إسرائيل قمة الإرهاب... والعرب في قمة الغياب
بقلم:غازي العريضي
محتويات
التركيز علي اسرائيل دون غيرها
قبل انعقاد القمة العربية في دمشق، شهدت المنطقة زيارات لموفدين دوليين قاموا بجولات في عدد من الدول،لكن التركيز كان على إسرائيل دون غيرها بالنسبة إلى البعض وعليها أكثر من غيرها بالنسبة إلى البعض الآخر.وكانت بالمقابل جولات وزيارات لمسؤولين إسرائيليين في الخارج.
- في الذكرى الستين لقيام دولة الإرهاب والاغتصاب،وهي إسرائيل،زار الرئيس الإسرائيلي باريس والتقى رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزي،الذي أعلن الدعم شبه المطلق لإسرائيل بعد تكريم ضيفه بحفاوة استثنائية،وقال في عشاء في الإليزيه: "إن قيام دولة فلسطين المستقلة والديمقراطية والقابلة للحياة هي الضمانة الفضلى لأمن إسرائيل المستقبلي"!
كيف يمكن التوفيق بين الأمرين: الدعم لإسرائيل حتى تكريس يهوديتها والحديث عن دولة فلسطين الديمقراطية؟ ولماذا لم تقم هذه الدولة حتى الآن؟ أليس بسبب السياسة الإسرائيلية والإرهاب الإسرائيلي المستمر والمفتوح؟
وكيف يمكن تغيير هذه السياسة؟أبتقديم الدعم المفتوح لإسرائيل أم بممارسة كل أشكال الضغوط عليها لتطبيق القرارات الدولية وإلزامها بالاعتراف بالشعب الفلسطيني كصاحب أرض وحق عليها؟ وعندما تشعر إسرائيل بأنها مهما فعلت وارتكبت من مجازر جماعية وفردية وممارسات خارجة عن القانون الدولي،فهي تحظى بالدعم والحماية والرعاية،وهي فوق الاتهام والإدانة والمحاسبة،فلماذا تتراجع إذاً؟
هل يدرك السيد ساركوزي هذه المسائل؟هل يعرف حقيقة الصراع العربي- الإسرائيلي وحقيقة اغتصاب فلسطين؟وهل هو مطلع على ما جرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ اتفاق أوسلو وحتى الآن على الأقل،ليدرك أن إسرائيل دمرت كل الفرص للحل والتسوية وأسقطت كل الاتفاقات وقتلت رموزها من رابين إلى عرفات؟
التزام من امريكا بحماية اسرائيل
-في زيارة أخرى، أعلن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني،أن إدارته ملتزمة بحماية إسرائيل وأمنها التي تربطها بها علاقات استراتيجية.وأكد "أن الدولة الفلسطينية كان يجب أن تبصر النور قبل وقت طويل"، فلماذا لم يحصل ذلك؟ بسبب تراجع دولته وإداراتها المتعاقبة عن الالتزام بالاتفاقات التي وقعت في واشنطن،وعن لعب دور الوسيط النزيه والشريك العادل في المفاوضات؟
أليس بسبب مد إدارته ومن سبقها بكل عناصر القوة لإسرائيل لممارسة الإرهاب المنظم،واعتبارها الخط الأحمر بالنسبة إلى الأمن الاستراتيجي الأميركي؟
-المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل جاءت بدورها إلى إسرائيل في زيارة وصفت بالتاريخية.في الكنيست انسحب عشرة نواب لرفضهم سماع اللغة الألمانية! قالت هناك:"أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض بالنسبة لي كمستشارة ألمانيا" بسبب القتل الجماعي لستة ملايين يهودي باسم ألمانيا، و"ثمة معاناة تفوق الوصف للشعب اليهودي"...
"الشوا بالنسبة إلينا نحن الألمان تجعلنا نشعر بالعار"! وطالبت "حماس" بالتراجع عن هجماتها الإرهابية! وختمت كلامها بالقول: "إن التعاون والصداقة بين إسرائيل وألمانيا هما جزء من معجزات التاريخ". كلام له أسبابه التاريخية نظراً للمحرقة التي لحقت باليهود على أيدي النازيين الألمان.
ولكن أسئلة كثيرة تطرح هنا.إذا كان النازيون الألمان قد ذبحوا اليهود،فما ذنب الفلسطينيين في ذلك لتحتل أرضهم ويهجروا منها،ولتستمر معاناتهم منذ ستين عاماً على يد "ضحية" النازية؟ وإذا كانت المحرقة عاراً يلحق بالألمان فهل لأنها محرقة بحد ذاتها،أم لأنها طالت اليهود،وبالتالي ماذا تعني المحرقة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني على يد إرهابيي إسرائيل منذ ستين عاماً بالنسبة إلى السيدة ميركل؟
ولماذا يقتل "المقتول القديم"(اليهود بالمعنى السياسي للكلمة وفق كلام السيدة ميركل) الشعب الفلسطيني ويسكت "القاتل القديم" (النازيون وامتداداً الألمان اليوم وفق كلام السيدة ميركل أيضاً) عما يجري، والشعب الفلسطيني المقتول اليوم ومنذ ستين عاماً لا علاقة له بما جرى بين القاتل والقتيل منذ أكثر من ستين عاماً تقريباً؟
هل وقع الخيار هكذا من شعب الله المختار ليذبح الشعب الفلسطيني؟وكيف يمكن وصف عمليات "حماس" بالإرهابية والسكوت عن كل الإرهاب الإسرائيلي في وقت يريد إنسان عاقل التطرق إلى المحرقة بحق اليهود،وإلى ما يجري باسمها من محارق بحق الفلسطينيين؟
نفهم العقدة النفسية التاريخية بسبب ما حل باليهود،ولكن هل يدفع الشعب الفلسطيني الثمن؟ ولماذا لا يفهمون عقدته وحقه؟ وإذا كان التعاون والصداقة بين إسرائيل وألمانيا بعد كل ما جرى معجزة، فلماذا لا يكون سعياً جدياً وانطلاقاً من التجربة لتكريس الاتفاقات بين إسرائيل والفلسطينيين والالتزام بالقرارات الدولية؟
ولماذا حماية إسرائيل في نسفها وتدميرها؟ فكيف يمكن الوصول إلى سلام كي لا أقول معجزة في هذه المنطقة؟ألا يستحق الأمر موقفاً وسعياً وتحركاً يضع حداً للإرهاب الإسرائيلي ويقر حقوق الفلسطينيين على أرضهم؟
أما السيناتور الأميركي "جون ماكين" المرشح "الجمهوري" للرئاسة، فقد زار إسرائيل وأعلن أن "القدس إسرائيلية"، و"أن المحرقة لن تتكرر"، وأنه ملتزم بمواصلة عملية السلام، وأضاف: "لو لم تكن غزة محكومة من قبل مجموعة تسعى لفناء إسرائيل لكان ذلك ساعد بشكل أكبر"! وحلقّ "ماكين" على متن مروحية إسرائيلية برفقة إيهود باراك فوق الأراضي الفلسطينية للاطلاع على "المشاكل الأمنية التي تواجهها إسرائيل".
لقد كان التحليق فوق الأراضي الفلسطينية ليس للاطلاع على واقع الرقعة الأكثر كثافة سكانياً في العالم،على بؤسها وحرمانها وعلى تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وسبب العنف والإرهاب في المنطقة!
لامكان للعرب بجوار اسرائيل
ليس بالضرورة الاطلاع عن كثب على واقع الشعب الفلسطيني ووجهة نظره.ولذلك، لابد من زيارة إسرائيل فقط وعدم التحدث حتى إلى الفلسطينيين.إسرائيل هي المعبر إلى الرئاسة، وهذا هو الأهم.
ويقول في الوقت ذاته إنه ملتزم بمواصلة عملية السلام! كيف؟ ومع من؟ وبين من ومن؟وأي سلام سيكون في ظل التزام إسرائيل بمواصلة عملياتها الإرهابية ضد الفلسطينيين والتزام أميركا بدعمها؟وهل تتلاقى عملية السلام مع عمليات الإرهاب؟
أما المهين لذاكرة الناس والتاريخ والحقيقة، فهو قوله إنه لو كانت غزة محكومة من غير المتطرفين (أي من حماس) لكان السلام أسهل، فهل سمع السيد "ماكين" بالسلطة الوطنية الفلسطينية؟ بياسر عرفات؟ بحركة "فتح"؟ بالحكومة السابقة قبل "حماس" التي انتخبت ديموقراطياً ومن قبل الشعب ذاته الذي انتخب لاحقاً "حماس"؟
هل يعرف السيد "ماكين" أن السلطة كانت تسيطر على غزة وليس "حماس"؟ولماذا يقول ذلك...؟ فإذا كان يعلم وبالتالي يساوي بين "حماس" والسلطة، فهو يكشف نيات إسرائيل وأميركا باستهداف كل الشعب الفلسطيني، وبذلك لن يكون سلام، بل عنف مستمر ومقاومة للاحتلال وولادة كل أشكال التطرف وفوضى في كل المنطقة وتهديد دائم في الوقت ذاته لإسرائيل التي لن تتمكن من منع الشعب الفلسطيني من تحقيق أهدافه أو على الأقل الدفاع عنها.
وإذا كان لا يعلم فتلك مصيبة لاسيما أنه سيحكم الولايات المتحدة الأميركية إذا ما انتخب رئيساً "والله يستر" من "بوش جديد" على مستوى نقص المعرفة والسوء في التقدير كي لا أقول أكثر اليوم. أما إذا كان يعرف ويتجاهل فذلك أخطر بكثير.
في كل الحالات، في الذكرى الستين لقيام إسرائيل دولة الإرهاب والاغتصاب،تتوالى الوفود عليها وتتلقى كل أشكال الدعم بما يعني أن المنطقة مفتوحة على المزيد من الصراع والصدام والعنف والحروب.
أخيراً،تنعقد القمة العربية في دمشق. لماذا لم أتناولها؟ لأنه لا تأثير لها في كل ما ذكرنا للأسف وتحديداً في الذكرى الستين لقيام إسرائيل... إسرائيل في قمة الإرهاب والعرب في قمة الغياب.
المصدر
- مقال:إسرائيل قمة الإرهاب... والعرب في قمة الغياب موقع : المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات