الأزمة الإخوانية .. رياح التغيير في مواجهة المتشددين
بقلم/ الشيخ عصام تليمة
محتويات
مقدمة
لا شك أن أزمة الإخوان الأخيرة والمتمثلة في اختيار الدكتور عصام العريان عضوا لمكتب الإرشاد، أثارت ما أثارت من أفكار ورؤى، لا يستطيع الباحث الراصد لجماعة الإخوان المسلمين أن يقف دون إبداء رأي، أو رصد ملاحظات، وقد كانت لي هذه الوقفات التي أضعها بين يدي القارئ بوجه عام، والإخوان بوجه خاص، للتأمل والتفكر، ولست أزعم أني على صواب مائة بالمائة، ولكنه رأيي كما تأملت، وعقلت، واستوعبت. وملاحظاتي كالتالي اختصارا وإن كانت كل ملاحظة تحتاج إلى مقال منفصل:
أولا: ليست هذه أول مرة يحدث في جماعة الإخوان أن يحيل المرشد مهامه إلى غيره، سواء النائب أو يقوم بتوزيع الأعباء والمهام، فقد قام بها المرشد الأول حسن البنا، وذلك في شهر يوليو سنة 1948م، فقد أراد البنا أن يتخفف من أعبائه الدعوية، فأحال الأعمال الإعلامية والصحفية على الأستاذ صالح عشماوي، وأحال كل ما يخص مكتب الإرشاد ولجانه إلى الأستاذ عبد الحكيم عابدين، وما يخص قسم البر والعمل الاجتماعي على الأستاذ عبد الرحمن البنا، وما يخص القسم الصحي على الدكتور محمد سليمان، وما يخص القسم المالي على الأستاذ عبده أحمد قاسم[1] ولا تتسع مساحة المقال لنشر بيان البنا لتوزيع المهام، وأضع البيان في ملحق للمقال لمن يريد أن يطالعه.
ولكن الفرق بين ما قام به البنا وما فعلته الجماعة هذه المرة، أن البنا فعلها علنا، ونشر ما قام به في الصحف، وعلى رأسها مجلة الإخوان المسلمين، كما أن البنا فعلها من باب محاربة المركزية في العمل الدعوي.
الترصد للعريان
ثانيا: يبدو واضحا لكل راصد وباحث أن هناك تربصا بأهل الفكر في الجماعة، وتهميشا عن عمد أو غير عمد لهم، إن ما حدث يخيف أهل الفكر ويشعرهم ألا مكان لهم في الجماعة ولا مكانة، وأنهم مجرد ديكور يزينوا الجماعة به، ويدفع عنها أذى أهل الفكر من الأفكار الأخرى بوجودهم.
ويتجلى هذا الترصد في موقف المكتب مع عصام العريان الذي حصل على أكثر من 40% وبالتالى يحق له التصعيد لمكتب الإرشاد، كما صرح بذلك نائب المرشد الدكتور محمد حبيب، ثم قال بالنص: إن موقفه كان مع المرشد في تصعيد العريان، إلا أن بعض الإخوان جابوا (دراسة) أو بحث، تقول: إن هذا ينطبق على الانتخابات العامة وليست التكميلية. طبعا هذا معناه: أن الدكتور حبيب والمرشد تعاملوا مع الأمر بحسب ما فهموه من اللائحة، لكن هناك من كان (لابدا في الذرة) للعريان، فأخذ يدعبس ويفتش وينقب عن كيفية سد الطريق، أو ما نسميه: الشنكله من الخلف، وهذا واضح جدا من العبارة، فمن كلف نفسه عناء البحث والتفتيش عن القفل الذي يقفل هذه الثغرة لنفوذ العريان للمكتب. رغم تصريح المرشد في الـ"بي. بي. سي العربية": أن اللائحة تقول هذا وتقول ذاك.
حلال للأمن حرام على الإخوان
ثالثا: إذا كان الأمن يسجل كل ما يدور في مكتب الإرشاد، وكل ما يحدث بالصوت والصورة كما قال المرشد في حواره مع الـ"بي. بي. سي العربية"، مما يجعل كل ما يدور في المكتب يعرف في وقته وحينه، وفي أحيان كثيرة يتسرب، أليس عيبا أن يعلم الأمن، وتعلم الصحف، ويكون آخر من يعلم هم أفراد الإخوان أنفسهم، وهذه كارثة حدثت كثيرا، وتحتاج إلى علاج، أو شفافية واضحة من القيادة، ومن أركان البيعة في الجماعة: الثقة، كيف تأتي الثقة والمسئولون عن الجماعة في كل أزمة يخفون الحقيقة عند أول سؤال عنها، وقد شكا كثير من الإعلاميين في الجماعة من إخفاء المعلومة عنهم، بينما لو جاء صحفي من خارج الجماعة يرحب به كحوارات ولقاءات، وإخراج ما في جعبة المتحاور له، وكأن المعلومة حلال لغير الإخوان، وهي حرام وسرية جدا على الإخوان.
رابعا: العجيب أن في أدبيات الجماعة (أركان البيعة) ومعنى هذا أن هناك بيعة يقوم بها الأفراد، أيا كانت صيغتها وطريقتها، وأسأل: كم من الإخوان المسلمين على كثرة عددهم من قرأ لائحة الجماعة، ونظامها الأساسي، ولوائحها، ونظام الثواب والعقاب، ومتى ترتقي درجته، ولماذا، وكيف، ولماذا يعاقب؟ وعلام؟ وكيفية التظلم؟ وكيف يتخلص الفرد من مسئوله المستبد؟ وكيف يسعى لتغييره تغييرا سلميا، ولا يكون متآمرا على الدعوة، أو هكذا يتهم عند سعيه؟
معضلة اللائحة الإخوانية
أما مسألة اللائحة التي دوما ما يثور الكلام حولها، أسأل أنا كباحث كيف أتعرف على لوائح الإخوان المسلمين، لقد عرفنا النظام الأساسي للإخوان المسلمين ليس من كتب الإخوان، ولا من أدبياتهم، ولا من موقعهم الرسمي، بل عرفناها بداية من كتاب (الإخوان المسلمون) لريتشارد ميشيل، وكتاب (الحركة الإسلامية) لعبد الله النفيسي، وكتاب (الطريق إلى جماعة المسلمين).
تفويض من الامام البنا لبعض مهامه
وربما تعلل البعض بعدم نشر اللوائح بحجة الضغط الأمني، وهي ذريعة وحجة دائما ما تشهر عند كثير من الإجراءات الحضارية أو التداول السلمي للسلطة داخل الحركة، وشفافية المعلومات، وهي حجة واهية، لأن الأمن المصري أصبح عنده كم من المعلومات عن الإخوان فوق حاجته، فما من مرة يعتقل فيها أحدا إلا ويضبط كمية من الأوراق فيها ما فيها من معلومات، كما أن الجماعة لم تعد خافية على أحد، في هيكلها ونظامها، فلماذا تخفى اللائحة، وكأنها مفاعل نووي يجهز له الإخوان، أو خصوصية لا يرقى إليها إلا فئة محددة، في مقابل أنه مطلوب من أفراد الجماعة ولاء وثقة وسمع وطاعة، وبهذه السرية في المعلومات يظل الذي يسمع ويطيع يطيع طاعة عمياء لم يردها الإسلام، ولم يناد بها حسن البنا.
بين إصلاحي ومحافظ
خامسا: مسألة وجود عدة فصائل في الإخوان من أمثال: إصلاحيين، ومحافظين، وما يحدث من إنكار لوجوده داخل الجماعة، فهذا تكذيب للعقل والعين التي ترصد الجماعة، وهي مسألة طبيعية وفي كل مكان، وفي كل جماعة، وفي كل مدرسة فكرية، هناك دوما إصلاحيون، ومحافظون، وكيف لا وقد عرف هذا التقسيم عن صحابة محمد صلى الله عليه وسلم، فهناك في الصحابة وفي تراثنا الفقهي عرف: شدائد ابن عمر، ورخص ابن عباس، وشواذ ابن مسعود، عرفنا الحرفيين النصيين، وعرفنا المقاصديين، كما في حديث بني قريظة، وهي مسألة معروفة ومفهومة، عرفنا في الصحابة قول الرسول صلى الله عليه وسلم في مسألة أسرى بدر لعمر بن الخطاب: إن مثلك كمثل نوح وموسى، وقال لأبي بكر الصديق: وإن مثلك كمثل إبراهيم وعيسى. فكلا الفصيلين موجود دوما شئنا أم أبينا.
بل إن وجود توجهات فكرية عدة هو علامة صحة للجماعة وليست علامة مرض، فالجماعة التي يكون كل أفرادها إصلاحيون، يصل بها توجهها للتهور في الأفكار، والجماعة التي يكون كل أفرادها محافظون تجمد وتموت وتصاب بالشلل الفكري، ولكن وجود الفصيلين يجعلها وسطية بين الأمرين، وتستفيد بأفضل ما في كل فصيل.
والإخوان بلا شك فيهم الإصلاحي، وفيهم المحافظ، فيهم المعتدل وفيهم المتشدد، بل على مستوى التنظيم وليس الفكر يوجد مدارس مختلفة متباينة أيضا، بل الإخوان فيهم في غير التصنيف من حيث الفهم، فيهم كل فئات المجتمع، بل ينطبق عليهم أيضا تصنيف حسن البنا للناس من موقفها من دعوة الإخوان، فالإخوان فيهم النفعي، وفيهم المتردد، وفيهم المؤمن، وفيهم المتحامل. [2]ولكن ما يؤسف له هو وجود تيار التشدد والانغلاق في بعض مرافق الجماعة بكثرة، وفي عدد ليس بالقليل في أفرادها، بل إنني أحيانا أرى أفرادا في الإخوان في سدة المسؤولية، أشعر أن حسن البنا لو عاد للحياة، وانتسب لجماعة الإخوان، أنه لن ينال ختم الانضمام للجماعة، لأنه لن يكون مستوفيا للشروط بحسب هذا الفهم الجديد لدعوة حسن البنا عند هؤلاء الأفراد.
إعلام الإخوان والإعلام الناصري
سادسا: موقع الجماعة الرسمي (إخوان أون لاين)، ذكرنا بإعلام النظام الناصري وقت أزمة يونيو أو نكسة يونيو، وإذاعة صوت العرب، والمذيع أحمد سعيد، صورة طبق الأصل، لا تختلف كثيرا، بل تضارب التصريحات المنشورة، يذكرنا بالمثل القائل: "كذب مسوي، ولا صدق ملخبط"، وللأسف لم يصلوا لدرجة الكذب المنظم، ولا الصدق الملخبط، بل رأينا معظم وسائل الإعلام تنقل رأي النائب الأول، وتكتب ما حدث، والموقع مصر على أنها فتنة أرادها الأمن، وأعداء الجماعة، متجاهلين أن سياسة: (سُكْ على بناتك)، أو (كله تحت السيطرة) لم تعد موجودة، وأن أقرب الطرق لكسب ثقة أفراد الجماعة هي المصداقية والوضوح، لا الضبابية وتعمد إخفاء الحقائق، وبتنا وكأننا نقرأ الموقع الرسمي للحزب الوطني، أو روزاليوسف في يوميتها وأسبوعيتها، وهذا الملف الإعلامي واهتراؤه وهزاله في الجماعة يحتاج وحده إلى بحوث ومقالات وليس مقالا واحدا، بما في الملف من أخطاء إن لم يكن خطايا، لعله يعالج وإلا كان الأولى أن يكبر عليه أربعا.
سابعا: لاحظت في تعليقات بعض الإخوان على مسألة تصعيد العريان، أو غيره، أن مثل هذه المناصب في الجماعة لا يسعى إليها، بل يُطلب الشخص طلبا بترشيحات الأفراد، وهذا تصور مشوه للدعوة وليس صحيحا على طول الخط، فما معنى أن يترك دوما للأفراد الاختيار، وهل ترشيح الفرد لنفسه إن تم ـ وهو ما لم يتم إلى الآن ـ خطأ يلام عليه أحد، وأين مبدأ يوسف عليه السلام حين قال للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)، وإذا كان هذا الطلب ينافي إخلاص الفرد لدعوته فمن باب أولى أن يستقيل كل أصحاب المناصب الدعوية جميعا زهدا في المنصب والمسؤولية الدعوية، من باب المساواة في الإخلاص والتجرد، ولإعطاء الجميع درسا عمليا في الزهد في المناصب الدعوية.
الدروس المستفادة من الأزمة
هناك دروس ومواقف اتضحت من هذه الأزمة ومن أزمات أخرى جرت للإخوان، وعلى الإخوان أن يستوعبوا الدرس، فليس من باب الإيمان أن تلدغ الجماعة من جحر واحد مرتين، وليس من باب الفطنة أن تظل الأخطاء نفسها بشكلها وصورها تتكرر، فعلى الإخوان التحلي ببعض هذه الأمور في المرحلة القادمة:
1ـ على الإخوان أن يتحلوا بشفافية المعلومة والموقف، بحيث يكون الفرد بداخلهم، والراصد والمتابع من الباحثين على دراية بما يدور، فليست اجتماعات وانتخابات الإخوان مفاعل نووي مطلوب كل هذه السرية، في زمن باتت فيها مرصودة بالصوت والصورة كما أعلن المرشد.
2ـ على الإخوان تبني مبدأ المؤسسية أكثر مما هم الآن، والتداول السلمي للسلطة الدعوية، وإعطاء فرصة أكبر للشباب في إبداء الرأي، وتولي المسؤولية.
3ـ توسيع مساحة المشاركة في الجماعة في اختيار المسؤول، بداية من اختيار أصغر مسؤول في أصغر وحدات الإخوان بداية من (الأسرة) وانتهاء بمنصب المرشد، وعلى الأفراد تحمل نتائج اختيارهم قوة وضعفا، والصبر على هذا الاختيار، وهو كفيل ببناء الجماعة بناء قويا، على أسس من الشورى والاختيار، فإذا كان اختيار مكتب الإرشاد برفض العريان بالإجماع كما أعلن، فأهلا ومرحبا به، وكما كان اختيار العريان بالتصويب والانتخاب والشورى، فليكن كل أفراد الجماعة في موقع المسؤولية بالاختيار، وإلغاء مبدأ الاختيار الفردي والتعيين مطلقا.
4ـ إعادة نظام التقييم في الجماعة، فالتقييم دوما من فوق لأسفل، فلا بد من اكتمال التقييم ليكون من أسفل لأعلى مرة أخرى، وإلا كان التقييم من طرف واحد، هو الطرف الأعلى المتمثل في المسؤول في الجماعة، أيا كان درجة مسؤوليته.
5ـ الأزمة لن تقف عند هذا الحد، وهذا واضح من تبعاتها، ربما سكن ظاهر الجماعة وهدأ، ولكنه من الداخل يغلي غليان المرجل، وعلى القائمين على الأمور التعامل بالحس الدعوي المطلوب، فالبشر ليسوا قوالب تصب.
6ـ ستأتي انتخابات قادمة لاختيار مرشد للجماعة، فعلى الإخوان قبل أن ينادوا الدولة بأن يحكمهم مدني، ألا يحكم الإخوان أيضا رجل عسكري، أو من له العقلية العسكرية، أذكر مرة كنت أتحاور مع شيخي الشيخ القرضاوي، حول نظام الحكم في مصر، فقال لي: نريد أن يحكم مصر رجل مدني، لا عسكري، فقلت له: يا مولانا أليس من الأولى أن يبدأ الإخوان فيحكمهم مدني لا عسكري، ألا تلاحظ أن معظم مرشدي الإخوان من مدرسة التنظيم الخاص، وهو تربية عسكرية، فقهقه الشيخ ضاحكا، فمطلوب أيضا كما يضع الإخوان شروطا في اختيار حاكم مصر القادم، ومواصفات أن تتوافر نفس الصفات وأكثر فيمن يختار فيما بعد مرشدا للجماعة.
فاصلة أخيرة: شكك البعض في التصريح الذي صرح به شيخنا الشيخ يوسف القرضاوي، ونشرته جريدة الشروق، وأعاد نشره موقع إسلام أون لاين، وأقول بحكم أني شاهد على الحدث: التصريح صحيح للشيخ، وقد هاتفته يوم الأربعاء الماضي، فقال لي نفس ما قاله في التصريح بالحرف الواحد، بل كانت هناك زيادة لم يقلها في تصريح (الشروق) اليومية، من باب الدلالة على أنه صرح فعلا، فقال لي بالنص: لو صح ما حدث مع عصام العريان من منعه من مكتب الإرشاد، فهذه جماعة لا تستحق الحياة!!
- المصدر: موقع إسلام أون لاين