أبو الحسن الندوي الداعية المفسر الأديب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فقد كان من اختصاصات العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني النَّدْوي رحمه الله تعالى العلمية والفكرية عنايته بالدراسات القرآنية تعليما وبحثا وكتابة، وقد شغل منصب رئيس قسم علوم القرآن خلال تدريسه في دار العلوم ندوة العلماء، وكتب بحوثا عن عدد من سور القرآن الكريم، نشر جانب منها في كتابه: " تأملات في التنزيل"
والف كتابا باسم: " المدخل إلى الدراسات القرآنية" ، وقد جاءت نتف علمية مفيدة لشرح آيات من القرآن الكريم في كثير من خطبه ومحاضراته الدعوية والفكرية التي ألقاها في مختلف المناسبات العلمية والدعوية في حياته، ظهرت فيها من استدلالاته العلمية والدعوية واستشهادا ته من آيات من كتاب الله العزيز مقدرة له علمية جليلة، وقد ساعده في هذه الاستدلالات ما كان يمتاز به من دقة الفهم البلاغي لقرآن الكريم.
وذلك لاختصاصه في الأدب العربي أيضا، وكان مدرسا له أيضا في زمن تدريسه في دار العلوم ندوة العلماء ومعنيا به. فقد ظهرت معرفته الواعية للأدب العربي وقدرته في الكتابة والخطابة في اللغة العربية طيلة حياته.
كان سماحته يستنبط من مختلف الآيات المشتملة على المعاني الدقيقة إشارات إلى شؤون تتصل بواقع الحياة الإنسانية المتطورة، وكان يستدل من بعض الآيات معاني يظهر أنها جديدة لطرافتها، كان يطبقها على أحوال من الحياة الراهنة، مع مراعاة لإطار المعاني المفهومة من الآية
وكان سماحته يستخدم صلاحيته هذه للتثقيف الإسلامي للذهن المسلم، ويستخدم ذلك في أعماله الدعوية والعلمية الإسلامية، وكان يشرح الفكر الإسلامي الذي كان من نتاج لمفكرين الإسلاميين غيضا شرحا يتفق مع مقتضيات العصر الراهن، وهو أمر لا يخفى على قراء كتاباته الفكرية الإسلامية.
وقد أشار إلى هذا المنهج في إحدى كتاباته بقوله
- يتجلى القرآن الكريم كتابا حيا غضا دائم النضارة والبقاء، لا تبلى جدته، ولا يؤثر عليه الماضي والحال، والقديم والجديد، إنه فوق التطورات وفوق الأحداث، وإنه ليخاطب كل فترة من فترات التاريخ، وكل مدنية من مدنيات الأرض، وإن دعوته حية تطرية، ورسالته غضة نضرة، إنه صورة البشر الناطقة، ومرآة الفطرة الإنسانية الوضيئة الصافية،
ولقد قال عنه مُنَـزِّلُه:
"ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون." "سورة الزمر:27"
ويكتب في موضع آخر:
- " إن من شروط الاستفادة من القرآن الكريم التدبر كذلك، وقد رغب القرآن الكريم فيه، وحث عليه في مواضع متعددة، ووصف به المؤمنين الذين يتلون كتاب الله بفهم وتفكير، ولا يخرون عليه صما وعميانا:
" والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا" "الفرقان:73"
- " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها". "محمد:24"
ولقد كان عكوف سماحته على التدبر في آيات القرآن الكريم واستلهامه منها هو الذي جعل اهتمامه في كتاباته ومحاضراته بالعمل الدعوي بصورة غالبة، وقد استلهم من القرآن الكريم الفكرة والمنهج في هذا المجال، إنه يرى كلام الله تعالى المجيد الأسوة والمثال لذلك، ويرى أن الدعوة هي أول موضوع من موضوعات القرآن الكريم،
يذكر ذلك في إحدى محاضراته في الدعوة:
- " إن القرآن هو كتاب هداية ودعوة قبل أن يكون كتاب أحكام وشريعة مع كل إجلالنا وتقديرنا للأحكام والشريعة إن الأحكام والشريعة لا غنى عنها، ولكن القضية قضية الأولية، قضية الطابع الغالب، قضية الغاية التي يدور حولها القرآن
- فأنا أتقد في ضوء دراستي القاصرة المحدودة أن القرآن هو كتاب هداية ودعوة، قبل أن يكون كتاب أحكام وشريعة، لأن الهداية هي الأساس للإيمان، والدعوة هي الأساس لنقل هذا الإيمان، فإذا كان هو الشأن، فلا شك في أن القرآن هو كتاب هداية ودعوة قبل أن يكون كتاب شئ آخر."
ويقول مضيفا إلى ذلك:
- " كان من إعجاز القرآن أنه لم يتعرض لأحكام تفصيلية في موضوع الدعوة، وإنما وكلها إلى العقل السليم، وإلى الذوق المستقيم، وإلى العقيدة الراسخة، والفكرة المتغلغلة في الأحشاء، ثم حاطها بسياج واسع، هو السياج الوحيد الذي يستطيع أن يحيط بالدعوة وهو قوله تعالى: أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هم أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين."
ِويقول في موضع آخر:
- " ولكن هنا عنصر ا آخر، استخدمه القرآن واعتمد عليه وهو من أهم العناصر ومن أكبرها تأثيرا ووقعا في النفس وإعانة على أداء هذه المهمة، وذلك العنصر هو الأمثلة العمتلية والنماذج الشخصية."
ويقول:
- " فإن النماذج لها من التأثير ما لا يكون لأي عنصر آخر، لا للعناصر المنطقية، ولا للعناصر الكلامية الجدلية، ولا للعناصر النفسية، فكل الصحف السماوية من أولهتا إلى آخرها اعتمدت على النماذج العملية، وهي قطع بديعة تستهوي النفوس، من سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام".
فلقد اتبع سماحته هذا المنهنتج المقتبس من القرآن الكريم، وكان يسعى بالسير عليه.، وكانت محاضراته وكتاباته تتسم بتلك السمة الرائعة المؤثرة، وبذلك أدى دورا مفيدا في مجال الدعوة والتثقيف الإسلامي السديد لقرائه ومستمعيه.
ولما توفي رحمه الله تعالى كتب وألف حول شخصيته العلمية عدد من الدارسين لنواحي شخصيته من المحبين له والمقدرين لمكانته العلمية، بحوثا ذكر من ذكر منهم امتيازه واختصاصه في علم التفسير، ومن هذه البحوث بحث باسم: " منهج الشيخ أبي الحسن النَّدْوي في التفسير" للدكتور مصطفى مسلم محمدح؛
وبحث باسم: " من إسهامات الشيخ أبي الحسن النَّدْوي في دراسات إعجاز القرآن الكريم" للدكتور محمد حسن باجودة، وبالنسبة إلى هذين البحثين أراد العزيز الفاضل الشيخ محمد سعيد مرتضى النَّدْوي المدرس في كلية إسلامية في الرياض أن يجمعهما بصورة خاصة في كتاب ليستفيد بهما الدارسون في علوم القرآن الكريم، وفي مزية العلامة الشيخ أبي الحسن على الحسني النَّدْوي رحمه الله تعالى فيها.
فإن البحثين المذكورين يساعدان في معرفة ميزة العلاقة الشيخ النَّدْوي العلمية، ويفيدان في معرفة طرق الاستفادة من القرآن الكريم، ومعرفة جوانب من إعجازه في إطار التأثير البلاغي والعلمي للقرآن الكريم.
وإني أعد هذا العمل من العزيز الشيخ سعيد النَّدْوي عملا مفيدا، فإنه مع كونه من تلاميذ العلامة النَّدْوي المطلعين تعلى مكانته العلمية أحد الدارسين في علم التفسير، فقد قدم بحثا حول كتب التفسير في الهند في فترة معينتة من الزمن، نال عليه درجة الماجستير من جامعة محمد بن سعود الإسلامية الرياض.
تقبل الله منه هذا العمل ونفع به الدارسين في جوانب من علم التفسير، وأدعو الله تعالى أن تقديمه لمجموع البحثين هذا يكون نافعا من جهة إيضاح اختصاص العلامة النَّدْوي في علم التفسير، ومن جهة الاستفادة من منهجه العلمي في علم التفسير، جزاه الله خير الجزاء على هذا العمل الكريم..
المراجع
- المدخل إلى الدراسات القرآنية للشيخ الندوي 27
- نفس المصدر:121
- روائع من أدب الدعوة للشيخ الندوي ص 12
- المصدر السابق ص 14-15
المصدر
- مقال: أبو الحسن الندوي الداعية المفسر الأديب موقع منتديات مكتبتنا العربية