إلى الأحباب خلف الأسوار .. رمضان كريم..
أهلَّ علينا هلال رمضان المعظم، شهر الصوم والقيام، شهر الصبر والجهاد، شهر القرآن والدعاء، وفي القلب دائمًا وأبدًا ذكر الأحباب خلف الأسوار.
مع كل هلال لرمضان تتجدد ذكريات سبعة رمضانات قضيتها خلف الأسوار، كلها كانت رحمةً ونورًا، تثبيتًا ويقينًا، ذكرًا ودعاءً؛ حيث يجتمع دعاء الصائم مع دعاء المظلوم، فترتفع الحجب، وتنطلق الألسنة عند الغروب، وفي الأسحار تلهج إلى الله بالدعاء الضارع أن يكشف الله عنَّا الغمَّة وعن كل الأمة.
يا أحبتي وثمرات القلوب...
يا إخوتي، رفاق الدرب والطريق...
أيها المؤمنون الصائمون...
أيها المظلومون الأطهار...
كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، واستجاب الله لنا ولكم الذكر والدعاء، وفَّقنا الله وإياكم لنور وهداية القرآن.
إذا كانت ظروف السعي على المعاش، وتفاقُم مشكلات الحياة يمنع الكثيرين- ممن يظنون أنهم في وَهْم الحرية- من الاستفادة القصوى من هذا الشهر الفضيل، فإن الله تبارك وتعالى قد فرَّغكم لعبادته حق العبادة، وخلَّصكم مِن هموم الدنيا التي ألقيتموها خلف ظهوركم؛ لكي تقبلوا على القرآن، وتجتهدوا في الأسحار، وتتفرَّغوا للدرس والعلم والتحصيل في رمضان ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر:28).
هنيئًا لكم ليالي القيام، وكل منكم خالي البال، مقبل على ربه، متدبر فيما يقرأ من آيات القرآن.. هنيئًا لكم الصحبة الطيبة، والأخوة الصادقة التي تظلكم برحابها في هذا الشهر الفضيل..
هنيئًا لكم انطلاق الدعوات المخلصة من القلوب العامرة بحب الله تعالى وحب رسوله والسعي لنصرة دينه...
أخلصوا وجوهكم، وتعلقوا بالرب الكبير المتعال.. ألقوا الدنيا وهمومها خلف ظهوركم، وعلّقوا آمالكم بالله وحده، واعلموا أننا وإن كنا نفتقد وجودكم معنا بأجسادكم، فإن صوركم وأرواحكم تُحلِّق حولنا، وأنتم دائمًا في دعائنا، فيا ليتنا ننال حظًّا من دعائكم في رمضان وغير رمضان.
إن الأسوار التي تحول بيننا وبينكم لا تمنع أبدًا لقاء الأرواح، فهي جنود مجندة يؤلف الله بينها برباط من عنده، وإن أسوار السجون التي تحجبكم عنا وتمنعنا عنكم أقل قسوةً من الأسوار التي صنعها الظالمون حول بلادنا كلها، فتمنع المؤمنين من نصرة المستضعفين في الأرض في العراق وفي فلسطين.
وإن السجين في بلادنا هو الذي يشعر وحده بالحرية الحقيقية؛ حيث أعذر إلى الله تعالى، فهو مظلوم مقهور.. فما بالنا نحن الذين نظن أننا أحرار، ونحن- على التحقيق- مكبَّلون بأغلال القهر والاستبداد والعجز وقلة الحيلة. أيها الأحباب، اغتنموا الشهر الكريم، ولا تنسَونا من صالح الدعوات، واجعلوا لأمة الإسلام نصيبًا من دعائكم، وتقبَّل الله منا ومنكم.
وكلمة إلى كل مَن ساهم- ولو بلفظ- في ظلم هؤلاء الأبرياء الأطهار؛ أساتذةِ الجامعات والأطباء، والمهندسين والمدرسين، الذين لم تعرف مصر عنهم إلا كل خير وعطاء.. ماذا تقول لربك عندما تقبل على طعام الإفطار كل مغرب؟ بماذا تدعو الله، وقد تسبَّبت في تشتيت عشرات الأُسر والبيوت؟
كيف تهنأ بطعام شهي وقد حرَمت هؤلاء المظلومين من وجودهم مع أولادهم في هذا الشهر الفضيل؟!
أيها الظالمون...
بادروا بالتوبة إلى الله في هذا الشهر لعل الله يقبل توبتكم.. سارعوا بالإفراج عن هؤلاء الأطهار قبل أن ترفع دعواتهم إلى عنان السماء فيصيبكم منها رذاذ، وما أدراك ما نتيجة دعوة المظلوم وهو صائم أو قائم في ساعات السحر وفي جوف الليل؟!!.
ارفعوا الظلم الذي تسببتم فيه، وامتنعوا عن مزيد من الظلم؛ لعلَّ الله يخفف عنكم سكرات الموت، ويخفف عنكم سوء الحساب.. إننا نشفق عليكم في هذا الشهر الكريم، نشفق عليكم من نتائج أعمالكم التي لا تغيب عن علام الغيوب.
أما الأحبة- خلف الأسوار- فشعارهم قول الفقيه الزاهد: "ماذا يفعل أعدائي بي، فجنَّتي وبستاني في صدري، أينما ذهبت فهي معي لا تفارقني.. إن نفيي سياحة، وسجني خلوة، وقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي"؟!
- قيادي بجماعة الإخوان المسلمين- أمين عام مساعد نقابة الأطباء المصرية
المصدر
- مقال:إلى الأحباب خلف الأسوار .. رمضان كريم..إخوان أون لاين