانقلاب حتي الآن هو كيفية الخروج من المأزق والانقسام الذي نعيشه؟
من المؤكد أن الذين قاموا بالانقلاب والقوي المتحالفة معه،والتي قدمت له الغطاء لتبريره ،وصبغه بالصبغة الشعبية لم يكونوا يتوقعون بأي حال من الأحوال أن تستمر مناهضة الانقلاب كل هذه المدة،وأقصي ما توقعوه أن تندلع بعض المظاهرات من جانب الإخوان ثم ينتهي الأمر خلال أيام أو عدة أسابيع علي أقصي تقدير،ثم تركن الجماعة للتعامل مع الواقع حسب ماهو معروف عنها من انتهازية كما يرميها بها خصومها وأعدائها أما علي جانب الإخوان فأعتقد أن رد الفعل المناهض للانقلاب كان أكبر من توقعات الإخوان من حيث حجم الاحتجاجات والمشاركين فيها من مختلف فئات الشعب وليس الإخوان فقط،والذين رأوا فيما جري انقلابا علي مسار الديمقراطية وعودة للحكم العسكري بما جره علي مصر من كوارث ونكبات
وهكذا وجد الانقلاب نفسه في أزمة،ولم تستقر له الأمور بسرعه كما كان يتوقع كما أنه لم يكن علي استعداد للتراجع عما خطط له بينما تمسك الإخوان بالشرعية وعودة المسار الديمقراطي،وإن أبدوا استعدادهم للتفاهم وعرض كل الأمور للمناقشة بعد عودة الشرعية
وقد كتبت منذ عام مقالا ذكرت فيه أن هناك أربعة خيارات أمام الطرفين وهي
"الخيار ألأول استمرار سياسة العسكر فى ترسيخ وفرض الأمر الواقع واستخدام الشدة والعنف والمضى قدما فى فرض خارطة الطريق وهى سياسة قد تطيل أمد الانقلاب لبعض الوقت ولكنه لن يحقق أهدافه على المدى البعيد
الخيار الثاني: هو استمرار وتصاعد حركة المقاومة السلمية وازدياد الضغط الشعبى بما قد يؤدى الى انهيار الانقلاب وعودة الشرعية كاملة
الخيار الثالث: أن يدرك الطرفان أنه لاسبيل الا بالحوار والوصول لحل سياسى للأزمة الحالية وإن كان هذا الخيار تقابله مشكلات متعددة خاصة مصير من قاموا بالانقلاب والمسؤولية عن الدماء التى أهدرت الخيار الاخير هو تنحى السيسى وصدقى صبحى وتولى قيادة جديدة للتفاوض فى ظل الحفاظ على تماسك القوات المسلحة والتى يحرص كل وطنى غيور عليها
وفى كل الأحوال فإن الخيار الأفضل هو نجاح الثورة الشعبية فى كسر الانقلاب وتولى الأمر دون أى شروط أو قيود واستكمال ثورة يناير25 واعتبار يوم نجاح الثورة ضد الانقلاب هو يوم 2ا فبراير 2011"
هذا ما ذكرته منذ عام والآن بعد أكثر من 16 شهر علي وقوع الانقلاب،وماشهده من أحداث وتطورات يمكن الوقوف عند كل خيار من هذه الخيارات ومناقشتها بعد عام من طرحها
بالنسبة للخيار الأول نجد أن الانقلاب مستمر في سياسة البطش من خلال العديد من المذابح التي ارتكبت والمطاردات والاعتقالات وسن القوانين التعسفية كقانون التظاهر،ومد أجل الحبس الاحتياطي تسانده في ذلك مؤسسات الدولة والتحالف القوي من جانب الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والإعلام والقضاء ورجال الأعمال وأصحاب المصالح،وهؤلاء جميعا يدركون أنهم يخوضون معركة مصيرية فهي بالنسبة لهم معركة حياة أو موت،ولهذا نجد الشراسة في معركتهم ضد مناهضي الانقلاب،والتي تعدت الكثير من المسلمات والتقاليد التي كان يصعب تصور تجاوزها مثل الاعتداء علي المساجد والنساء
ويعتقد الانقلاب أن الوقت يلعب لصالحه حيث يؤدي لترسيخ أقدامه،ويكسبه الشرعية الدولية التي يسعي إليها،كما أن عنصر الوقت قد يؤدي الي حالة من الإحباط لدي بعض مناهضي الانقلاب،وقد تفت في عضدهم كما قد تعمل علي خلخلة التحالف المناهض للانقلاب،وهو ماقد يؤثر بصورة أكبر من الناحية المعنوية علي التحالف،كما يعول النظام علي إمكانية إعادة ثقافة الخوف التي عاشها المصريون طويلا مرة أخري،واستغلال الظروف الدولية المواتية من خلال التحالف الدولي ضد الإرهاب،وإدراكة أن العديد من القوي لن تسمح بسقوطه،وستتدخل لمساعدته خاصة دول الخليج التي تدرك خطورة سقوط النظام عليها،ولذلك ستجد نفسها مضطرة لتقديم يد العون له خاصة بعد ان استثمرت الكثير من الأموال في هذا الانقلاب
أما الخيار الثاني فمازال التحالف دعم الشرعية رغم شراسة الانقلاب ضد أنصاره والرافضين للانقلاب بصفة عامة يواصل الضغط من خلال المظاهرات التي لم تتوقف منذ وقوع الانقلاب،ومن الواضح أن المعركة أصبحت صفرية بين الجانبين رغم كل مايشاع عن مبادرات للمصالحة،ولاشك أن استمرار المظاهرات طوال تلك المدة عمل يحسب له كما أنها تمثل صداعا للانقلاب،وتعكس حالة من عدم الاستقرار لاشك أن لها أثرها علي بعض القطاعات خاصة السياحة والاستثمار،كما تنال من شرعية النظام الانقلابي فالشرعية الدولية ليست بديلا عن الشرعية الشعبية ولقد اعترفت دول العالم بأعتي النظم الديكتاتورية كأمر واقع،وهي مستعدة في كل الأحوال للاعتراف بأي نظام يفرض سلطته ويحقق مصالحها،أما المساعدات الخليجية فهي قد تمد النظام بأسباب الحياة والبقاء،ولكن لن تمنحه القوة المطلوبة لتحقيق نمو اقتصادي فلن يقوم اقتصاد دولة كبيرة كمصر علي المعونات والقروض
كما أن الوقت يلعب ضد الانقلاب من جوانب أخري فاستمرار المظاهرات يفت أيضا في عضد الانقلاب،كما كشف عدم وجود رؤية أوبرنامج لدي الانقلاب وقلص من شعبيته بعد أن تبخرت الأحلام التي انتظرها الناس علي أرض الواقع فالمشكلات لم تحل بل تزايدت،والمقارنة مع فترة مرسي في معظم الملفات ليست قي صالح الانقلاب
كما أنه لايبدوا أمام التحالف طريق آخر فالبديل المتاح هو المصالحة التي ستكون ضربة قوية للجماعة تعمل علي تفتيتها من الداخل،وانفضاض كثير من المتعاطفين معها والمؤيدين لها من حولها لأنه في النهاية فإن أقصي شيء ممكن أن تحصل عليه من هذا النظام الآن - إن رغب في المصالحة - هوالإفراج عن المعتقلين وتصفية بعض القضايا،ونوع من الحرية المقيدة شبيها بما كان عليه الوضع أيام مبارك يتيح لها هامش محدد من الحركة ودائرة لاتتعداها،وهو الأمر الذي كان يمكن للجماعة أن تحصل علي وضع أقل سوءا منه سابقا لأن في كل الأحوال المطلوب هو العمل تحت مظلة 30 يونيو والاعتراف به،ولهذا فربما كان استمرار الجماعة علي موقفها - حتي لو تمكن الانقلاب من إخماد التحركات المناهضة للانقلاب وفرض سيطرته الفعلية علي الوضع - الخيار الأفضل لهاعلي المدي المتوسط والبعيد بالرغم مما قد تتعرض له بعد استفراد النظام بها وتفرغه لها لأنها تكون في هذه الحالة قد قامت بدورها في مناهضة الانقلاب،وبذلت كل جهدها حتي استنزفت كل قوتها،ولم تتخل عن رفضها المبدئي للانقلاب وآثاره الكارثية علي مستقبل مصركما أنها بهذا الموقف ستعري القوي التي تتخذ من الإخوان شماعة لتبرير سياسات الانقلاب الاستبدادية الغاشمة
الخيار الثالث هو عقد مصالحة جادة وحقيقية بين الإخوان والنظام،وقد يبدو هذا الطرح مستحيلا في ظل تمسك كل طرف بموقفه بصرف النظر عمن في جانبه الحق وفي ظل الحديث عن صفرية الصراع،ولكن علم السياسة من حيث المبدأ لايعرف هذا الطرح،وأحداث التاريخ شاهد علي ذلك،وقد سالت أنهار الدماء وقتل الآلآف والملايين بل وعشرات الملايين كما حدث في الحرب العالمية الثانية علي سبيل المثال بين العديد من الدول ثم حدثت المصالحات بل والتحالفات بين هذه الدول وبعضها البعض رغم الدماء التي سالت،وهذا بين دول وليس بين فرقاء الوطن كما اندلعت حروب أهلية في العديد من الدول ثم التقي الفرقاء في النهاية
ورغم صعوبة هذا الخيار ليس فقط بسبب الدماء التي سالت،ولكن أيضا بسبب إلباس الانقلاب ثياب الثورة ومحاولة فرضها بالقوة،وربما لو قام الانقلاب سافرا وأعلن الجيش تدخله بصورة واضحة لإنقاذ البلاد مما راه من خطر،وأنه سيتولي السلطة لمرحلة انتقالية لكان الأمر أقل حدة،ومع هذا فإن استمرار الوضع كما هو عليه لمدة طويلة وماسيترتب علي ذلك من آثار مدمرة علي الوطن دون أن يحسم أحد الفريقين الأمر لصالحه قد يدفع أحد الفريقين أو كلاهما لتجرع السم،وتقديم كل منهما تنازلات يراها من وجهة نظره مؤلمة،وربما كانت كلمة الخوميني الذي أعلن تجرعه السم بموافقته علي قبول وقف النار مع العراق بعد مرحلة طويلة من العناد والحرب التي امتدت ثماني سنوات مع العراق معبرة في هذا الصدد مع القياس في الفارق
الخيار الرابع :
التغيير من داخل النظام نفسه نتيجة استمرار حالة عدم استقرار الوضع وتصاعد أعمال العنف،أو الوصول الي حالة من الفوضي تهدد مصالح القوي الدولية وعلي رأسها الولايات المتحدة التي يهمها إضعاف مصر،ولكنها في نفس الوقت حريصة علي ألا تصل البلاد الي مرحلة من الفوضي تهدد مصالحها خاصة فيما يتعلق بالكيان الصهيوني،ولكن أي تحرك في هذا الصدد وإحداث تغيير داخلي في النهاية هو يستهدف الحفاظ علي جوهر النظام القائم ومصالح المؤسسة العسكرية عن طريق إزاحة عقبة السيسي الذي يراه معارضو الانقلاب جزءا من المشكلة ولن يكون جزءا من الحل،واستبداله بوجه آخر ليس متورطا مباشرا في الأحداث التى شهدها الانقلاب فتغيير من هذا السبيل لن يحقق أهداف الثورة وتطلعاتها ،ويخطيء من ينتظر منقذا سيأتي من هذه المؤسسة ليعيد الشرعية أو حتي سوار ذهب جديد يبدأ مسار ديمقراطي فهذا أقرب لأحلام اليقظة مع أنه افتراض قائم نظريا
د صفوت حسين
كاتب ومحلل سياسي
المصدر
- مقال:الإخوان والعسكر... ومن يتجرع السم؟؟موقع:كفر الشيخ أون لاين