إحياء دور المسجد
جريدة الرابطة
ذكر الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى العالمي للمساجد، عبد الله العقيل، أن أهم الأدوار التي يقوم بها المسجد هو العناية بتعليم المسلمين أمور دينهم، وأكد أن الذي يعيد الارتباط بين الجامعات الإسلامية والمساجد هو اعتقاد المسلمين بأن الإسلام يشمل جميع مظاهر الحياة، كما تطرق في الحوار الذي أجرته معه "الرابطة" إلى أهمية خطبة الجمعة، واعتبرها الزاد الأسبوعي للمسلمين على مدار العام، حيث يتناول الخطيب فيها الإسلام بجوانبه المختلفة.
* ما أسباب انصراف الشباب عن المساجد؟ وما نصحكم لهم؟
- إن الشباب في عمومه ليس منصرفًا عن المساجد والحمد لله، وهذه ظاهرة بارزة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بل حتى في المهاجر، ولكن قلة من الشباب تستهويهم الملاهي وأماكن اللهو والعبث، ويشدهم الإعلام الغربي ووسائل الهدم التي يمارسها من خلال الكلمة المسموعة والمقروءة والمشاهدة، وهؤلاء الشباب هم ميدان الدعاة إلى الله، حيث يتوجه إليهم الدعاة والوعاظ بالكلمة الطيبة والتوجيه الحسن، ويقدمون لهم الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي والمحاضرة القيمة، والموعظة النافعة، وكثيرًا ما يكون ذلك سببًا في هدايتهم وعودتهم إلى الطريق الصحيح وعمارة المساجد بالصلاة فيها وقراءة القرآن والذكر وسماع المواعظ والدروس والمحاضرات والندوات.
كما أن للأسلوب الحكيم الذي يمارسه الداعية الأثر الكبير في إقبال الشباب على المساجد، فكم من المساجد تغص بالمصلين وطلاب المعرفة بسبب كفاءة الخطيب أو الواعظ أو الداعية الذي يعرف ماذا يقول، وبأي أسلوب، فيلقى القبول من الناس وتعمر المساجد بهم.
* كيف يمكن إحياء الدور التعليمي للمساجد؟
كما سبق أن قلنا من قبل؛ فإن من أهم مهمات المسجد ورسالته العناية بتعليم المسلمين أمور دينهم، وبخاصة تجويد القرآن الكريم وعلومه وتفسيره، وكذلك الحديث النبوي الشريف والسنة المطهرة والسيرة العطرة، والتاريخ الإسلامي وسيرة الصحابة والتابعين والسلف الصالح الذين قدموا الإسلام بأجمل الصور وأصدقها، فكانت أخلاقهم وسلوكهم خير مثال للإسلام الصحيح يراهم الناس فيرون فيهم الإسلام الحي المتحرك، فيقبلون على الإسلام من خلال إعجابهم بحملته ودعاته الصادقين.
* نشأت الجامعات الإسلامية في رحاب المساجد في صدر الإسلام، فما الذي أدى إلى الانفصال بين المساجد والجامعات؟ وهل يمكن إعادة الارتباط بينهما؟
- الواقع أن معظم الجامعات الإسلامية نشأت في رحاب المساجد في عصور الإسلام المختلفة، كالمسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس، والجامع الأزهر الشريف وجامع السلطان حسن ومدرسة السلطان برقوق، ومدرسة السلطان الصالح، ومدرسة قلاوون، ومدرسة الغوري، ومدرسة قايتباي بمصر، وجامع السلطان سليم، وجامع السلطان سليمان، والمدرسة السلجوقية بتركيا، ومدرسة أولوغ بك، ومدرسة مير عرب في بخارى، ومدرسة بي بي خانم في سمرقند، وجامع القيروان، وجامع الزيتونة بتونس، وجامع القرويين بالمغرب، وجامع قرطبة بالأندلس، والجامع الأموي بدمشق، والمسجد الجامع بالبصرة، وجامع أبي حنيفة، والمدرسة المستنصرية ببغداد، وجامع الكوفة وغيرها.
بل إن معظم الجامعات الأوروبية نشأت في الكنائس المسيحية مثل كمبردج وإكسفورد في بريطانيا، وجامعة نفارا، وجامعة كومياس بأسبانيا.
والذي أدى إلى انفصال الجامعات عن المساجد هو تقليد الغرب في فصله الدين عن الدنيا، والعلم عن الكنيسة، فكما ترك الغربيون الكنائس وفصلوا الجامعات عنها، سار على أثرهم العلمانيون والمقلدون للغرب بخيره وشره، وفصلوا الجامعات عن المساجد ظنًا منهم بأن هذا هو الأسلوب الأمثل، وبهذا حصل الفصام بين العلم والدين، وصارت الجامعات تسير وفق المنهج العلماني الذي يقصي الدين عن أمور الحياة، وظهرت الفلسفة التي تقول بأن الدين في الكنيسة والعلم في الجامعات وواقع الحياة.
والذي يعيد الارتباط بين الجامعات الإسلامية والمساجد هو اعتقاد المسلمين بأن الإسلام دين الدنيا والآخرة، والعلم والعمل، والفرد والجماعة، والمجتمع والدولة، وأن أحكامه للبشرية كلها في جميع الأزمنة والأمكنة، وأن الإسلام نظام شامل ينتظم شؤون الحياة كلها؛ فهو عقيدة وعبادة، وشريعة وسياسة، واقتصاد وتربية، وجهاد ودعوة، ودين ودولة.
ومن هنا فلا بد من تأكيد هذا المعنى وتأصيله وإشاعة هذا المفهوم لدى الخاصة والعامة، والحكام والمحكومين، وذوي النفوذ والتأثير، وأصحاب الفكر والعلماء حتى تتكون القناعة التامة لدى الجميع بأن الجامعات الإسلامية من المسجد خرجت وإليه تعود، ومنه تستمد طلبتها وعلماءها الذين شهدت لهم الدنيا بالصدارة في العلوم والفتيا والقضاء والاجتهاد، والذين أخرجوا لنا هذه الكنوز التراثية في جميع جوانب المعرفة التي لا زلنا ننهل من معينها، ونستقي من مواردها؛ لأن هؤلاء العلماء الأعلام قد فقهوا كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فكانوا أئمة هداة مهتدين، نشروا الفقه الإسلامي في شرق الأرض وغربها، وصارت مذاهبهم هي المذاهب الرائجة والمعتمدة منذ القرون الأولى وإلى الآن.
وأين هؤلاء الجهابذة أمثال أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد والليث والأوزاعي والثوري من حملة الشهادات بالجامعات اليوم، فالبون شاسع، والبُعد كبير، وأين الثَرى من الثُريا.
* أسبوع العناية بالمساجد تجربة رائعة بالمملكة العربية السعودية، فكيف يمكن تعميمه للعالم الإسلامي؟ وهل يكفي أسبوع واحد لتحقيق هذا الغرض؟
- إن أسبوع العناية بالمساجد تجربة رائدة في المملكة العربية السعودية، وهي حَرِيَّة بالتعميم في الأقطار الإسلامية، وقد كان من قرارات المجلس الأعلى العالمي للمساجد تخصيص الأسبوع الأخير من شهر رمضان في كل عام كأسبوع إسلامي لمؤازرة المسجد الأقصى، وقد استجابت لذلك بعض الدول الإسلامية، والمؤمل أن تنهض منظمة المؤتمر الإسلامي ووزراء خارجية الدول الإسلامية والأوقاف والشؤون الإسلامية بهذا الدور، وتؤكد على ضرورة تبني هذه التجربة الناجحة التي كان للمملكة فيها فضل السبق، وسواء أكان ذلك لمدة أسبوع أو شهر، فالمهم أن تنتشر هذه الفكرة، وأن تتبناها جميع الدول الإسلامية؛ لتأخذ طريقها إلى حيز الواقع والتنفيذ، فيظفر المسجد بالعناية اللائقة به، وتستفيد جماهير المسلمين من فعاليات هذه الأسابيع الإسلامية.
* خطبة الجمعة إحدى وسائل التأثير في الحياة الاجتماعية، فهل تؤدي خطبة الجمعة على المستوى العام هذا الهدف؟
- إن خطبة الجمعة هي الزاد الأسبوعي للمسلمين على مدار العام، حيث يتناول الخطيب فيها الإسلام بجوانبه المختلفة من عقيدة وشريعة وتفسير وحديث وفقه وأصول وسيرة وتاريخ وتربية وتوجيه وأخلاق وسلوك وجهاد ودعوة وثقافة وفكر، كما يبحث واقع المجتمعات الإسلامية والمسلمين في العالم، ويرشد إلى الطريق المستقيم الذي يجب أن تسلكه الأمة في طريقها إلى الله، مستهديًا بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، والخطباء يتفاوتون من حيث الكفاءة والقدرة والمادة العلمية والأسلوب الدعوي، كما يتفاوتون من حيث الالتزام ودرجاته، ولهذا فكلما كان الخطيب مستوفيًا للشروط الواجب توافرها في خطيب الجمعة، كان الأقدر على توجيه جماهير المسلمين وجمع كلمتهم على الحق والخير والهدى والرشاد.
ومن أهم ما يجب أن يتحلى ويتصف به خطيب الجمعة هو ما جاء في قرارات وتوصيات مؤتمر رسالة المسجد بمكة المكرمة
* المهمة الاجتماعية للمساجد أصيلة في أهدافها، فهل يؤدي المسجد المعاصر هذه المهمة؟
- كما قلنا من قبل، إن المسجد هو أهم شيء في حياة المسلمين، ودوره الاجتماعي والعلمي والتربوي بالغ الأثر في حياة الأمة ونهضتها ويقظتها، وإن الأجيال المسلمة الأولى التي نشرت الخير في الدنيا كلها إنما تخرجت في هذه المساجد.
والمسجد اليوم ينهض بهذا الدور والحمد لله، وإن كان ذلك يتفاوت من قطر إلى قطر، حيث في بعض الأقطار يُضيَّق على المساجد وتحصر دائرتها في الصلاة فقط، ثم تقفل بعدها، ويمنع ممارسة أي نشاط إسلامي فيها، سواء كان علميًا أو تربويًا أو دعويًا، أو توجيهيًا، بل يمنع الخطباء الأكفاء ويتصدر للخطابة أنصاف العلماء والمرتزقة من أبواق السلطة الذين يرددون كالببغاوات مقولات الطغاة من الحكام بالحق وبالباطل، فهم الإمعات الذين حذر منهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله: «لا يكن أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم».
وهؤلاء شرذمة قليلة في بعض الأقطار، ومنبوذة من جماهير المسلمين، ولا يسمع لكلامهم، ولا يؤبه لمواعظهم، أما الكثرة الكاثرة فهم العلماء العاملون والدعاة الصادقون من الشيب والشباب الذين عرفوا الحق، وعملوا به، ودعوا الناس إليه، فأحبهم الناس، والتفوا حولهم، واستجابوا لدعوتهم، وهم بحمد الله منتشرون في أنحاء العالم الإسلامي، وهم رواد الصحوة الإسلامية المباركة في عصرنا الحاضر والأمل المرجى لقيادة الأمة الإسلامية إلى طريق الله المستقيم، طريق الحق والخير والفلاح والنجاح.
* بما أن فضيلتكم الأمين العام المساعد لشؤون المساجد، تُرى ما دور الرابطة في هذا المجال؟ وما منجزات رابطة العالم الإسلامي في هذا المضمار؟
- إن دور رابطة العالم الإسلامي، وهي منظمة إسلامية شعبية عالمية، دور بارز، فهي من خلال أجهزتها المختلفة تولي المساجد جل عنايتها منذ تأسيس الرابطة، وإلى وقتنا الحاضر، بل إن المجلس الأعلى العالمي للمساجد من صميم اختصاصه وأهداف إنشائه هو العناية بالمساجد، وجميع ما يتصل بذلك عمارةً وإنشاءً ومساعدة ودعمًا وتوجيهًا وإرشادًا وتهيئة الدعاة والعلماء والخطباء والأئمة، وكل ذلك من خلال المساعدات المالية التي تقدم، ومعهد الأئمة الذي يخرج الدعاة والخطباء، والدورات التدريبية للأئمة والدعاة على مدار العام، حيث يتلقى الدعاة والأئمة في هذه الدورات المادة الثقافية العلمية التي يحتاجون إليها ووسائل الخطابة، وأساليب الدعوة الفردية والجماعية بالكلمة المسموعة والمقروءة والمشاهدة وكيفية عقد الندوات وإدارة الحوارات والردود على الأسئلة والاستفسارات وتفنيد الدعاوى والشبهات التي يثيرها أعداء الدين والمشككين في دعوة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقد كان لهذه الدورات أعظم الأثر وأطيبه وأعمقه وأنفعه، وأصبحت الطلبات تنهال على الرابطة بالإكثار منها وزيادة مخصصاتها، بحيث تعقد على مدار العام.
وفي الختام نسأل الله التوفيق والسداد لخير البلاد والعباد، والله ولي ذلك والقادر عليه.
ــــــــــ
جريدة الرابطة، العدد 325، 30 من شعبان 1412هـ - فبراير 1992م.
المصدر
- مقال: إحياء دور المسجد موقع عبدالله العقيل